السبت، 22 أكتوبر 2022

لماذا انا بالذات

 لماذا انا بالذات


"أجزاء مقتبسة من رسالة إلى فتاة تقيةٍ ... بعد أن دهمتها

سيارة ورأى الأطباء أنها ستقضى بقية عمرها

رهينة الكرسيِّ المتحرِّك ..."

                   

نأتى الآن إلى موضوعنا وهو سؤال روحى محير لا نجد عليه إجابة بسهولة.

ولعلَّك الآن قد عرفت ما هو السؤال .. وهو لماذا يسمح اللّه لى بهذا ؟ ... ولماذا لا يحدث هذا مع غيرى ؟ لماذا ألمى شديد بينما غيرى أقل ألماً ؟ ... لماذا أجد أن الألم هو طابع حياتى ؟ بينما أقرب الناس إليَّ لم ولن يجتازوا فيما اجتزت فيه أو فى جزءٍ منه ؟ ... لماذا يكون غيرى بسعادته شاهداً على أن المسيح مصدر للسعادة والفرح ؟ وأنا بحزنى وكآبتى وآلامى - هكذا أظنُّ - صورةً أليمة مقدمة للعالم ، وموضوعاً لرثاء الأشرار قبل المؤمنين كما حدث مع أيوب ؟ ... أود أن أكون سعيداً ، وظروفى سهلة وحياتى ميسرة كغيرى من المؤمنين ، وذلك بإخلاص منى ورغبة مقدسة فى استثمار هذه السعادة وتلك الظروف فى خدمة الرب .. فلماذا لا يحدث هذا ؟ وإنما العكس ؟ ... أنا أتساءل والناس أيضاً تنظر وتتساءل ، وتشير بأصبع الاتهام إلى المجرَّب والمتألم ... كما أشاروا إلى الرب فوق الصليب .

وكان السؤال "لماذا أنا بالذات"؟ ... دون الآخرين ؟ ... صحيح أن الألم هو للكلَّ لكن لماذا يكون معيارى منه مع قلَّة من المؤمنين مثلى أكثر من غيرنا بصورة صارخة ؟ ... وبحسب ظنى معطِّلة للشهادة ؟

وأخيراً وجدت الإجابة الجميلة والمريحة على صفحات الوحى . ألم يقل الكتاب "ناموس الرب كامل يرد النفس" ؟ (مز 19 : 7) لقد أنار عينى (مز 19 : 8) ما جاء فى سفر العدد وهو سفر البرية . لقد وجدتُ فيه الإجابة المنشودة . لقد وجدت أن المؤمنين أنواع . ووجدت منهم نوعاً يماثل حالتى وحالة كل متألم . . وحيث أن الكتاب للجميع ، فقد جمع هذا الجزء كل أنواع المؤمنين .

إن لاوى وبنيه قهات وجرشون ومرارى ليمثلون جميع أنواع المؤمنين (سفر العدد الأصحاح السابع) . . وفيه لا نجد جميع المؤمنين متشابهين فى أنواعهم ، أو متماثلين فى ظروفهم . . . لقد اقتربنا من إجابة السؤال .

ونجد إجابة السؤال :

أولاً : عندما نقارن بين معانى أسمائهم

وثانياً : عندما نقارن بين أدوار كل منهم فى الخدمة وما أُلقى عليه من مسئوليات بعضها سهل وبعضها صعب .

وثالثاً : عندما نقارن بين المعونات التى أعطاها اللّه لكل منهم على قدر نصيبه من التعب والمشقة .

 

 

أولاً : معانى الاسماء

فقهـات : معناها محفل أو جماعة وهو بهذا المعنى يمثل مؤمنا طابعه العام هو النجاح الاجتماعي كما سنرى .

وجرشـون : معناها غريب وهو بهذا يمثل مؤمنا طابعه العام هو الغربة والمعاناة منها بسبب اتباعه الرب ، والنبذ من المجتمع واعتبار الناس له "كأقذار العالم ووسخ كل شئ" (1كو 4 : 13).

أما مـرارى : فمشتقة من المرار وهو بهذا يمثل مؤمنا طابعه العام الألم ، والألم إلى درجة المرار .

