الاثنين، 29 أبريل 2013

طلبة بولس الاسير

طلبة بولس الاسير
بقلم : يوحنا داربي

هذا ما كان الرسول يتمناه من اعماق قلبه لاولئك المحيطين به , ان يكونوا مثله ما عدا تلك القيود .. كان يمكن ان يقول لاغريباس الذي قال له "بِقَلِيل تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا" كان يمكن ان يقول له : "ليت هذا يكون بالفعل , وقد كان الرد عندئذ حسناً وبحسب المحبة , لكنني لا اود ان نكون قد ووجهنا بحالة مثل تلك التي عبر عنها الرسول الذي كان قلبه مفعماً بالمحبة هذه , ان القلب السعيد هو الذي يمكنه ان يتصرف هكذا بشكل طبيعي .
كان الرسول مضطراً ان يقول ما يعرفه او بعبارة اخري ان يعبر عما كان يجيش في قلبه الذي كان يستمتع بمركزه في الله , كانت نفسه في منتهي السعادة حتي انه كان يتمني للاخرين ان يتمتعوا بنفس الشئ , ان الفرح دائماً يكون مملوءاً بالتمنيات الطيبة , وبالفرح الالهي والمحبة , لكن ما هو اكثر من ذلك فإن هذه الرغبة تصور لنا حالة نفس الرسول (من الداخل) بغض النظر عن ظروفه , فرغم سجنه الذي دام اكثر ن سنتين , كان قلبه سعيداً سعادة كاملة , كانت سعادة لا يستطيع هو نفسه ان يعللها , وكل ما كان يتمناه هو ان جميع الذين  كانوا يسمعونه – حتي الملك نفسه – يكون مثله ما خلا هذه القيود .
هذه هي نتيجة تلك السعادة الغريبة التي تتولد في النفس التي قبلت المسيح قبولاً كاملاً . فهي تمتلك سعادة لا تترك النفس متمنية لأي شئ . وهي دائماً مصحوبة بنشاط للمحبة يعبر غنه بالرغبة ان يكون الاخرين متمتعين مثلها , ونحن نري هنا ما هو اكثر : انها سعادة لا يمكن ان تتأثر بالظروف الخارجية , انها ينبوع من الفرح ينبثق من داخل النفس , لقد كان الوضع الظاهري للرسول بولس ابعد ما يكون عن ان يولد مثل هذا الفرح , لقد كان من مدة طويلة معداً ان يتوقع قيوداً ومصاعب لكن لم يحركه شئ من كل هذا , ولا حسب نفسه ثمينة عنده "وَلكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَالْخِدْمَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ" (اع 20 : 24)        .
كان بولس قد أُخذ الي الحصن بسبب عنف الشعب , كان يُجرّ من ضيقة الي ضيقة , وامضي سنتين في السجن مضطراً ان يرفع شكواه الي قيصر , وملخص تاريخه هو انه كان انساناً معرضا ان يبكي وان تستنفد طاقته مضغوطاً عليه من كل جانب , من كل ما من شأنه ان يكسر قلبه ويثبط عزيمته , لكن لم يحدث أي شئ من ذلك , وهو يتكلم قبل المحاكمة عما كان قاصداً ان يفعله في اورشليم لا عن آلامه , كان في وسط كل هذه الامور – كما يقول هو نفسه – يدرب نفسه ان يكون له علي الدوام ضمير صالح بلا عثرة من نحو الله والناس – كانت كل هذه الظروف الصعبة التي اجتاز فيها , عقيمة بلا اثر ولم تصل الي قلبه , كان في نفسه سعيداً , ولم يكن يبغي شيئاً إلا تلك السعادة لأجل نفسه أو للأخرين , والسعادة التي تملأ النفس بالرضا والاكتفاء التام هي بلا شك سعادة ممتازة . صحيح انه كان مكبلاً بقيود , لكن هذه القيود الحديدية لم تصل الي قلبه , فلا يمكن ان الذي حرره الله تقيده قيود , وهو لم يبغي شيئاً لا لنفسه ولا للأخرين الا ذلك التحرير الكامل بيد الرب , وكل ما استطاع ان يتمناه هو ان يكون الجميع مثله لكن بلا قيود .
وسنتأمل فيما يعطي تلك السعادة وهذا الهدوء للنفس الذي لا يترك شيئاً للواحد ليشتهيه . قد يكون لنا فرح الي نقطة معينة , لكن لن يكون لنا سلام طالما هناك شئ نتمناه ولم يتحقق , لكن في بولس نستطيع ان نري سعادة كاملة , وكان عنده محبة طليقة ومتأججة نحو الاخرين , وبلا ادني شك هو لم يبلغ الي الكمال , كما قال هو نفسه "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ" (في 3 : 13) لكن كانت توجد عنده سعادة ومحبة , كان يمتلك سعادة كاملة , واذ كان امام حكام وملوك محاطين بكل مظاهر الابهة , كان يتمني لهم ان يكونوا مثله , وكانت شهادته من القوة بحيث قال أغريباس "بِقَلِيل تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا" (اع 26 : 28) .
قد نجد هنا اشخاصاً كل ظروفهم مؤلمة ولهم حزن في القلب , حسناً . لقد كان بولس في ظروف يمكن ان يوصف بها انه من "أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ" (1كو 15 : 19) , فلم يقتصر الامر علي انه كان يتألم بل ان عمله قد توقف , لك يكن في استطاعته ان يهتم بامور قطيع الرب العزيز عليه , وكل ينبوع كان يمكن ان يجلب له السعادة في هذه الظروف قد خذله , ورغم انه بحسب الانسان كانت له المبررات الكافية لأن يشكو , لكننا نجده هناك نموذجاً للسعادة , فلم يكن ما يتمتع به من سعادة معتمداً علي أي ظروف خارجية ,  لأن هذه الظروف لم يكن من شأنها ان تجعله سعيداً , وهناك اشخاص يتصورون انه لو اجتمع هذا الظرف مع ذاك لكانوا سعداء , لكن هذه الظروف لم يكن ممكناً ان تزود بولس بالسعادة التي كان فيها , الله وحده هو المصدر الذي استقاها منه . يمكن ان تكون عندنا ظروف محزنة , لكن السعادة التي كنا نتحدث عنها تواً لم تكن لتتأثر بهذه الظروف .. ونحن نحتاج ايها الاحباء الي قوة وثبات تلك السعادة , لأننا لو عرفنا ظروف هذه الحياة سواء بين الاغنياء او بين الفقراء , فسوف نري ان الاحزان لن تحرمنا من الوصول , لكننا اذا عدنا الي العلاقة مع الله فلابد اننا سنري المصدر الذي استقي منه بولس هذه السعادة .
