دعونا نقرأ (يو 14 : 16 ، 17)
"وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم الي الأبد ، روح الحق ..... وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" .
أريد أن أتكلم عن قوة وحضور روح الله ، وكيف لهذا المصدر العظيم والأقنوم الإلهي الذي يسكن فينا قادراً وراغباً لمساعدتنا في طريقنا المسيحي .
فنحن قد بوركنا بإمدادات عجيبة وعديدة من الله لمساعدتنا في طريقنا خلال هذا العالم (2بط 1 : 3) "وهب لنا كل ما هو للحياة والتقوي" ، ولكن الأعظم من كل هذا عطية وسكني وقوة الروح القدس وحضوره .
فيوحنا (14 : 16) يحدثنا عن مجئ الروح ، فعندما أراد الرب يسوع أن يعود الي السماء أعلن لتلاميذه مجئ روح الله "كالمعزي" فهو يخبرهم بأن الروح سيكون معهم بطريقتين ، فهو سيمكث معهم ، ويكون فيهم ، وتلك هما الطريقتين اللتان بهما يستوطن الروح علي الأرض اليوم ، وأرغب في التحدث عن الأمر الاخير ، أي حضور الروح في المؤمن ، وكيف أنه قادراً وراغباً في مساعدتنا في الطريق المسيحي فدعونا نري بعض الاعمال لسكني روح الله ، ونري كيفية عمله لأجل خيرنا وبركتنا ، وأريد أن أتحدث عن خمس أشياء مختلفة للروح القدس سيعملها لأجل معونتنا كي نحيا لأجل مجد الله .
الخــتــم بالـــــروح
نقرأ أولاً (أف 1 : 13) "الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس" هذا الفصل من الكتاب يخبرنا بأن الروح يأتي أولاً ليسكن في الشخص عندما يؤمن بإنجيل خلاصه ، فإذا لم تؤمن بالرب يسوع المسيح وتؤمن بعمله الكامل علي الصليب ، فأنت لم تخلص ولم تحصل علي هذه العطية من الله ، وعلي أي حال بمجرد أن الشخص يؤمن بإنجيل خلاصه فإن روح الله يأتي ليختم ذلك الشخص ويسكن فيه من تلك اللحظة فصاعداً .
ويوجد الكثير من الافكار المشوشة حول كيفية قبول روح الله ، فالبعض يعتقدون انهم يجب أن يجتمعوا معاً لأجل الصلاة والصراخ الي الله كي يعطيهم روحه ، فهم يصرخون بنوع من الجنون الساخن ! ، ولكن دعني أخبرك بأن تلك ليست هي الطريقة التي بها ننال روح الله ، لأن الكتاب واضح في هذه النقطة قائلاً بأن الروح يتم نواله بالإيمان بانجيل خلاصنا ، لأن قبول الروح لا نناله بالتوسل والصراخ الي الله ، كلا ، بل نحن قبلنا الروح القدس كختم والمؤمن يسكن فيه الروح منذ لحظة خلاصه .
وهنا نجد العمل الأول والأعظم لروح الله وهو إتيانه ليسكن في المؤمن ، أي ليختم المؤمن ، فختم الروح هو الواسطة التي بها ينال المؤمن يقين خلاصه ، "إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس"فهذا هو العمل الأول لروح الله في المؤمن ، وأنا أثق أن كل واحد منا قد سمع بشارة الإنجيل وآمن بها ، فأنت تعلم ان يسوع المسيح مات لأجلك علي الصليب ، وقد حمل خطاياك وطرحها بعيداً ، وقد علمت أن خطاياك قد غفرت ، فالشئ الأول الذي يرغب الروح ان يصنعه معك وفي نفسك هو اعطائك اليقين بأنك قد خلصت . وبالتالي فإن الروح القدس يسكن في كل مؤمن ، وسكني الروح القدس لا يكن مصحوباً عادة برعد أو مشاعر دافئة كما يتصور البعض ، ولكنه حدث صامت يحدث عندما نقبل الرب يسوع كمخلصنا ، وقوة وحضور الروح القدس الساكن في أجسادنا يظهر في إعانتنا وقيادتنا وتعزياتنا خلال الطريق المسيحي .
ومن الجائز ان المؤمن يفقد بهجة خلاصه (مز 51 : 12) ، ولكنه لا يفقد معرفة الحقيقة بأنه خلص ، ودعني اسألك (هل عندك اليقين المبارك في نفسك بأنك تخص الرب يسوع ؟ ، وهل تعلم بلا أي شك بأنك مطمئن من جهة أبديتك ؟ ، لأن دم الرب يسوع قد رش عليك ؟ ، إن هذا يأتي من خلال الإيمان بانجيل خلاصنا ، وأننا قد استرحنا علي عمل المسيح الكامل علي الصليب ، وبالتالي قد أتي روح الله ليسكن فيَََّ ، وأنا الآن متمتع بتلك السكني المباركة .
عــربـــون الــــــــروح
دعونا نري شيئاً آخر يسمي عربون الروح كما في (أف 1 : 14) يقول "الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتني لمدح مجده" وهذا هو العمل الثاني وهو سكني الروح القدس كالعربون ، فلكي يعطي المؤمن ان يتذوق السماء من هنا ، أي أنه يذوق النصيب الذي له في المسيح ، فالختم يعطيني أن أعلم أنني أخصه ، إنني أنتمي إليه ، ولكن العربون يعطيني أن أعلم أن لي ميراث ، فهناك ثمة أشياء تخصني .
