أين نجد الفرح الحقيقي وكيف يستمر
أين الفرح الحقيقي
أين الفرح الحقيقي
دعونا نقرأ أولاً (لو 15 : 11 - 24)
أريد أن أتحدث عن سر السعادة الحقيقية في الحياة المسيحية والمليئة بالثمر ، ونجد ذلك الأصحاح كبداية رجوع الابن الضال العنيد الي أبيه وقبوله الغفران ، والنتيجة العظيمة لذلك هي "فابتدأوا يفرحون" وهذه هي بداية الفرح الحقيقي .
وفي هذا المثل نجد أن الآب يمثل لنا هنا قلب الله ، والابن يمثل الإنسان ذو الإرادة العنيدة والمتصلفة ضد الله لذا نجده يأخذ طريقه بعيداً عن الله ، والنقطة الهامة هنا في هذا المثل توضح رغبة قلب الله لقبول الخطاة التائبين .
ونجد هنا أن هذا الآب له ابن اصغر كان غير مسرور بوجوده في البيت ولذا يرغب في الخروج من تحت قيود ذلك البيت ، ولذا نجده يقول "يا أبي اعطني القسم الذي يصيبني من المال" وبالتحديد هذا ما فعله الله تجاه كل واحد منا ، فكل منا قد اخذ نصيبه من الله ، والنصيب الذي أعنيه هنا هو صحتنا وقوتنا وامكانياتنا وأوقاتنا .... الخ ، فكل منا قد اُعطي أشياء من عند الله ، البعض نال كثيراً والبعض اقل ، ونجد هنا ان الابن الأصغر أراد ان يأخذ نصيبه ويستخدمه لأجل اغراضه واهتماماته الخاصة ، وأراد أن يتمتع بوقت طيب مستخدماً تلك الامكانيات ، لأنه شعر بعدم ارتياح لوجوده في محضر أبيه ، ولذا يخبرنا المثل أنه بعد أيام ليست بكثيرة جمع كل ماله وارتحل الي كورة بعيدة ، وهناك بذَّر كل ماله بعيش مسرف ، وهذا يوضح لنا تاريخ البشرية علي وجه العموم ، فنحن قد فرحنا بأننا قبلنا نصيباًَ من الله من الصحة والقوة والامكانيات الطبيعية ، فالبشر قد فرحوا بأنهم نالوا تلك الأشياء من الله ، ولكن مثل الابن الضال لم يعتنوا بالشخص الذي قبلوا منه تلك العطايا ، وهم استخدموا تلك الأشياء في حياتهم لغرضهم الخاص فبالرغم من أنهم قبلوها من الله ، ولكنهم لا يرغبون الله كما يقول الكتاب "كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الي طريقه" (أش 53 : 6) .
فربما يكون أحدكم يشعر بالضيق والأنين ، أو قد نشأ في أسرة مسيحية وكان محاطاً بكلمة الله ، وربما تكون رغبت في أن تنفك من تلك القيود لكي تستمتع بحياتك بدون الأب والأم لكي تصير حراً ، فدعني اخبرك عزيزي "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" (أم 4 : 12) فربما يكون لديك فكر أن تخرج وتعيش حياتك وتستمتع بنصيبك ، أود أن أقول لك الآن ان الطريق يبدو صحيحاً ، ولكنه في الحقيقة يؤدي بك الي الموت (أي الموت الأدبي) اي الانفصال التام عن الله ، واذا كنت ستتمادي في الخطايا فنهاية هذه الحياة حتماً ستؤدي بك الي الدينونة .
ونجد هنا أن الرحلة كانت الي "كورة بعيدة" لم يخبرنا هنا ماهي المسافة التي قطعها بعيدا عن أبيه وهذا يوضح الفجوة الأدبية والمسافة الروحية التي بين الإنسان والله ، وهذا هو الحال مع كل البشر "آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم" (أش 59 : 2) وهذه المسافة التي فصلت بين الإنسان والله غير محدوده ! .
نعم فالرجال والسيدات ذهبوا بعيداً عن الله في خطاياهم وصحيح ان البعض ذهب بعيداً أكثر من الاخر ولكن يقول الكتاب "لأنه لا فرق إذ الجميع اخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3 : 22 - 23) ، ونجد ان الابن الاصغر هنا "بذر ماله بعيش مسرف" فهو اعتقد انه سيقضي وقت جميل ، بل كل ما عمله كان تبذير ما قد اعطاه له أبيه ، ونحن نري هذا في كل العالم المحيط بنا ، فالناس قد أخذوا نصيبهم من الله ، صحتهم وقوتهم وطاقاتهم ومواهبهم ، وامكانياتهم أياً كانت ، واستخدموها لأنفسهم ولأجل أغراضهم ، ساعين ان يجدوا السعادة والسرور في هذا العالم ، ولكن في الحقيقة انهم يبذرون حياتهم ، لأن الكتاب يقول "لماذا تزنون فضة لغير خبز ؟ وتعبكم لغير شبع؟" (أش 55 : 2) وياليت الشباب يعلمون ذلك لأننا يجب أن نتعلم هذا الدرس من ذلك الأصحاح .
ويقول الكتاب "فلما أنفق كل شئ" والذي كان يتوقعه من وقت جيد وممتع قد أتي الي نهايته والكتاب يحذرنا "تابع البطالين يشبع فقراً" (أم 28 : 19) فالأوقات السعيدة التي كان مفتكراً بها قد تحطمت وأتت الي نهاية ! ، والكتاب يقول "تمتع وقتي بالخطية" (عب 11 : 25) فقد كانت الي وقت قصير والمشكلة انه قد انفق كل معيشته ، وبعد ذلك "حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدأ يحتاج" فمن الواضح أن يد العناية الإلهية كانت عليه ، فالمجاعة لم تكن مصادفة ولكن الإنسان عندما يذهب في طريقه الخاص مستقلاً عن الله سوف يختبر "الجوع الشديد" من الناحية الروحية والاحتياج الشديد في النفس ، أي الفراغ وعدم الاشباع في فعل ارادتنا الذاتية ، وليس هذا هو الطريق الذ يؤدي الي السعادة والفرح المطلوب في حياتنا .
"وابتدأ يحتاج" فقد ابتدأ يتذوق من ثمر طريقه وأعماله ، والكتاب يقول "لا تضلوا الله لا يشمخ عليه فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً" (غل 6 : 7) ، فقد سمح الله لهذا الشاب ان يشعر بالاحتياج الشديد في نفسه ، فإن كان هناك إنسان غير متأكد إلي أين هو ذاهب في هذه الحياة ، ولم يعرف الرب يسوع المسيح كمخلص شخصي ، فإنه سيشعر باحتياج وعوز شديد في داخل نفسه . . ونصلي الي الله أن يعرف الرب ويحصل علي الخلاص ليختبر الفرح بغفران خطاياه.
وعندما شعر بالعوز والاحتياج نجده ماذا يفعل فقد فعل مثلما يفعل جميع الناس عندما يشعرون بفراغ النفس ، فإنه قد تحوَّل الي الناس لأجل المساعدة والمعونة منهم ، "فقد مضي والتصق بواحد من أهل تلك الكورة" محاولاً أن يجد عمل هناك ، وهذا الشخص بدوره قد أرسله الي الحقول ليرعي الخنازير ويطعمها ، ولكن لم يجد مساعدة لأنه كان في حالة من الجوع الشديد ، فكان يأكل من طعام الخنازير "وكان يشتهي ان يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله" والدرس الذي نتعلمه من هذا هو عدم نفع التحول الي الإنسان لأجل المعونة الروحية ، لأن الكتاب يقول "كفوا عن الإنسان الذي في أنفه نسمه" (أش 2 : 22) "لا تتكلوا علي الرؤساء ولا علي ابن آدم حيث لا خلاص عنده" (مز 146 : 3) .
وكم قد رأينا أناس وصلوا الي تلك لنقطة فيشعرون بالجوع الشديد والفراغ في نفوسهم ، فيدركون انهم مفتقدين شئ ما في الحياة وفي بحثهم للحصول علي المعني الحقيقي للحياة يتجهون الي البشر ليجدوا لديهم الاحباط واليأس ! ، الناس يتجهون الي كل أنواع الأشياء التي من صنع الإنسان لأجل المعونة ، فنجد الوكالات والخدمات وعلم النفس وغيره ، وعندما تذهب الي تلك الأماكن تجد الكثير جداً من الناس الذين يحاولون التخلص من عقدة الشعور بالذنب ، فلا يعرفون ماذا يفعلون مع هذا الشعور وبالتالي يتحولون إلي تلك الأشياء ، يا عزيزي نريد أن نخبرك عن كيفية التخلص من الشعور بهذا الذنب انه ليس بالتحول الي الطب النفسي للتعامل معه ، ولكن نرغب ان نستحضرك الي المخلص الرب يسوع المسيح الذي يقدر ان يطرح خطاياك ، فتمضي ذنوبك إلي الأبد ، فخطاياك ستطرح من قدام الله نهائياً ويستريح ضميرك لأنه قد طرح ذنبك ومضي الي الأبد ، ونوايا الإنسان الصالحة لا يمكن أن تفعل ذلك ، فمهما كانت النية صالحة لا تقدر ان تعطيك ما تحتاج اليه في قلبك ، ولكن المسيح فقط هو الذي يقدر أن يفعل ذلك .
ومن ثم يذهب هذا الشاب الي الحقل ليرعي الخنازير ولا يجد لنفسه طعام كاف ليسد جوعه ، فيتعلم درساً مريراً وهو "أما طريق الغادرين فأوعر" (أم 13 : 15) ، فهل تعرف أي شئ عن هذا يا صديقي العزيز ؟ ياليتتك لا تعرف ان كل واحد منا يحتاج ان يأتي الي الله بأعوازه ، فنحن في غني عن أن نذهب الي العالم ، ونقترف كل أنواع الخطايا ، أو نحيا حياة الفجار لندرك أننا اخطأنا قدام الله القدوس وبالتالي تحتاج الي مخلص ، بل يكفي أن يكون هناك عوز للأبد في قلبك إذا لم تكن لك علاقة مع الرب يسوع المسيح .
ولذا نقرأ "فلم يعطه أحد" فقد تعلم درس آخر هنا ، تعلم أن العالم لا يعطي شئ مجاناً فعندما كان معه المال فقد كان له اصدقاء ، ولكن الآن يُرفَع القناع ويكتشف حقيقة العالم ، فعندما انفق معيشته هجره اصدقائه ! ، فلم يعلم ان هذا سيحدث عندما ترك بيت أبيه ، ولكنه كان يعتقد انه سيستمتع بوقت جميل في الكورة البعيدة ، فقد اعتقد أن يكون له الكثير من الاصدقاء ، ولكنه يكتشف انهم اصدقاء اللحظة ! ، وكل شئ ينتهي بمأساة حقيقية واحباط مرير .
شئ واحد لا نقرأ عنه في رحلة هذا الشاب الي الكورة البعيدة وهو أنه لم يختبر ولا مرة الفرح الحقيقي والسعادة الإلهية ، أنه نفس الشئ الذي نتحدث عنه في هذا المقال سر الحياة المسيحية المثمرة والسعيدة ، هذا لم يجده في الكورة البعيدة ، فلا يرد ذكر عن تلك السعادة أبداً في تلك الكورة ، فالله يريد أن يعلمنا أن عمل ارادتنا فقط يجلب علينا التعاسة والاحباط والشقاء والفراغ ، وفي النهاية انكسار القلب ، فكل شخص قد اكتشف أو سيكتشف ان هذا العالم لا يمكنه ان يشبع أحد "فلم يعطيه أحد" يالها من كلمات صعبة ! ، وكما قلت فقد تعلم الصفة الحقيقية لهذا العالم ، فهذا العالم يرغب دائماً ان يأخذ منك ! ، ولكن يا أعزائي هناك شخص يريد أن يخبرك بأنه يريدك ليس لكي ينال منك ، ولكن لكي يعطيك ! ، أنه المخلص المبارك الرب يسوع المسيح ، أنه يريد أن يباركك ، ويعطيك الفرح والسعادة الحقيقية التي تسعي إليها ، وعندما تقول أن العالم لا يقدر أن يساعدك ، فإننا لا نعني أنه لا يحاول أن يقدم لك العون ، ولكننا نقول أنه سوف لا يقدر علي أن يعطيك احتياج نفسك الحقيقي ، فالناس يحاولون ان يشربوا الخمور أو يعملون اشياء يعتقدون انها ستساعدهم ولكن كل هذا لا يسدد الاحتياج العميق الذي في الإنسان ، فعندما يشعر الإنسان بهذا الاحتياج العميق والشعور بالفراغ يكون من الواضح في تلك الحالة ان الله يعمل في النفس ، لأن الله دائماً ينتج في النفس إحساس بالاحتياج قبل أن يأتي إليها ، وأنا أرجو ان الكل يشعر بالحاجة والعوز الي ذاك المخلص العظيم .
ونقرأ _في عدد (17) "فرجع إلي نفسه ..." أي أنه توقف وابتدأ يعيد حساباته في الحياة ، وفكر كيف انه يهلك هنا جوعاً فقال "وأنا أهلك جوعاً" أنه شئ حسن أن تتوقف لبرهة وتعيد حساباتك الحقيقية مع نفسك ، فهذا الشاب قد جلس وفكر وأدرك أنه كان هالكاً ، فهل فكرت في خطاياك التي أبعدتك عن الله (فهذا ينطبق عليك إن كنت لم تتعرف بعد علي المخلص) فإنك تعيش حياة تؤدي الي الهلاك الحتمي ، حيث الهلاك إلي الأبد ، ولكننا نود أن نخبرك أن الله "لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع الي التوبة" (2بط 3 : 9) ، فهل أدركت تلك الحقيقة الآن ، إن كنت لم تأخذ المسيح كمخلص لحياتك فإنك هالك لا محالة ! ومصيرك هو بحيرة النار المتقدة الي الأبد ! هذا هو نهاية الطريق الذي تسير فيه .
يقال هنا "إنه رجع الي نفسه" اي الي حالته ومعيشته حينما كان في بيت أبيه ، فقال "كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً" وهنا نجد أنه ابتدأ تغيير فكره عن أبيه ، فابتدأ يعيد موقفه وطريقه وهذا يوضح لنا معني التوبة لأنه ابتدأ يفكر في صلاح أبيه أي أن قلبه بدأ يتحول الي أبيه كما هو مكتوب "أن لطف الله انما يقتادك الي التوبة" (رو 2 : 4) ، ونريد أن نسألك عزيزي : ياتري ما هو صلاح الله لحياتك ؟ كم من مرة اعتني بك ، ربما يكون نجاك من حادث أو من مرض ، أو كنت علي وشك الموت وأنقذك ونجاك من مواقف عديدة ! ، نعم انه الإله الذي نقدمه لك هو إله صالح ، الإله الذي يحبك ، الإله الذي يعتني بك ، صحيح نحن نحبك ونهتم بك صديقي ، لكن صدقني أن محبتنا بالمقارنة مع محبة هذا الشخص هي لا شئ بالمرة .
فصلاح أبيه لما كان في بيته جعله يقول "أقوم وأذهب إلي أبي وأقول له يا أبي أخطأت الي السماء وقدامك" فهو قد قرر أن يخبر أبيه بالحق كله ، ويعترف أنه قد اخطأ ، وهذا بالضبط ما تحتاج أن تفعله ! ، فأنت محتاج أن تأتي الي الله وتخبره بأنك اخطأت ، ولاحظ هنا أنه لم يحاول ان ينظف نفسه أو يحصل علي ملابس أفضل (لأنه كان حينئذٍ يعيش في وسط الخنازير) أو يجعل نفسه في حالة تتوافق مع محضر أبيه وكيف سيقابله بتلك الملابس الرثه كلا اطلاقاً ! ، إنه لم يفعل ذلك ، بل قام وذهب إلي أبيه كما هو ، وهذا يبين الحقيقة أنك تحتاج الي أن تأتي قدام الله كما أنت ، وصدقوني لا شئ يعطلنا مثل ذلك الامر أعني محاولة تجهيز أنفسنا وتنقية حياتنا قبل المجئ للرب ، فبعض الناس يعتقدون أن ممارسة بعض الطقوس الدينية ستجعلها اكثر توافقاً مع الله ، وأنا أعلم أن الناس ربما يدفعونك لفعل هذا ، لكن الكتاب يخبرك أن تأتي كما أنت ، لا تتباطأ تعال بكل خطاياك ، تعال بكل احزانك ومشاكلك ، أنه يريد أن يزيح عنك خطاياك ويشفي قلبك المنكسر ، أنه يريدك أن تكون سعيداً ، وهو يقدر أن "يعوِّض لكم عن السنين التي أكلها الجراد" (يوئيل 2 : 25) .
وبعد ذلك "قام ورجع إلي أبيه" فقد اتجه علي الفور الي بيت أبيه وربما ساوره بعض الافكار عن ماذا لو رفضه أبوه ، ماذا لو لم يقبلني ، وربما تكون أنت تفكر في مثل ذلك ، فتقول "ماذا لو رغبت في الرجوع ولم يقبلني الرب ، ولكن نود أن نخبرك ياصديقي بكل تأكيد أن الله لديه الرغبة أن يقبل الخطاة التائبين ! ، أنه في غاية الاهتمام بك وراغباً في قبولك لأن الرب يقول "من يقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً" (يو 6 : 37) ، لأنه ما من شخص أتي الي المسيح لأجل الخلاص ونظر اليه الرب وقال له "كلا" ليس أنت المقصود وتحول عنه أبداً أو لم يقبله .
فدعني اسألك ، فهل لو أتيت الي لمسيح الليلة سيقبلك ؟ صدقني إن قلب الله يتوق لقبول الخطاة التائبين ، فالمسيح يدعوك "تعال لأن يسوع يدعو تعال لأن بيت الآب لازال مفتوحاً لك ، تعال لأن الملائكة يتطلعون اليك ، فكل السماء تهتم برجوع خاطئ للمسيح ، كما يقول هذا الأصحاح "يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب" (لو 15 : 10) ، فإذا كان هناك شخص ما يقرأ تلك المقالة غير متأكد من امر خلاصه ، فنحن نتوسل اليك بأن تسمع صوت المخلص المبارك وتعال إليه فتخلص (مت 11 : 28) .
ونقرأ هنا أن الآب تحنن وركض الي الابن وقبله ، وترجمة أخري تخبرنا أنه عانقه بذراعيه وغطاه بالقبلات ، فهل هناك أي شك من جهة غفران الآب له ؟ بالتأكيد لا ، لأن معانقة أبيه بددت حالاً كل شك من جهة هذا ، وللوقت علم الشاب أن ابوه قد غفر له ! ، فيا أعزائي الله يريدك ان تعرف غفرانه ، وان تختبر الفرح عندما يغسل خطاياك ويجعلك مستعداً للسماء .
فالآب لم يتوقف عن قبلات الغفران ، لأننا نجد أنه يحضر "الحلة الأولي" ليلبسها له ، والتي ترمز الي ثياب الخلاص التي يحصل عليها الشخص بمجرد خلاصه (أش 61 : 10) ، وبعد ذلك يقول اجعلوا خاتماً في يده ، والذي يذكرنا بأننا محبوبون الي الأبد ، (الخاتم ليس له بداية ولا نهاية) ، وحذاء في قدميه ، وهذا يبين لنا المقام الجديد للمؤمنين امام الله (رو 5 : 2) ، وتلك هي الاشياء التي تحدثنا عن البركات التي لنا في المسيح ، وبعد ذلك يحضر "العجل المسمن" ويأكلون معاً ، فالابن كان محتاجاً الي وليمة جيدة وهو في الكورة البعيدة ، والآن نجد أن الآب يعطيها له ، ويحصل علي فرح الشركة مع الآب ايضاً ، كما هو مكتوب "فابتدأوا يفرحون" وياللعجب ! ، فالله الذي نقدمه لك الآن هو الإله الذي خلقك ويعلم كيف يجعل مخلوقاته في غاية السعادة ، فهو يريدك ان تكون مؤمناً مثمراً وسعيداً وبداية تلك الحياة هي أن تأتي للمسيح بالإيمان وبالتالي يكون لك العلاقة الصحيحة مع الله .
أريد أن أتحدث عن سر السعادة الحقيقية في الحياة المسيحية والمليئة بالثمر ، ونجد ذلك الأصحاح كبداية رجوع الابن الضال العنيد الي أبيه وقبوله الغفران ، والنتيجة العظيمة لذلك هي "فابتدأوا يفرحون" وهذه هي بداية الفرح الحقيقي .
وفي هذا المثل نجد أن الآب يمثل لنا هنا قلب الله ، والابن يمثل الإنسان ذو الإرادة العنيدة والمتصلفة ضد الله لذا نجده يأخذ طريقه بعيداً عن الله ، والنقطة الهامة هنا في هذا المثل توضح رغبة قلب الله لقبول الخطاة التائبين .
ونجد هنا أن هذا الآب له ابن اصغر كان غير مسرور بوجوده في البيت ولذا يرغب في الخروج من تحت قيود ذلك البيت ، ولذا نجده يقول "يا أبي اعطني القسم الذي يصيبني من المال" وبالتحديد هذا ما فعله الله تجاه كل واحد منا ، فكل منا قد اخذ نصيبه من الله ، والنصيب الذي أعنيه هنا هو صحتنا وقوتنا وامكانياتنا وأوقاتنا .... الخ ، فكل منا قد اُعطي أشياء من عند الله ، البعض نال كثيراً والبعض اقل ، ونجد هنا ان الابن الأصغر أراد ان يأخذ نصيبه ويستخدمه لأجل اغراضه واهتماماته الخاصة ، وأراد أن يتمتع بوقت طيب مستخدماً تلك الامكانيات ، لأنه شعر بعدم ارتياح لوجوده في محضر أبيه ، ولذا يخبرنا المثل أنه بعد أيام ليست بكثيرة جمع كل ماله وارتحل الي كورة بعيدة ، وهناك بذَّر كل ماله بعيش مسرف ، وهذا يوضح لنا تاريخ البشرية علي وجه العموم ، فنحن قد فرحنا بأننا قبلنا نصيباًَ من الله من الصحة والقوة والامكانيات الطبيعية ، فالبشر قد فرحوا بأنهم نالوا تلك الأشياء من الله ، ولكن مثل الابن الضال لم يعتنوا بالشخص الذي قبلوا منه تلك العطايا ، وهم استخدموا تلك الأشياء في حياتهم لغرضهم الخاص فبالرغم من أنهم قبلوها من الله ، ولكنهم لا يرغبون الله كما يقول الكتاب "كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الي طريقه" (أش 53 : 6) .
فربما يكون أحدكم يشعر بالضيق والأنين ، أو قد نشأ في أسرة مسيحية وكان محاطاً بكلمة الله ، وربما تكون رغبت في أن تنفك من تلك القيود لكي تستمتع بحياتك بدون الأب والأم لكي تصير حراً ، فدعني اخبرك عزيزي "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" (أم 4 : 12) فربما يكون لديك فكر أن تخرج وتعيش حياتك وتستمتع بنصيبك ، أود أن أقول لك الآن ان الطريق يبدو صحيحاً ، ولكنه في الحقيقة يؤدي بك الي الموت (أي الموت الأدبي) اي الانفصال التام عن الله ، واذا كنت ستتمادي في الخطايا فنهاية هذه الحياة حتماً ستؤدي بك الي الدينونة .
ونجد هنا أن الرحلة كانت الي "كورة بعيدة" لم يخبرنا هنا ماهي المسافة التي قطعها بعيدا عن أبيه وهذا يوضح الفجوة الأدبية والمسافة الروحية التي بين الإنسان والله ، وهذا هو الحال مع كل البشر "آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم" (أش 59 : 2) وهذه المسافة التي فصلت بين الإنسان والله غير محدوده ! .
نعم فالرجال والسيدات ذهبوا بعيداً عن الله في خطاياهم وصحيح ان البعض ذهب بعيداً أكثر من الاخر ولكن يقول الكتاب "لأنه لا فرق إذ الجميع اخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3 : 22 - 23) ، ونجد ان الابن الاصغر هنا "بذر ماله بعيش مسرف" فهو اعتقد انه سيقضي وقت جميل ، بل كل ما عمله كان تبذير ما قد اعطاه له أبيه ، ونحن نري هذا في كل العالم المحيط بنا ، فالناس قد أخذوا نصيبهم من الله ، صحتهم وقوتهم وطاقاتهم ومواهبهم ، وامكانياتهم أياً كانت ، واستخدموها لأنفسهم ولأجل أغراضهم ، ساعين ان يجدوا السعادة والسرور في هذا العالم ، ولكن في الحقيقة انهم يبذرون حياتهم ، لأن الكتاب يقول "لماذا تزنون فضة لغير خبز ؟ وتعبكم لغير شبع؟" (أش 55 : 2) وياليت الشباب يعلمون ذلك لأننا يجب أن نتعلم هذا الدرس من ذلك الأصحاح .
ويقول الكتاب "فلما أنفق كل شئ" والذي كان يتوقعه من وقت جيد وممتع قد أتي الي نهايته والكتاب يحذرنا "تابع البطالين يشبع فقراً" (أم 28 : 19) فالأوقات السعيدة التي كان مفتكراً بها قد تحطمت وأتت الي نهاية ! ، والكتاب يقول "تمتع وقتي بالخطية" (عب 11 : 25) فقد كانت الي وقت قصير والمشكلة انه قد انفق كل معيشته ، وبعد ذلك "حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدأ يحتاج" فمن الواضح أن يد العناية الإلهية كانت عليه ، فالمجاعة لم تكن مصادفة ولكن الإنسان عندما يذهب في طريقه الخاص مستقلاً عن الله سوف يختبر "الجوع الشديد" من الناحية الروحية والاحتياج الشديد في النفس ، أي الفراغ وعدم الاشباع في فعل ارادتنا الذاتية ، وليس هذا هو الطريق الذ يؤدي الي السعادة والفرح المطلوب في حياتنا .
"وابتدأ يحتاج" فقد ابتدأ يتذوق من ثمر طريقه وأعماله ، والكتاب يقول "لا تضلوا الله لا يشمخ عليه فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً" (غل 6 : 7) ، فقد سمح الله لهذا الشاب ان يشعر بالاحتياج الشديد في نفسه ، فإن كان هناك إنسان غير متأكد إلي أين هو ذاهب في هذه الحياة ، ولم يعرف الرب يسوع المسيح كمخلص شخصي ، فإنه سيشعر باحتياج وعوز شديد في داخل نفسه . . ونصلي الي الله أن يعرف الرب ويحصل علي الخلاص ليختبر الفرح بغفران خطاياه.
وعندما شعر بالعوز والاحتياج نجده ماذا يفعل فقد فعل مثلما يفعل جميع الناس عندما يشعرون بفراغ النفس ، فإنه قد تحوَّل الي الناس لأجل المساعدة والمعونة منهم ، "فقد مضي والتصق بواحد من أهل تلك الكورة" محاولاً أن يجد عمل هناك ، وهذا الشخص بدوره قد أرسله الي الحقول ليرعي الخنازير ويطعمها ، ولكن لم يجد مساعدة لأنه كان في حالة من الجوع الشديد ، فكان يأكل من طعام الخنازير "وكان يشتهي ان يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله" والدرس الذي نتعلمه من هذا هو عدم نفع التحول الي الإنسان لأجل المعونة الروحية ، لأن الكتاب يقول "كفوا عن الإنسان الذي في أنفه نسمه" (أش 2 : 22) "لا تتكلوا علي الرؤساء ولا علي ابن آدم حيث لا خلاص عنده" (مز 146 : 3) .
وكم قد رأينا أناس وصلوا الي تلك لنقطة فيشعرون بالجوع الشديد والفراغ في نفوسهم ، فيدركون انهم مفتقدين شئ ما في الحياة وفي بحثهم للحصول علي المعني الحقيقي للحياة يتجهون الي البشر ليجدوا لديهم الاحباط واليأس ! ، الناس يتجهون الي كل أنواع الأشياء التي من صنع الإنسان لأجل المعونة ، فنجد الوكالات والخدمات وعلم النفس وغيره ، وعندما تذهب الي تلك الأماكن تجد الكثير جداً من الناس الذين يحاولون التخلص من عقدة الشعور بالذنب ، فلا يعرفون ماذا يفعلون مع هذا الشعور وبالتالي يتحولون إلي تلك الأشياء ، يا عزيزي نريد أن نخبرك عن كيفية التخلص من الشعور بهذا الذنب انه ليس بالتحول الي الطب النفسي للتعامل معه ، ولكن نرغب ان نستحضرك الي المخلص الرب يسوع المسيح الذي يقدر ان يطرح خطاياك ، فتمضي ذنوبك إلي الأبد ، فخطاياك ستطرح من قدام الله نهائياً ويستريح ضميرك لأنه قد طرح ذنبك ومضي الي الأبد ، ونوايا الإنسان الصالحة لا يمكن أن تفعل ذلك ، فمهما كانت النية صالحة لا تقدر ان تعطيك ما تحتاج اليه في قلبك ، ولكن المسيح فقط هو الذي يقدر أن يفعل ذلك .
ومن ثم يذهب هذا الشاب الي الحقل ليرعي الخنازير ولا يجد لنفسه طعام كاف ليسد جوعه ، فيتعلم درساً مريراً وهو "أما طريق الغادرين فأوعر" (أم 13 : 15) ، فهل تعرف أي شئ عن هذا يا صديقي العزيز ؟ ياليتتك لا تعرف ان كل واحد منا يحتاج ان يأتي الي الله بأعوازه ، فنحن في غني عن أن نذهب الي العالم ، ونقترف كل أنواع الخطايا ، أو نحيا حياة الفجار لندرك أننا اخطأنا قدام الله القدوس وبالتالي تحتاج الي مخلص ، بل يكفي أن يكون هناك عوز للأبد في قلبك إذا لم تكن لك علاقة مع الرب يسوع المسيح .
ولذا نقرأ "فلم يعطه أحد" فقد تعلم درس آخر هنا ، تعلم أن العالم لا يعطي شئ مجاناً فعندما كان معه المال فقد كان له اصدقاء ، ولكن الآن يُرفَع القناع ويكتشف حقيقة العالم ، فعندما انفق معيشته هجره اصدقائه ! ، فلم يعلم ان هذا سيحدث عندما ترك بيت أبيه ، ولكنه كان يعتقد انه سيستمتع بوقت جميل في الكورة البعيدة ، فقد اعتقد أن يكون له الكثير من الاصدقاء ، ولكنه يكتشف انهم اصدقاء اللحظة ! ، وكل شئ ينتهي بمأساة حقيقية واحباط مرير .
شئ واحد لا نقرأ عنه في رحلة هذا الشاب الي الكورة البعيدة وهو أنه لم يختبر ولا مرة الفرح الحقيقي والسعادة الإلهية ، أنه نفس الشئ الذي نتحدث عنه في هذا المقال سر الحياة المسيحية المثمرة والسعيدة ، هذا لم يجده في الكورة البعيدة ، فلا يرد ذكر عن تلك السعادة أبداً في تلك الكورة ، فالله يريد أن يعلمنا أن عمل ارادتنا فقط يجلب علينا التعاسة والاحباط والشقاء والفراغ ، وفي النهاية انكسار القلب ، فكل شخص قد اكتشف أو سيكتشف ان هذا العالم لا يمكنه ان يشبع أحد "فلم يعطيه أحد" يالها من كلمات صعبة ! ، وكما قلت فقد تعلم الصفة الحقيقية لهذا العالم ، فهذا العالم يرغب دائماً ان يأخذ منك ! ، ولكن يا أعزائي هناك شخص يريد أن يخبرك بأنه يريدك ليس لكي ينال منك ، ولكن لكي يعطيك ! ، أنه المخلص المبارك الرب يسوع المسيح ، أنه يريد أن يباركك ، ويعطيك الفرح والسعادة الحقيقية التي تسعي إليها ، وعندما تقول أن العالم لا يقدر أن يساعدك ، فإننا لا نعني أنه لا يحاول أن يقدم لك العون ، ولكننا نقول أنه سوف لا يقدر علي أن يعطيك احتياج نفسك الحقيقي ، فالناس يحاولون ان يشربوا الخمور أو يعملون اشياء يعتقدون انها ستساعدهم ولكن كل هذا لا يسدد الاحتياج العميق الذي في الإنسان ، فعندما يشعر الإنسان بهذا الاحتياج العميق والشعور بالفراغ يكون من الواضح في تلك الحالة ان الله يعمل في النفس ، لأن الله دائماً ينتج في النفس إحساس بالاحتياج قبل أن يأتي إليها ، وأنا أرجو ان الكل يشعر بالحاجة والعوز الي ذاك المخلص العظيم .
ونقرأ _في عدد (17) "فرجع إلي نفسه ..." أي أنه توقف وابتدأ يعيد حساباته في الحياة ، وفكر كيف انه يهلك هنا جوعاً فقال "وأنا أهلك جوعاً" أنه شئ حسن أن تتوقف لبرهة وتعيد حساباتك الحقيقية مع نفسك ، فهذا الشاب قد جلس وفكر وأدرك أنه كان هالكاً ، فهل فكرت في خطاياك التي أبعدتك عن الله (فهذا ينطبق عليك إن كنت لم تتعرف بعد علي المخلص) فإنك تعيش حياة تؤدي الي الهلاك الحتمي ، حيث الهلاك إلي الأبد ، ولكننا نود أن نخبرك أن الله "لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع الي التوبة" (2بط 3 : 9) ، فهل أدركت تلك الحقيقة الآن ، إن كنت لم تأخذ المسيح كمخلص لحياتك فإنك هالك لا محالة ! ومصيرك هو بحيرة النار المتقدة الي الأبد ! هذا هو نهاية الطريق الذي تسير فيه .
يقال هنا "إنه رجع الي نفسه" اي الي حالته ومعيشته حينما كان في بيت أبيه ، فقال "كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً" وهنا نجد أنه ابتدأ تغيير فكره عن أبيه ، فابتدأ يعيد موقفه وطريقه وهذا يوضح لنا معني التوبة لأنه ابتدأ يفكر في صلاح أبيه أي أن قلبه بدأ يتحول الي أبيه كما هو مكتوب "أن لطف الله انما يقتادك الي التوبة" (رو 2 : 4) ، ونريد أن نسألك عزيزي : ياتري ما هو صلاح الله لحياتك ؟ كم من مرة اعتني بك ، ربما يكون نجاك من حادث أو من مرض ، أو كنت علي وشك الموت وأنقذك ونجاك من مواقف عديدة ! ، نعم انه الإله الذي نقدمه لك هو إله صالح ، الإله الذي يحبك ، الإله الذي يعتني بك ، صحيح نحن نحبك ونهتم بك صديقي ، لكن صدقني أن محبتنا بالمقارنة مع محبة هذا الشخص هي لا شئ بالمرة .
فصلاح أبيه لما كان في بيته جعله يقول "أقوم وأذهب إلي أبي وأقول له يا أبي أخطأت الي السماء وقدامك" فهو قد قرر أن يخبر أبيه بالحق كله ، ويعترف أنه قد اخطأ ، وهذا بالضبط ما تحتاج أن تفعله ! ، فأنت محتاج أن تأتي الي الله وتخبره بأنك اخطأت ، ولاحظ هنا أنه لم يحاول ان ينظف نفسه أو يحصل علي ملابس أفضل (لأنه كان حينئذٍ يعيش في وسط الخنازير) أو يجعل نفسه في حالة تتوافق مع محضر أبيه وكيف سيقابله بتلك الملابس الرثه كلا اطلاقاً ! ، إنه لم يفعل ذلك ، بل قام وذهب إلي أبيه كما هو ، وهذا يبين الحقيقة أنك تحتاج الي أن تأتي قدام الله كما أنت ، وصدقوني لا شئ يعطلنا مثل ذلك الامر أعني محاولة تجهيز أنفسنا وتنقية حياتنا قبل المجئ للرب ، فبعض الناس يعتقدون أن ممارسة بعض الطقوس الدينية ستجعلها اكثر توافقاً مع الله ، وأنا أعلم أن الناس ربما يدفعونك لفعل هذا ، لكن الكتاب يخبرك أن تأتي كما أنت ، لا تتباطأ تعال بكل خطاياك ، تعال بكل احزانك ومشاكلك ، أنه يريد أن يزيح عنك خطاياك ويشفي قلبك المنكسر ، أنه يريدك أن تكون سعيداً ، وهو يقدر أن "يعوِّض لكم عن السنين التي أكلها الجراد" (يوئيل 2 : 25) .
وبعد ذلك "قام ورجع إلي أبيه" فقد اتجه علي الفور الي بيت أبيه وربما ساوره بعض الافكار عن ماذا لو رفضه أبوه ، ماذا لو لم يقبلني ، وربما تكون أنت تفكر في مثل ذلك ، فتقول "ماذا لو رغبت في الرجوع ولم يقبلني الرب ، ولكن نود أن نخبرك ياصديقي بكل تأكيد أن الله لديه الرغبة أن يقبل الخطاة التائبين ! ، أنه في غاية الاهتمام بك وراغباً في قبولك لأن الرب يقول "من يقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً" (يو 6 : 37) ، لأنه ما من شخص أتي الي المسيح لأجل الخلاص ونظر اليه الرب وقال له "كلا" ليس أنت المقصود وتحول عنه أبداً أو لم يقبله .
فدعني اسألك ، فهل لو أتيت الي لمسيح الليلة سيقبلك ؟ صدقني إن قلب الله يتوق لقبول الخطاة التائبين ، فالمسيح يدعوك "تعال لأن يسوع يدعو تعال لأن بيت الآب لازال مفتوحاً لك ، تعال لأن الملائكة يتطلعون اليك ، فكل السماء تهتم برجوع خاطئ للمسيح ، كما يقول هذا الأصحاح "يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب" (لو 15 : 10) ، فإذا كان هناك شخص ما يقرأ تلك المقالة غير متأكد من امر خلاصه ، فنحن نتوسل اليك بأن تسمع صوت المخلص المبارك وتعال إليه فتخلص (مت 11 : 28) .
ونقرأ هنا أن الآب تحنن وركض الي الابن وقبله ، وترجمة أخري تخبرنا أنه عانقه بذراعيه وغطاه بالقبلات ، فهل هناك أي شك من جهة غفران الآب له ؟ بالتأكيد لا ، لأن معانقة أبيه بددت حالاً كل شك من جهة هذا ، وللوقت علم الشاب أن ابوه قد غفر له ! ، فيا أعزائي الله يريدك ان تعرف غفرانه ، وان تختبر الفرح عندما يغسل خطاياك ويجعلك مستعداً للسماء .
فالآب لم يتوقف عن قبلات الغفران ، لأننا نجد أنه يحضر "الحلة الأولي" ليلبسها له ، والتي ترمز الي ثياب الخلاص التي يحصل عليها الشخص بمجرد خلاصه (أش 61 : 10) ، وبعد ذلك يقول اجعلوا خاتماً في يده ، والذي يذكرنا بأننا محبوبون الي الأبد ، (الخاتم ليس له بداية ولا نهاية) ، وحذاء في قدميه ، وهذا يبين لنا المقام الجديد للمؤمنين امام الله (رو 5 : 2) ، وتلك هي الاشياء التي تحدثنا عن البركات التي لنا في المسيح ، وبعد ذلك يحضر "العجل المسمن" ويأكلون معاً ، فالابن كان محتاجاً الي وليمة جيدة وهو في الكورة البعيدة ، والآن نجد أن الآب يعطيها له ، ويحصل علي فرح الشركة مع الآب ايضاً ، كما هو مكتوب "فابتدأوا يفرحون" وياللعجب ! ، فالله الذي نقدمه لك الآن هو الإله الذي خلقك ويعلم كيف يجعل مخلوقاته في غاية السعادة ، فهو يريدك ان تكون مؤمناً مثمراً وسعيداً وبداية تلك الحياة هي أن تأتي للمسيح بالإيمان وبالتالي يكون لك العلاقة الصحيحة مع الله .
وكلمة "رجع الي نفسه" تحدثنا عن الإحياء (أف 2 : 1) ، فعندما بدأ الابن في التفكر في صلاح أبيه تلك هي التوبة ، وعندما قام ورجع الي أبيه هذا هو التحول والتغيير ، لأن التغيير يعني أن يكون له قلب تحول الي الله ، وفي طريقه الي أبيه كان له روح "العبد الأجير" ، وهذا يصور لنا تدريبات وصراع النفس في العبودية كما هو واضح في (رو 7) ، لأن هناك لم نجد الحرية ، فعندما قبله الآب فإن هذا يبين لنا الغفران والخلاص والختم والمصالحة ، وعندما ارتدي الحلة الأولي واستحضر الي بيت الآب في مكانة الابن الخاصة نجد هنا التبني ، وأخيراً عشاءه مع أبيه يحدثنا عن الحياة الأبدية ، لأن معرفة الآب والشركة معه هي جوهر الحياة الأبدية (يو 3 : 17) "أما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1يو 1 : 3) ، نعم يا أحبائي فالله يعرف جيداً كيف يجعلك سعيداً .
و نستطيع أن نجمل عطايا الآب للابن الشاب في سبعة هبات وهي :
1 - أعطاه نصيباً في الميراث بعد عودته
2 - اعطاه قبلات الغفران
3 - اعطاه الحلة الأولي (أفضل حلة)
4 - اعطاه الخاتم
5 - اعطاه الحذاء
6 - اعطاه العجل المسمن
7 - اعطاه الفرح الحقيقي والسعادة التي كان يتوق اليها ولم يحصل عليها في الكورة البعيدة ، وياللعجب أرجو ان كل نفس تقرأ تلك الكلمات تكون قد عرفت هذا الفرح الذي أتحدث عنه الآن .
( يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق