السبت، 29 يونيو 2013

إن كان أحد يحسب نفسه روحيًا ...؟

إن كان أحد يحسب نفسه روحيًا ...؟  
1كورنثوس14: 37، 38
هل يوجد بين المؤمنين الحقيقين من يحسب نفسه روحيًا وهو ليس كذلك؟
اسمح لي، عزيزي القارئ، أن أعبِّر عن الألم الشديد الذي ينتابني وأنا أتجوَّل وأتأمل حال إخوتي، فهم القديسون والأفاضل الذين في الأرض، لكنني أرى الكثيرين منهم، كبارًا وصغارًا، رجالاً ونساءً، قد تفرقوا واختلفوا شيعًا كثيرة، من جهة مفهوم كل منهم للروحانية الحقة!  كل فريق في طريق، وفي كل طريق الكثير من الحواري والأزقة!  وأشد ما يؤلم هو أن كل منهم مقتنع بأن منهجه وطريقه هو طريق الروحانية الكتابية الصحيح، بل والوحيد!
هذا جعلني أتساءل:
هل يوجد في الكتاب ما يشير إلى إمكانية سقوط المؤمن الحقيقي في حالة من التيهان الروحي؛ تجعله يتجه صوب صورة غير حقيقية للروحانية، وبالتالي يحسب نفسه روحيا وهو ليس كذلك؟
أعتقد أن كلمات الرسول بولس لإخوة كورنثوس، والتي هي عنوان هذا المقال، تجيبنا بنَعَم.  فهو يقول: «إن كان أحد يحسب نفسه روحيًا»!!!  ولم يقل: ”إن كان أحد روحيا“، بل هو يحسب نفسه كذلك!!  لذا يبدو أن هذه المشكلة قديمة قِدَم الكنيسة، فمن الأيام الأولى سقط كل من إخوة كورنثوس وإخوة غلاطية فيها، فاستوجبوا توبيخ الرسول، لكن ليس بدون علاجه:
فإخوة كورنثوس ظنوا أن الروحانية هي الحصول على مواهب الروح القدس، وعلى الغنى في كل كلمة وكل علم؛ فساروا في طريق خاطىء وكانت النتيجة هي التحزّب والانقسام وجلب العار. 
وإخوة غلاطية ظنوا الروحانية على أنها إضافة نوافل ووصايا من العهد القديم لعمل الروح القدس فيهم؛ الأمر الذي جعلهم ينهشون بعضهم بعضًا حتى كادوا يفنوا بعض!!
واليوم نحن نعايش الكثيرين من أحبائنا القديسين الذين سقطوا في فخاخ صور خاطئة للروحانية، تستهلك من أعمارهم الكثير، بل وقد ينتهي العمر بهم دون أن يستفيقوا من وهمهم الكبير!  وإليك بعض الأمثلة:
  • فهذا أخ نشيط غارق في اهتمامه بالخدمة والنفوس، دائم الركض لذات اليمين ولذات اليسار، يتابع دائمًا، وبشغف، أخبار الخدام ولا سيما المشهورين.  لكنك لا تشتم في حياته أبدًا رائحة المسيح، ولا تتنسم في حضوره أبدًا عبير المقادس.
  • وهذه أخت ثانية تحكي لك بهيام عن مشاعرها الفيَّاضة في فرص الصلاة، وعن آثار هذه المشاعر على جسدها الذي لا يتحمل فيض الأحاسيس.  لكنك تجد نفسك أمام إنسانة تدور حول ذاتها حتى النخاع.
  • وهذا أخ ثالث ساخط على جميع إخوته لأنهم، من وجهة نظره، إخوة متسيبون وغير ملتزمين، وبالتالي فهم ليسوا مثله روحيين، إذ هو حريص كل الحرص على حضور الاجتماعات وفي الميعاد!!  لكنك من الجانب الآخر تجد أسرته تشتكي مُرَّ الشكوى من قسوته في البيت، وعدم أمانته في أمور يعتبرها صغيرة، كذلك زملاؤه في العمل لا يحملون أي انطباع جيد عنه، ولم يُظهر لهم أبدًا وداعة المسيح ومحبته!
  • وهذه أخت رابعة تحكي لك بانبهار عن روعة مواهب الروح القدس التي اختبرتها، وعن أسفها الشديد على بقية الإخوة لأنهم محرومين منها!  لكن يلفت نظرك بشدة في حديثها، رائحة العُجب وهي تفوح منها، ومشاعر الإدانة القاسية وهي تقطر من بين شفتيها.
  • وهذا أخ خامس لا مشغولية عنده سوى بأخبار الإخوة في الداخل والخارج!  من منهم ثابت على المبدإ ومن منهم انحرف عن السبل القديمة؟  مَن انقسم على مَن؟  ومَن انفصل عن مَن؟  ومَن قَبِلَ مَن؟  ومَن عَزَل مَن؟  ومَن عليه الدور في العزل؟  ومن عليه الدور في الانقسام؟  كل هذا دون أن يذكر لك شيئا عن الحبيب، أو يأتي لك بحديث ينفي الكدر!  لا يحدثك عن فرحه بنفوس قد خلصت أو أشواقه لنفوس تخلص، وإن حدّثك عن إخوته فهو ينظر إليهم من وجهة نظر واحدة هي مدى طاعتهم لما يسميه ”مبادئ الإخوة“ ،  تشعر في جلستك معه أنه قد نَحَتَ شعارًا جديدًا وغريبًا هو ”لي الحياة هي الكنيسة، والانفصال هو ربح“!!  هذا النوع من المؤمنين قد اعتبر أن الاهتمام الشديد بأمور الكنيسة هو الروحانية الحقة!  بينما في الواقع هو لا يهتم بالكنيسة بل بمبادئ كنسية، وما أبعد الفارق بين الاهتمام بكنيسة الله وبين الاهتمام بمبادئ كنسية.  هذا لأن الكنيسة ببساطة هي جماعة القديسين، وبينما صاحبنا غارق في الاهتمام بمبادئ كنسية، ربما لم يكلِّف نفسه عناء فهم أُسسها الكتابية.  تجده لا يظهر أي اهتمام بحال القديسين، والذين هم الكنيسة، فلا تجد في حديثه ما ينم عن حب لضعيف قد زَلّ، أو رغبة لإنهاض عاثر قد سقط، أو دمعة حزن في صلاة حقيقية من أجل قديس قد أخطأ!  هذه الخدعة الكبيرة هي، من وجهة نظري، هروب مخزٍ من جهاد ومعاناة وتكلفة الروحانية الحقيقية، إلى الكسل الروحي بكل معانيه ومخازيه، إلا أنه يتميز عن بقية أساليب الهروب المخزي أنه يجعل صاحبه لا يشعر بأي شيء من العار الذي ينبغي أن يشعر به المؤمن الكسول، بل على العكس هذا النوع من الهروب يجعله يضع نفسه على قمة جبل الروحانية ناظرًا من عليائه بازدراء وإدانة، ليس فقط للمؤمنين من كل الطوائف لأنهم لم ينفصلوا عن الأنظمة البشرية، بل حتى أيضًا لإخوته الذين لا يسيرون معه في ذات الطريق، والذين لا يحمدون الله من أجله؛ إذ أبقاه ذُخرًا لهذا الجيل كحامي حمى المبادئ الأخوية وآخر عنقود البقية التقية.
  • وهذا أخ سادس متبحِّر في معرفة الكتاب، يشعر بأنه قد درس المنهج وحفظه جيدًا ومستعد بقوة لأي امتحان، وبالتالي لا يكُفّ عن أن يُتحف إخوته بالتعاليم والتعليمات، ويا ويل من يخطئ منهم في تأمل أو حتى في صلاة.  تجده يكثر من الأسئلة العويصة إذا رأى معلّمًا، ويكثر من طرح آراء كبار الشرّاح إذا رأى تلميذًا.  لكن إذا أتيحت لك الفرصة، رغما عنك، لترى حياته العملية؛ فإنك لا تجده يظهر هذا الحرص على طاعة الكتاب بقدر الحرص على معرفته!
  • وهذا أخ سابع لا حديث عنده إلا عن زمان، وإخوة زمان، وخدّام زمان!  والروحانية عنده هي التمسك بما كان زمان، بغضِّ النظر إن كان هذا الذي كان زمان يتفق مع الكتاب أم لا؟!  هو لا يقيس الشيء على كلمة الله، لكنه يقيسه على ما كان يحدث زمان!  والمضحك المبكي أن زمان هذا عنده هو أمر شخصي بحت لا يتعدّى بضع عشرات من السنين!  لأنه لو كان يتمسك بالقديم فعلاً فعليه أن يرجع لما هو أقدم، للذي كان من البدء، أي يرجع للكتاب لكي يقيس عليه فهو الأقدم والأثبت. 
  • ناهيك عن عدد ليس بقليل من المضطربين نفسيًا، وما أكثرهم داخل الكنائس، والذين وجدوا في الصور الخاطئة للروحانية مُسكِّنًا قويًا لاضطراباتهم النفسية؛ فأمسكوا بها بشدة، وصاروا يدافعون عنها باستماتة، بل والمصيبة أنهم يجتهدون لفرضها على بقية المؤمنين على أنها النموذج الأمثل للروحانية! 
  • وعلى الجانب الآخر لكل هذا تجد بعضًا من القديسين، شعر أنه بحكم تكوينه الشخصي، ومن خلال علاقته الشخصية مع الله في مخدعه، لا يمكنه أن يكون أيًّا من هذه النماذج السابقة أو غيرها مما يقدمه المجتمع المسيحي على أنها الروحانية.  وبالتالي اعتقد في نفسه أنه لا يمكن أن يكون شخصًا روحيًا، على الرغم من شوقه لذلك، فيظلّ قابعًا على ضفاف الحياة الروحية، خائفًا من العمق أو رافضًا إيّاه، إذ أن العمق في نظره هو أن يكون أحد هؤلاء وهذا ما يرفضه.
ولا شك عندي أن المخلصين من كل الفئات السابق ذكرها، وغيرها، إن كانوا مسيحيين حقيقيين، سيكتشفون - إن آجلاً أو عاجلاً - زيف هذه الصور.  وعندئذ سيخجلون، بل وسيحزنون بشدة على السنين التي ضاعت في هذا الوهم الخادع.  وأشد ما يخيفني عليهم هو ردود الفعل الخاطئة لهذا الاكتشاف المؤلم:
    • فبعضهم يصاب بحالة من الإحباط الشديد الذي يجعله يقبع بقية عمره على شاطئ الحياة الروحية رافضًا الدخول إلى أي عمق جديد.
    • وبعضهم ينظر بشك وارتياب للروحانية الحقّة!  خائفًا أن تكون مزيفة كتلك التي سبق وعاشها.  وبالتالي تضيع منه اختبارات رائعة وفرص كثيرة لخدمة السيد الحبيب.
    • وبعضهم يقع في فخ إبليس، فيتجه بعنف نحو الصورة العكسية تمامًا للصورة الوهمية التي عاش فيها، غير مدرك أن إبليس يرسل الضلالات أزواجًا، أي يرسل الضلالة ومعها آخرى عكسها تمامًا!  متوقعًا أن الإنسان بطبعه يميل للتطرف وعدم الاتزان، فعندما يكتشف أنه خُدع وسار في اتجاه خاطئ يتجه على الفور للصورة العكسية تمامًا، والتي هي أيضًا صورة وهمية وربما تكون أسوأ من نقيضتها.
    • وبعضهم يعيش عدة سنوات وقلبه ممتلئ بالمرارة تجاه الخدام أو القادة الذين رسموا هذه الصور الخاطئة أو شجعوا عليها.  وبالتالي يحزن روح الله في داخله ويخسر صاحبنا فرحه وقوته.
    • أما أخف ردود الأفعال وطأة وأقلها ضررًا، فهو الغيظ الشديد من النفس، التي بسذاجة سارت في طريق خاطئ؛ فأضاعت من العمر ما كان من الممكن أن يُستثمر أعظم استثمار لمجد المسيح.
وهنا اسمحوا لي أن أذكر لكم موقفا شخصيًا حدث معي منذ سنوات طويلة في أمريكا، ربما يوضِّح الفكرة ويلقي بعضًا من الضوء على المزيد من جوانبها. 
كنت أخدم الرب في إحدى ولايات أمريكا، وكان عليَّ أن أذهب لمكان ما، على بعد حوالي مائة ميل (أي مائة وستين كيلومترًا) من مكان إقامتي، وأصرّ أحد الإخوة مشكورًا على أن يقوم هو بتوصيلي.  ولا أعرف لماذا لم أكن مطمئنًا له، ربما لأني لاحظت فيه، أثناء اشتراكه في مناقشات الإخوة معًا، أنه لم يكن يزن الأمور جيدًا قبل أن يتكلم.  على أي حال قد انتهى الأمر باستسلامي، تقديرًا لمحبته ولإصراره على أن يخدمني.  وفي اليوم التالي أتاني الأخ حسب الاتفاق، وانطلقنا متأخرين بعض الشيء عن الميعاد حسب عادتنا كمصريين.  وبعدما طلبنا وجه الرب لحمايتنا في الطريق، سألت الأخ إن كان متأكدًا من معرفته بالطريق، فأجاب بابتسامة الواثق مستنكرًا من الأصل مجرد السؤال.  فاعتذرت، ولم أجرؤ على تكرار السؤال ثانية.  لكن بعد حوالي ساعة ونصف، لاحظت أننا قطعنا أكثر من مائة ميل بقليل ولم نصل للمكان المقصود!!  فبدأ الشك يساورني فتجرأت وسألته ثانية: ”هل أنت متأكد أننا في الطريق الصحيح؟“.  فأجابني: ”ليس بالضرورة أن تكون المسافة مائة ميل بالضبط، فربما تكون أكثر من هذا بقليل“.  فسكت ثانية، لكن على مضض، وحاولت أن أخفي قلقي، وأن أستمر في إجابة أسئلته التي لم تتوقف طوال الطريق.  لكن، للصدق، بدأت نغمة صوتي تختلف، وإجاباتي أمست مختصرة، ونظراتي إلى ساعة معصمي قد كثرت.  وظللت على هذا الحال متوترًا لما يقرب من نصف ساعة أخرى، قطعنا فيها أكثر من ثلاثين ميل.  وعند ذاك لم استطع تحمل المزيد، فها نحن قد قطعنا حوالي مائة وأربعين ميلاً ولم نصل، ولم يزل أخونا الحبيب على ثقته الزائفة بنفسه.  فوجدت نفسي بكلمات حاسمة وصارمة ألزمه بأن يتوقف فورًا، وبأن يريني الخارطة لكي أعرف أين نحن.  وللأسف لم يكن معه خارطة، فطلبت منه أن يواصل السير إلى أقرب محطة بنزين لكي نسأل أو على الأقل لكي نحصل على خارطة.  وهناك كانت الصدمة إذ اكتشفنا أننا على الطريق الصحيح لكننا في الاتجاه العكسي!! 
بالطبع يمكنكم تصور مدى خجله، وشدة ارتباكه.  وأعترف أن محاولاتي الحثيثة لرفع الحرج عنه لم تنجح في أن تخفي غيظي وضيقي من الموقف، بل ومن نفسي لأنني استسلمت له.  فقد كان عليَّ عندئذ، إذا أردت إتمام المهمة التي من أجلها خرجت، أن أرجع في الاتجاه العكسي لمسافة حوالي أربعمائة وخمسين كيلومترًا ثم أعود لمسافة مائة وستين كيلومترًا!  وعلي بعد هذا أن أحضر الاجتماع في الميعاد وأخدم!!  وبالطبع كان كل هذا مستحيلاً فلم يكن أمامي سوى العودة بخفي حنين وإلغاء هذه المهمة. 
في نهاية اليوم ألفيت نفسي حزينًا للغاية، لأني خسرت أكثر من أربع ساعات في اتجاه خاطئ.
أحبائي: كم يكون الأمر مؤلمًا عندما لا تكون المسألة مجرد أربع ساعات، بل أربع سنوات!  أو أربعة عشر سنة!  أو أربعين سنة في اتجاه خاطئ؟  كم سيكون حجم الألم والضيق بل والغيظ عند مؤمن مُخلص يكتشف أنه أضاع سنينا من عمره وهو يسعى في طريق الروحانية ليكتشف في النهاية أن سعيه كان باطلاً، وأنه لم يزل شخصًا جسديًا ويسلك بحسب البشر؟
أليس هذا الشعور هو الذي خاف منه بولس عندما قال بخصوص أحد المواقف: «لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً» (غل2: 2)؟  صحيح، كان الأمر هناك بخصوص الإنجيل وليس بخصوص الروحانية، لكن كم هو جميل هذا الاتضاع العميق من هامة عالية رفيعة كهامة بولس الرسول، عندما يفترض أنه قد يكون سعى باطلاً وهو الرسول العظيم؟!  وكم يدهشني هذا الاتضاع عندما أقارنه بالثقة الزائفة التي قد تميّز بعضنا، فتجعلنا نعتقد أننا في الطريق الصحيح، بينما نكون في الاتجاه العكسي سائرين!  كم أخشى من قلبي على هؤلاء الذين لا يتوقّفون مع أنفسهم ليفحصوا طرقهم، والذين لا تَرد على ألسنتهم أو حتى على قلوبهم هذه الكلمة الجميلة والحافظة من التيهان كلمة «لئلا».  هذا الشعور هو الذي جعل بولس يكتب لابنه الحبيب تيموثاوس محذِّرًا فيقول: «إن كان أحد يجاهد لا يكلَّل إن لم يجاهد قانونيًا» (2تي2: 5).  هذا الاتضاع العميق، الذي يجعل صاحبه يراجع نفسه ويخشى على نفسه من ضياع العمر في ما لا طائل من وراءه، ميَّز الأتقياء الحقيقيين على مر العصور.
كم أخشى من قلبي على هؤلاء الذين لا يتوقّفون مع أنفسهم ليفحصوا طرقهم، والذين لا تَرد على ألسنتهم أو حتى على قلوبهم هذه الكلمة الجميلة والحافظة من التيهان كلمة «لئلا».
والشيء المؤلم هو أنه ليس كل المخدوعين سوف يكتشفون الحقيقة هنا.  لكنهم بالطبع حتمًا سيكتشفونها هناك عند مجيء الرب.  وهناك، وبينما يرون إخوتهم أمام كرسي المسيح يبتهجون بالمكافآت، لن يبقى لهم سوى الخجل الشديد!  هذا الخجل الذي خاف منه رسول عظيم آخر ألا وهو يوحنا، عندما كتب لأولاده قائلاً: «أيها الأولاد اثبتوا فيه حتى إذا أُظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه» (1يو2: 28).  بل ويكتب لهم في رسالته الثانية فيقول: «انظروا إلى أنفسكم، لئلا نضيِّع ما عملناه بل ننال أجرًا تامًا» (2يو8)!!
إلا أنه يبدو أن هؤلاء الساعون في طرق خاطئة، وراء أوهامهم وتصوراتهم الخاطئة عن الروحانية، يرون أنفسهم أعلى وأرقى من هذه الحالة التي تجعل أصحابها من المساكين نظير بولس خائفين من السعي الباطل هنا، أو نظير يوحنا خائفين من الخجل هناك!

والآن يمكنني أن أسأل سؤالين هامين:
  • هل من وصفة تحفظ المؤمنين من التيهان في سيرهم نحو الروحانية الحقيقية؟
  • وإذا حدث وضَلَّ أحدهم، وحسب نفسه روحيًا، وهو ليس كذلك؛ فكيف يستطيع اكتشاف حقيقة نفسه؟
أقول إذا عدنا للحادثة البسيطة التي ذكرتها منذ قليل، وسألتك: ما الذي جعلني أسير في طريق خاطئ؟
أعتقد أنك ستجيبني بأن السبب يكمن في: الصحبة الخاطئة، وعدم الاهتمام بالخريطة في أول المشوار.
وإذا سألتك كيف: اكتشفت أنني أسير في طريق خاطئ؟
أعتقد أنك ستجيبني: لأنك لم تصل للغرض المحدَّد على الرغم من مرور الوقت اللازم للوصول.
أعتقد أن هاتين الإجابتين يصلحان بقوة كإجابة عن سؤالينا الهامين كالأتي:
لكي لا يتوه المؤمن في سيره نحو الروحانية ولا يضيع من عمره الثمين في طرق خاطئة، ولكي أيضًا ما يكتشف الحقيقة بسرعة إذا ما ضل وتاه، هو يحتاج إلى أربعة أشياء:
1.  غرض محدَّد ينبغي الوصول إليه.
2.  صحبة جيدة.
3.  خريطة دقيقة.
4.  مراقبة الزمن المقطوع.

أولاً: الغرض المحدَّد
ما هو الغرض الواحد والوحيد والمحدَّد الموضوع أمام جميع المؤمنين، والذي عليهم جميعًا الوصول إليه، سوى أن يتصوَّر فيهم المسيح؟ 
إن من يقرأ بتدقيق الأصحاحين الثالث والرابع من رسالة غلاطية، لن يصعب عليه اكتشاف أن الرسول كان يعالج ما نتناوله الآن!  فهو حزين ومتحير في إخوته، وبدأ توبيخهم بشدة ووصفهم بالغباء، غباء من قَبِلَ الخداع، هذا لأنهم بعدما بدأوا بالروح ساروا في طريق خاطئ، صوب صورة خاطئة للروحانية، رسمها لهم المعلمين الكذبة المهوّدين للمسيحية.  لقد وضعوا أمامهم غرضًا غير الذي وضعه الرسول أمامهم من البداية ألا وهو شخص المسيح.  ففي أول عبارة يقول لهم: «أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا» (غل3: 1)، وفي آخر عبارة يقول: «ياأولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم» (غل4: 19).  لقد تمخّض بهم أولاً حتى يعرفوا المسيح كالمخلِّص، ويتمخض بهم أيضًا، وسيظل يتمخض، إلى أن يتصور المسيح فيهم؛ حيث لا غرض أخر غير هذا.  على النقيض من هذا قد وضع المعلمين الكذبة أمامهم منهجًا يتكون من ممارسة الختان وطاعة الناموس وحفظ أيام وشهور وأوقات وسنين!
واليوم قد لا نجد أحدًا يضع هذا المنهج الخاطئ نفسه أمام القديسين، لكنني أعرف عشرات المناهج الأخرى في مختلف الطوائف والجماعات، لم يزل المعلمين والقادة يضعونها أمام القديسين.  تختلف هذه المناهج عن بعضها في كل شيء، لكنها تتفق كلها في شيئين هما:
  • كل منها يؤكد أن طريقه هو الطريق الوحيد الصحيح للروحانية الحقيقية، وأن غيره من الطرق ليس سوى تعاليم كاذبة ومضلة!
  • الشيء الثاني هي أنها جميعا تحوّلهم عن شخص المسيح كالغرض الوحيد!
ولا أستثني من هؤلاء من يضع أمام القديسين بعضًا من الأغراض النبيلة، مثل ربح النفوس، أو مواهب الروح، أو الكنيسة، أو غيرها؛ كبديل للغرض الكريم: شخص ربنا يسوع المسيح.  أقول عن هؤلاء جميعًا ما قاله الرسول: «ولكن الذي يزعجكم سيحمل الدينونة أيَّ من كان».  وقوله ”يزعجكم“ يصف أثره عليهم، فهو كالذئب الذي يدخل وسط قطيع من الخراف فيزعجها، ويجعلها من الخوف تحوّل أعينها عن راعيها السائر أمامها.  وقوله ”أيَّ من كان“ يشير من جانب إلى تنوع هؤلاء المعلمين، ومن جانب آخر إلى عدم إفلات واحد منهم من دينونة الله مهما كان نوع المنهج الذي يتبناه!
هذه هي الروحانية الحقة في أبسط وأصدق صورها: أن يسعى المسيحي باجتهاد ليكون صورة مكرَّرة من سيده ومصدره، يتغير من مجد إلى مجد إلى تلك الصورة عينها.
وإذا مررنا على تعليم العهد الجديد، نجده كله يؤكِّد على هذه الحقيقة، وليس رسالة غلاطية فقط؛ فالمسيحي يسعى طوال عمره ليعرف المسيح (في3: 10؛ 1يو2: 13)، ويعيش مثبِّتًا النظر على المسيح (2كو3: 18)، ويحيا على أكل المسيح (يو6: 57)، ويتأيد بالروح لكي يمتلئ بالمسيح (أف3: 17)، ويقضي عمره يتعلّم المسيح (أف4: 20)، ويسلك في المسيح (كو2: 6)، ويجتهد أن يتشبه بالمسيح (في3: 10)، ويتغيَّر يوميًا روحيًا إلى صورة المسيح (2كو3: 18)، حتى ينتهي به الأمر إلى المشابهة الحرفية والجسدية للمسيح (رو8: 29؛ 1يو3: 2).  هذه هي الروحانية الحقَّة، وهي مياه سباحة نهر لا يُعبَر، بمعنى أنه ولا حتى بولس عبرها، لكنه ظل لنهاية حياته يسبح فيها.  هي طريق له بداية لكن ليس له نهاية، هذا ما نتعلمه من بولس في فيلبي3، ومن الأباء في عائلة الله في 1يوحنا2.  وقد يختلف الروحيون الحقيقيون أحدهم عن الآخر في مقدار الشوط الذي قطعه كل منهم في هذا الطريق، إلا أنهم جميعا في ذات الطريق. 
الروحانية الحقَّة هي طريق له بداية لكن ليس له نهاية.  وقد يختلف الروحيون الحقيقيون أحدهم عن الآخر في مقدار الشوط الذي قطعه كل منهم في هذا الطريق، إلا أنهم جميعا في ذات الطريق.

ثانيًا: الصحبة الجيدة
في الرسالتين اللتين فيهما ناقش الرسول حالة الزيغان عن الروحانية الحقّة، وفيهما وبَّخ المؤمنين على الوضع الذي صاروا فيه، والذي يتناقض مع الروحانية، أشار إلى الأثر السيء لشركتهم مع أشخاص غير أصحاء أدبيًا أو تعليميًا، فكرَّر نفس العبارة «خميرة صغيرة تخمر العجين كله» (غل5: 9؛ 1كو5: 6).
والواقع العملي الذي أراه في تجوالي بين القديسين يجعلني على يقين من أهمية الشركة مع مؤمنين روحيين لكي يعيش الواحد روحيًا.  والعكس صحيح، فمن الصعب جدًا أن تجد مؤمنًا يعيش وسط مؤمنين غير روحيين ويبقى هو روحيًا.  هذا ما جعل الرسول يعلِّم قائلاً: «أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (2تي2: 22).  وماذا يكون القلب النقي سوى القلب المثبَّت على الغرض الكريم، على شخص المسيح؟
ثالثًا: الخريطة الدقيقة
وهل من خريطة دقيقة سوى كلمة الله المكتوبة؟
كم يحتاج المؤمنون الأحداث، بصفة خاصة، لمعرفة كلمة الله معرفة جيدة!  وعندما أقول: ”معرفة جيدة“ أقصد جيدة في نوعها، وليس في كمِّها.  هذا لأن الكمّ حتما سيأتي مع الزمن، لكن المشكلة الكبرى هي أن من يبدأ حياته بأسلوب خاطئ في قراءة الكتاب يصبح من الصعب تغييره فيما بعد!  لذلك لم يقُل الرب يسوع للناموسي ”ماذا تقرأ؟“ ولا ”كم تقرأ؟“ لأنه يعرف أن الناموسي يقرأ كثيرًا ويحفظ ما يقرأ عن ظهر قلب، لكن الرب سأله: «كيف تقرأ؟» (لو10: 26).
كثيرون من القديسين لا يجدون من يعلِّمهم في البداية كيف يقرأون الكتاب ليستقبلوا، لا ليسترجعوا؛ أقصد يستقبلوا رسالة الله لهم من خلال الجزء الذي يقرأوه، لا ليسترجعوا ما سمعوه من قبل أو قرأوه في هذا الجزء.  كثيرون نسوا أن الكتاب قبل أن يكون كتابًا نعظ منه هو كتاب قد كُتب لكي نحيا به.  لم يجدوا من يعلّمهم حاجتهم الشديدة لدراسة الكتاب بطريقة تجعلهم ينجحوا في امتحانات الحياة، وليس في امتحانات العقائد والمعلومات.
كم أشتاق واصلي من إجل إخوتي الشباب، ولا سيما الصغار، لكي لا يبدأوا أي انطلاق في أي اتجاه إلا بعد أن يدرسوا الخريطة جيدًا، وأن لا يتحركوا من مكان إلى مكان إلا وبصحبتهم هذه الخريطة.  لا ينتظروا لكي يفحصوها بعد ما يضلوا، بل يفعلوا ما فعله أهل بيرية قديما الذين قال عنهم الكتاب: «وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أع17: 11).  إن سرّ شرفهم يكمن في أنهم فحصوا من البداية، كما أنهم فحصوا من البداية الكلام في نور الكتاب، كما أنهم فحصوا الكلام في نور الكتاب على الرغم من كونه كلام رسول تجري على يديه أعجب المعجزات!!

رابعًا: مراقبة الزمن المقطوع
الزمن عامل مهم في حياة المسيحي، فهو كأي كائن حي يحتاج وقتًا للنمو.  لكن ليس من المفروض أبدًا أن يظل المؤمن طفلاً، كما حدث مع إخوة كورنثوس؛ فقال لهم الرسول أنه يكلمهم «كأطفال في المسيح!» (1كو3: 1).  وليس من المفروض أبدًا أن يطول الزمان دون أن يكون المسيحي قد قطع شوطًا في طريق الروحانية الحقّة، التي من أهم سماتها القدرة على الحكم الصحيح والتمييز الجيد بين الخير والشر.  هذا ما لم يحدث مع الإخوة العبرانيين فقال لهم الرسول «كان ينبغي أن تكونوا معلّمين لسبب طول الزمان» (عب5: 12). 
المسيحي كأي كائن حي يحتاج وقتًا للنمو.  لكن ليس من المفروض أبدًا أن يظل المؤمن طفلاً، وليس من المفروض أبدًا أن يطول الزمان دون أن يكون المسيحي قد قطع شوطًا في طريق الروحانية الحقّة.
من المفروض أن المسيحي يراقب نفسه باستمرار على كل محاور حياته: في العمل وفي الاسرة وفي الكنيسة، يراقبها لكي يقيس تصرفاته في كل هذه المجالات على المقياس الصحيح، ألا وهو شخص المسيح.  وعندما يلحظ أي قصور عليه أن يراجع نفسه ويضبط من سرعته واتجاهاته وإلا سيمضي العمر وهو في اتجاه خاطئ.

أخيرًا
أقول هناك بعض الملامح التي يشترك فيها جميع المخدوعين، أراها أيضًا في هذه الحادثة التي حدثت معي مثل:-
عدم وزن الأمور جيدًا في الحديث، الثقة الزائدة في النفس التي تجعل الشخص لا يكلِّف نفسه عناء المراجعة والتدقيق، الحساسية الزائدة التي تجعله يرى أي انتقاد أو حتى تساؤل هو انتقاص من الكرامة، التأثر بثقافة وعادات البيئة المحيطة، السير بصحبة من له غرض آخر غير المسيح (كنت أنا أبغي الوصول للمكان أما صديقي فقد كان غرضه قضاء وقت معي، لذلك لم يكن مهتمًا كثيرًا بصحة الطريق الذي فيه نسير، وكثيرون يستمتعون بمجرد الصحبة في أنشطة وخدمات كثيرة بغضّ النظر إن كان غرضها المسيح أم لا)، الاعتماد على التخمين في إجابة الأسئلة دون البحث عن دليل.  وغيرها.
سيدنا الكريم :
كثر الظلام من حولنا، وغابت القدوة من عالمنا، وأنت تعلم فساد طبيعتنا، فارحمنا.
أشرق بنورك من جديد في داخلنا لكي لا نحسب أنفسنا من الروحيين ونحن لسنا هكذا. 
علّمنا طاعة قولك العظيم: ليمتحن الإنسان نفسه، وليمتحن الإنسان عمله، وذكِّرنا دائما بقولك «إن ظن أحد أنه شيء وهو ليس شيئًا فإنه يغش نفسه». 
احفظنا ياسيدنا من غش أنفسنا فنخسر أعز ما نملك، ألا وهي أعمارنا ونحن غير مدركين.
  ماهر صمويل

الخميس، 27 يونيو 2013

السلام والفرح في وقت التجربة

السلام والفرح في وقت التجربة

«احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً. وأما الصبر فليكن له عمل تام، لكي تكونـوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء» (يع 2:1 - 4).«وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضاً في الضيقات، عالمين أن الضيق ينشئ صبراً، والصبر تزكية، والتزكية رجاء، والرجاء لا يخزي، لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا» (رو 3:5 - 5).هنا نجد الغرض الحقيقي من التجارب، وهو امتحان خضوعنا للرب وتحريرنا من طرقنا الخاصة «الضيق ينشئ صبراً» ولا مجال لممارسة الصبر إلا في التجارب. إذا كان كل شيء سائراً في السبيل الذي نريده فلا يوجد شيء نصبر لأجله، لأن الصبر يتطلب طرح إرادتنا الذاتية ورغباتنا الخاصة. ومن ثم فإن التجارب تُظهِر إلى أي حد نرغب في التخلي عن إرادتنا ورغباتنا لنقبل إرادة الله وما يختاره لنا، إذ يجب ألا ننسى أنه مهما تكن الظروف فإن الله إنما سمح بها لخيرنا. إن ما يختاره الله لنا قد يُظهِر أحياناً بأنه قاس وصعب علينا احتماله. إذا كان الأمر كذلك فما هذا إلا لأننا لسنا في تمام التسليم لله وتنقصنا الثقة في محبته وحكمته. إن الله إما أن يكون قد اختار لنا الأفضل فيما أرسله إلينا أو سمح بأن يأتي علينا في الحياة، أو أنه قد اختار لنا بإرادته ما يعلم أنه ليس لمصلحتنا. ومَن ذا الذي يتجاسر بأن يتهم الله بهذا الاتهام؟ كلا وألف كلا. فالله محبة، ولم يشفق على ابنه الوحيد بل بذله لأجلنا، فكيف يختار لنا إلا أفضل الأشياء؟ إنه لا يتطرق إلينا شك في حكمته فهو يعرف النهاية من البداية ويعرف تماماً النتائج التي ستحدث من كل شيء. كما أن قدرته لا يمكن أن تكون موضع تساؤل. وكل ما يأتي علينا إما أن يكون قد أمر به أو سمح به لأن له السلطان المطلق على منع أي شيء من الحدوث. وبناء عليه إذا حدث شيء فيكون ذلك لأن الله اختاره أن يكون. وعلى ذلك التذمر أو التشكي بمثابة القول إننا نعرف ما هو الأفضل لنا أكثر ما يعرف الله، أو أن الله لا يُعنَى بنا عناية كافية حتى يختار لنا الأفضل. والقول الأول كبرياء وتجديف، والثاني عدم ثقة في دوافع الله وفي محبته.ولكننا نفكر أحياناً قائلين: "ولكن أليس للشيطان أيضاً يد فيما يحدث لنا؟" هذا صحيح كما نرى ذلك في قضية أيوب، ولكننا هناك أيضاً نرى أن الشيطان لم يستطع أن يتجاوز الحد المسموح له به من الله (انظر أي 12:1، 6:2) وأن الله استخدم ما سمح للشيطان أن يفعله لكي يأتي لأيوب ببركة أعظم وأغنى من ذي قبل. إن الشيطان لا يستطيع أن يفعل شيء بدون سماح الله لأنه ما هو إلا مخلوق من مخلوقات الله - هو وكل جنوده. ومهما كانت قوتهم فالله فوقهم. وبناء عليه، حتى إذا رأيت يد الشيطان فيما يحدث فلا تنس أن ترى يد الله فوق الشيطان، وأن الله لا يسمح له أن يتحرك إلا في الحدود التي تخدم مقاصده وأنه يحول كل شيء للخير والبركة لخاصته.«كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده» (رو 28:8).  وهذه تتضمن حتى ما يسمح الله للشيطان بعمله. يجب ألا ننسى أن الله يعمل هادفاً إلى خيرنا الأبدي وليس فقط خيرنا الزمني. كثيراً ما ننظر نحن إلى الأشياء من زاوية ظروفنا الحاضرة، ولكن الله دائماً يزن النتائج الأبدية. نحن نرضى - حتى في الأمور الأرضية، أن نسافر رحلة طويلة شاقة إذا كانت توصلنا إلى مكان جميل مرغوب، وهكذا الله قد يختار لنا طريقاً شاقة - لا لأنه يتلذذ بأن يرانا نقاسي صعوبات الطريق، بل لأنه يرى البركات الأبدية الغنية التي نحصل عليها في نهايتها «في الضيق رحبت لي (أي أنميتني ووسعت تخومي)» (مز 1:4).  فالضيق لا يرسله الله لتعذيبنا بل لتوسيع تخومنا، فضلاً عن أنه يواسينا في وقت الضيق «في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة» (إش 9:63)، «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقنا» (2كو 3:1، 4) ولم يكن ذلك ضيقاً هيناً لأنه يقول «أننا تثقلنا جداً فوق الطاقة، حتى أيسنا من الحياة أيضاً» (ع 8) ومع ذلك عندما يتكلم عن تلك الضيقة في نور الأبدية فإنه يدعوها خفيفة قائلاً «لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى، بل إلى التي لا تُرى. لأن التي تُرى وقتية، وأما التي لا تُرى فأبدية» (2كو 17:4، 18).وتوجد أربعة أشياء لازمة لإعطائنا السلام والراحة النفسية في وقت التجربة:
أولاً: اجعل ذهنك مستقراً على الرب واتكل عليه «ذو الرأي الممكن تحفظه سالماً سالماً (أي في سلام تام)، لأنه عليك متوكل» (إش 3:26).ثانياً: كن متصلاً بالله دائماً بالصلاة «لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (في 6:4، 7).ثالثاً: تأمل دائماً في كلمة الله «قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم» (يو 33:16). «سلامة جزيلة (أو سلام جزيل) لمحبي شريعتك، وليس لهم معثرة» (مز 165:119) «لأن كل ما سبق فكتب كُتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء» (رو 4:15).رابعاً: اخضع إرادتك لله واعمل بحسب مشيئته في التجربة «ولكن كل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن. وأما أخيراً فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام» (عب 11:12) وهو أيضاً «لأجل المنفعة، لكي نشترك في قداسته» (ع 10) وكلمة تأديب هنا تشمل كل ما يجري لتربية الولد بحسب الأصل اليوناني. ولنلاحظ الغاية العظيمة من كل هذا وهي أن نكون متشبهين بالله أكثر في البر والقداسة. وعندما نُخضع إرادتنا لله ونأتي إليه راغبين أن نتعلم وطالبين منه أن يكشف لنا عن سبب تلك التجارب، فإننا نتعلم الدرس بأكثر سرعة وسهولة. ولكن إذا سرنا بإرادة غير مخضعة متشكين ومتذمرين وغير مستعدين للتعلم فيضطر الله إلى مضاعفة التجربة حتى تأتي بالنتيجة المرجوة.وأخيراً لا ننسَ أنه وإن كان الله لا يزيل الأشواك سريعاً بل يسمح بأن تستمر وخزاتها لأنه يرى أن ذلك هو الأفضل لخير جزيل يقصده لنا، إلا أن نعمته تكفينا وهو يسند النفس التي تخضع له وتسلِّم تسليماً تاماً. لنقرأ 2كورنثوس 7:12 - 10 ونرى كيف استطاع بولس أن يفتخر ويُسّر فعلاً بالأشياء التي صلى مرة أن تفارقه وذلك لأنه بواسطتها اختبر نعمة المسيح المدعمة بطريقة أتم.
[هادلي]

الاثنين، 17 يونيو 2013

إيمان من اجل اليوم الشرير

ايمان من اجل اليوم الشرير
أف 6 : 10 - 24
بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : د . بطرس ابو اليمين

ان ذات نفس بركات الكنيسة هي التي تضعنا في ميدان صراع لولا هذه البركات لما وُجدنا فيه . وهكذا فنحن معرضون لمزيد من الفشل ومن السقوط , قد يعمل اليهودي اشياءاً كثيرة تعتبر بالنسبة للمسيحي اموراً قبيحة , ومع ذلك فبالنسبة لليهودي لا يشعر بأي تلويث للضمير , لكن بعد ان شق الحجاب , فإن النور الأتي من الاقداس لا يستطيع ان يطيق الشر , تبارك اسم الله !! , ان لنا قوة لمواجهة مشاكل مقامنا , وتبين هذه الرسالة الترتيب الذي عمله الله من اجل القديسين .
فالكنيسة جالسة في السماويات في المسيح (اف 2 : 6) ومباركة بكل بركة روحية في السماويات في المسيح (اف 1 : 3) , وهكذا ايضاً ان مصارعتنا مع اجناد الشر هي في السماويات (ع12) , فنحن نحمل الي ساحة المواجهة في نفس مكان القوة , إذ كلما ازددنا قرباً من الله , كلما ازداد احتياجنا للقوة لكي نسير هناك بالقرب من الله .
وعندما دخل شعب اسرائيل الي الارض , وجدوا ان عواقب الخطية مميتة , فكم هو مريع القضاء الذي استوجبته خطية عخان في عاي (يش 7) كما ان اغفال طلب المشورة من الرب بخصوص اهل جبعون ظل اثرها لأجيال تالية الي ايام شاول الملك (2صم 21) , ففي الارض التي كان فيها الله آخذا مكانه كانت عواقب الخطية قاسية بالتناسب مع هذا الوضع .
فبفضل امتيازاتنا نواجه هذا الصراع , زد علي ذلك انه اذا كان لك ولي معرفة اكثر من مؤمنين كثيرين اخرين فسيكون هناك فشل اكبر واهانة اكبر ما لم نكن سالكين بحسب النور الذي لدينا .
" تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ" (اف 6 : 10) هذا هو مكان القوة , فلا توجد قوة إلا فيه ومهما كانت الوسيلة التي يُسر ان يستخدمها , فلا يوجد غرض للإيمان إلا الرب نفسه , وان كان ليس هناك شئ اكثر بركة من خدمة الكلمة , وايضاً اذا استخدمت من الرب في خلاص نفس بنعمة الله , فإن هذه النفس سوف تلتصق بي , وهذا امر واضح وهو من الله والله يعترف به , لأن الله عندما يحطم ما هو الجسد , فإنه يخلص ما هو من الروح – الله هو الذي يعطيه حتي وان كان يساء استخدامه في بعض الاحيان , لكن الله هو الذي يوجد الرابطة بين النفس التي تبارك وبين الواسطة المستخدمة , لكن رغم ذلك فأنت لا تستطيع ان تمارس الإيمان في إنسان اخر , انت لا تستطيع ان تمنح اتكالك لإنسان اخر , صحيح ان هذه الرابطة موجودة , لكن هذا لأن النفس قد جئ بها للمسيح , هذا فقط هو التجديد الحقيقي , وهنا يوجد مكان القوة , لا توجد قوة إلا في المسيح , أنا لا امتلك أي قوة , في أي وقت , إلا اذا كانت نفسي في شركة سرية معه , وبواسطته وفي شركة مع الله الاب , وقوة الشيطان موجهة الي هذه النقطة بالذات ان تحجز نفوسنا عن أن نحيا معتمدين علي المسيح .
ان الذي نسميه نحن "واجبات" والذي يسميه الله "هموم" غالباً ما تفصلنا عن المسيح , وهي تتعب النفس وتحزنها , ومالم يلقي المؤمنون كل هذا علي المسيح فإنهم يحيطون انفسهم باشياء من شأنها ان تلهي الفكر عن المسيح , قد يقول شخص ما , انا لا استمتع بالمسيح , وهو لا يعرف كيف ولماذا , ولكنه يظن ان هذا بسبب ضغط الهموم التي لا يمكن تجنبها , بينما في الحقيقة يكون هذا نتيجة انه قد لجأ لموارد اخري غير المسيح , لقد اصبحت النفس منقبضة لأنها لم تجد المسيح في الألم , وهذا دفع بها نحو شئ اخربخلاف المسيح , شئ قد يكون بالنسبة للرؤية البشرية واعداً بالخير , وهكذا تتذوق طعم الاشياء الباطلة , وأما ما يقودنا اليه الروح القدس فهو ان نتقوي في الرب وفي شدة قوته , ليس الكلام الجميل عن الهموم , فالشيطان هو الذي وراء المشاكل يدفعها بقوة بهدف زعزعة قوة كلمة الله فينا , ويمكن ان نكون متأكدين تماماً من ذلك اذا لم نكن في دائرة الشركة , ستكون لدي الشيطان ميزة علينا , لأن هذه الهموم وغيرها ليست عن المسيح , إن لدي كل ما هو لازم لأعمل للمسيح ولأجله وهذا يجعلنا نستشعر حاجتنا للاتكال عليه , لكنه ابداً لا يخذلنا .
وطالما نكون مثقلين باضطرابات الحياة , فدائماً ما تكون الحقيقة هي اننا لسنا في قوة المسيح , لأنه أقوي من الدكانة ومن العائلة ومن أي اهتمام اخر , ربما اكون مشغولاً بشئ لا ينبغي ان انشغل به , فإذا لم اكن اعمله للمسيح فينبغي ألا اعمله علي الاطلاق , انه لمن المؤكد ان قوة المسيح تحملنا خلال كل شئ بغض النظر عن المشاكل ماذا تكون , سوف نستشعرها , ويمكن ان نئن تحتها , ولكن عندما استطيع ان اقول مع داود " الإِلهُ الَّذِي يُمَنْطِقُنِي بِالْقُوَّةِ " ( مز 18 : 32) قد يأتي العدو ليهاجمني " فَتُحْنَى بِذِرَاعَيَّ قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ " (ع 34) لقد جعله الرب ينتصر فوق كل شئ .
ونحن نتعلم هذه القوة في المشاكل والصعوبات , ومن ثم ففي الامور الصغيرة يكون المؤمن معرضاً ان ينسي ان كل اعتمادنا هو ان نتقوي في الرب , أي اننا لا يجب ان نزحزح عن موضع الشعور بالضعف الذاتي , يقول بولس : " وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ " (1كو 2 : 3) وايضاً " كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِل مَخَاوِفُ" (2كو 7 : 5) وليس معني هذا ان يكون المؤمن قادراً ان يقول : انا قوي عندما اوضع في الصعوبات , فهذه تجعلنا نستند علي المسيح عندما نكون فيها , وهنا دائماً تكون القوة : " تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ" (2كو 12 : 9) أي عند شعوري بالضعف , وحقيقة الامر كلها تكمن في روح الاعتماد علي الرب سواء كان هناك نور ساطع او لم يكن , قال بولس " أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، " لماذا لأن هذه الضعفات جعلته يستند علي المسيح , ان الايمان بالتدريب يقوي , والمسيح يعطي نوراً للذي يستيقظ " نُورٌ أَشْرَقَ فِي الظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ" (مز 112 : 4) ان السبب الذي يجعل المؤمن الذي يتمتع بقدر وافر من الفرح , غالباً ما يسقط هو ان هذا الفرح يكون قد طوّح به بعيداً عن احساسه الراهن بالاستناد علي الله ,  اذ ان ذات صلاح الله قد جعله يعتد بذاته , فهناك ميل دائم من الجسد ان يتدخل . وبعد ان يبين الرسول موضع القوة للمسيحي يقول لهم " الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ" (اف 6 : 11) والامر العظيم هو ان هذا السلاح هو سلاح الله , لا يوجد أي ثبات او صمود امام الشيطان إلا به , ما ليس مصدره الله يخيب , لو كنت حاذقاً في الحديث , وقادراً علي افحام مقاومي بالحق لما افدته شيئاً , لا بل قد اكون قد الحقت بنفسي اكبر الضرر لأنني تصرفت بالجسد , وكان الشيطان هو العامل بي وليس الله , وعندما نفقد ذلك فان القوة تفارقنا ولا شئ سينفعنا ولا حتي كلمة الله , لأنها سيف الروح وهي محجوزة عنا , ان سر القوة هي نتيجة ان نكون عاملين مع الله في روح الاتكال عليه , وعندما اكون ممارساً لهذا الاتكال  يمكن ان يكون لي مثل هذا التمتع المبارك بقوته حتي انني يمكن ان انتصر علي كل شئ , لكن سواء في وقت التجربة أو في وقت الانتصار فإنني سأكون قويأً فقط عندما اشعر بالاستناد علي الله ! , فعندما كانت يدا موسي غير مدعمتين كان عماليق يغلب (خروج 17) . وأي واحد كان يراقب المنظر قد يندهش عندما يري عماليق يغلب في بعض الأوقات , ويمكن ان يعيد النظر في الخطة (دراسة عيوب ومزايا الخطة) التي كان اسرائيل قائماً عليها , لكن السر كان هو انه عندما كان عماليق يغلب كانت يدا موسي مرتخيتان , فلم يكن السبب هو ان يشوع لم يكن في مكان اداء عمله , لكن بسبب ان عمل الاستناد علي الله كان متوقفاً . لو كان فكري نشطا بخصوص اخ معين , وفي اثناء مسيري في الشوارع في طريقي اليه شردت بعيداً عن الله , فإنني لن افيده شيئاً رغم انني قد اكون قد قلت له الكثير.
انظر الفرق بين يوناثان وشاول (في 1صم 14) بين الثقة في الله التي تتغلب علي الصعوبات وبين الذات التي تفشل مع ان لديها كل موارد المُلك , يوناثان يتسلق بكل صعوبة علي اليدين والرجلين , تملؤه الثقة بالله , والعدو ينهار امامه , اما شاول فعندما يري عمل الله سائراً , دون ان يعلم ما هو فكر الله يستدعي الكاهن , ربما يكون قصده حسن , لكنه بالتأكيد ليس هو بساطة الاعتماد علي الله (عندما يسأل عما سيفعله) ثم يشوه كل شئ بقسمه المتسرع الغبي , قيل عن يوناثان "لأَنَّهُ مَعَ اللهِ عَمِلَ هذَا الْيَوْمَ" (1صم 14 : 45) , كان الله معه فتمتع بالقوة وبالحرية , فعندما نكون سائرين في الاتكال علي الله , سيكون دائماً لنا حرية امام الله , فقد علم يوناثان ما الذي ينبغي عليه ان يعمله , وتناول قليلاً من العسل , لأنه تصرف بحرية من حيث ان الله كان معه , بينما ان شاول بوضعه نفسه تحت ناموس , فإنه وضع نفسه هو والشعب تحت عبودية , فما لم نكن معتمدين علي الله فإن ذات نفس الاشياء التي من المفروض ان تكون هي اسلحتنا ستصبح اسلحة ضدنا تؤذي اصدقائنا بدلا من اعدائنا أو تؤذي انفسنا .
لاحظ انه يقال " الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ .... مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ،" (اف 6 : 11 , 13) , لو أنني رأيت شخصاً متجهاً الي معركة بلا ترس او بلا خوذة .. الخ , فلابد أني سأقول عنه انه مجنون , والشخص العائش في النظريات (أي لديه معلومات فقط) لا يكون له هذا السلاح الكامل , لكن اذا عشنا بالقرب الكافي من الله لأن نكون عملياً في المعركة فأننا سنحتاج قطعاً الي السلاح الكامل , فلو اننا صلينا دون ان نبحث في كلمة الله , أو لو اننا قرأنا كلمة الله دون صلاة , فإننا لن نحصل علي ارشاد , قال الرب يسوع "إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ" (يو 15 : 7) , بدون هذا فربما اكون طالباً امراً سخيفاً لا يمكن ان يعطي لي .
والشعور بالضعف يجعل المؤمن غير قادر ان يتحرك بدون الله , فأنا لا استطيع ان أتقدم لمواجهة العدو بالكلمة بدون صلاة , كما أنني اذا احسست بأنني حمل في وسط ذئاب خاطفة (مت 11 : 16) فإنني سأكون مدركاً لضعفي , واذا كنت منشغلاً بنظرية السلاح دون ان البسه  ربما اكون كواحد مغرم باشياء اثرية , عندما لا يكون عندي أي اعتماد حقيقي علي الله .
ونحن علينا ان نثبت ضد " مكايد" ابليس (ولا يقال ضد قوته) فهذه بمجرد ان اراها يمكنني تجنبها , لكن بعد كل شئ ليست معرفة الشيطان هي التي تحفظنا منتبهين وقادرين ان نكتشف مكايده , بل هو وجودنا الدائم في محضر الله , كان هذا هو الحال مع المسيح علي الدوام , فحتي محبة بطرس حاولت ان تجعل الصليب مبغضاً إليه (مت 16 : 22) , لكن الرب يسوع قاوم الشيطان واكتشف مكايده , ليس فقط انه كان يأخذ كل الاشياء علي الدوام من فوق (من عند الله) بل كان يأخذها بروح الاتكال علي الله , ففي اللحظة التي فيها نعرف ان الشئ من الشيطان تنتهي التجربة اذا كنا سائرين مع الله , فعندما جاء الشيطان الي ربنا يسوع (مت 4) لم يقل الرب يسوع له علي الفور : انت هو الشيطان , فلو كان فعل هذا لكان هذا استعلان لسلطانه , لكنه تصرف كإنسان مطيع , وبهذا احبط (مخطط) المجرب , اما عندما طلب الشيطان منه السجود , عندئذ قال له الرب "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! " . ولكي نعرف ان نميز مكايده علينا ان ننظر ما اذا كان الامر المقترح سيبعدنا عن طريق الطاعة للمسيح , فإذا كان فلا يهم من هو الشخص الذي يبدي الاقتراح إذ يتحتم عليّ ان ارفضه . للشيطان طبيعته الماكرة (مقاومته ليست دائماً علي المكشوف) بل هو مثل الحية (2كو 11 : 3) , لكن الوجود في وضع الطاعة لله دائماً ما يربكه ويحبط مخططاته .
"الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ" هذا تعبير ملفت للنظر , والمفترض انه يعني عموماً , كل هذا الوقت الحاضر , لأن هذا هو وقت اغراءات وتجارب الشيطان , لكن توجد ظروف معينه تجعل ممارسة الشيطان لقوته اكثر في وقت ما منها في وقت اخر , ويوجد وقت لابد للنفس من ان تواجهه , وأنه لامر مختلف ان تكون سائراً في قوة ونشاط ضد الشيطان وبين ان تكون مختبراً  لافراح الانتصار ومتمتعاً بها , فنحن قد نكون سائرين في نشاط يمكن ان يتغلب علي أي مقاومة او ان يكون لدينا الاحساس بالضعف وأننا بالكاد قادرين علي الوقوف , والنفس دائماً تواجه يوماً شريراً , بعد انتصارها بواسطة المسيح , فقد يوجد شئ من الانتفاخ عند تذكر الانتصار , وعندئذ يأتي مصدر اخر للتجربة والاحتياج للاتكال , يمكن ان اكون معطياً ظهري للعالم واكون في غاية السعادة بتقدير ومحبة المؤمنين كامر يمكن ان ينتج شيئاً من اخضاع الجسد , وغالباً ما يوجد المؤمن في هذه الحالة بعد ان يكون قد سار لفترة ما في قوة صراعات سابقة , وعندها تأتي معركة جديدة , وإذا لم يكن مستعداً لها فإنه سيُهزم الي حين , ان موضع القوة هو دائماً حيث نكون مجبرين علي الاستناد علي الله , وكما سبقت الاشارة الي داود , ما أبعد الفارق بين مزاميره – مزامير الاحتفاء بالخلاص وتقديم الشكر لله , وبين كلماته الاسيفة "أَلَيْسَ هكَذَا بَيْتِي عِنْدَ الله (ليس هكذا بيت عند الله حسب الاصل) " (2صم 23 : 5) .
المؤمن الذي دائماً يخاف الله , دائماً يكون قوياً , لأن الله دائماً معه , إن سر قوته هو انه جعل الرب الي جانبه , ونحن معرضون ان ننظر الي الوسائل - حتي الوسائل الصحيحة التي بحسب فكر الله – وننسي الله , وكثيرا ما يأتي اعظم الانتصارات عندما نكون في اشد حالات الخوف من ان نُهزم , وأعذب الاناشيد (كثيرا ما تكون) عندما يجعلنا يوم شرير مضطرين ان نستند علي الله , عندما تكون النفس خائفه ومستندة علي الله تتساقط وتتلاشي الصعوبات من امامنا , قد لا نكون قادرين علي شرح السبب الذي سبب الانتصار , لكن السر هو أن اليدين كانتا مرفوعتين , والرب دائماً ينفذ مخططاته .
"فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ،" ونحن لا نكون ممتلكين الحق إلا عندما تكون عواطفنا مضبوطة (في الوضع الصحيح) به , قد اعظ بحق جميل , وقد يسرّ الكثيرون بالحق , لكن ما لم تكن النفس في شركة مع الله في الحق الموعوظ به , فإن الاحقاء لا تكون ممنطقة بالحق .
"وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ" أي شخص ليس له ضمير طاهر يروّعه ويخيفه الشيطان في مسلكه , اما اذا كان الضمير صالحاً فسيكون له الدرع , وهكذا لا يكون دائماً مفتكراً وخائفاً من الهجمات , فإذا اتهمني الشيطان اقول : المسيح هو بري , أما هنا فالشيطان هو الذي يضايقني من جهة الضمير , اذا لم اكن أميناً في ضميري امام الله , فإنني اكون فاقداً للدرع , أما اذا كان لي الدرع فلا تكون لي حاجة ان اظل ناظراً الي "درعي الخاص" , بل استطيع ان أسير واثقاً أنني لا أخفي شيئاً عن الله , بل إنني اسير في كل ضمير صالح أمامه , قد يحمينا الله في المعركة , اننا لا نستطيع ان نتقدم في المعركة ما لم تكن لنا هذه القطعة من سلاح الله الكامل , لا شك ان لنا ملاذاً في نعمة الله في كل مرة نسقط فيها , لكن الوضع الصحيح هو ان يكون لي ضمير صالح , وهذا هو وضع الحرية والقوة .
"وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ" , ان انجيل السلام هو لنا في المسيح , لكن ينبغي ان يكون عندي روح السلام في قلبي , - ان السلام قد صُنع لنا حتي ما نثبت في السلام – انه السلام الذي يفوق كل عقل , هو سلام الله نفسه , هو الذي يحفظ قلوبنا وافكارنا , لا يوجد مكان مملوء بالسلام مثل السماء , لا يوجد أي صرير هناك , بل مليارات من الساجدين , كلهم في تناغم وانسجام بينما هناك الاف من الالحان المتناغمة حول مركز مجد الله , ان النفس التي تكون في شركة مع الله ستعيش في روح السلام , لا يوجد شئ يفوق ذلك اهمية لمواجهة اضطرابات وتقلبات العالم اكثر من الدخول الي روح السلام , وعندما لا تكون روح السلام هي المتسيدة علي القلب , كيف يمكن للمؤمن ان يسلك كمن له سلام علي الدوام ؟ , قد يكون عند هذا الانسان امانة مدققة , لكنه لا يستطيع ان يسير كما سار الرب يسوع , فلا شئ يمكن ان يحفظ النفس في مثل هذا السلام إلا الثقة الواثقة الاكيدة في الله , بدون ذلك يكون الواحد دائماً متوتراً , متسرعاً ومشحوناً بالقلق , أما اذا حفظ سلام الله قلوبكم , فستتمتعون بحلاوة انتصاره , لا شئ يمكن ان يُسمع يكون مختلفاً عنه , أو مما لا يكون منسجماً معه , سيكون لنا الثبات الذي لا يتزعزع  , ومع ذلك هدوء , ولا شئ يحفظ النفس في غاية الهدوء مثل الاحساس بالنعمة , هذه علامة علي القوة , وفوق ذلك فهي مرتبطة بالهدوء والسكينة , كل النعمة قد أتت إلينا , ان الاحساس بالتفاهة واللاشيئية , مع روح السلام  يعطينا قوة للتغلب علي كل الاشياء .
"حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ" كل سهم ملتهب يمكن اطفاؤه بالثقة في الله , والمسيحي لا ينبغي ان يخاف من ان يرفع رأسه في يوم المعركة , لأن الله معه وله , وهذه الحقيقة لا تهزها أي فكرة مقيتة يمكن ان يضعها الشيطان في الذهن , كل سهم يمكن اطفاؤه بهذه الثقة , "وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، " ارفع رأسي لأنني آمن , فالخلاص هو لي .
ان القوة تبدأ من الداخل , فنحن اولاً نمنطق الاحقاء بالحق , فيكون الصدر مغطي بالبر , والارجل محذية باستعداد انجيل السلام , ثم بعد ذلك يمكن ان نأخذ أول قطعة هجومية في سلام الله الكامل التي هي "سَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ" لا شئ اخطر من ان استخدم كلمة الله دون أن تكون قد مسّت ضميري , إنني في الواقع أضع نفسي في يد الشيطان إذا ارتأيت فوق ما أعطاني اياه الله , ما قد امتلكته نفسي استخدمه في الخدمة , أو في العمل الفردي – لا شئ اخطر من تناول كلمة الله بعيداً عن ارشاد الروح القدس , ان التعلم مع القديسين عن امور الله التي تتجاوز ما امتلكه في الشركة هو امر ضار وخبيث , ولو اننا ساهرين من جهة هذا الامر لوفرنا علي انفسنا الكثير مما قلناه وما يمكن ان يقال , وكم من مرات استخدمت كلمة بشكل غير نقي , ولست اعرف شيئاً يمكن ان يفصلنا عن الله اكثر من التكلم بالحق بعيداً عن الشركة مع الله , هنا يكمن خطر غير عادي .
"مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ،" الصلاة هي التعبير عن الاستناد علي الله وممارسته , واذا ما سألني واحد سؤال وجاوبته بدون ان اتكلم مع الرب بخصوصه , فإن الاحتمال الاكبر هو ان ابعده عن الله اكثر من كوني اقربه إليه , تماماً كما حدث مع حزقيا (اش 39) عندما جاء السفراء فحولهم الي خزائنه بدلا من ان يحولهم الي الرب الذي شفاه , فعندما تنشأ مشكلة او تصادفنا مسألة , هل نتوجه الي الرب ؟ قد نكون توجهنا للرب مسبقاً , والامر قد استجيب , وينبغي ان تكون لنا قوة الصلاة حتي لا تكون هناك أي مشكلة عندما ينشأ أي ظرف , هذا التضرع الدائم بحيث يجب ان نكون مستعدين لأي عمل صالح , وكل كلمة صالحة , هكذا كان الحال مع الرب يسوع , كان يصلي قبل ذلك , وعندما جاء الكأس كان مستعداً ان يشربه .
إن أي رغبة او طلبة نعبر عنها لله في ثقة طفل في أبيه , لابد ان تُسمع , لكن ليس هذه هي "الصلاة في الروح" عندما نكون بالحقيقة في قوة الشركة يكون لنا قوة ونشاط التضرع الذي يتطلع الي الاستجابات وينتظرها (1يو 3 : 21-22 , 1يو 3 : 14-15) , والرسول هنا يتكلم عن واحد في شركة , وهكذا ينبغي ان يكون الحال معنا , ينبغي ان نكون سالكين هكذا في حرية المسيح بحيث لا نتعثر أو يطوح بنا بعيداً عن الشركة بهجوم وشهوات وارتباكات هذه الحياة رغم كوننا في "اليوم الشرير" .
لنفرض انك بدأت يومك بروح جميلة في الصلاة في الثقة في الله , ففي اثناء اليوم وأنت سائر في هذا العالم الشرير ستجد الف سبب وسبب للإثارة , لكنك اذا كنت مدرباً روحياً ومتطلعاً الي ان تري الامور التي تدربت من الله فيها سيصبح كل شئ بالنسبة لك مسألة صلاة , وشفاعة بحسب فكر الله , وهكذا فإن كل تصرفات المؤمن ينبغي ان تكون مطبوعة بطابع التذلل والاتكال علي الله , وبدلاً من ان يملؤنا الاسف علي ما يصادفنا , فإذا كنا سائرين مع المسيح ستري اهتمامه بأخ ما او بالكنيسة , كم هو امر مبارك ان نحمل كل شئ لله , ان نأخذ كل شئ له بدلاً من ان نتذمر علي الدوام بسبب الفشل !! , هذا هو وضعنا او مركزنا , أن نلبس سلاح الله الكامل وألا ندع ابليس يوقعنا في شراكه , وما لم نكن في الوضع الصحيح لا نستطيع ان نتشفع من اجل الاخرين , والكلمات في ع 18 تشير الي انسان سائر في السلاح الكامل .
كان في استطاعة الرسول ان يصلي من اجل كل واحد , لكنه هو كان محتاجا اكثر الي صلوات القديسين , لأنه كان عنده اهتمامات اكثر من الاخرين (ع 19 , 20) وكان دائماً في احيتاج لصلواتهم كما نري وإذ كان هو نفسه سائرا في كامل المحبة , كان يعوّل علي ان الناس يهتمون به , فقد كان يعتبر ان السلوك كما كان يفعل هو امر مفروغ منه , وهنا في (ع21 , 22) وايضاً للقديسين في كولوسي يذكر انه ارسل تيخيكس لكي يعرفهم باحواله "جَمِيعُ أَحْوَالِي سَيُعَرِّفُكُمْ بِهَا تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ، " فهو يعتبر محبتهم له امراً مفروغاً منه , ونحن ايضاً اذا كنا سائرين في محبة الروح نستطيع ان نعتبر ان الاخرين مهتمون بشئوننا . في العالم يعتبر من دواعي الفخر ان افترض ان الاخرين مهتمون باموري لكن المؤمن يعرف ويعول علي محبة الروح عند المؤمن .
ورجوعا الي القاعدة العظمي الاولي : "تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ" فرغم الشيطان وكل ما يحاول ان يفعله ليعطلنا , لنا امتياز الاتكال الفردي علي الله , قد يبدو كل شئ قاتماً , لكن الرب يخبرنا ان نتقوي , وهذا يكون دائماً مصاحباً لاتضاع القلب ليأت ما يكون , فطالما نحن مرتكزين علي الرب فإننا سنكون اقوياء , لكن اعتمادنا ينبغي ان يكون ببساطة علي الله , وعلي الله وحده .

السبت، 15 يونيو 2013

افكار حول الزواج المختلط

افكار حول الزواج المختلط

بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : د. بطرس ابو اليمين

مناسبة هذا المقال

قيلت هذه الملاحظات في مناسبة خاصة محزنة حيث وقعت اخت مؤمنة (متجددة سنة 1853) في فخ قبول عرض زواج تقدم لها من شخص عالمي , وقد تحايلت لاخفاء هذا الامر عن الكنيسة المحلية في المكان الذي كانت تعيش فيه , لكن تأخيرا قد يبدو حسب الظاهر انه جاء مصادفة أتاح لاحد الاخوة ان يكتشف نواياها وان يحذرها من ذلك بشدة , وقد اعترفت بالخطأ لكنها أصرت , وعندما كانت عند احد اقاربها اصابتها حمي شديدة , واعترفت من البداية انها تأديب من الرب , وماتت بعد ثلاثة ايام , حيث قد اخترقت كلمة الله كيانها فوصلتها لا الي الحكم الكامل علي الذات فقط , بل الي كمال الفرح , وقد تم حذف التفصيلات لاسباب عديدة .

تروي الواقعة المقدمة في السطور السابقة بكل البساطة المسيحية حقائق تبين كيف يمكن لله ان يتدخل بالتأديب لكي ينقذ اولاده من النتائج الروحية المدمرة والمؤسفة الناتجة من الافتقار للأمانة , لقد سمحت مؤمنة شابة لنفسها , ان تنجذب الي قبول عرض بالزواج بشخص غير مؤمن , ومن الواضح ان ضميرها قد اظهر لها انها كانت تتصرف ضد مشيئة الله . لكنها لم تعرف كيف تتوقف عند الخطوة الأولي , واذ لم تنبذ علي الفور الفكرة التي عُرضت عليها علي اعتبار انها خطية وعدم امانة لله , فلم يكن لديها الشجاعة بعد ذلك ان تتخلي عنها , وقد اضطر الله ان يأخذها من هذا العالم لكي يجنبها الوقوع في خطية لم تكن تريد ان ترتكبها لكن لم يكن لديها القوة لأن تقاومها , آه كم هو صعب علي الواحد ان يتوقف عندما يكون قد بدأ فعلا السير في مثل هذا الطريق !! .
وكل واحد قد لاحظ بتدقيق سلوك المسيحيين ويكون من المهتمين بالنفوس بقلب (حتي ولو بأي مقياس ضئيل)  غيور علي مجد الرب وراغب في البركة الروحية لنفوس اولاد الله الاعزاء – هذا الشخص لا يمكن ان يفوته ادراك التأثير المدمر الذي يمارسه العالم علي اولئك الذين ينجح في الدخول الي قلوبهم , الله وحده يعلم , وايضاً الشخص الذي عاني من ذلك , يعلم بأي وسائل خبيثة وبأي ستائر خادعة تبدو حسب الظاهر ودية ولكن بها يهاجم العالم قلوب المؤمنين , ولكن استعلان المسيح للنفس , وقوة وتأثير حضوره لا يمكن ان تكون طرقاً بها يتسلل العالم الي القلب , لذلك فأولئك الذين يوجدون بالنعمة بالقرب من المسيح هم محميون من تأثير مثل هذه المشاعر ويستطيعون ان يحكموا عليها وعلي كل ما من شأنه ان يوجد سبيلاً للعالم للتسلل الي داخل القلب او للرغبات المرتبطة بالعالم , هنا نحن في حرب مع العدو , فهو يسعي لأن يفاجئنا عندما لا نكون متخذين حرصنا , ومن اجل ان يحقق ذلك فهو يعرف كيف يحول نفسه الي شبه ملاك نور , وما لم نكن قريبين من المسيح , وما لم نكن لابسين سلاح الله الكامل , من المستحيل ان نقاوم مخططاته , ان مقاومة قوة الشيطان ليست هي المشكلة الرئيسية لأن المسيح قد دحر هذا العدو الرهيب لصالحنا , لكن الصعوبة هي في اكتشاف الفخاخ التي ينصبها لنا , وفوق الكل ان نميز انه هو العدو الذي أمامنا في المواجهة , ان في مواجهاتنا مع العدو تصبح القضية هي معرفة حالة قلوبنا . إن العين البسيطة ( او بعبارة اخري القلب المملوء بالمشاعر تستطيع ان تميز الخدعة والنفس لها ملجأ في المخلص طلباً للخلاص او حتي لكون عواطفها مثبتة في المسيح , فإن القلب لا يكون غنيمة لجهود العدو , فالقلب البسيط (الموحد) والمشغول بالرب يتفادي امور كثيرة من التي تقلق راحة البعيدين عنه – شكراً لله من كل القلب ان النفس المضطربة والمعذبة تجد ملجأ لها ورد كامل لها في نعمة ذاك الذي بكل غباء قد نسيته و لكنها تتمتع بثمار النعمة خلال الام وتدريبات كثيرة للقلب , لكن لنتشجع فالرب يعرف كيف يخلصنا كما انه يعرف ان يرثي لنا , هذان هما المبدآن اللذان ينظمان طرق الله ومعاملاته معنا , فمن ناحية يحفظ الله القلب لكي يجعله يميز مقاصده ومن الناحية الاخري فإن المسيح يشفع لأجلنا من جهة كل ما يمكن ان يسمي ضعفاً  , توجد صعوبات حقيقية في الطريق كما انه يوجد ضعف فينا , كما انه توجد وياللأسف ارادة عاصية لا تريد ان تكبح جماحها والتي تفصح عن وجودها بالأف الصور والاشكال من الافكار والافعال , وضعفنا مثله مثل ارادتنا الذاتية يميل الي تعويقنا عن الوصول الي غاية رحلتنا , لكن هناك فرقا شاسعاً بين معاملات الله فيما يختص بضعفنا , وبين معاملاته فيما يختص بارادتنا الذاتية وما ينشأ عنها من افكار , "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عب 4 : 12)  هل تستمعون الي نداء تلك النفس الغبية التي ترغب ان تتغذي علي الاوهام التي تحبونها ؟؟! لا شئ مخفي ولا أي فكرة من افكارنا او نية من نياتنا مخفية عن عيني ذاك الذي معه امرنا , وليس هذا هو كل شئ , فكلمته واضحة وبسيطة وهي تخاطب ضمائركم , فهل تستمعون اليها ؟؟ هل تعرفون انه عندما يتكلم الله فان عليكم ان تتجاوبوا مع ذاك الذي يتكلم كما ان عليكم ان تتجاوبوا مع ما يقوله ؟؟ هل تقاومون الذي يتكلم وتغيظونه ؟؟ لن تفلتوا منه , فهو يحكم قبضته علي ضمائركم ولن يرخيها ابداً .
هل ترفسون مناخس ؟؟ من الافضل ان تتفكروا في الغاية التي يقصد اليها الله , كان في مقدوره ان يترككم لأنفسكم , لكي تقعوا في امور من شأنها لولا تدخل النعمة ان تحول رحلة البرية الي حزن ومذلة لكم , كان عليه ان يقول لكم ما قاله لاسرائيل محبوبه "أَفْرَايِمُ مُوثَقٌ بِالأَصْنَامِ. اتْرُكُوهُ" (هو 4 : 17) ويالها من عقوبة رهيبة !! , ان هذا التأديب اصعب من اي تأديب منظور !! , لكن الهنا لن يحرمنا من نور محياه ولا من حلاوة الشركة معه , لأن التأديب ليس هو رغبته , لكنه عمل غريب عليه , كما هو مكتوب " يَسْخَطُ لِيَفْعَلَ فَعْلَهُ، فَعْلَهُ الْغَرِيبَ، وَلِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، عَمَلَهُ الْغَرِيبَ " (اش 28 : 21) , ولكن الخطية هي دائماً خطية في عينيه ولا يمكن ان يسمح بها , فكيف يعمل الله اذن في قلوبنا المسكينة ؟ انه يصل اليها بواسطة كلمته , حتي يمكن لضمائرنا ان تري الامور كما يراها هو , ان عينيه علينا وعلي قلبنا , كما ان عين ضميرنا تفطن الي ما يجري في القلب بواسطة تلك الكلمة التي تكشف الله لنا . هل هذا هو ما تجده في قلبك , فكر السائح والغريب , فكر الشخص الذي يحب الله ؟ هل هذا فكر متوافق مع مشيئة الله , الفكر الذي يلائم شخصا قد احبه المسيح الي حد انه وضع نفسه واطاع حتي الموت لأجله ؟ قفي ايتها النفس واسألي ذاتك ما اذا كنتي تسمحين للفكر الذي يشغل بالك , هل هو مقبول عند المسيح , المسيح الذي بذل نفسه لأجلك لكي يخلصك ؟ ! لقد كان خلاصك هو مشغولية قلبه , هو يحبك , وهو يعرف ما من شأنه ان يدمرك ويجعلك تسقطين في البرية , وهو لن يحكم إلا بموجب مبادئه هو ومبادئ قداسته , تلك المبادئ التي تشبع الانسان الجديد , المبادئ التي تنتمي للطبيعة الالهية , هو لن ينكر نفسه (2تي 2 : 13) وهو لا يريد لك ان تتعرض للتأديب الرهيب الذي ينتظر النفس التي ضلت عنه , وهو لا يريد لك ان تتكبد الخسائر التي تريد ارادتك الذاتية الغبية ان تجرك اليها اذا ما سمحت لنفسك ان تتبع ارادتك الخاصة , هو لا يريد لك ان تفقد التمتع بالشركة الحلوة معه , ولا بأن يدخل شئ يعوق براهين محبته لك داخل قلبك , فهو يتكلم اليك من خلال كلمته , وهو يحكم علي افكار قلبك ونياته , ألا تفضل ان تستمتع اليه وهو يحكم عليك وأن تسأله ان يخلصك مما هو أقوي منك ؟ ام انك ستقول مثلما قال اسرائيل قديما " لأَنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ الْغُرَبَاءَ وَوَرَاءَهُمْ أَذْهَبُ " (ارميا 2 : 25) , انت تعرف جيدا ان هذا الفكر ليس مصدره المسيح , فأنت لم تستشره , رغم انك ربما تكون قد تجرأت ان تطلب منه ان يبارك نياتك وأن يوجهك . انت تعلم ان الكلمة تحكم علي ما زلت تحتفظ به في قلبك الذي له سيطرة عليك , انت عبد لفكرك ولست سيدا له , كلا , هذا الفكر ليس من المسيح , وطالما انت تسمح به تكون متجاهلاً لله ولكلمته , وهكذا تجلب علي نفسك تأديب الله , الله مملوء بالرحمة وهو يرثي لنا ولضعفنا , وهو رحيم ورقيق في طرقه , لكن اذا كنا نُصرّ علي ان نتبع ارادتنا الذاتية , فهو يعرف جيدا كيف يكسرها , فهو يتحكم في كل شئ و يضبط اولاده بصفة أخصّ , ولا يمكن ان يشمخ عليه , فالذي يزرعه الانسان سيحصده بعد ذلك (غلا 6 : 7) وأردأ التأديبات جميعها هي أن يتركنا نتبع طرقنا الخاصة .
والنقطة الثانية التي اود ان الفت نظركم لملاحظتها هي سلطان الله الذي يمارسه فيما يختص باولاده , فهو يحذرهم عن طريق كلمته , وإذا لم يستمعوا له فهو يتدخل لكي يوقفهم حتي يكون في استطاعته ان يباركهم انظر ايوب ( 36 : 5-14) , (أيوب 33 : 14-30) , وفي معاملات الله القضية ليست هي الخلاص (ليس هناك شك في موضوع الخلاص) , فهو يلاحظ اولاده والذي يحبه الرب يؤدبه , والاشخاص الذين يتكلم عنهم في سفر ايوب يطلق عليهم الابرار , وهو لا يحوّل عينيه عنهم , كما انه يقول ايضاً لاسرائيل بلسان النبي عاموس "إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، لِذلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ" (عا 3 : 2) ونحن نري نفس الشئ في رسالة كورنثوس الاولي اذ عندما حوّل المؤمنين في كورنثوس عشاء الرب الي مشهد من الانحلال والتسيب مد الله يده عليهم , فالبعض منهم مرضوا والبعض رقدوا (أي ماتوا) , والرسول يلفت انتباههم الي ذلك ويقول : "لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا، وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ" (1كو 11 : 31 , 32) , وياله من فكر رهيب !! فنحن تحت يد الرب الذي يعاقب الخطية حيثما يجدها , و هو نار آكلة ,  وعندما تأتي اللحظة فابتداء القضاء من بيت الله , ما أبعد الفرق بين مثل هذه المعاملات مع الله وبين فرح محبته والشركة معه عندما لا يكون الواحد قد احزن روحه القدوس , وعندما يكون الواحد سالكاً تحت عينيه وفي نور محياه !! , ولست اشك ان جانباً كبيراً من امراض وتجارب المؤمنين هي تأديبات من الله بسبب امور يراها شراً في عينيه والتي لابد ان يكون الضمير قد تنبه لها وحذر منها لكنه قد تم تجاهلها أو اهملت , وهكذا يضطر الله ان يوجد فينا نفس التأثير او النتيجة التي كان من المفروض ان ينتجها الحكم علي الذات امامه , ولكن علي اية حال فليس من الصحيح دائماً افتراض ان كل الضيقات هي تأديبات من الرب , رغم انها في بعض الاحيان تكون كذلك , لكنها ليست دائماً بسبب الخطية , فهناك امور في النفس مرتبطة بالطبيعة الشخصية للفرد  وتحتاج الي تصحيح حتي يمكننا ان نحيا اكثر في جو الشركة مع الله , وان نمجده في كل دقائق الحياة , فالذي لا نعرف ما ينبغي علينا عمله من جهة هذه الامور الله يفعله لنا (نيابة عنا) , لكن هناك الكثيرون من اولاد الله الذين يرتكبون اخطاء كان من المفروض ان تستشعرها ضمائرهم , والتي كان من الممكن ان يكتشفوها لو كانت نفوسهم في محضر الله .
كان علي يعقوب ان يحارب كل حياته ضد نفسه , لأن الله عرف طرقه , ولكي يباركه كان من المحتم ان يصارعه الله ايضاً , وعلي هذا الاساس ايضاً لم يسر الله ان يعلن له اسمه (تك 32 : 29) , ولكن الامر مختلف تماماً في سيرة ابراهيم , فقد اعطيت شوكة في الجسد للرسول بولس لكي تمنع الشر لأن في حالته لم ينشأ الخطر من اهماله هو , لكن من فرط الاعلانات التي اعطاها له الله .
وحيثما وجدت العاطفة الصادقة التي تعترف بالله وبكل العلاقات التي وضعنا فيها مع نفسه يكون من المحال بشكل مطلق ان يسمح مؤمن لنفسه ان يرتبط بالزواج من شخص عالمي دون ان يكون هذا انتهاكاً لالتزاماته نحو الله ونحو المسيح , ولو ان ابناً لله ربط نفسه بشخص غير مؤمن , فمن الواضح انه يستبعد المسيح من المسألة , وانه يفعل ذلك اختيارياً في اخطر قرار في حياته , انه في هذه اللحظة يكون أحوج ما يكون ان تكون له أوثق شركة في الفكر وفي العاطفة وفي الاهتمام مع المسيح , ومع ذلك فهو يستبعده تماماً !! والمؤمن في نير مع غير المؤمن , اختار ان يعيش بدون المسيح , لقد فضّل اختيارياً ان يفعل ارادته الذاتية وان يستبعد المسيح بدلاً من ان يتخلي عن ارادته الذاتية لكي يستمتع بالمسيح ويحظي بمصادقته , لقد اعطي قلبه لشخص اخر هاجراً المسيح ورافضا الاستماع اليه , وكلما زادت العاطفة قوة , كلما زاد ارتباط القلب , وكلما اتضح اكثر تفضيل شئ اخر علي المسيح , وياله من قرار رهيب , ان يقرر الواحد ان يقضي حياته هكذا ويختار لرفقته عدواً للرب !! , ان تأثير مثل هذا الارتباط هو بالضرورة سحب الطرف المؤمن الي العالم , فقد اختار بالفعل من قبل الشريك الذي من العالم واعتبره غرض القلب المحبب , وأمور هذا العالم فقط هي التي تسرّ اولئك الذين من العالم رغم ان عاقبتها هي الموت " فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ  وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيدًا ِللهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ  لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا "(رو 6 : 21-23)  " وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ " (1يو 2 : 17) , ياله من موقف رهيب !! , إذ إما ان تفشل في الأمانة للمسيح أو أن يكون عليك ان تقاوم باستمرار حيث من المفروض ان تكون أرق العواطف قد أنشأت كمال الوحدة , والحقيقة هي انه ما لم تتدخل نعمة الله المطلقة , فإن المؤمن او المؤمنة دائماً ما يستسلم ويدخل التدريج الي الطريق العالمي , امر طبيعي تماماً , فالطرف العالمي ليس له إلا رغباته العالمية , أما المؤمن فإلي جانب طبيعته الجديدة فيوجد فيه الجسد ايضاً , وما هو اكثر من ذلك فإن المؤمن قد هجر مبادئه المسيحية لكي يرضي جسده باتحاده بواحد لا يعرف الرب , ونتيجة مثل هذا الارتباط هي ان المؤمن لن يكون له فكر مشترك في الموضوع الذي ينبغي ان يكون أغلي شئ علي قلبه , لن يكون له فكر مشترك مع أعز إنسان عليه في هذا العالم , والذي يشبه جزءاً من تكوينه , سوف لا يكون بينهما الا المشاجرات كما هو مكتوب " هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعًا إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟ " (عاموس 3 : 3) , وإلا فمن المحتم اولاً ان يستسلما للعالم ثم يجدان لذتهما فيه , لكن هذه النتيجة المؤسفة تُستبعد من النظر عندما يكونا اولاً قد وضعا انفسهما في الوضع الذي لا ينتج لهما تجنب هذه النتيجة , المؤمن ينجذب بالتدريج , هو ليس في شركة مع مخلصه , وهو يجد لذته عندما يكون في علاقة مع شخص مقبول عنده دون التفكير في الرب يسوع , عندما يكون وحده لا يفكر في الصلاة , وعندما يكون مع الشخص الذي يحبه رغم ان ضميره وربما اصدقاؤه المؤمنين قد يحذرونه فإنه يكون بلا قوة ولا يكون للمسيح السلطان الكافي علي قلبه لكي يجعله يتحول عن طريقه ويتخلي عن عاطفة هو يعرف انها لا تحظي بموافقة الرب , وهو يربط نفسه بدوافع اخري مثل الشعور بالفخر وفي بعض الاحيان الاخري تكون الدوافع اكثر بشاعة مثل المصالح المالية وهو يضحي بضميره وبمخلصه بل وبنفسه هو ايضاً وفي كل الاحوال يضحي بمجد الله , وما كان في البداية لا يتعدي ان يكون خيالاً  وقد اصبح الان ارادته الذاتية غير مكبوحة .
وهناك ملحوظة اخري يجب ان اشير اليها بمناسبة قصة هذه الشابة , ان البداية الصحيحة للنفس المتجددة – مهما كانت درجة الاخلاص عندها – لا تنشئ إلا الحكم علي الذات والجسد اذ بكونها تكشف لنا ضعفنا تجعلنا نرمي اثقالنا عند قدمي الرب يسوع , وعندئذ نطلب القوة منه ولا نثق إلا فيه , فالثقة التي للنفس التي عرفت ذاتها ونزعت الثقة فيها,  لها في المسيح ما يعطيها سلاماً متيناً ودائماً عندما تكون قد ادركت انه هو وحده برنا , ولا تكون قد وصلت الي هذا الادراك إلا عندما نكون في محضر الله وعندما نكتشف عندئذ اننا لسنا سوي خطية , وأن المسيح هو البر الكامل وان الله هو المحبة الكاملة من هذا الوقت نفقد الثقة في انفسنا ونحارب انفسنا ونحارب الجسد ولا يكون للعدو عندئذ نفس القدرة علي خداعنا .
لست اعتقد ان الشابة التي هي موضوع هذه الصفحات قد انتزعت من ذاتها ويوجد مؤمنون كثيرون في هذه الحالة , ورغم اننا جميعاً قد نتعرض لهذه الاخطار , إلا ان هؤلاء المؤمنين يتعين عليهم ان يكونوا اكثر خوفاً من مكائد العدو لأنهم لم يتعلموا الي أي حد يمكن للجسد ان يخدعهم ولم يعرفوا أي عدو رهيب علينا ان نتعامل معه , وعندما نصل الي معرفة ذلك – حتي ولو كان هناك نقص في الاحتياط , لكن المسيح سوف تكون له مكانة اعظم في القلب ويكون هناك سلام اكثر وثقة اقل في الذات .
لاحظوا كم ان القلب خداع وكيف يفقد كل تحكم في ذاته عندما يبتعد عن الله , إن الشابة المسكينة (عندما كانت تغوص شيئاً فشيئاً الي المستنقع التي كانت عند اطرافه تتلكأ) طلبت من صديقة لوالدتها ان تبذل كل ما في وسعها لتذليل أي عقبات , وقد كانت الاخيرة (التي كانت علي قدر من التقوي) مستغربة كيف ان هذه الشابة تنوي ان تربط نفسها مع رجل غير مؤمن .
كم هو خادع وخبيث قلبنا !! , وما أسهل ان نتحول الي عبيد لأي صنم !! , إذ اننا رغم محاولاتنا لتجنب الخطر , ومع ذلك فإننا نستخدم كل الوسائل لتأمين تحقيق الامر الذي نرغبه حتي في الوقت الذي فيه نهرب منه , ما ارهبه امر , ان تبتعد عن الله !! , هذه الشابة قبل ان تسقط في شرك هذه العاطفة , كانت ترتعب خوفاً من فكرة مثل هذا العمل , وعندما يهجر القلب الله, فإنه يخشي الانسان اكثر من خشية الله , ان الله نفسه الذي احب هذه الفتاة , والذي كانت بحق تحبه كان لابد ان يأخذها لنفسه , وماتت في سلام وعن طريق النعمة الخالصة انتصرت , فالمؤمن بينما يتمتع بالسلام في لحظاته الاخيرة لابد دائما ان يشعر ان الله هو الذي يده في الامر , ما ارهبه درس لاولئك الذين يرغبون في الابتعاد عن الله ومن كلمته المقدسة من اجل تلبية ميل كان من السهل التغلب عليه في البداية , لكنه اذا قبل في القلب يصبح مستبداً وقاتلاً , ليت الرب يمنح قارئ هذه السطور وكل اولاده ايضا ان يطلبوا محضره يوماً فيوماً .