واليوم عندما تشتري شئ ما ، فالبائع يطلب منك أن تدفع جزء من الثمن يسمي (عربون) ، أي جزء من المبلغ مقدماً يبيِّن جدية الشراء عندك ، وأنك سوف لا تتراجع في شراء هذا الشئ ، وكذلك الروح القدس قد أُعطي لنا كالعربون ، أي دليل علي أن النية كاملة في إتمام العمل في وقته ، حتي يأتي المسيح ويأخذنا إليه للمجد ، إن عمل الروح فينا أن يشغلنا بنصيبنا في المسيح ، يهبنا أن نعرف أي غني مبارك ذاك الذي من نصيبنا ، ويضع أمامنا تلك البركات التي لنا حتي يمكننا أن نتمتع بنصيبنا في المسيح الآن قبل الذهاب الي هناك .
فياله من امتياز وبركة أن يكون لنا سكني الروح القدس فينا ! ، إنه يمنحنا أن نتمتع بالأرض التي نحن مزمعين أن نذهب اليها قبل الوجود هناك فعلاً ! إنه يأخذ مما للمسيح ويخبرنا اثناء وجودنا في هذا العالم ، فهو يعطينا ان نتذوق السماء ، وقد أعطي مستر باركر ايضاحاً جميلاً لعمل الروح ، فهو قد خطط لرحلة بحرية ووعد أن يأخذ ابنه معه في تلك الرحلة ، ولأجل متعة الابن اشتري له تليسكوب صغير ، ليس لعبة اطفال ، ولكن آلة تليسكوب حقيقية ، وعندما أوشكت الرحلة علي النهاية ، صار قول إن الأرض علي مرأي من البصر ، وقد قال إنني لا أقدر علي رؤية أي شئ ، ولكن الابن استطاع عن طريق التليسكوب ان يري التلال بوضوح تام ، والأب ايضاً بواسطة التليسكوب استطاع أن يري تلك التلال ، ولكن الابن صاح قائلاً ، يا أبتي إنني استطيع رؤية المنازل والناس يمشون علي الرصيف أيضاً ! ، فالتليسكوب اعطاه رؤية واضحة للأرض التي هم ذاهبون إليها ، ومكنهم من رؤية لمحات للأرض التي لم يصلوا إليها بعد ، وهذا ما يفعله معنا الروح القدس كالعربون . إنه يستحضرنا الي ساحة التمتع الحاضر بالأشياء التي تمثل ميراثنا الأبدي.
وچورچ كتنج أيضاً قد اعطي ايضاحاً "للعربون" ، فقد حدثنا عن مزارع اشتري بعض القطيع من الغنم من السوق ، واستحضرهم إليه واعطاهم للمسئول عن المزرعة لكي يضعهم في الزريبه ويضعهم أمام الشونة ، وقال له اذهب التقط من الحقل بعض البرسيم وضعه قدامهم في الشونة لكي يأكلوا ويستمتعوا ، وبعد ذلك قال وفي الصباح سوف نحلهم ونرسلهم الي الحقل لكي يستمتعوا بالكل ، وهذا ايضاح جميل عما يفعله الروح لأجلنا الآن ، ففي الصباح (عندما يأتي الرب) نحن مزمعين ان نطلق أحراراً الي نصيبنا لأجل الحالة المجيدة ، فالآن يأخذ الروح "الشمائل" (راعوث 2 : 16) أي الأشياء التي للمسيح ويعطيها لنا لكي نطعم عليها اثناء وجودنا هنا علي الأرض .
فيا تري ماذا نعلم عن الغني المبارك الذي لنا ؟ وأنا أؤمن إذا كنا حقيقة نتناول من ذلك الطعام سوف لا نسعي لنجد شبعنا وسرورنا في أشياء هذا العالم .
مسـحـة الــــــروح
دعونا نري عمل آخر لسكني الروح أنه "المسحة" (1يو 2 : 18 - 21 ، 24 - 27) ، يقول "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ"
نجد هنا المسحة التي هي من روح الله ، وفكر مسحة الروح يعطينا الإدراك لأجل الطريق والقوة أيضاً .
وهنا في (1يو 2) بداية من عدد (18) متحدثاً عن الاطفال في العائلة وبما أن الخطر اعظم بالنسبة للمؤمنين الاحداث فيخبرهم بثلاثة أشياء :
أولاً : أنها الآن "الساعة الاخيرة" للخراب في الشهادة المسيحية ، وهو يشير هنا انه يوجد فشل زريع في الشهادة ، ويوجد معلمين أشرار كثيرين خرجوا عن تعليم الرسل ويريدون أن يضلوا لو أمكن المؤمنين ، فكم يجب علي المؤمن ان يتحذر!
ثانياً : يخبرهم بأنهم "يعلمون كل شئ" فيحدثهم بأن لهم مسحة روح الله ، وبالتالي فهم ليسوا محتاجين لأحد أن يعلمهم لأن الروح ساكن فيهم ويعطيهم أن يميزوا الحق من الخطأ .
إن سعة روح الله هو أن يعلمنا الحق ، وهذا ليس معناه ان الاطفال في المسيح يعرفون كل تعاليم المسيحية (ولو كان الامر هكذا لكان يحدثهم علي أنهم معلمين في الكنيسة) كلا ، فهم لا يعرفون كل الكتب جيداً ، ولذلك لا يقول لهم (امتحنوا هؤلاء المعلمين الكذبة بواسطة كلمة الله) ، لأنهم لم يكن لهم التعليم الصحيح للحق بعد لكونهم اطفال ، ولكن بالأحري يقول لهم أن لديهم روح الله الساكن فيهم ليعطيهم السعة لكي يميزوا الحق من الخطأ عندما يقدم لهم ، ولذا عندما أتي المعلمين الكذبة إليهم وقدموا تعاليمهم الزائفة فكانت لهم القدرة علي التمييز إذا كانت هذه التعاليم صحيحة أم لا ، وأنا نفسي رأيت أمثلة لمؤمنين أحداث لديهم هذا التمييز عندما أتي إليهم معلمين كذبة الي الباب وكانت الاجابة من أحدهم (أنا لا اعتقد ان هذا صحيح ، وانا لا أعرف أن أخرج لك آية من الكتاب تؤيد ذلك ولكن لدي الإحساس أن ما يقال ليس من الله) ، ان هذا ليس صوت الراعي الصحيح ، وبالتالي يوحنا يقول أن الروح الساكن فيكم سيعطيكم ان تعرفوا تلك الأشياء .