 

ثانياً : دورهم فى الخدمة

فالقهاتيون : (أو قهات وبنوه) كانوا يحملون ضمن ما يحملون ، التابوت الذى هو رمز للمسيح ويغطونه ببعض الأغطية . وفوق الكل غطاء من الاسمانجونى رمز للصفة السماوية التى للمسيح . فهم يحملون المسيح ويقدمونه للعالم فى صفته السماوية ، وكل من يراهم ، يرى هذا اللون الاسمانجونى ويرى هذه المسحة السماوية فى حياتهم العامة والخاصة ، فى هدوئهم وصفائهم ، بل حتى فى ملامحهم وابتساماتهم . ويوقِّرهم المجتمع كرجال اللّه ، إذ أنهم يعطون أجمل صورة من صور المسيح ، ألا وهى صورته كالسماوى فى هذه الأرض . هذا بالإضافة إلى أنهم كانوا أيضاً يحملون المنارة ويغطونها بغطاء اسمانجونى إشارة للمسيح كنور العالم (يو 8 : 12) أو النور السماوى الآتى إلى هذا العالم . (يو 1 : 9) فكما يقدِّمون المسيح للعالم فى التابوت - أى المسيح بشخصه - فأنهم أيضاً يقدمونه فى المنارة - أى المسيح بنوره .

والجرشونيون : (أو جرشون وبنوه) كانوا يحملون ضمن ما يحملون بعض الأجزاء من خيمة الاجتماع ، كالغطاء العلوى الخارجى للخيمة . وكان كبيراً (أكثر من 20 متر × 15 متر) وكان يُصنع من جلود التُخَس وهى حيوانات بحرية كالدرفيل أو فرس النهر (سيد قشطة) جلدُها سميك وغير جذَّاب إشارة للمسيح منظوراً إليه من العالم كمن "لا صورة له ولا جمال" (اش 53 : 2) . فالجرشونيون يحملون بعض الاجزاء ، لكن الجزء الأكبر من الحمل كان جلود التُخَس . (إذ أنها بهذا القدر تحتاج إلى أكثر من ثلاثين رجلاً يحملونها ويسيرون بها إذ قدَّرنا للرَّجل عشرة أمتارٍ مسطحة يحملها) . أى أن غالبيتهم يحملون هذه الجلود . فالطابع الغالب للجرشونيين هو تقديم المسيح كالغريب والمرفوض من هذا العالم . فالجرشونيين ليس عليهم الطابع الاسمانجونى كالقهاتيين بل طابع جلود التُخَس الخشنة . فهم يحملون صليب المسيح وطابع المسيح فى غربته ورفضه من هذا العالم . هؤلاء يكونون غرباء ، أحياناً فى المجتمع فتحتقرهم العامة (عكس القهاتيين) ، وأحياناً فى عملهم فينبذهم زملاؤهم ، وأحياناً فى بيتهم فيُعاملون فيها كغرباء لا أحد يلتفت إليهم أو يعتبر لكلامهم بل ربما عنَّفهم أهل بيتهم كما فعلت مرثا بمريم ، وأحياناً للأسف الشديد بين إخوتهم المؤمنين  . فلا يوجد من يفهمهم أو يُقدِّر ظروفهم بل على العكس ربما يلقون معاملة جافية أو قاسية من إخوتهم المؤمنين (شأنهم شأن سيدهم فى زمان رفضه).

أما المراريون : (أو مرارى وبنوه) فكانوا يحملون بعض الأجزاء من خيمة الاجتماع . ومن ضمنها الألواح وكانت 48 لوحاً (رمز المؤمنين) . وأيضاً الأوتاد والأطناب (الحبال) ، التى كانت تُستخدم للتثبيت (كرمز لتثبيت المؤمنين) . فهم المتألمون إلى درجة المرار كمعنى اسمهم . لكن خدمتهم كانت التثبيت . . وهل هناك ارتباط بين المرار والتثبيت ؟ نعم .. لقد قال الرب لبطرس "وأنت متى رجعت ثبِّت إخوتك" (لو 22 : 32) . ومتى رجع بطرس ؟ ... لقد رجع بعد أن بكى بكاءً مراً . (لو 22 : 62) فبعد إجتياز المرار كان عليه أن يثبت إخوته .

فالمراريون وقد اختبروا المرار فى حياتهم ، ليست خدمتهم هى تقديم المسيح فى صفته السماوية ، فمن أين لهم بالاسمانجونى ؟ ، ولا حتى تقديم المسيح فى صفته كالغريب فى هذا العالم ، فمن أين لهم بجلود التُخَس ؟ . فليس شرفاً فقط للمؤمن أن يحمل الاسمانجونى ، بل أيضاً حتى حمله لجلود التُخَس يُعَد غِنَى أعظم من كل خزائن العالم . إنه شرف لنا لا أن نقدم المسيح فقط فى صفته السماوية بل إن تقديمه كغريب هو شرف كبير وامتياز عظيم لنا . لكم من أين للمراريين بهذا الشرف ؟ إنهم فى أسفل القاع . لا هم أدركوا الاسمانجونى ولا حتى نالوا شرف حمل جلود التُخَس . لقد طحنهم المرار ، وسحقتهم التجربة وربما كانت تجربتهم مرضاً أو ضيقاً أو فقراً مدقعاً أو ألماً نفسياً أو ظروفاً شائكةٍ يهون الموت أمامها . وربما كانت مزيجاً بين هذا وذاك . لا يهم نوع التجربة بل نتيجتها . وما هى ؟ . إنها المرار . وهذه هى صفة المراريين وطابع حياتهم المستمر أو المؤقت . أما خدمتهم فهى تثبيت المؤمنين والسؤال عنهم وافتقادهم فى ضيقتهم واعتبار أن ضائقة هؤلاء الإخوة هى ضائقة لهم . إنهم بذلك ينفذون قول الرسول "اذكروا المقيَّدين كأنكم مقيَّدون" (عب 12 : 3) ولا أريدك أن تنزعج من قول الاطباء بأن أيامك ستنقضى فوق كرسى متحرك ولا من قولى بأن هناك مؤمنين طابعهم المستمر هو المرار ، ذلك لأنى لم أصل إلى نهاية الكلام ولا إلى المعونة المقدَّمة لكل نوع من الأنواع الثلاثة . وهذا يأتى بنا إلى النقطة الثالثة .

 

 

ثالثاً : التقدمات المعطاة لبني لاوي

وترمز إلى المعونات المقدَّمة لكل نوع من المؤمنين . لقد طلب موسى إلى رؤساء اسرائيل أن يقدموا لبنى لاوى ست عَجَلاَت واثنى عشر ثوراً ، لجرَّ هذه العجلات ، ثورين لكل عَجَلَة . وكنا نظن أن توزيع هذه العَجَلاَت والثيران سيكون بالتساوى على بنى لاوى الثلاثة فيأخذ كل منهم عَجَلَتين وأربعة ثيران لكن من قال هذا ؟ . هل كانت مسئولياتهم واحدة ، أو أحمالهم واحدة ، حتى تكون المعونة واحدة ؟ هل من يحمل الاسمانجونى كمن يحمل جلود التُخَس كمن لا يحمل شيئا سوى المرار ؟ كلا . أم لعلّ عند اللّه ظلماً ؟ حاشا . (رو 9 : 14) لذلك نرى أن توزيع هذه التقدمات كان كالآتى :

فبنو قهات : كان يكفيهم شرفاً أن يحملوا التابوت ويكفيهم شرفاً أن يغطونه بالاسمانجونى . لذلك فلم يكن لهم شئ من التقدمات . إذ قد أخذوا كل شئ فى تقديمهم للمسيح فى صفته السماوية . وهذا يكفيهم.

وبنو جرشون : كان نصيبهم عَجَلَتين وأربعة من الثيران . وهى تقدمة تتناسب مع خدمتهم . لقد أخبر الرب المؤمنين بأنهم سيكونون غرباء فى هذا العالم ، وهذا أمر طبيعى بالنسبة للمؤمن ، قال عنه الرب »إن كانوا قد اضطهدونى فسيطهدونكم« (يو 15 : 20) . لذلك فإن التقدمة لبنى جرشون كانت تقدمة طبيعية إذ أنها تُساوى ثُلث التقدمة الكلية وهذا هو الحساب الطبيعى . فالمسئؤلية متوقعة وبالتالى فهى عادية وطبيعية والمعونة بدورها عادية وطبيعية .

أما بنو مرارى : فكان نصيبهم أربع مركبات وثمانية ثيران لماذا ؟ لأن خدمتهم كانت غير طبيعية . إذ تتميز بالمرار والتعب فهم يحملون الألواح (48 لوحاً - بطول 5.50 متر وعرض .77 متر تقريباً للَّوح الواحد . أى بحجم يزيد عن المتر المكعب فإن أضفنا إليه وزن الفضة وكانت 90 كيلو جراماً لزاد وزن اللوح عن الطن بخلاف وزن الذهب) . وبالإضافة لحمل هذه الألواح فقد كان على المراريين دقُّ الأوتاد وشدُّ الحبال وفى ذلك كله رمز لحمل المؤمنين والاشتراك فى أثقالهم وتثبيت من يضعف منهم . الأمر الذى ناء بثقله موسى نفسه فى يومه ، حتى أنه قال "العلى حبلت بجميع هذا الشعب أو لعلى ولدته حتى تقول لى احمله فى حضنك كما يحمل المربى الرضيع .." (عدد 11 : 11 ، 12) . لذلك فإن التقدمة للمراريين كانت تقدمة غير عادية والمعونة فوق العادية . وهذا ما نراه فى شخص كالرسول بولس ، الذى حمل ضمن ما حمل هذه الصفة المرارية ، إذ أن ملاك الشيطان لازمه دون مفارقة ليلطمه وبصفة مستمرة . (2كو 12 : 7) . وكانت خدمته (من ضمن خدمات كثيرة) هى حمل المؤمنين وتثبيتهم . إذ قال "كنا مترفقين فى وسطكم كما تربى المرضعة أولادها ، هكذا .. كنا حانين إليكم .." (1تس 2 : 7 ، 8) . وأيضاً ".. التَّرَاكُمُ عليَّ كلَّ يوم . الاهتمام بجميع الكنائس . من يضعف وأنا لا أضعف . من يعثر وأنا لا ألتهب".

فالصفة لبولس من هذه الناحية كانت مرارية بالشوكة وبغير الشوكة .

والخدمة كانت حمل المؤمنين وتثبيتهم.

والمعونة كانت نعمة فائقة أُعطيت له تتناسب مع الشوكة ، وتتناسب مه الخدمة ، بل وتفوق الإثنين .

وهذه المعونة ليست فقط لبولس بل تُعطى أيضاً لجميع الذين لهم نسبة من المرار فى حياتهم .

كما أود أن أقول لك أن خضوعنا لجرعتنا من المرار ليس إختياراً نقبله حباً فى المسيح . نحن نختار حمل الصليب حباً فى المسيح كقوله "إن أراد أحد .. فليحمل صليبه" (لو 9 : 23) . لكن المرار شئ والصليب شئ آخر . فالشوكة على غير ما يفتكر الكثيرون هى بخلاف الصليب . الصليب هو أقرب إلى جلود التُخَس منه إلى المرار . إن قبولنا للصليب وحملنا له يتم بإرادة وبسرور حبا فى المسيح . إن الرسل "ذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حُسبوا مُستأهلين أن يُهانوا من أجل اسمه" (أع 5 : 41). لكن لا أحداً يتقبل الشوكة بسرور . صحيح أنه يرضى بها ويُسَرُّ فيما بعد (2كو 12 : 10) . بعد أن يختبر النعمة . لكن فى البداية لا أحداً يقبلها بنفس درجة قبوله للصليب ، وبنفس سرور رفضه من أجل المسيح . وهذا هو الفرق بين الشوكة والصليب .

لقد أخذ بولس الشوكة رغماً عنه وليس إختياراً ارتضاه حباً فى أى أحد . إنه حباً في المسيح خسر من أجله كل الأشياء (فى 3 : 8) وصار غريباً لا يمتلك شيئاً فى هذا العالم . . وحباً فى المسيح صار جرشونياً يحمل جلود التُخَس لكن المرار أو الشوكة أخذها رغماً عنه وليس تضحية منه . وصلى من أجلها ثلاث مرات (2كو 12 : 8).

وهكذا نحن أيضاً يدخلنا الرب إلى عمق المرار رغماً عنا كما أدخل التلاميذ السفينة إلزاماً . لقد "ألزمهم أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العَبرِ." (مت 14 : 22) . ولم يكن عبراً فقط للبحر ، قدر ما كان أيضاً إجتيازاً للمرار . وبحور الألم - كتلك التى اجتازت فيها نفس سيدنا - تصغر أمامها بحور العالم (مز 69).

وإلزام الرب المؤمن بالدخول إلى هذه الأعماق هو لحكمة متنوعة . أحدها أن ندرك أبعاد هذا المرار ثم نعود فنثبت إخوتنا . وحتى نتحمل هذا المرار ونكون قادرين على اجتيازه ثم على تثبيت إخوتنا فإن الرب يعطينا نعمة مضاعفة بل وكافية تتناسب مع ، بل وتفوق هذا الحمل الثقيل .

إن أربع مركبات وثمانية ثيران كانت كافية للتخفيف عن كاهلهم من جسامة التَبِعة وثقل الأحمال . وكما تحمل المركبات أصحابها فإن الملائكة تحملنا (مز 91 : 12) بل والرب نفسه كذلك يحملنا على الأذرع الأبدية (تث 33 : 27) وعلى أجنحة النسور (خر 19 : 4) بلا كلل . إنه لا يكل ولا يعيا (أش 40 : 23) . وهذا المعنى (الصبر وعدم الكلل) نرى ما يرمز إليه فى الثيران .

وهكذا تري أن عدة السفر معدة ، والمعونات محسوبة مسبقا ، ومجهزة قبل دخولنا دائرة الألم . وما على المرارى منا إلا أن ينظر إلى الرب "فينال رحمة ويجد نعمة عوناً فى حينه" (عب 4 : 16) وبعد ذلك ينظر إلى إخوته المتألمين فيمد لهم يد المساعدة لتثبيتهم وتعضيدهم وتسنيدهم .

لكن الخطأ هو أن ننظر إلى إخوتنا ، ونقارن أنفسنا بهم ، ولو كانوا أقرب الأقربين إلينا ، ثم نتساءل بعد ذلك "لماذا أنا بالذات" ؟.

ذلك أن لكل مؤمن صفة معينة ، وطابعاً خاصا ، هو مزيج من هذه الصفات الرئيسية الثلاث ، ولكن بنسب تختلف من شخص لآخر . وكما تعلم أن الألوان الرئيسية فى الكون هى ثلاثة ومن مزجها بنسب متفاوتة يخرج مالا حصر له من الألوان . ولا يوجد لون مثل الآخر تماماً .

هكذا يقدم لنا الكتاب ثلاث نماذج أو ثلاث صبغات رئيسية للمؤمنين ، ومن مزج هذه الصبغات بنسب متغيرة نحصل على تركيبة متميزة ، التى هى بالنسبة لكل مؤمن عبارة عن لون لا يتكرر مرتين، ولا يتشابه فيه مع غيره من المؤمنين .

هذه الصفة التى تميز المؤمن أو التركيبة الخاصة به ، أو الوضع الذى يكون عليه هى أمر معروف مسبقا لدى اللّه . وفى خطته الحكيمة أن يصل بكل منا إلى هذه الصفة المميزة فلا داعى للحزن أو للإنزعاج أو الحيرة إذ أنه على قدر نسبة المرار فى هذه التركيبة ، تكون المعونة المعطاة لنا ، وعلى قدر الشوكة تُجزل النعمة وإلهنا حكيم لا يفعل شيئا ليس فى محله . وهذه هى إجابة السؤال . وهى إجابة طويلة لكنها كانت لازمة لى وحيوية ويخيل إليَّ أنها لازمة أيضاً لكل متألم حتى يستودع نفسه بين يدى اللّه الخالق الحكيم الذى خلقنا والذى يشكِّلنا حسب ما يراه فى نفسه من جهتنا . عندئذ يرنم

يا نفسي القي همك

 

المضني علي الإله

ولا تخوري من جرا

 

مصائب الحياة

قومي اطلبي عونا

 

من المخلص المجيد

وحاضري بالصبر في

 

جهادك الشديد

 

 

 

فالآن لا تدرين ما

 

يصنعه الحكيم

بل سوف تعلمين أن

 

رب السماء رحيم