الأحد، 18 أكتوبر 2020

الامتياز والمسئولية في بيت الله

 

الامتياز والمسئولية في بيت الله

 

كانت رغبة الله دائماً هي السكني وسط شعبه كي يتمتع الرب بالشركة معهم ويتمتعون هم أيضا به , ونحن لا نجد بيت الله في سفر التكوين , ولكن بمجرد صنع الفداء واستحضار شعب الله اسرائيل وخروجهم من مصر يطلب الله منهم علي الفور ان يصنعوا له مسكناً ويبنوا خيمة حتي يسكن وسطهم .

وبالمثل في العهد الجديد نجد الله راغباً أن يسكن في وسط شعبه كبيت لله , وقد قام بتكوين هذا البيت في يوم الخمسين بمجئ الروح القدس إليهم , ومع ذلك هناك اختلاف بين خيمة الاجتماع في العهد القديم وبيت الله في العهد الجديد , فالأول كان يتم بالتواصل بين الله وشعبه وكان طالباً من شعبه اشياء يجب ان يتمموها ويحفظوها بينما تميز يوم الخمسين باغداق البركات علي الإنسان , ولكن في الحالتين نجد ان بيت الله مرتبط بالامتياز والمسئولية .

فإذا كان حق الكنيسة كجسد المسيح يسمو بأفكارنا الي الرأس الذي في السماء أي المسيح , فإن بيت الله يستحضر قدامنا مكان الكنيسة علي الأرض , حيث تظهر المسئولية بالتأكيد عندما تفكر في بيت الله , لكن دائماً الكتاب يحدثنا أولاً عن امتيازاتنا الرائعة في بيت الله , وهناك ثلاثة إمتيازات علي الأقل تميز بيت الله في العهد الجديد , امتيازات لم تكن موجودة من قبل .

امتياز غفران الخطايا :

بادئ ذي بدء يعلم المؤمنون في بيت الله (وفقاً لفكره الأصلي في الكتاب المقدس) ان خطاياهم قد غفرت , ويمكننا بالتالي ان نكون مستريحين تماماً في محضر الله , واستطاع بطرس أن يقول "فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ" (أع 3 : 19)  فالمؤمنون بالرب يسوع لديهم اليقين الكامل بأن دم المسيح قد ابعد عنا كل معاصينا كما هو مكتوب "وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (1يو 1 : 7) , فنحن الآن في بيت الله وهؤلاء الذين في البيت "لاَ يَكُونُ لَهُمْ أَيْضًا ضَمِيرُ خَطَايَا" (عب 10 : 2)

حضور روح الله :

ثانياً : يتميز بيت الله اليوم بالحضور الدائم لروح الله "مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا ِللهِ فِي الرُّوحِ" (أف 2 : 22)  فالروح القدس لا يسكن فينا فقط كأفراد بل أيضاً يسكن فينا كجماعة تمثل بيت الله , وهذا امتياز لا يُقدّر بثمن , ولم يكن هذا الامتياز موجود من قبل لدي مؤمني العهد القديم , ولكن أصبح امتياز الكنيسة كبيت الله , والروح القدس جاء لكي يحقق أمرين أولا : كي يُعرِّف الإنسان الله وأن يُمجِّد المسيح لدي المفديين ولذا قال الرب يسوع "ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ" (يو 16 : 14) والروح القدس قد كشف لنا أمجاد المسيح الآن كما هو مكتوب "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ».فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ" (1كو 2 : 9-10) والأمر الثاني للروح القدس ان يقود قلوبنا في التسبيح وتقديم الشكر لله تجاوباً مع محبته كما يقول بطرس "بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ ... لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ." (1بط 2 : 5 , 9) .

امتياز المعمودية :

أخيراً يتمتع المؤمنون الذين في بيت الله بامتياز المعمودية أي أن يتخذ المؤمنون مكان الموت مع المسيح كي يشهدوا لاسم المسيح في هذا العالم , فنحن ندخل البيت بالإيمان بعمل المسيح وبالمعمودية باسمه , فياله من امتياز أن نحمل اسم المسيح ونكرمه في هذا العالم الذي قد رفضه .

القداسة كمسئولية :

والمبدأ عند الله أن كل امتياز يتبعه دائماً مسئولية ففي بيت الله هناك مسئوليات خطيرة ترتبط بوجودنا هناك ويجب عدم الاستهانة بها أو تجاهلها , وأول كل شئ يجب ان يتميز بيت الله بالقداسة وهذا المبدأ واضح حتي في العهد القديم "بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ" (مز 93 : 5) وكم يكون هذا أكثر أهمية في ضوء المسيحية وكتب بولس لابنه تيموثاوس "فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" (1تي 3 : 15) وبطرس أيضا عندما يتحدث عن بيت الله في رسالته الأولي يعطينا التعليمات الخاصة بالتصرف داخل هذا  البيت .

ويعطينا الكتاب بيت الله عندما يبنيه الله بصورة كاملة وأيضاً يوضح لنا مسئولية الإنسان في البناء فيقول بولس "حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ" (1كو 3 : 10) وبالارتباط بتلك المسئولية استطاع بولس أن يضع الأساس الذي هو المسيح , ولكنه يقول أيضاً " فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ" وفي هذه الحالة قد يكون الإنسان مؤمناً حقيقياً ولكن يبني بطريقة تهين الرب في بيته (الذي هو بيت الله) , فكم من التعاليم والممارسات السيئة التي تم ادخالها إلي بيت الله علي الأرض , وكم عدد غير المؤمنين الذين تم احضارهم الي هذا البيت , فياله من أمر خطير جداً , لأنه يجلب الشر مباشرة الي المكان الذي يسكن فيه روح الله , فإنه يجب ان تراعي قداسة الله سواء في سلوكنا الشخصي أو في عملنا لأجل الرب .

سيادة المسيح :

وهناك مسئولية اخري مرتبطة بالقداسة , ففي هذا البيت يتم الاعتراف بربوبية المسيح وسيادته , فالمسيح هو "ابن علي بيته" (عب 3 : 6) فعلي جميع الموجودين داخل هذا البيت مسئولية الخضوع لسلطانه , فلا يمكننا التصرف بطريقة غير لائقة في بيت الله , ان كنا نحترم التصرف بلياقة في منزل تحت سلطة إنسان , فكم بالحري يليق بنا التصرف في بيت الله " وَ«لْيَتَجَنَّبِ الإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي اسْمَ الْمَسِيحِ»" (2تي 2 : 9) الذي هو عمود الحق وقاعدته .

استطاع بولس في الأيام الأولي أن يكتب لتيموثاوس مستخدماً هذا التعبير "وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" (1تي 3 : 15) فالكنيسة بصفتها بيت الله هي مسئولة ان تكون "عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" وتلك الكلمات تصف هذا البناء وكم يجب ان يكون قاعدته صحيحة وهيكل سليم علي تلك القاعدة , فالكنيسة نفسها لا تُعلّم , ولكنها تتعلم عن طريق المواهب المعطاة من الرب بالروح القدس من خلال كلمة الله , ومن ثم فهي مسئولة عن تطبيق هذا التعليم والحكم علي اي سوء تصرف للإنسان في بيت الله , وعندما كتب بولس رسالته الثانية لتيموثاوس , وصف الروح القدس الكنيسة بأنها صارت بيتاً كبيراً " وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ " (2تي 2 : 20) إذ لم يتم الحفاظ علي الأساس , ولم يتم البناء وفقاً لكلمة الله ولم يعد البيت " عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ " لأن الانحراف قد بدأ بالفعل منذ الأيام الأولي لبولس الرسول وعبارة " بَيْتٍ كَبِيرٍ " ترتبط بفشل الشهادة لله في هذا العالم , فالبيت الكبير هو العالم المسيحي , بالطبع ما يبنيه الله لا يمكن أن يفسده الإنسان أبداً , ولكن ما أوكله الله للإنسان في مسئوليته قد تشوه في يده للأسف , ولا نجد كلمة الكنيسة بحد ذاتها تذكر في تيموثاوس الثانية بل نجد مصطلح " بَيْتٍ كَبِيرٍ " للاعتراف المسيحي .

التقديس في البيت الكبير :

ففي هذا البيت الكبير نجد أواني ليس ذهب وفضة فقط بل أواني من خشب وخزف أيضا كما هو مكتوب " وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ " (2تي 2 : 20) بعض الأواني هي للكرامة وبعضها للهوان , والمؤمن الحقيقي ليس مدعواً أن يترك البيت , ولا يمكنه فعل ذلك , ولكنه يجب ان يكون مستعداً أن يطهر نفسه من أواني الهوان , وبهذه الطريقة فقط يكون إناءاً للكرامة " فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، (بالانفصال عنها) يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ " (2تي 2 : 21) وعندما يفعل هذا سيجد نفسه بصحبة آخرين قد فعلوا ذلك أيضاً مثله , مكتوب عنهم " الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ " (2تي 2 : 22) .

وعلي الرغم من أن بيت الله اصبح بيتاً كبيراً , فإن الامتيازات والمسئوليات المرتبطة به تظل كما هي , فالرب هو نفسه لا يتغير وروحه لا يزال موجوداً علي الأرض حتي مجئ الرب , ولازلنا نحمل اسمه أمام العالم ويوجد مصطلح جميل للمؤمن الأمين يسمي " إِنْسَانُ اللهِ " (2تي 3 : 17) وهذا التعبير مرتبط دائماً بالأمانة للرب في أيام الفشل والارتداد , ويمكننا دائماً أن نعيش بأمانة للرب ونتمتع بامتيازات بيت الله حتي يأتي الرب ويدعونا لنكون معه في السماء عن قريب .

بقلم : بيل بروست

ترجمة : عاطف فهيم

 

الأربعاء، 19 فبراير 2020

اجلسي حتي


"اجلسي ... حتي"
حتي متي ؟
"حتي تعلمي كيف يقع الأمر"

أنه من أصعب الدروس كما أنه من أهمها وأكثرها فائدة في الحياة الروحية أن يتعلم الإنسان أن "يجلس" . وتزداد قيمة هذا الدرس عندما يواجه الإنسان الظلام والشكوك ويجهل تطورات الأمور .
كثيراً ما تختلط أمامنا المسالك ونحتار تجاهها ولا ندري أي طريق نسلك فحينئذ يكون سلامنا وراحتنا وخيرنا في أن نجلس .
ليس طبيعياَ ان "نجلس" في وقت اختبار كهذا. الجلوس في مثل هذا الوقت درس يجب ان نتعلمه , ان التغلب علي قلق روحنا وعلي شدة رغبتنا في معرفة ما هو أمامنا ليس دائماً بالأمر السهل , حقاً أنه لأكثرنا "جبل صعاب" ولكن الجبال تذوب وتزول أمام عجائب النعمة .
كلنا نريد "الجلوس" ولكن كيف يمكننا حفظ الروح هادئة والعقل مستريحاً والأيدي ساكنة واللسان صامتاً ونحن في  مواجهة الأمور التي تقلقنا والناس الذين يسيئون إلينا والاشياء التي فوق طاقتنا , ان القدرة علي عمل كهذا في الحقيقة شئ لا تٌقدر قيمته .
وليست المسألة مجرد إيقاف الحركة الجسدية بدون أن تكون هناك روح هادئة ساكنة , فقد تطوي الذراعان وتسكن جميع أعضاء الجسم الظاهرة ولكن إذا كان الفكر والقلب في جزع , إذا كانت الروح حزينة والضمير تعباً فمثل هذا لا يعد جلوساَ .
قد يظهر ان السكون الخارجي وليد راحة داخلية ولكن لا شك أننا كثيراً ما اختبرنا جلوساً ليس هو "الجلوس في هدوء" .
ولكن هل من المستطاع ان "نجلس " في عالم دائم الحركة وفي مواجهة مسائل تقلقنا وعقد يصعب علينا حلها ؟ نعم من المستطاع , وهذا ما يجريه الله لأولئك الذين هم خاصته "عند الله كل شئ مستطاع".
وهنا العامل الإلهي علي "الجلوس" في وسط ظروف الشك والظلمة والقلق والمخاطر " ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ." (اش 26 : 3) فالفكر الذي يستند علي الله وحده في كل شئ ويأبي ان يتجاوزه إلي اخر , و القلب الذي يقنع بالاعتماد الكلي عليه ويترك كل أموره لكمال حكمته ومحبته وعنايته , القلب الذي يعتمد علي الله يُحفظ سالماً سالماً ويستطيع ان "يجلس" في هدوء .
هنا مكان راحة النفس الحزينة وهو مفتوح أمامها باستمرار . ملجأ للمعيي ومستقر للفكر المضطرب وللنفس الخائفة المتوقعة السوء , هنا الحماية في وقت العاصفة .
إن في مكان الاعتماد علي يهوه كل راحة وبركة , فهل وصلتِ يا نفسي الي هناك ؟ لأنه هناك فقط يوجد هذا السكون الذي تحتاجين إليه وسط اضطرابات الحياة , وهل أنتِ في نقاوة أمام الله تستطعين معها ان تعتمدي عليه في بساطة لا بل وأن تكتفي به طارحة كل هم وتاركة الكل بين يديه يدي المحبة الكاملة ؟ إنه هناك فقط يمكنك أن "تجلسي" .
لما نتعلم بواسطة الدم الغالي الذي سفك في الجلجثة عن تلك المحبة التي بحثت عنا واشترتنا وأتت بنا إلي رعية الرب وجعلتنا له إلي النهاية عندئذ بكل تأكيد نثق في استطاعته علي أن يحفظ طريقنا المستقبل في أمان حتي وإن كان مخفي عنا الآن .
عندما يغلق الطريق ويظلم المستقبل استند علي الله , لا تتعداه ولو الي خطوة واحدة , ركز كل شئ فيه , انتظره , اثبت فيه , انشغل به , سبحه افرح فيه , مجده , سلٌم له طريقك , اعتمد عليه بعزم القلب "اجلس" والنتيجة مضمونة " وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (في 4 : 7) .
إن قوة وثبات جلوسنا يجب أن يُمتحنا , ولا يصلح لامتحانهما شئ أكثر من الحوادث والظروف المستقبلة التي ليست فقط تطوراتها مجهولة بل الأمل ضعيف في أنها تكون لمصلحتنا , إن الأشياء المعروفة نشعر بأننا نستطيع مواجهتها بهدوء إلي حد ما ولكن ما يملأنا بالقلق والخوف هو الأمور المجهولة المشكوك فيها وغير المعينة , هذه هي التي كثيراً ما تثقل القلب والفكر وتضني الفؤاد وتسبب هزالاً في الإنسان كله , هذه هي الأمور التي تفزع الإنسان وتجعل أعصابه تضطرب فلا يستطيع أداء حتي أبسط الواجبات العادية اليومية , إنه في وسط هذه الشكوك وفي حالة مواجهتنا بالظلام والعواصف يُطلَب منا أن "نجلس" يُطلب ذلك عندما نكون في حالة لا تبعث علي أقل هدوء أو راحة , عندما نشعر بعدم القدرة علي احتمال المصاعب في هذه الحالة يريدنا الله أن  "نجلس" وتضع ثقتنا فيه.
"اجلسي" حتي متي ؟ "حتي تعلمي كيف يقع الأمر " هذا هو الامتحان , أليس لأننا نجهل كيف يقع الأمر نجد صعوبة في أن "نجلس" ؟ كم يكون الحال متغيراً لو علمناه , لو علمنا مصير تلك الحالة التي تتأثر لها أعمالنا تأثراً بليغاً , لو علمنا كيف يجب أن نخطو الخطوة التالية في أمر جوهري في حياتنا . لو علمنا كيف نستعد للأيام المقبلة , لو علمنا سبب تأخير ذلك الخطاب الذي طاله علينا انتظاره , لو علمنا لماذا تسرب الفتور الي ذلك القلب الذي كان يوماً ما يحبنا بشدة , لو علمنا لماذا تقسي علينا من كانت أحشاؤه ترق علينا قبلاً , لو علمنا محتويات ذلك الخطاب الذي عندما نقبض عليه تهتز يدنا ويضطرب قلبنا ونرتعب كثيراً قبل أن نفتحه , لو علمنا أين نجد ذلك الابن التائه "ابن محبتنا وعنايتنا" , لو علمنا هل سنشفي من هذا المرض أم لا . آه لو علمنا الأمور المخفاة عنا التي لا تحصي عندئذ يصبح من السهل أن "نجلس" , ولكننا في الواقع لا نعلم , لا نستطيع أن نعلم حتي ... ولكن نستطيع أن نتكل علي الله , وإن كان في حكمته أخفي واحدة أمامنا إلا أننا نعلم بأنه يري النهاية من البداءة , إن كنا مدعوين لأن "نجلس" إلا أننا نوقن بأنه هو في عمل دائم في جانبنا , هو متمم لكل مشيئته الصالحة من نحونا , عندما نواجه مستقبلاً مظلماً عندما تهاجمنا الشكوك التي تسوقنا الي اليأس فإن معرفتنا بأنه يعرف كل شئ وأنه يحب ويعتني وأنه فوق الجميع , هذه المعرفة تخلصنا من الاضطراب وتمكننا من أن "نجلس" في راحة وسلام , وما أعظمها بركة أن نخلص من مخاوفنا وأوهامنا وقلقنا وغضبنا وجميع حركات الجسد الباطلة .
"نجلس" في هدوء عندما نتكل علي الله . عندما ننتظر الرب ونعطيه الفرصة ليتمم مشيئته بالطريقة التي يراها . إن النتيجة هي النصرة علي كل الظروف ونوال السلام الكامل , احسبه أيها الأخ العزيز وأيتها الأخت الفاضلة أنه الامتياز الأعظم أن تسلم أمرك وطريقك لله وتتركها هناك .
قد يقول البعض : "هذا كلام غير عملي , هذا معناه عدم عمل شئ بالمرة" , ولكن بالحقيقة الأمر ليس هكذا . إن التسليم لله هو أعظم ما يمكن أن يقوم به الإنسان إنه التوكل علي الله , إنه وضع الثقة القلبية البسيطة فيه , إنه الاعتماد علي أمانته , أنه الاتكال علي كلمته , إنه الإيمان في الله الحي القدير , ثق أنه ليس خمولاً أن تنتظر عمل الله , "اجلس" لا تستعجله , استعجالك لله يعيق عمله "اجلس حتي تعلم كيف يقع الأمر" .
استمع لحكمة الجلوس , تقول " لأَنَّ الرَّجُلَ لاَ يَهْدَأُ حَتَّى يُتَمِّمَ الأَمْرَ الْيَوْمَ" (را 3 : 18) نحن نجلس وننتظر لأنه هو يضع يده الإلهية علي أمورنا البسيطة كما هي علي الأمور الهامة , إنه يديرها ويحولها جميعاً إلي ما فيه مجده وفائدتنا أيضاً . "الرجل لا يهدأ" أي رجل ؟ "الإنسان يسوع المسيح" (1تي 2 : 5) كن متأكداً بأن نهاية كل أمر يتعهده مثل هذا الإنسان المبارك لابد وأن تكون نهاية ناجحة .
يا نفسي "اجلسي حتي ... " حتي تعلمي قصده السامي فيما منعه عنكِ , اجلسي حتي يزيل الغيوم , حتي يبدد الضباب الكثيف , حتي يزيح الجبال , حتي يكسر الحواجز , حتي يبدد الظلمات  , حتي يحل العقد , حتي يجيبك بالسلام , حتي "نراه وجهاً لوجه" حتي "نكون مثله" حتي "نعرف كما عرفنا" , حتي "يفيح النهار وتنهزم الظلال" , حتي يأتي , ياله من رجاء مبارك ربما يتم اليوم "اجلسي" "اجلسي" .
يا نفسي "اجلسي" استسلمي لمشيئة الله المرضية وانتظري وقته الذي فيه يحل عقدك ويعلن لكِ طريقك , عندئذ تعرفينه بصورة أفضل وإذ تعرفينه يشبع قلبك , حقاً إن فرح الاتكال عليه بعزم القلب, فرح السكون في محبته وسط الظروف الصعبة يجذب نفسك إلي ذلك المستوي العالي مستوي الثقة فيه .
"اجلسي حتي" حتي متي؟ "حتي يتمم الأمر" يوجد تتميم للأمر , دعيه يسير في الأمر حتي إتمامه وماذا تكون النهاية ؟ قد لا نعلم , قد تكون بحسب الظاهر فشلاً , قد تجلب عداوة وسوء تفاهم واضطهاد وفي الظاهر كل المتاعب والاندحار , قد تظهر كأنها انهيار لكل مشروعاتنا وهدم لآمالنا أو حتي ضياع لحياتنا , ولكن النهاية ليست هنا , ما يحسب هنا في الأرض خسارة يحسب هناك في السماء "ربحاً" هناك ينقلب الهوان إلي مجد والصليب إلي إكليل , في ذلك اليوم سنشكره لأجل نعمته الكاملة الغنية التي مكنتنا من أن "نجلس حتي أتم الأمر" .
ألم يجز ربنا الطريق قبلنا ليحرضنا ويقوينا علي اتباع خطواته , ما كان أعظم ثباته في سيره وسط الظروف المعادية التي واجهته , من أين كان له هذا الهدوء العميق وهكذا السكون الكامل المقدس ؟ لأنه " كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل." (1بط 2 : 32) لقد ترك كل شئ بين يدي أبيه السماوي المحب وكانت ثقته فيه كاملة مستمرة , وبكل احترام نقول أنه كان متوكلاً علي الله .
يا نفسي ليكن الأمر هكذا معكِ , قد نجهل ما هو أمامنا ولكننا نعلم هذا أن لا شئ البتة يخفي عليه ولا شئ يقف في سبيل تنفيذ أغراضه ولا شئ يثبت أمام قوته كما أنه لا شئ يستطيع أن يقلل من محبته الإلهية لنا .
" اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدً ..... كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ" (مز 46 : 1-10) , " مَنْ مِنْكُمْ خَائِفُ الرَّبِّ، سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ؟ مَنِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ؟ فَلْيَتَّكِلْ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلهِهِ" (اش 50 : 10) .                                                                           بقلم هوكنج