ثالثاً : يخبرهم "بالذي سمعوه من البدء" في عدد (24) ، وبعد ذلك يقول في عدد (27) "تثبتون فيه" أي في الراعي ، وهو سيحفظهم في شركة معه ، لأنه يوجد شباب كثيرين كما يوجد المتقدمين في السن عرضه للضلال ، فليس الضمان أن روح الله يسكن فينا فقط لئلا نميل وراء الذين يريدون أن يضلونا ، ولكننا نحتاج الي الشركة اليومية مع الرب المبارك نفسه ، وبهذا فقط نكون في حالة صحيحة .
ولا يجب أن ننظر الي تلك الاعداد ونعتقد أننا لسنا في حاجة الي المواهب التي اعطاها الله للكنيسة ، فهناك أناس أقامهم الرب لأجل تعليمنا ومعونتنا في الطريق ، وربما البعض يقول : (طالما لي الروح القدس ، فكل ما احتاجه فقط هو الكتب المقدسة ، لأن الروح سيعلمني ، ولست بحاجة الي كتب الخدام ، فلا احتاج ان أعرف ماذا قال هولاء المعلمين عن الكتب) ، أريد أن أحذر كل واحد منا أن هذا ليس اتجاه حسن أن نتبعه ! ، فإذا كان الله قد أقام معلمين لكي يعلموننا الحق خلال طريقنا فنحتاج ان نستفيد منهم ، ولهذا السبب نأتي الي الاجتماعات لسماع شرح الكلمة ، إني لست أقلل من قوة الروح لأجل تعليمنا ، ولكن الله اعطانا تلك المواهب إما بصورة مكتوبة ، أو خدمة من خلال أشرطة أو من خلال اجتماعك ، فإذا طرحنا هذه الامدادات والخدمات جانباً نظراً لعذرنا بالكسل ، فالله لا يمكن أن يبارك ذلك ! ، ولذا فرغبتي أن أبعد عن الأذهان فكرة أن عدد (27) مقصود به أن لنا الروح ، وبالتالي فنحن في غير احتياج لأن يعلمنا أحد . فالمقصود من عدد (27) أنه عندما يقدم لنا تعليم خاطئ فكل مؤمن لديه القدرة نتيجة سكني الروح القدس فيه أن يميز بين الخطأ والصحيح ، لأننا لدينا الإحساس في أنفسنا بصوت الراعي ، وهذا اذا كنا نسير في شركة مستمرة معه .
نــامــوس الـــروح
نأتي الي رومية (8 : 1 ، 2) "إذاً لا شئ من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع ... لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية والموت" وهذه وظيفة اخري لسكني الروح القدس .
لاحظ أن (السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح) غير موجودة في الأصل ، لأن هذا العدد يتحدث عن مقامنا في المسيح وليس عن حالتنا الحاضرة ، ولكن تلك الكلمات تظهر في نهاية عدد (4) حيث يقول "السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" وهنا يشير الي حالتنا المتغيرة والتي تعتمد علي سلوكنا ، ولكن مقامنا في عدد (١) لا يمكن أن يتغير ، فإن العدد الأول يقول بوضوح أننا أي المؤمنين (في المسيح) ، أنه تعبير يستخدم بواسطة بولس في رسائله لكي يبين مركز المؤمن المقبول أمام الله ، لكي يكون (في المسيح) أي أن يكون المؤمن في نفس مكان المسيح قدام الله ، أنه المركز أو المقام لكل مؤمن مسيحي ، لأن المؤمن يشغل نفس مكان القبول أمام الله ! فإذا كنت أبناً لله ، أي مسيحي فأنت في المسيح قدام الله ، ان هذا لا يظهر ماذا نحن ، ولكن بالأحري أين نحن ، نحن في مكان المسيح امام الله "في المسيح" يظهر مركز القبول لكل مسيحي ، سواء حالته كانت جيدة أم سيئة ، وكل منا له نفس المقام قدام الله بكونه "في المسيح" .
إن الموضوع هنا في هذا الأصحاح هو العتق من الخطية ، من عمل طبيعة الخطية الساكنة فينا ، ولكن بولس يبدأ حديثه عن العتق بالكلام عن قبول المؤمن (عدد ١) ، وهو يفعل ذلك لكي يبين كيفية قبول روح الله (الذي يعمل لأجل عتقنا) ، ففي اللحظة التي يري فيها المؤمن مكانه في المسيح يأتي روح الله ليسكن فيه ، فعدد (١) يحدثنا عن القبول وعدد (٢) عن العتق .
فنري هنا وظيفة أخري لروح الله في المؤمن ، أنه يقدم هنا كناموس روح الحياة ، إن روح الله ساكناً فينا ليس فقط ليعطي يقين الخلاص ، وهو عربون البركات السماوية ، وأيضاً يجعلنا نميز التعليم لأجل الطريق ههنا لكي لا نتعثر عن طريق هؤلاء الذين يريدون أن يجعلونا نضل عن الطريق بعيداً ، فهو هنا أيضاً ليعطينا قوة لأجل السلوك ، وأن نحيا لأجل مجد المسيح كناموس روح الحياة ، فهو يمدنا بتلك القوة ، قوة روح الله في المؤمن هي التي تعتقه من أعمال الطبيعة الساقطة (الجسد) ، والتي هي موجودة في كل إنسان في هذا العالم ، فالطبيعة الساقطة ترغب دائماً في فعل ارادتها والتي هي خطية ، ولكن روح الله هنا لكي ينتصر علي تلك الاعمال والرغبات لكي نحيا حياة مقدسة لأجل الله ، والحقيقة الهامة أنه لا أحد يتحرر من سكني طبيعة الخطية اثناء وجوده في هذا العالم ، ولكن يمكننا التحرر من قوتها وسلطانها فهذا ما نعرفه ونختبره من خلال العيشة بحسب المبادئ الكتابية .