وبولس قبل تجديده لم تكن عنده تلك السعادة , لم تستطع امتيازاته كيهودي ان تمنحها له , فقد كان له ضمير صالح كإنسان , لكن لم يكن هذا الضمير مستنيراً , لقد فعل كل ما كان يظنه واجباً عليه لمقاومة الرب يسوع (اع 26 : 9-10) , وما اكثر ما يتم خداع الضمير عن طريق التعليم او الثقافة (وهذه كانت حالة بولس) , قد اتبع تعليماتها واطاع املاءاتها , وعن طريق هذه الامور عينها كان يقاوم الرب يسوع بكل ما اوتي من قوة , وفعل بخالص ارادته اقصي شر ممكن , ومن جهة بقية الامور كان متعلماً تعليماً جيداً في ديانة ابائه , فريسي حسب المذهب الاضيق , وقد كان في منتهي النشاط , وكان متميزا بسبب غيرته , وقد تعلم عند رجليّ غمالائيل , وكان موجهاً من قبل رئيس الكهنة (ع12) وكان في حرب علنية مع الرب يسوع , فنحن علي ما يكون فينا من ضمير , ومع كل تديننا , وكل تعليمنا وثقافتنا ومع مصادقة حكماء هذا العالم علي ما نعمل , قد نكون في حرب علنية مع الرب .
وتمتعنا بكل هذه الامتيازات لا يمنعنا من ان نكون مفلسين امام الله , وياله من امر رهيب ومؤلم ان نكون مفلسين امام الله , والحالة تكون اخطر عندما لا تسعفنا تلك الامور التي طالما بالغنا في تقديرها , وهي ليس فقط لم تسعفنا بل انها كانت عوامل ادت الي حالة من العمي لنفوسنا . فمع ان الرسول كان له ضمير صالح , ورغم انه كان ورعاً وموجها من اناس حكماء , إلا ان كل هذه الامتيازات لم تؤدي في النهاية الا الي وضعه في حالة حرب مع الله , قد يفتخر الواحد ويباهي , ويقول كما يقول كثير من الناس – لا يمكن لأي احد ان يقول شيئاً علينا , ولكنه في الختام يكتشف ان كل هذا في لم يؤدي بنا الا الي الصدام مع الرب .
وللجسد ديانته كما ان له شهواته ايضاً , وهو يفعل كل شئ ليعوق الضمير من ان يتقابل مع الله , فعندما كان بولس يتصرف حسب الجسد , كان راضياً عن نفسه وقانعاً بعمل الخير الذي كان يعمله , وهذا حسم قضيته , فالديانة التي يستعملها الجسد توضع في الميزان لكي تطبب الكفة اذا ما قال له ضميره : انت لم تكن بالضبط حسبما كان ينبغي ان تكون , فإن التدين الذي يضيف بعض المظاهر وبعض الطقوس والمماراسات مما يستطيع الجسد ان يحققه , يضع كل هذا في الميزان فيهدئ الشخص نفسه , ويستريح هناك , وهذا ليس إيماناً , لأن الإيمان يقرب الانسان من الله , فربما يكون هناك واحد بلا ديانة امام الله , وواحد اخر له ضمير مبكت علي الخطية , وايضاً واحد له اهتمام عظيم بدينونة الله علي الخطية حتي انه لا يفكر في ديانته , وعلي العكس ربما واحد لا يكون له أي ديانة , ولا يوجد أي شخص هنا اذا ما وجد في محضر الله يمكن ان يفكر في تدينه , ان الديانة العالمية لا تخدم الا عندما لا نكون محتاجين اليها , اما عندما نحتاجها سواء امام عدالة الله او عندما يكون القلب منكسراً , فلا يكون لها وجود , فهي لا تعمل الا كوسيلة لتحولنا عن الاحساس بحاجتنا كخطاة وذلك الاحساس الذي كان يمكن بواسطة النعمة التي اوجدته ان يقودنا الي العلاج الصحيح , الي ذاك الذي كان في مقدوره ان يقدم لنا خدمة حقيقية في الوقت الذي كان فيه هذا الاحساس لازما لنا .
وما الذي جعل بولس سعيداً ؟؟ كان ما اسعده , لكن هذا لم يكن فوراً , لأنه عرف انه كان يحارب الله عندما التقي بالرب , وهو في طريقه الي دمشق , قبل ذلك كان قانعاً وراضياً عن نفسه , لكن لا اكثر (انظر ص 9) , ولكن الرب يسوع ظهر له في مجده وبكته علي خطيته ومكث ثلاثة ايام بلا طعام او شراب مضطرباً بسبب لقاءه مع الرب يسوع , لم يكن في تلك الساعة في الوضع الذي فيه يمكن ان يقول " كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى اللهِ أَنَّهُ بِقَلِيل وَبِكَثِيرٍ، لَيْسَ أَنْتَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي الْيَوْمَ، يَصِيرُونَ هكَذَا كَمَا أَنَا، مَا خَلاَ هذِهِ الْقُيُودَ " .
وقد ارسله الرب الي دمشق ليسمع كلمة الله , وبعد ثلاثة ايام من المعاناة التي سببها هذا الاقتناع بأن يسوع هذا الذي كان يقاومه بكل هذا الغضب – الاقتناع بأنه هو نفسه الرب – ونفس هذا الرب ارسل اليه حنانيا , وعندئذ لنا ان نري كم كان التجديد كاملاً , فمن عدو تحول الي ان يكون صديقاً ليسوع ورسولاً للنعمة , هذا ما يفعله الله , من شاول المضطهد بحنق الي بولس الشاهد المقتدر لمحبة الرب يسوع المسيح .
كان بولس ذا ضمير حي وكان غيوراً علي ديانة ابائه , لكن مع كل ما كان عنده من ضمير ومع كل تدينه كان عدواً لله , كان في اقصي درجات الشر , او كما يصف نفسه بانه اول الخطاة , ومع ذلك ففي ظرف ثلاثة ايام تحول الي ابرز واحد من رسل النعمة , وكيف حدث هذا ؟ انه امر غاية في البساطة , لقد تعرف علي الرب يسوع , لم يظهر فوراً ما كان مزمعاً ان يكونه , لأنه ارتعب عندما رأي حالة الموت التي كان فيها , لكنه استمع في القلب الي صوت الرب يسوع .
وسواء كنت يهودي او اممي يستوي الامر طالما ان النفس لم تتعري امام الله , والضمير لم يُبكت علي الخطية , ولم يدرك الشخص ان كل تدينه ما هو الا عداوة لله , والتبكيت علي الخطية لا يأتي للجميع بنفس الطريقة , فتوجد ظروف متعددة , لكن لابد من الوصول الي نفس النتيجة ان تتعري النفس قدام الله .
يوجد مسيحيون مساكين محتقرين من جانب المعتبرين الذين ينعتونهم بصفات مهنية , فإلي هؤلاء المحتقرين والمستهدفين بسبب ايمانهم , الي هؤلاء يكشف الرب عن علاقته معهم بكيفية اكثر ايجابية , والاعلان الذي اعلنه الرب يسوع الي بولس هو ان هؤلاء متحدين معه اتحاداً كاملاً , فيقول له : انا عبارة عن كل هؤلاء الناس الذين تضطهدهم , لقد رأي بولس المجد , والذي قد رأه هو الرب يسوع نفسه, الذي أظهر له انه يضطهده هو شخصيا باضطهاده للمسيحيين , فيقول له الرب يسوع " أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ " , كانت توجد في تلك الايام فوارق في الايمان وفي الصبر , وفي التقوي بين المسيحيين , لكن الرب يسوع يحملهم جميعاً علي قلبه , ويقول عنهم : انهم انا , وبهذا قد حدث انقلاب عظيم في بولس , المتعلم , المتدين , المضطهد , فكلما زاد منسوب التدين حسب الجسد , فكلما زادت عداوتنا للرب يسوع , كلما زاد المظهر الخارجي رونقاً , وكلما زادت مقاومتي لنعمة الرب يسوع .  والذي يتمرغ في الخطية لا يمكن ان يتظاهر بانه محب لله , من اجل انه يحتاج الي من يتصالح معه .
اما بالنسبة لاولئك الذين امنوا , فالمسيح يتحد نفسه معهم , في هذا المكان يوجد مؤمنون , كما ان هناك اخرون غير مؤمنين , وبين المؤمنين توجد بدون ادني شك درجات متباينة من الروحانية , لكنني استطيع ان اقول عن جميع الفئة الاخيرة انهم جميعاً واحد مع الرب يسوع , ومن الواضح ان هذه الحقيقة البسيطة من شأنها ان تغير كل شئ في حالة النفس , حقيقة الاتحاد مع ذاك الذي هو في المجد .
في وقت لاحق اختطف بولس الي السماء الثالثة , واعطيت له اعلانات ثمينة وعندما اسره المشهد في الطريق الي دمشق , كان يحتاج ان يعمل كثيرا من التقدم , لأنه ظن نفسه انه هالك الي ان جاء حنانيا وشرح له ما جعله يفهم ان الرب يسوع كان يحتاج اليه (اع 22 : 14) اذ قال حنانيا لبولس " إِلهُ آبَائِنَا انْتَخَبَكَ لِتَعْلَمَ مَشِيئَتَهُ، وَتُبْصِرَ الْبَارَّ، وَتَسْمَعَ صَوْتًا مِنْ فَمِهِ. لأَنَّكَ سَتَكُونُ لَهُ شَاهِدًا لِجَمِيعِ النَّاسِ بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ " لكن من اللحظة التي عرف فيها الرب يسوع حق المعرفة , اصبح واحداً معه , وعرف هذه الحقيقة .
اذن فمهما كانت ظروف بولس , سواء في اورشليم او في قيصرية , امام قيصر ام امام فستوس استطاع ان يقول انه يريد ان جميع الذين يسمعونه يصيرون مثله ما خلا القيود , لأنه كان يعرف مقدار ما يمتلكه في المسيح – كانت الحقيقة التي امتلكت كيانه هي انه اصبح واحد مع المسيح , بالطبع كان امام بولس ان يتعلم الكثير من الرب , لكن رغم ذلك كان واحد معه , لقد فهم انه عندما كان يطضهد المسيحيين المحبوبين من الرب يسوع فانه كان يضطهد الرب يسوع نفسه "لماذا تضطهدني؟" . وكلما اقتربنا اكثر من الرب يسوع كلما عرفنا اكثر وبشكل افضل ان الذي يمس اخوته " لأَنَّهُ مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ " (زك 2 : 8) واضيف بعض كلمات قليلة عما لنا في الرب يسوع , فكل ما فينا كان عداوة لله , تديننا , واعمالنا , وكل سلوكنا , حتي اننا نحن في هذه الحالة كان محالاً ان نرضيه , كانت الحالة محزنة لكنها رغم كل شئ كانت حقيقية , وبولس يعترف بذلك , إذ انه لم يعد يٌقدّر ما كان يعتبره "ربحاَ" فانه ينظر اليه الان كأنه "نفاية" (في 3 : 8) , لكنه يفهم ان الجميع بالايمان واحد في المسيح , الايمان يجعله يأخذ مكانه معهم , وهو لا يتساءل اذا كان له ايمان ان يبدأ مناقشة غيبية عن ماهية الايمان , لكنه ببساطة يصبح مسيحياً , لأنه يؤمن ان المؤمنين المسيحيين واحد مع الرب , وهذه هي حياة وبهجة نفوسنا أن نفهم ان المسيح لم يسألنا ا ذا ما كان لدينا ايمان , بل قال "أنا واحد معكم" كان كل شئ خطية في هذا العالم , لم يعد هناك أي وسيلة للدخول في علاقة مع الله , كان ضروريا من اجل اقامة هذه العلاقة ان يأتي المسيح لكي يتمم مشيئة الله , ولكي يعلن للناس الاشرار الاهتمام العميق الذي عند الله بهم , لكن في هذه الحالة ليس علي ما اعمله الا ان اقدّر ما هو المسيح بالنسبة لي , وهذه هي كل مهمتي , فإنني سأجد فيه كل ما من شأنه ان ينزع كل ارتيابي لأنه يعلم كل ما فيّ بجملتي , هو يعرف خطيتي افضل مما اعرفها انا , في ذهابي اليه (أحس) ان قلبي حراً , لأنه يعرف كل شئ , وأنه جاء صريحاً لأجل هذا , اجد كل الحرية وكل النعمة وكل العلاج فيه.
وما هو اكثر من ذلك انني اذ اعرف انه هو الله فإنني اعرفه كالله المخلص , وما اعظم التغيير الذي يحدث في النفس التي تتعامل مع الإله الذي لا يمكن ان ينكر نفسه , والذي هو محبة !! , فهو لم يأتي فقط ليريحني , بل قد اتي لكي يخلصني , والشئ الذي هو عظيم القيمة هو انني عندما اتقابل مع الانسان يسوع المسيح اكون قد تقابلت مع الله , انا واحد معه ليس علي الصليب (إذ انه علي الصليب كان وحده نيابة عني) لكني واحد معه في الامتيازات , لقد حمل قضيتي كإنسان خاطئ , وبذل نفسه كذبيحة كفارية عن الخطية , ولا يمكن ان الله يتوسل من اجل خلاصي لأنني واحد مع المسيح هناك في السماء , ولو انني عذبت نفسي فإن هذا لا يكون الا شيئاً بيني وبين نفسي لأنني لا يمكن ان اعاني شيئاً من التعب امام الله .
لقد عمل الشيطان كل ما في وسعه , لكن ما هذا إلا ليبين ان كل قوته قد تحطمت الي الابد , لم يبغي شئ من شأنه ان يقلقني امام الله , فالله عنده كل شئ يجعله المصدر الوحيد للحياة وللفرح , وأنا اجد كل شئ في الرب يسوع الذي فيه "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا" (كو 2 : 9) , إنني اجد فيه كل النعمة لسداد عوزي وكل قوتي وكل بري .
لقد جاء بر اخر بعد بر الانسان , وهذا البر هو بر الله , لقد اصبح المسيح هو رأس كل شئ , وكل المجد استعلن عن يمين الله , كنتيجة لعمل الفداء الذي عمل عن خطيتي , وهكذا استعلن كل الملء , وقال الرب يسوع بعد ان تمجد انه واحد معنا , وانه قد ارسل روحه ليجعلنا نفهم او ندرك هذا وقال المسيح عنا : انهم انا , وما عليّ الا ان افحص ما هو المسيح , وان افرح في سعيي لأن اظهر ما هو في حياتي , حيث انه قال عن خاصته انهم هو , وقد اعطي الروح القدس لكي يسكن في قلب اولئك المساكين المُعدمين : الختم وعربون الميراث , واذا كان واحد يمتلك الروح القدس الا يكون هذا الشخص مستريحاً (من أي قلق) من جهة نفسه ؟؟ بل العكس تماماً , لأننا عندئذ نكون واحدا مع المسيح الذي يعتبرنا لحما من لحمه , والذي يهتم بكل امورنا , صحيح انه ربما يجرحنا قليلاً , لكنه يفعل ذلك لأنه لا يستطيع ان يهملنا لأننا جسده , وكلما اقتربنا منه اكثر كلما تنبهنا اكثر لهذه الامور , والي جانب حقيقة توحدنا مع المسيح , فلكي نتمتع التمتع الكامل بهذا الامتياز , ولكي يفيض القلب بالفرح بامتلاكنا لهذا الامتياز ينبغي ان يكون الروح القدس فينا غير محزون , فلو ان قلب بولس غير فخور فحتي مع وجود حقيقة التوحد مع المسيح لم يكن في استطاعته ان يقول ليت الجميع مثلي , قد يدرك هذه الحقيقة بعقله بدون خطية , لكن لم يكن في مقدور القلب ان يقولها بالروح القدس , لكن الروح لم يكن ممكنا ان ينسحق سواء بسبب السجن او لسبب أي ضيقة اخري , لم يكن هناك ما يعوق بولس عن التمتع بنعمة المسيح , كان في استطاعته ان يقول انه سعيد في كل الظروف , بل انه استطاع ان يقول للذين يسمعونه اريد ان يكون الجميع مثلي , وعندما قال اغريباس لبولس " بِقَلِيل تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا " لو ان هذا السؤال  قد وجه لنا , فتري ماذا كانت ستكون اجابتنا ؟ ربما كنا نقول له , حسناً لو صرت كذلك , لكن هل كان في استطاعة كل واحد منا ان يقول له , ليتك كنت مثلي , هذا يبين السعادة الداخلية التي كانت عنده , ما أسعد الشخص الذي يستطيع ان يقول هذا !! ويمكن للجميع ان يقولوها في المسيح , لأن المسيح قال عن الجميع " أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ " لكن ما لم نكن قريبين من المسيح , كما في حالة بولس فلا تكون لنا الحرية .
واآسفاه !! كثيرا ما توجد امور في حياة المؤمن المسكين تجبر المسيح ان يؤدبه , وهناك تنوع واسع في مظاهر هذه المحبة , لكن هذا لا يغير شيئاً من الحقيقة , فأنا واحد مع المسيح , والمؤمن يري في الله كل صلاح من نحوه وكخاطئ لا يجد فيه إلا النعمة , وفي المسيح بر الله , وحياة الله , ومجد الله , وفيه ما يعلن للمؤمن انه واحد فيه , والذي يقول عنه المسيح "أنا" وعنده الروح القدس حتي يمكنه ان يفهم المسيح , ويستمتع به , ولكي يعرف بواسطة هذا العربون ان سعادة الله والشركة معه هي له (من نصيبه) الي الابد , وبحسب حلاوة السلام الذي يؤكد له ذلك , وعندئذ وهو مندهش ومملوء بالمحبة يستطيع ان يقول "كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى اللهِ أَنَّهُ بِقَلِيل وَبِكَثِيرٍ، لَيْسَ أَنْتَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي الْيَوْمَ، يَصِيرُونَ هكَذَا كَمَا أَنَا، مَا خَلاَ هذِهِ الْقُيُودَ " .
ووجودنا في محضر الله من شأنه ان يحطم كل ما وضعناه لكي يعوق الضمير من ان يكون حياً , ومع كل تدينك هل تريد ان تتعري امام الله الذي امامه كل قناع يتمزق ؟ , ان كل ما نضعه امامنا لكي يعوق رؤيتنا لله , كل الاهتمامات كل المسرات , كل الممارسات الدينية , كلها ستثير اشمئزازنا عندما يستيقظ الضمير , هل انتم مقتنعون ان ضمائركم يجب ان تكون مكشوفه امام الله !! اذا كان الحال هكذا فإن المسيح يمكن ان يقول لكم انتم واحد معي , والله مشغول بكم لأنكم واحد معي مثل اولئك الذين قال عنهم " أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ " .
ليت الله يعطينا نعمة , يا اخوتي الاحباء ان نفهم هذه الحقيقة التي لها كل القوة وكل البركة لنفوسنا .
يوحنا داربي

الأحد، 21 أبريل 2013

راحة الله وراحة المؤمن

راحة الله وراحة المؤمن
عب (4)

انه لامر مبارك رغم كونه – من زاوية ما – امر مرعب للجسد ان يكون علينا ان نتعامل مع الله الذي معه امرنا (ع13) ومع ذلك فما اكثر ما ننسي هذا الامر او نتجاهله .. ان ميل قلوبنا الطبيعي هو ان نتخلص من وان نرهب ونخاف من محضر الله تماماً مثلنا مثل الطفل العاصي الذي يخشي عيون والده , فعلي طول الخط وفي كل الظروف واللحظات , فان الله هو الذي معه امرنا (او هو الذي يتعين علينا ان نتعامل معه) ان الناس الذين يبتغون دائماً الراحة في قضايا ثانوية ينقادون الي الالحاد العملي , وهكذا الحال – بدرجة ما 0 مع المؤمن اذا كان مسترحياً في الظروف فهو يفقد الاحساس بان عليه ان يتعامل مع الله .. لكن سواء كان من اجل البركة ام كان من اجل فائدة الضمير , يتعين علينا ان نتعامل مع الله .
هل نحن نبحث عن السعادة , اين سنجدها ؟ واين سنجد البركة التي لا يستطيع احد ان يمسها او يعوقها او يفصلنا عنها إلا عند الله ؟ فهو ليس فقط مصدر بركتنا بل هو البركة ذات نفسها , توجد في الواقع كثير من البركات الخارجية (المنظورة) ممنوحة لاولاده عرضاً , وهذه البركات يمكن ان يحصل عليها غير المتجددين , لكن قوة وتعزية وفرح المؤمن هو في هذا , انه يتعامل مع الله (او ان امره مع الله ) الله هو مصدر ومركز بركته .
ونجن بمجرد ان نتقدم حقا لأن نعرف الله , فإننا سنعرفه باعتباره الله محبة , واذ نعرف ان كل ما يأتي علينا منه بالرغمن من كوننا في البرية – بغض النظر عن المكان والظروف – فإننا سنفسر كل شئ من منظورة محبته , ربما ادعي لان اجتاز الألم والحزن والتجربة كجزء من معاملاته التأديبية والتدريبية , لكن كل ما يأتيني من عند الله يأتيني من مصدر وينبوع انا أثق فيه كل الثقة , وانا انظر من خلال التجارب الي الله , ولا شئ يستطيع ان يفصلني عن محبته .
وعندما تكون المعرفة بالله ضحلة , وعندما لا توجد الثقة في محبته سيوجد التذمر من الظروف والتبرم والعصيان , وفي مثل هذه الحالة سيكون الشعور بأن علينا ان نتعامل مع الله شعورا بالخوف اكثر منه كونه يسبب الفرح , يقول الرسول يوحنا "وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي ِللهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ" (1يو 4 : 16) .
وأليس صحيحا اننا كثيرا ما نتوقف عملياً عند الظروف التي نجد انفسنا فيها , ولا نضع اعتبارا إلا لمشاعرنا ولحكمنا (أو تقديرنا) الشخصي لهذه الظروف ؟ , ان هذا برهان علي ان نفوسنا ليست عائشة في كامل الشركة مع الله , ان ما ينبغي ان يشغلنا ليس الظروف بل ماذا يقصد الله منها .
وينبغي ان يكون الضمير نشطاً كذلك , لأنه من الصحيح ايضاً اننا في ضمائرنا علينا ان نتعامل مع الله , وهذا امر مفيد جداً رغم كونه ليس بالامر المحبب "كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا"(عب 4 : 13) , وبعد كل شئ , اليس هو امراً مباركاً يا اخوتي الاعزاء انه لا يوجد شئ يمكن ان يفلت من يد الله ؟ ويالها من تعزية انه يميز أي فكر لنا قد يكون من شأنه ان يعوق البركة أو يطمس الشركة معه! ربما يكون عند شر ما مكتوم (واحد من ربوات الامور التي يمكن ان تعوق تمتعي بالله) وقد يكون هذا الشر عاملاًً في قلبي وانا غير مدرك له , وعندئذ يرسل الله ظرفاً ما يجعلني اكتشف الشر جتي يمكنني التخلص منه , اليس هذا بركة عظيمة لنا ؟! فالظرف لم يخلق الشر الذي اثاره لكنه فقط يعمل علي الشئ الذي يجده في قلبي ويجعله ظاهراً , فمن حيث ان علي ان اتعامل مع الله فلابد ان اعرف الشر الذي بداخلي الذي لم اكن اعرفه قبلاً , ولا عرفت انه موجود هناك , الله يكشف ويميز افكار القلب ونياته , فالله لا يمكن ان يستريح وهو تارك أي شئ موجود من شأنه ان يعوق محبتنا وثقتنا او يشوب راحتنا وسلامنا في شخصه الكريم , وبمجرد اكتشاف الشر ننسي كل الظروف , ولا نري في الافق الا عاقبة الرب .
ومن الطبيعي ان يبحث قلب الانسان عن الراحة ويطلبها هنا , لكن لا توجد أي راحة هنا للمؤمن , لكنه مكتوب "إِذًا بَقِيَتْ رَاحَةٌ لِشَعْبِ اللهِ!" (عب 4 : 9) ومعرفتنا بهذا الامر شئ ملئ بالبركة بقدر ما هو مشحون بالألم - الألم للجسد , الذي لأنه دائماً ينشد راحته هنا , فلابد ان يصاب بالاحباط , اما البركة فهي للروح التي لكونها مولودة من الله لا يمك ان تجد راحتها الا في راحة الله , كما هو مكتوب عن الراحة انها راحة الله نفسه "يَدْخُلُوا رَاحَتِي"(ع 3 , 5) , فالله لا يمكن ان يستريح وسط خراب الخطية , لا يجد راحته الا في كل ما هو مقدس وطاهر بشكل كامل , ولأن الله الذي لا يسترريح إلا هكذا هو محبة ويحبنا , فهو يجعلنا نفهم انه لابد ان يحضرنا الي راحته هو , الي موضع سروره هو .
لكي تعرف النفس ماهية راحة الله , وليتثبت القلب عليها ولو مرة واحدة , فعندئذ سيكون هناك فرح لا ينطق به ومجيد في أي ادراك حقيقة ان الله لا يمكن ان يستريح فيما هو اقل من استحضارنا الي شركته هو , وسيوجد عندئذ الادراك الكامل الثابت اننا لا نستطيع ان نجد راحتنا في أي موضع اخر , في الواقع توجد مباهج في الطريق , لكن في اللحظة التي فيها نجد راحتنا فيها , تصبح هذه المباهج ذاتها سماً زعافاً لنا مثلها مثل السلوي لبني اسرائيل (سفر العدد ص 11) .
وعندما تفقد النفس عملياً معرفة حقيقة ان راحتها هي في راحة الله , في اللحظة التي تتحول العين عن الراحة التي بقيت , فإننا نبدأ في البحث عن الراحة هنا , وتبعاً لذلك نصبح قلقين ومتعبين وغير مكتفين , وفي كل مرة نجد فيها شيئاً ننشد فيه راحتنا , فإن هذا الشئ عينه يثبت انه مصدر جديد للتعب والصراع لنا – مصدر جديد للتدريب وتعب القلب , ان الله يحبنا أكثر كثيراً من ان يدعنا نستريح هنا .
فهل انت مقتنع يا اخي العزيز بألا تطلب الراحة في أي موضع اخر الا في راحة الله ؟ ما هو سر التعاسة والقلب الحقيقي لمؤمنين كثيرين ؟ انه التوق الشديد للراحة هنا , فالله يصبح عندئذ مضطراً أن يؤدب وان يدرب هذه النفس وربما يسمح بظرف يؤدي الي كشف الحالة الحقيقية لذلك القلب وذلك بلمس المحور الذي تدور حوله ارادتنا , فالظروف لا تربكنا ما لم تكشف شيئاً فينا مخالف لله , وإلا فإنها سوف لا تحدث الا حفيفاً كالريح , والله يتعامل مع ما فينا مما يعوق الشركة , ويمنعنا من ان ننشد الراحة فيه هو شخصياً وحده بلا شريك , وما تأديبه الا التدريب الدائم للمحبة التي لا تستريح الأن او لا تستريح هنا لكي تدخلنا الي راحته هو . فإذا ما حطم راحتنا هنا , وإذا ما حوَّل اللحمة لنا الي سماً مميتاً فما هذا الا لكي يوصلنا الي راحته هو لكي نحصل علي ما يشبع قلبه ورغائبه هو , لا رغائبنا نحن , فهو "يَسْكُتُ (يستريح) فِي مَحَبَّتِهِ" (صفنيا 3 : 17) .
"لأَنَّ الَّذِي دَخَلَ رَاحَتَهُ اسْتَرَاحَ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَعْمَالِهِ، كَمَا اللهُ مِنْ أَعْمَالِهِ" (عب 4 : 10) المسألة هنا ليست عن التبرير او عن راحة الضمير من جهة الدينونة , هذا كله قد تمت تسويته , "لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا" (رو 5 : 19) هناك نستريح نحن وهناك يستريح الله , وايضاً "لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ" (عب 10 : 14) فالمؤمن قد وصل قبلاً الي الراحة الكلية علي عمل المسيح من جهة هذا الامر , له سلام مؤسس علي دم المسيح .
النقطة هنا تخص الذين تبرروا , الذين جاء بهم الله ليضمهم الي عائلته , فالله يدرب هؤلاء ويوّصلهم الي التمتع الكامل ببركته وراحته . فإذا كنت وأنا اب استمتع بشئ ما , فلا يمكن (إذا كنت احب ابني حقاً) إلا احب ان يشاركني ابني هذا الاستمتاع , فإذا كان هذا هو الحال معنا ونحن اشرار , فكم بالحري يكون الامر اعظم بما لا يقاس مع أبينا السماوي !! , ان ما يريده الله لنا – كما رأينا – هو ان يوصلنا الي التمتع بكل ما يستمتع به هو , وهو يجد لذته في ذلك . وقد جعلنا شركاء الطبيعة الالهية حتي نستمتع بذلك , كان العبرانيون باستمرار معرضين للسقوط في طلب الراحة هنا , او باختصار كانوا معرضين الا يحيوا حياة الايمان , والنقطة العظمي التي يركز عليها الرسول هي ان الله ليس له راحة هنا , وانه طالما وجد ما من شأنه ان يعطّل راحة محبته لا يستطيع ان يستريح , وهذا ما يبرهنه الرسول بمجموعة من الشهادات انظر (الاعداد من 3-8) فيما يختص بحالتهم الخاصة , فرغم انه يقول لهم "لأَنَّنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ نَدْخُلُ الرَّاحَةَ" (عب 4 : 3) إلا انه لم يكن محتاجاً ان يبرهن لهم علي ما هو اكثر من ان كونهم ليسوا في الراحة الان كان لأجلنا نحن , ونحن نقرأ عن تحملهم الكثير من الصراعات والضيقات "مِنْ جِهَةٍ مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ، وَمِنْ جِهَةٍ صَائِرِينَ شُرَكَاءَ الَّذِينَ تُصُرِّفَ فِيهِمْ هكَذَا" (عب 10 : 33) كانوا ما زالوا في ظروف احتاجوا فيها ان يقال لهم "لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ" (عب 10 : 36) ومن الواضح ان هذه التحريضات لا تتلاءم مع حالة الراحة "فلنخف" (ع1) , "فلنجتهد" (ع11) .
وقد يبدو غريباً ان يركّز الرسول لنا في احدي اللحظات علي الضمان الكامل في محبة الله وامانته , وفي اللحظة التالية يخاطبهم هكذا , "فَلْنَخَفْ، أَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ وَعْدٍ بِالدُّخُولِ إِلَى رَاحَتِهِ، يُرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنَّهُ قَدْ خَابَ مِنْهُ" (عب 4 :1) لكن الله لا يكف ابداً عن التحذير حتي يكون هناك ممارسة للمسئولية نحة شخصه بينما نحن في مسيرتنا نحو راحته , ولو كانت القضية موضوع الحديث هي التبرير لقال لهم "لا تخافوا" , "ولا تجتهدوا" لأن المسيح عمل كل شئ لأجلكم (او نيابة عنكم) "أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ" (رو 4 : 4) .
ام الخوف والاجتهاد فيبدأن عندما تكون مسألة التبرير قد حُسمت , تم حسمها الي الابد , والقاعدة المباركة التي تظهر للعيان هي ان الخوف والاجتهاد هي نتائج كوننا نتعامل مع الله , فلأن لنا الثقة الكاملة في محبة الله , ولأننا نقدّر القيمة العظيمة التي لراحة الله , فنحن نخشي كل شئ , ليس فقط الغوايات والفخاخ التي في الطريق , بل كل تحرك للجسد أو ما شابه ذلك مما قد يدخل بيننا وبين الله , البركة مضمونة في النهاية , كما يقول "لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ،" (1بط 1 : 4) لكن الضمير يقول هكذا "فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" (تك 39 : 9)  , اننا بالإيمان محروسون كما هو مكتوب "أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ" (1بط 1 : 5) , فالإيمان يتيقن من وجود الله , ومن هنا يأتي الخوف المقدس , نسير زمان غربتنا بخوف "وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَبًا الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ،" (1بط 1 : 17) .
يكتب الرسول بولس الي الفيلبيين قائلاً "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (في 3 : 13-14) ويضيف ايضاً "لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ" (في 3 : 11) هل معني هذا انه لم يَرَ يقينية النهاية , كلا بل لأنه رأي الطريق وايضاً النهاية وكل مشاكل الطريق , كان بولس يخاف بشدة من كل ما من شأنه ان يعوقه في الطريق او يؤدي به - ولو للحظة – الي طريق الانحدار (ادمان الجسد يفعل ذلك) ثم يضيف "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي مَعًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَلاَحِظُوا الَّذِينَ يَسِيرُونَ هكَذَا كَمَا نَحْنُ عِنْدَكُمْ قُدْوَةٌ لأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَارًا، وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ" (في 3 : 17-19) .
أين هذا الخوف المقدس ؟ فإذ قد اعطي الوعد براحة الله فإننا نعرف نهاية المسار , "فَلْنَجْتَهِدْ أَنْ نَدْخُلَ تِلْكَ الرَّاحَةَ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ أَحَدٌ فِي عِبْرَةِ الْعِصْيَانِ هذِهِ عَيْنِهَا" (عب 4 : 11)  النعمة ستمنع هذه النتيجة , لكنها النتيجة التي سيوصل اليها الجسد وكل انشطة مشيئة الانسان وكل معترف غير متجدد .
لا يوجد دليل او شاهد علي صحة توجه القلب مثل هذا الخوف المقدس , فالإنسان غير المتجدد لا يخشي الشيطان لكنه ما لم يكن قد تقسي تماماً يرتعب من الله ارتعاباً شديداً , اما المؤمن الحقيقي فلا يخاف من الله خوف الارتعاد لكنه يرتعب من ابليس , وعندما يتكلم الرب يسوع عن خرافه يقول "وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ" (يو 10 : 5) , أي ان عندهم التوجس من كل شئ بخلاف صوت راعيهم المعروف لديهم جيداً , وفوق الكل فإن هذه الخراف تخاف الذئب لأنها مدركة لضعفها , فإذا جاء واحد ليقول لهم " النهاية مضمونة فلا تهم الوسائل » فإن هذه الخراف ستعرف ان هذا لا يمكن أن يكون هو صوت الراعى الحقيقى . . إن كل شىء من شأنه أن يشوش رؤيتنا للمجد أو أن يمنع أن تكون عيوننا بسيطة نحو الله . مهما غلا او عظمت قيمته حسب الظاهر . ينبغى الاحتراس منه لأنه سيؤدى بنا حتما الى التردى سريعا فى طريق الانحدار . عندما تكون العين بسيطة , فإن الجسد كله يكون نيراً (لو 11 : 34) . ولذلك فإن أى شر سيكتشف – كل ما يعوق العواطف من ان تكون مثبته ببساطه وموحده نحو الله . .
فالخوف والاجتهاد إذن , ليس مرجعهما الشك فى محبة الله , بل يقينية الوجود فى البرية . فالمؤمن يعرف انها "أرض ناشفه ويابسة بلا ماء " ( مز 63 : 1 ) وهذا يأتى الى محضر الله , ونفسه تشبع بشحم ودسم إذ أنها مخلوقة لترتوى من نهر لذاته (هو) . . الفداء من أرض مصر يوّصل الى البرية .. وما لم يكن الله لنا هناك فلا شىء لنا .. فلا يوجد شىء فى هذا العالم الواسع أو منه يمكن أن ينعش الانسان الجديد , كما أنه لا يوجد فى السماء شىء يغذى ويشبع الانسان العتيق .
وعندما تحتجب عنا رؤية يد الله وعينه . فلا يتبقى لنا سوى حماقتنا ورمال الصحراء من حولنا .. ربما يقول واحد لمؤمن : الراحة لذيذة فى النهاية فيجيبه: نعم لكنه لا يكفينى أن أعرف أننى فى النهاية سأكون مع الله .. فلى راحه عند الله الان إذ أنا أعرف الله الان , وأنا استمتع بمحضر الله الان , ولا يمكن أن أشعر بالشبع والاكتفاء إلا إذا كان الله لى نصيباً حاضراً (الان) , وأنا اخاف كل الخوف من أى شىء يدخل بينى وبين الله .. فبينما تكون العين مثبته على الله والنفس مستريحة عليه ..  تصبح لنا قنوات من الشركه (السعيدة) معه .
كل شىء – يا أخوتى الاعزاء – يبرهن على أن راحتنا ليست هنا . فالخوف بسبب اننى فى البرية ولى قلب معرض للابتعاد عن الله – ليس راحة. والصراع الحتمى مع ابليس ليس راحة .. والاجتهاد ليس راحة ." إذاً بقيت راحة لشعب الله " (ع9)

وإذاً فيوجد ايضاً الاجتهاد , ونشاط الانسان الجديد فى نصيبه أو دوره الخاص .. إنه لأمر هام حقاً من أجل فرحنا أن نجتهد فى مجالنا الخاص .. والكنيسة تحتاج ان تعرف أن لها نصيبها الخاص بها . دائرتها الخاصه للعمل والاجتهاد .." فِي حَرْثِ الْفُقَرَاءِ طَعَامٌ كَثِيرٌ، وَيُوجَدُ هَالِكٌ مِنْ عَدَمِ الْحَقِّ" (أم23:13) .. فعندما نكون مساكين فى الروح , ونكون مجتهدين أن ندخل راحة الله سنجد يقينية فى الغنى الذى فى المسيح يسوع لا يصل اليه ادراك الكثير من المؤمنين . اليس لنا دائرة تجد فيها حياتنا نصيبها "لاهل العالم اهدافهم التى يسعون اليها , لهم ما يشغلهم ويحتوى تفكيرهم . وأليس لحياة الله التى فينا موارد لتقوينا , وأليس لناغنى فى المسيح لنتغذى عليه " . بلى.
" لَنَا «مَذْبَحٌ» لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ" (عب10:13) .. لنا دائرة فيها تمارس الحياة الالهية الممنوحة لنا خصائصها كما تجد مواردها .. للكنيسة أغراضها , وأهتمامتها وكنوزها . لها دائرتها الخاصة لحياتها . كما أن لها مجال عواطفها ومواضع اهتمامتها . بأختصار لها "عالمها" حيث يوجد الإثمار لله .. فهل لك ايها القارىء العزيز ادراكا أن لك هذا النصيب , وهل سرور نفسك هو أن تتقصى غنى المسيح.
"الصلاح الذى هو فى الله".. ان كل ما حصلت عليه من غنى المسيح هو فقط من أجل أن أصبح أكثر غنى, هو وسيلة أبلغ بها الغنى الذى لا يستغنى .
وهذا الاجتهاد المقدس فى تقصى الغنى الذى فى المسيح , يحفظنا فى حالة الاحساس الحى بما لنا فيه . وبذلك يجعل كل ما عداه بلا قيمة . وحفظ النفس مثبته على المسيح سيجعلنا قادرين على مقاومة الاغراء والخطية .. ونحن لا نحصل على القوة بإمعان التفكير فى الغرض . الذى يمكن أن يكون تجربة لنا . ليس بجعل عقولنا تطيل التفكير فيه. حتى ولو بقصد مقاومته .. (بل) إن امتيازنا هو أن نكون منشغلين بالمسيح . وبهذه الكيفية نحصل على الانتصار.. أن حريتنا هى ألا نكون فيما بعد ولا فى اى وقت آخر خاضعين (مستعبدين) للخطية . حريه أن نخدم الله بلا اى عائق من الجسد .. لست اريد حرية للجسد , بل الحرية للانسان الجديد , وهذا لكى أفعل مشيئة الاب .. ولو أن شيئاً استطاع ان يسلب الرب يسوع حريته عندما كان هنا على الارض }مع تسليمنا بأستحالة ذلك{ لكان معنى ذلك هو منعه من عمل مشيئة ابيه ..
ربما لا يكون صدى كلمات مثل "الخوف" أو"الاجتهاد" هو التعبير عن امتياز , لكنه بالحقيقة كذلك .. ولأننا كثيراً ما نفشل فى هذه الامور فهو امتياز مبارك أن نعلم أن الله يفحص القلب ويتعامل مع الضمير- أن "كل شىء عريان ومكشوف لعينى ذلك الذى معه امرنا " .. وإذا لم نحكم على انفسنا فأن الله سوف يحكم علينا. " وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ" (1كو32:11) .
وأليس من المريح للنفس , التى تحب القداسة بحق أن تعرف أن الله سيأتى ويكنس البيت لئلا تكون هناك ذرة أمر متروك من شأنه أن يؤذى عينيه أو يعطل سيرنا فى النور حيث يسكن هو .. فالقداسة تعطى المؤمن الجسارة أن يقول " اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" (مز24,23:139) .. يالها من ثقة رائعة . والله يمتحننا فعلاً بواسطة نور كلمة الله وهو يرينا الشر بالكلمة . وهذا هو الاستخدام الذى يستخدم فيه الروح القدس كلمة الله " لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (ع12) .. حينئذ يؤتى بنا الى محضر الله . كما لو كان الله يتكلم الينا , وهو يفحص قلبى حتى فى احلى شهادات نعمته .. وإذا يجعلنى اكتشف الشر . فهل يحدثنى عنه بلغة القضاء . وكأنه خطية محسوبة على "كلا" بل يقول لى : هنا أمر لا يتفق مع محبتى , أمر لا يرضى محبتى .
ولو كنا قد تأهلنا للحكم على انفسنا بكلمة الله , قد يكون هناك شىء أخر أكثر لزوماً فى طريق التأديب لكن يظل أنه من دواعى راحتنا وتعزيتنا أن الله هو الذى معه أمرنا . لنفرض على سبيل المثال . اننا كنا نبحث عن الراحة هنا وأننا فى النهاية وجدنا مكانا فى البرية جعلناه محلاً لإقامتنا فإن الله لابد أن يبدأ العمل لاقتلاعنا . إلا إذا رأى أن من الضرورى أن يتركنا لانفسنا بعض الوقت . لكى تستيقظ ضمائرنا بواسطة (بسبب) السقوط .
وإذا كانت هناك ظروف وتجارب تحير قلوبنا . دعنا فقط نقول أن الله هو" الذى معه أمرنا " وما الذى يقصده من التعامل معى؟ .. فى اللحظة التى يصل فيها القلب الى التعرف على وجود الله , ينتهى كل شىء – سيخضع القلب (لسلطانه) .. ونجد النفس فى شركة معه (مع الله) بخصوص الظروف . ويصبح كل شىء فى سلام ليست راحة أن تُفحص وأن تُجرب فتبارك اسم الله . الراحة ليست نصيبنا هنا .. لن تدعنا قداسته نستريح حيث يوجد الحزن والالم . لذلك "بقيت راحة لشعب الله" هى راحته هو . هو نفسه سيكون فيها . ونحن نستريح فيه هو .
لو عرفنا (اختبرنا) قدراً أكبر من الراحة والفرح الناتج من الامتلاء الى كل ملء محبة الله. لشعرنا بأن الظروف الحالية لا تساوى شيئاً .   لا بل ما هو اكثر من ذلك اننا لو تعمقنا ولو قليلا في ادراك مقاصده من نحونا لقلنا : ليته يتعامل معنا ليته يؤدبنا , ليته يقتلعنا كما يشاء حتي يكون لنا شركة كاملة مع محبته .
أه .. ليتنا لا نقنع بالقليل من البركة .. بالمقاييس الدنيا , او المستويات القليلة من التمتع , بل ليتنا نتقدم للامام , وليت عيوننا تتطلع الي الامام في الاتجاه الصحيح . وليتنا نسعي بقوة روح الله الي تحقيق كل ما هو لنا في المسيح عملياً .

يوحنا داربي