ولذا فيحدثنا الرسول هنا عن كيفية العتق العظيم والقوة التي بها يمكننا ان نحيا في هذا العالم ، فهو يبتدئ بالأعداد (1 ، 2) من رومية (8) ويقدم لنا مقام المؤمن وحالته ، ويُذكَر الروح في هذا الأصحاح مراراً وتكراراً ، فهو يعطينا كل ما نحتاج إليه لإجل الطريق ، فهو يدير حياتنا ويعزينا ويقودنا ...الخ ، فهذا الأصحاح هو مقال مجيد عن روح الله ، فالروح لا يذكر في أصحاح (٧) من رومية ، ولكنك تري هناك نفس تصارع مع طبيعة الخطية ، ولكن عندما تأتي الي أصحاح (٨) تري ذكر الروح القدس مرات عديدة آخذاً مكانه في حياة المؤمن وبالتالي ليس هناك صراع .
والروح الآن يُري هنا لكي يعطي القوة والتحرر من ناموس الخطية والموت ، وناموس الخطية والموت يعمل في الطبيعة العتيقة (الجسد) الذي يرغب أن يتمم رغباته لكي يحيا لأجل الخطية والنتيجة الحتمية لذلك هي الموت ، ولذا يأتي الله إلي المؤمن بهذا المبدأ العظيم والجديد الذي يسمي "ناموس روح الحياة في المسيح يسوع" لكي يساعده أن يحيا لا كعبد لأجل تنفيذ ميول طبيعة الخطية الساقطة ، ففي عدد (٣) نري موت المسيح مطبقاً علي طبيعة الخطية نفسها - والتي هي الخطية فعندما نجد ذكر كلمة الخطية في كتابات بولس فيقصد بها طبيعة الخطية - التي لنا جميعاً ، بكل ميولها ورغباتها وشهواتها بحسب الخطية ، وعندما نجد كلمة خطايا فإنه يشير بذلك الي ثمر الطبيعة العتيقة ، أي الاعمال التي تنتجها ، فكيف يمكن للمؤمن أن يحيا بحسب ميول طبيعة الخطية ، ويحيا في نفس الوقت حياة مقدسة لأجل مجد الله ؟! فالله قد اعطانا هذه القوة من خلال سكني وحضور روح الله فينا ونشكره لأجل ذلك .
ولأجل زيادة ايضاح تلك النقطة نأخذ قانون الجاذبية الأرضية ، فكل شئ ينجذب ناحية مركز الأرض بقوة غير منظورة تسمي قوة الجاذبية الأرضية ، إنها تحدث في كل الأرض أنها قوة كونية تدعي قانون الجاذبية ، أو مبدأ الجاذبية ، فخذ بذراعك أي شئ صلب واتركه ، فماذا يحدث ؟ يسقط علي الأرض ، فدائماً يسقط إلي الأرض ، ومهما كررت المحاولة فسيحدث نفس الشئ ، إنها مبدأ كوني ، ولا شئ يمكن أن يغير هذا الامر ، وفيما يختص بموضوعنا الذي هو طبيعة الخطية "ناموس الخطية والموت" ، فهو أيضاً مبدأ كوني ، ينطبق علي كل كائن بشري حي علي هذا الكوكب ، فإن طبيعة الخطية تتجه باستمرار ناحية الخطية .
وافترض أننا أردنا أن نغير هذا الامر ، فإذا أردنا أن لا ندع الكتاب يسقط علي الأرض تحت قوة الجاذبية ، فنربط في الكتاب بعض البالونات المليئة بغاز الهيليوم (وهو أخف من الهواء) ، وتكون البالونات كافية لرفع وزن الكتاب أي قوتها اكبر من وزن الكتاب ، فماذا سيحدث لهذا الكتاب ؟ سيبدأ في الارتفاع بدلاً من سقوطه علي الأرض ، ولماذا حدث ذلك ؟ هل لأن الجاذبية بطلت أم لأنها لا تعمل ؟ كلا أنها لازالت كما هي موجودة ، لكننا استحضرنا قوة أخري أو مبدأ آخر أعظم لأجل رفع ذلك الكتاب ، أي مبدأ أقوي من الجاذبية ، والنتيجة أن الكتاب لم يعد يسقط ولكنه ارتفع تحت تأثير الهيليوم .
وهذا يوضح ما قد فعله الله مع المؤمن ، فإن الطبيعة الساقطة لا تُمحي عندما يخلص المؤمن ، لأن الله قصد أن يتركنا في هذا العالم مع وجود تلك الطبيعة الساقطة فينا (لأن حالة قلوبنا تُمتحَن باستمرار بواسطتها) لكنه قد جهز لنا الإمداد الكامل لكي نحيا فوق قوة الشر "روح الحياة في المسيح يسوع" مثل الهليوم ، فقد أُستحضِر إلي حياتنا الذي يتغلب علي طبيعة الخطية التي فينا وبالتالي نستطيع أن نحيا متحررين من أفعالها وهذا هو العتق .
فإن عدد (٣) من رومية (٨) أظهر لنا أن الله لم يعد يبحث عن أي شئ صالح في الطبيعة الساقطة لأنها قد امتحنت وهي ليست لديها القدرة علي فعل الخير ، وبالتالي قد أدانها بموت المسيح ، وهذا يعلمنا أننا بالمثل لا يجب أن نبحث عن أي شئ صالح في الطبيعة الساقطة ، ولذا لا يجب أن نندهش أو نحبط عندما تظهر الطبيعة الساقطة نفسها وتطفو علي السطح ، بل نحتاج أن نفهم أن الله تعامل معها قضائياً علي الصليب ، ولم يعد يبحث عن أي شئ من الجسد بل قد اعطانا روح الله والروح هو الذي سيعطينا القوة أن نسلك في الحياة المقدسة .
ثــمــر الـــــروح
نقرأ (غل 5 : 22-25) عن أحد الأشياء الآخري العظيمة لسكني الروح في داخلنا "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف ، ضد أمثال هذه ليس ناموس ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات ، إن كنا نعيش بالروح فلنسلك بحسب الروح" .
أيضاً نقرأ (2كو 3 : 17 ، 18) "وأما الرب فهو الروح ، وحيث روح الرب هناك حرية ، ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف (كما في مرآة) نتغير الي تلك الصورة عينها من مجد الي مجد كما من الرب الروح" .
إن روح الله يسكن في المؤمن لكي ينتج ثمر في حياته ، ولاحظ كلمة (ثمر) وليس ثمار بالرغم من أنهم تسع اجزاء مختلفة منه ، إلا أنه ثمر واحد ، إن ما يرغب الروح أن يفعله في قلبك وقلبي أن يجعلنا اكثر تشبهاً بالمسيح أدبياً (أي يجعلنا مثل المسيح) فالتسع قطع من "ثمر الروح" تلك هي سمات المسيح ، أي ظهور طبيعته في القديسين ، وكيف يحدث ذلك ؟ إن الروح القدس يكتب المسيح علي "ألواح قلوبنا اللحمية" كما في (2كو 3 : 3) ، وكما أن المسيح قد رُسِم علي قلوبنا نصير أكثر تشبهاً به ، وهذا سيظهر جلياً في حياتنا .
والآن نريد أن نعي ما يقوله الرسول في عدد (٧) من ٢كو٣ ، وهو أن الرب هو "الروح" لكل أسفار العهد القديم ، أي أنه هو الجوهر لكل ما كُتب فيها ، أن كلمة "روح" تستخدم في مكان آخر بنفس الطريقة ، انظر (رؤ 19 : 10) "إن شهادة يسوع هي روح النبوة" ، وبأي طريقة عندما نتناول اسفار العهد القديم فمن الضروري ان نري المسيح هناك ، لأن الله عندما كتب تلك الاسفار كان المسيح قدامه ، فإذا أردنا أن نقرأ كتب العهد القديم ونُطعَم عليها فيجب ان يكون المسيح قدامنا أيضاً (قارن يو 5 : 39) ، فعندما كان بولس متكلماً عن قراءة كتب العهد القديم في عدد (14) وقائلاً أن الرب هو الروح لكل ما كتب في الاسفار القديمة ، ولكن الآن يقول "حيث روح الرب هناك حرية" ونحن كمؤمنين الآن في المسيحية لنا سكني الروح ، وهذا يهبنا حرية لكي ننظر الي وجه الرب يسوع المسيح حيث هو الآن في المجد ، واثناء انشغالنا بالمسيح وبمكانتنا فيه ، نجد في عدد (18) يخبرنا أن الروح عاملاً فينا بعمل صامت ، لكي يكتب المسيح علي قلوبنا ، وبهذا نتحول الي نفس صورته ، وبكلمات أخري نكون مثل المسيح من الناحية الأدبية ، ويضيف بولس "من مجد الي مجد" وهذا يعني أن هذا العمل يتم بالتدريج وقتياً وخطوة بخطوة نصير مثله ، وهذا هو التحول الأدبي مثل المسيح الذي ينتجه فينا الروح القدس ، ففي اثناء نمونا وتقدمنا في حياتنا المسيحية سنصبح مثل المسيح أكثر ! .
فتلك هي وظيفة أخري عظيمة لروح الله ، إذ يجعلنا نكون مثل المسيح ابن الله أدبياً ، لأنه قيل أن الله أحب أبنه كثيراً جداً ، ولذا قصد أن يملأ السماء بابناء كثيرين مثل ابنه (عب 2 : 10) إذاً علي قدر مشغوليتنا بابن الله يغيرنا الروح القدس علي نفس صورته .
وبالتالي قد رأينا خمسة أشياء يعملها معنا روح الله بسكناه فينا وهي :
١ - يعطينا اليقين بخلاصنا
٢ - يجعلنا نعرف ونتمتع ببركاتنا
٣ - يعطينا الادراك والتمييز لأجل الطريق
٤ - يهبنا قوة لكي نحيا الحياة المقدسة لأجل مجد الله
٥ - يُغيِّرنا الي نفس صورة الرب نفسه
المـلء بالـــــروح
دعونا نتأمل فيما يعني الملء بالروح ، السؤال الذي يتبادر الي الذهن ، إذا كان الحال هكذا ، فلماذا أجد أن المسيح ليس له إلا القليل فيَّ ؟ ، ولماذا أتمتع قليلاً جداً بالبركات التي لي ؟ ولماذا أجد قوة قليلة لأحيا حياة مقدسة للمسيح ؟ تلك الأسئلة هي التي أود أن نتأملها معاً .
دعونا نقرأ (أف 5 : 18 - 21) "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب ... خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله" .
هنا يجب أن نجاوب عن تلك الأسئلة ، فنحن في حاجة الي الملء بالروح القدس ! ، فليس كافياً ان يكون الروح ساكناً فينا ، بل بالأحري نحتاج الي أن نكون ممتلئين بالروح ، فليس هناك تحريض في الكتاب يحرضنا عن وجوب سكني الروح القدس فينا (لأن الله يعطينا الروح القدس بالإيمان بإنجيل خلاصنا كما غطينا هذا الموضوع سابقاً) ولكن بالأحري يوجد التحريض الكتابي بأن نمتلئ بالروح ، وهذا امر مختلف تماماً ، فمن الحسن أن نمتلك روح الله فينا ، ولكن شئ آخر أن يمتلكنا روح الله ! ، أي أن تكون للروح القدس القيادة علي كل جزء في حياتنا وهذا ما يعنيه الامتلاء بالروح ، أي أن يدير الروح ويتحكم في كل جزء من مساحة حياتنا .
أحياناً نسمع عن امر اعطاء الرب كل جزء في حياتنا ، فالبعض يعطون الرب اجزاء كثيرة في الحياة ويحتفظون لأنفسهم ببعض الجوانب لأجل ارادتهم الذاتية ، وأقل شئ نحتفظ به لأنفسنا يمنعنا من التقدم والنمو الروحي ، وهذا ممكن أن يكون بالنسبة للبعض ، ولكننا نحيا في أيام نجد فيها المؤمنين يحيون كل حياتهم لأجل الذات ، والقليل جداً لأجل المسيح ، إن حياتنا غالباً ما تمتلئ باهتماماتنا الخاصة وطموحاتنا ، وهذا بالطبع يعوق روح الله من العمل فينا (وبالتالي لا نجد الفائدة من الأمور المباركة التي يجب أن نعتبرها) ، ولهذا فإننا بحاجة الي الامتلاء بالروح القدس .
وأود أن أعطي ايضاحاً لهذا . في ألمانيا منذ عدة سنوات كان هناك أرغون فخم جداً موضوع في كاتدرائية عظيمة وضخمة ، وفي أحد الايام جاء زائر إلي الكاتدرائية وطلب أن يعزف علي هذا الأرغون ، وقال له الشخص المسئول ، بأنه غير مسموح للغرباء بأن يعزفوا علي تلك الآلة ، ولكن الزائر أصرَّ علي ذلك ، وأخيراً سمح له المسئول أن يجلس علي الارغون ، وللتو خرجت أعذب الألحان الموسيقية من الارغون وملأت الكاتدرائية الموسيقي الشجية والنغمات الرقيقة ، واندهش المسئول جداً من الموسيقي الجميلة ، وبعدها قام الزائر وكان علي وشك الخروج ، فأسرع المسئول وراءه وسأله من أنت ؟ فأجاب "مندلسون" أنه الملحن العظيم بنفسه ، ! ، ومن ثم قال المسئول : كيف أني رفضتك أن تعذف وأنت الملحن العظيم والقدير بل أشهر ملحن في أوروبا ، إنني اخجل من نفسي لأن منعتك من العذف .
وأريد أن أفكر في هذه القصة بما يختص بحضور روح الله في داخلنا ، وهو الأعظم من أي ملحن مشهور ، إنه الاقنوم الإلهي ، روح الله الذي دخل إلي قلوبنا لأننا قد خلصنا ، وختمنا وسكن فينا عندما آمنا بالإنجيل ، ولكن هل نفعل مثل الشخص المسئول عن الاورجون ونرفض أن نجعل الملحن العظيم يقود حياتنا لكي يعزف أحد أجمل الألحان في حياتنا لمجد الله ؟ ، فإذا كنا أمناء سنعترف بأننا لم نعطي الروح القدس الفرصة لكي يملأ حياتنا بما يمجد الله ، وبما فيه بركتنا ، فياليتنا نسلم حياتنا للرب ونمتلئ بالروح القدس ، وندع الرب يأخذ مكانته الصحيحة في حياتنا ، فهو يريد أن يملئ قلوبنا بالأشياء التي للمسيح ويصيِّرنا مؤمنين أكثر سعادة ورضا في هذا العالم .
ولقد لاحظت من سفر الأعمال (ص 2) ان ملئ الروح مرتبط بالشركة ، وفي (ص٤) مرتبط بالصلاة وكلمة الله ، وفي (ص 7) نراه يرتبط بالشهادة للمسيح ، وفي (ص11) يرتبط بخدمة احتياجات القديسين ، وفي (أف ٥) نري ملئ الروح مرتبط بالتسبيح والترتيل الذي في القلب .
دعونا نعود إلي رومية (٨) ، لأنني أريد أن أشير الي كيفية مسئوليتنا بأن ندع روح الله يعمل عمله فينا ويملأنا (رو 8 : 13) "لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ، ولكن إن كنتم بالروح تميتون اعمال الجسد فستحيون ..." ما يريد الرسول أن يوضحه هنا يقودنا الي عدد (13) الذي هو الطريق إلي العتق العملي للمؤمنين ، كون الروح القدس يكون فينا كقوة لأجل العتق شئ ، وكونه يعمل فينا لأجل تعضيدنا في حياتنا شئ آخر تماماً .
وما يضعه الرسول أمامنا في الأعداد (5 - 11) دائرتين ، دائرة الأشياء التي تخص الجسد ودائرة الأشياء التي تخص الروح ، فالامور الخاصة بالروح هي التي يتحدث عنها الرسول بشكل عام بدون اعطاء تفاصيل ، إنها الأشياء التي هي اهتمامات المسيح في هذا العالم ، فمن الممكن ان تكون دراسة الأسفار المقدسة ، التسبيح ، والترنم في قلوبنا ، الذهاب الي اجتماعات الكتاب المقدس ، أو اجتماعات الصلاة أو كتابة الخطابات الي المؤمنين ، زيارة الشعب لأجل كلمة تشجيع ، التبشير بالإنجيل وتوزيع النبذ ، هذه الأشياء هي التي للروح ، إنها الاغراض المرتبطة بالمسيح واهتماماته الذي هو مركز مقاصد الله وأغراضه ، وبعد ذلك يتحدث عن الأشياء التي للجسد ، وهو هنا لم يعط تفاصيل ، ولكن نعلم ما هو نوع هذه الأشياء التي للجسد ، إنه يظهر تلك الدائرة والتي هي علي النقيض من الدائرة الأخري تماماً ، دائرة تقود الي ما هو الحياة والسلام الحقيقي ، والأخري تقود الي الموت ، أي الموت الأدبي ، وبعد ذلك يأتي الي الخاتمة في عددي (12 ، 13) مظهراً لنا أنه ينبغي ان نعيش في الدائرة الصحيحة ، لو كنا نرغب في قوة الروح لأجل حياتنا ، ويحذرنا أيضاً "لأنه ان عشتم حسب الجسد فستموتون" كلمة خطيرة ! ، أيها الشباب الأعزاء هل تسمعون ذلك ؟ إذا عشت في دائرة الجسد فإن هذا يؤدي بك الي الموت الأدبي في حياتك ! ، والآن دعوني اسأل في أي الدائرتين نحيا ؟ .
هذا ما أريد أن أضعه أمامكم أيها الشباب ! ، أنت تعلم أنه لو عشنا حياتنا من الصباح الي المساء في دائرة الأمور التي تخص الجسد فلا يمكننا أن نتوقع فيض روح الله في حياتنا ، فإذا كنا نقضي حياتنا من الصباح الي المساء في تلك الدائرة ، فلا يمكن أن نتوقع النتائج العملية التي تحدثنا عنها قبلاً في حياتنا ، وأنت تعلم ماذا أعني بذلك ، فإذا قضيت يومك في لعب الكرة وبعد ذلك ذهبت الي الكافيتريا لتأكل اثناء سماع الموسيقي ، وتدخل سيارتك بعد ذلك وأنت متعب ومنهك القوي ، وتصل الي البيت وتُشغِّل التليفزيون لبعض الوقت ، وبعد ذلك يتبقي بعض الوقت قبل الذهاب الي الفراش فتفكر أن تقضيه أمام الكمبيوتر في لعب المباريات ، ثم اخيرا تذهب الي الفراش ؟ ، فماذا حدث في ذلك اليوم الذي قضيته بأكمله في دائرة الجسد ، لاحظ أنه مكتوب في عدد (٥) "فإن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون" إنهم يهتمون بالامور الخاصة بالجسد أي التي حسب الجسد ، حيث الدائرة التي يحيا فيها الإنسان الهالك ، حيث أنه يعلم أن ليس هناك شئ آخر يهتم به ، لكن هل من الممكن للمؤمنين أن يحيوا في دائرة هذه الأشياء أيضاً ! ، وأنا لا أود أن أقول ان كل تلك الأشياء التي ذكرتها خطية أو قباحة ، ولكنها ليست الأشياء التي هي دائرة الروح ، أي أنها ليست الأشياء التي للمسيح واهتماماته علي الأرض ، وما يقوله الرسول في عدد (13) إنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ، فالطريقة التي يتحدث فيها هنا عن الموت مختلفة عن الأماكن الأخري في الكتاب المقدس ، فالموت كما نعلمه دائماً يحمل فكر الانفصال ، وفكر الموت في ذلك العدد يعني انقطاع الشركة والعلاقة مع الله ، فالانفصال يدخل الي حياتنا وتصبح حياتنا فاشلة ، إنه لا يتحدث عن الموت الطبيعي أو الروحي هنا بل الموت الأدبي الذي يحدث في حياة المؤمن الذي لا يؤدي إلا إلي الفشل - الفشل في السلوك في الحياة المسيحية السعيدة مع المسيح ، فهو يريد أن يقول إذا عشت في دائرة ا لجسد يمكنك أن تتوقع ان هذا يأتي إليك بالموت ، ولكن إن عشت في دائرة الروح فيوجد كثرة من القوة لتحيا لأجل مجد الله ، وهذا هو الامتلاء بالروح ! والحقيقة البسيطة والواضحة اننا نقضي أوقات كثيرة في الدائرة الخاطئة مهتمين بالامور التي للجسد أيها الشباب ! ، ولكنه الآن وقت لندخل الي الدائرة الصحيحة .
فيا تري ما هو غرض حياتك ؟ ما هو الشئ الذي يشغل حياتك بالدرجة الأولي ؟ إنني أريد أن أتلامس مع السبب الذي لأجله نجد فشلاً زريعاً بين المؤمنين ، وأنت تعلم أنه يقال (إذا أشبعنا الجسد فإننا نعرقل الروح) ، ونحن نعرف أن هذا حقيقي ، إذا كنا نذهب لأجل الاهتمام بأمور دائرة الجسد فلا يمكننا ان نتوقع أن يعمل روح الله عملاً ثميناً في حياتنا ، ودعونا نتذكر أن امتلاء اليوم سوف لا يكفي للغد ! ، فإننا يجب أن ندع روح الله يدير حياتنا كل يوم ، فلا يمكننا أن نقول (حسناً سأقضي بعض الوقت في يوم الأحد ذاهباً الي الاجتماع واقرأ الكلمة وهذا يكفي للاسبوع) كلا بل إننا يجب أن نحيا في دائرة الروح كل يوم ، والكتاب يقدم لنا تلك الاهتمامات المتنوعة للروح في المسيحية العادية ، فمن الطبيعي أن المؤمن يريد أن يرضي الله ويهتم بالأمور التي للمسيح كل يوم في حياته ، ومن الطبيعي أن المؤمن يحيا في دائرة الروح ، ولكننا كمؤمنين حياتنا بعيدة جداً عن ذلك ، ونحن ندفع ثمن ذلك .
دعونا نقرأ (2مل 4 : 1 - 7) كمثال لهذا الأمر الذي نتحدث عنه ، المرأة التي دخلت في دَيّن وجاء المداينين ليأخذوا ولديها عبدين كنتيجة لذلك الدين "فقال لها أليشع ماذا أصنع لكِ ، اخبريني ماذا لكََ في البيت ، فقال ليس لجاريتك شئ في البيت إلا دهنة زيت ، فقال اذهبي استعيري لنفسك أوعية من خارج من عند جميع جيرانك أوعية فارغة ، لا تقللي ، ثم ادخلي وأغلقي الباب علي نفسك وعلي بنيك وصبي في جميع هذه الأوعية وما امتلأ انقليه ، فذهبت من عنده وأغلقت الباب علي نفسها وعلي بنيها فكانوا هم يقدمون لها الأوعية وهي تصب ولما امتلأت الأوعية قالت لابنها قَدِّم لي أيضاً وعاء ، فقال لها لا يوجد بعد وعاء ، فوقف الزيت ، فأتت وأخبرت رجل الله فقال اذهبي بيعي الزيت وأوفي دينك وعيشي أنتِ وبنوك بما بقي" .
ولماذا قرأت هذا الفصل ؟ ما هو المغزي لموضوعنا في هذا الفصل ؟ حسناً انك تجد هنا حالة من الفقر ، فهذه المرأة كانت في حاجة ، إلي المساعدة ، فهي مجردة من كل شئ ما عدا دهنة زيت ، والزيت هنا يرمز لروح الله كما نفهم من كلمة الله ، والمعجزة قد تمت عن طريق اليشع ونجد هنا أنها كانت تصب الزيت في الأوعية الفارغة والزيت كان دائم الجريان لم يتوقف بل استمر حتي امتلأت كل الأوعية الفارغة الكامل ! ، والآن دعني اسأل سؤال يا تري هل لاحظت في القصة ما الذي جعل الزيت يبدأ بالفيضان ويستمر بغزارة ؟ إن هذا قد تم فقط عندما أغلقت الباب! ، فأليشع شدد علي أن تغلق الباب أولاً فتدخل هي وأولادها وتغلق الباب ومن ثم يبدأ الزيت بالفيض ، هذا هو سر ادراك هذا الإمداد العظيم للزيت ، وتلك هي بداية المعجزة العظيمة .
وهل تعلم ماذا نتعلم من ذلك ؟ نتعلم أننا في حاجة الي غلق ابوابنا في الشركة مع العالم ، فيما يختص بالأشياء التي هي تخص الجسد ! ، فعندما يكون بابنا مغلق لتلك الأشياء فإن الروح القدس سيفيض بحرية وبغزارة في حياتنا ويفيض بالقوة التي نحتاجها لأجل حياتنا المسيحية .
تبقي عددا واحداً قبل أن نختم مقالنا في (تث 33 : 24 ، 25) "ولأشير قال مبارك من البنين أشير ليكن مقبولاً من إخوته ويغمس في الزيت رجله" ، ومن الجائز أن تقول أنه شئ غريب أن تقول ذلك ، ولكن عندما تدرك هذا الرمز ستجد أنه معني كامل ! ، فهنا نجد التحريض لأشير أن يغمس في الزيت رجله ، وهذا صورة لنا "السلوك في الروح" بالطبع ! كما نجد في (غل 5 : 16) "اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد" .
وماذا كانت النتيجة ؟ ويستطرد قائلاً "حديد ونحاس مزاليجك وكأيامك راحتك (قوتك) فعندما تغمس رجله في الزيت تكون أحذيته مثل "الحديد والنحاس" وهذا يستحضر أمامنا السلوك الثابت ، أي أن تكون قدمك ثابتة ، وفكر آخر يحمله لنا ارتداء أحذية الحديد والنحاس ، وهي تترك خلفها آثاراً واضحة للقدم ، أي شهادة للآخرين كي يتبعوا نفس الآثار ، وهذا ما يحدث عندما يسلك الإنسان بقوة الروح القدس ، أنه السلوك الثابت والمتوافق ويترك خلفه شهادة لكي يراه الكل ! ، فمن الواضح ان تري الشخص الممتلئ من الروح القدس ، ولذلك يقارن الرسول بين حالة السكر والملئ بالروح في (أف 5 : 18) "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" إنها حالة واضحة للشخص سواء في طريقة سلوكه وأحاديثه ، فعندما يسكر إنسان بالخمر الكثير فإنك تستطيع أن تراه مترنحاً في سلوكه ومتلعثماً في حديثه ، وكذلك عندما يعيش إنسان في دائرة الجسد سيتضح ذلك في طريقة سلوكه وكلامه ، وبالمثل أيضاً عندما يعيش أحد في دائرة الروح تستطيع أن تري ذلك أيضاً فستجد شيئاًً في طريقة السلوك والأحاديث فيميل إلي أن يعطي المسيح مكانته الخاصة به كالسيد والحاكم علي كل شئ ، وهذا كان واضحاً في حياة النبي أليشع ، فقد كان سالكاً قريباً من بيت المرأة الشونمية وهي قالت لزوجها شئ عن سلوك هذا الرجل وأدركت أن ذلك هو رجل الله (2مل 4 : 9) ولذلك أود أن أشير أيها الشباب الاعزاء في ختام تلك الدراسة إذا كنتم تريدون أن تستمتعوا بفوائد سكني الروح وحضوره وأعماله المتنوعة لنا ، فهذا يعتمد علي ان نحيا في الدائرة الصحيحة وبالتالي سنختبر الملء بروح الله وحياتكم ستثمر لأجل مجد الله .
بقلم : بروس انيستي
ترجمة عاطف فهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق