سؤال حائر طالما تردد في أذهان
وقلوب البشر ردد صداه تاريخ الإنسانية
"كيف يتبرر الإنسان أمام الله ؟
إنه موضوع كل إنسان على اختلاف
الجنس واللغة والدين ...
كيف أكون مقبولاً لدى الله ؟!
إن الله القدوس البار يكره الخطية ، ولا يقبل أن يكون في علاقة مع إنسان خاطئ ، مع أنه في نفس الوقت محب ورحيم وغفور ، ولكن الله لا يغفر ولا يرحم بغض النظر عن اعتبارات بره وعدله التي لابد وأن تقتص من الإنسان الخاطئ »لأن أجرة الخطية هي موت« .
لقد دخلت الخطية للإنسان فصار خاطئاً عاصياً مذنباً .
ولقد نجست الخطية الإنسان فصار نجساً .
ولقد فصلت بينه وبين الله (وهو الحياة) فصار ميتاً روحياً ، واستحق الموت أبدياً .
أين الطريق إذاً ؟
وهل يمكن ان يُقبَل إنسان خاطئ مذنب ، نجس ، ميت أمام الله القدوس العادل ؟
إن للإنسان طرقه التي يحاول ان يصل بها إلي الله .
❊ وأول هذه الطرق هي الأعمال الحسنة :
من صلاة وصدقة وزيارة الأماكن المقدسة ..
وغيرها مما يمكن عمله ..
ولكن يبقي السؤال : هل تقدر هذه الأعمال أن تبرر الإنسان أمام الله ؟ إن الأعمال التي قد تبدو حسنة أمام الناس ليست كذلك أمام الله ..
فالإنسان ينظر الي العينين أما الرب فإنه ينظر الي القلب ..
وماذا يجد الله في القلب سوي نجاسة الخطية وشناعتها ؟
وهل يقبل الله عملاً خارجاً من قلب وكيان نجستهما الخطية ؟
إن العمل دائماً يتصف بصفات المصدر ، لذا فإن أعمال برنا هي نجاسة في نظر الله .
هب أني أعطيتك تفاحة ليس بها عيب .. ولكن قدمتها لك بيد قذرة . .. فهل تقبلها مني؟.
إن كان جوابك لا .. فهل يقبل الله عملاً ، مهما كان حسناً - من إنسان نجس ؟ فالإنسان عاجز عن فعل الصلاح .
لكن دعونا نفترض جدلا أنه استطاع أن يعمل حسناً ، أيحسب هذا العمل تفضلاً ؟ أم واجباً بحيث يعد التقصير فيه خطية ؟
وعلي فرض أن الإنسان استطاع أن يعمل أعمالاً حسنة ، هل هذه الأعمال كافية للتكفير عن خطاياه ومنحه غفراناً إلهياً ؟
دعونا نفكر ونزن ليس كل السيئات ، بل سيئة واحدة امام كل ما يستطيع الإنسان أن يعمله من أعمال حسنة .
إن الخطية تقاس بالشخص المخطأ ضده ، بحيث يحسب الخطأ بالكبير كبيراً ، وحيث أن خطايانا هي في الأصل كسر لشرع الله ، فهي موجهة أساساً ضده تعالي .
وحيث أن الله غير محدود في عظمته ، فخطية واحدة ضد الله غير محدودة ، أما كل ما نعمله من أعمال ، فهي صادرة من إنسان محدود فهي محدودة في قيمتها .
وهنا نقول هل يستقيم ميزان في إحدي كفتيه خطية غير محدودة وفي الأخري أعمال محدودة ؟ الي اي جهة يميل ؟
إن اعمالنا غير مجدية للتكفير عن خطايانا ولقبولنا لدي الله .
❊ الطريق الثاني هو التوبة :
لكن دعونا نسأل مع ماذا تتعامل التوبة ؟
مع الماضي ؟ أم أنها تتعامل مع المستقبل ؟
الحقيقة أن لسان حال التائب : إنني لن أعملها مرة أخري ، ولو أنه يعود ويعملها .
حسناً .. ولكن ماذا عن الخطايا التي عملت بالفعل ؟
دعوني أوضح فكرتي :
هب أن مجرماً قاتلاً مثل أمام العدالة نادماً علي ما اقترفت يداه ، معلناً توبته وواعداً ألا يقتل إنساناً أبداً.
هل يقضي القاضي ببراءته ويأمر بإطلاق سراحه ؟
حسناً لقد تبت ، لكن ماذا عن القتيل الذي قتلت ؟
هل نظن أن الله القدوس أقل عدلاً من القاضي البشري ؟ حاشا . فمع أن التوبة مطلوبة .. لكنها وحدها لا تكفي
إذاً ما الحل ؟
إن كانت الأعمال لا تجدي ، والتوبة لا تكفي ، وليس لدينا طريق آخر ؟ نعم ليس لدينا طريق آخر ، لكن الله عنده الطريق ..
إنه الفداء ... الذي يوفي مطالب الله العادلة ويفتح باب الغفران للإنسان .
ولقد أوضحه الله لنا رمزياً في قصة فداء ابن ابراهيم :
إن الحل كان من عند الله ، فالله هو الذي رتب الفداء ، ممثلاً في هذا الكبش الذي قدمه ابراهيم فداء عن ابنه .. وقد كان ذبحاً عظيماً ، ليس الكبش ، لكن قيمة الفداء عند الله .
لكن .. هل يكفي الكبش أو أية ذبيحة حيوانية لفداء الإنسان ؟
كلا فإن قيمة الحيوان أقل من قيمة الإنسان ، إن الذبيحة الحيوانية كانت رمزاً فقط للفداء الحقيقي.
ولقد أمر الله في القديم بتقديم الذبائح ليعلم الإنسان شيئاً عن قداسته ، وكراهيته للخطية ، ولكي يعترف الإنسان بخطيته وانه مستوجب الذبح جزاء خطاياه .
لكن من هو إذاً الفادي الحقيقي ؟ وما هي الشروط الواجب توافرها فيه ؟
أولاً : يجب أن يكون إنساناً : لكي يكون بديلاً عن الإنسان فإن ما هو أقل لا يكفي ، يمكن للأعلي أن يفدي الأقل ولكن الأدني لا يكفي لفداء الأعلي .
ثانياً : يجب أن يكون هذا الإنسان بلا خطية : وإلا استحق الموت جزاء خطاياه الشخصية .
ثالثاً : يجب أن تكون قيمته غير محدودة : بحيث تغطي قيمته كل البشر لأن كل البشر يحتاجون الي الفداء .
رابعاً : يجب أن يكون الفادي غير مخلوق : لماذا ؟ . . لأنه لو كان مخلوقاً لكانت نفسه ملك خالقه ، لم يكن له الحق أن يضع ذاته فداء لآخرين ولا أن يضحي بما ليس يمتلك .
إنها حقاً شروط معجزة !!
أين لنا بمثل ذلك الفادي ❊ الإنسان ❊ الذي بدون خطية ❊ غير محدود القيمة ❊ والغير مخلوق؟
مرة أخري نقول ، نحن ليس لدينا حل هذه الأحجية ، لكن الله عنده الحل . فهو القادر علي كل شئ.
إن الله يعلن لنا نفسه في الكتاب المقدس ، كالله الواحد ، ولكنه يعلن لنا أيضاً ، ان وحدانيته هي من نوع فريد خاص به تعالي فهي وحدانية جامعة .
وهل يوجد غير الوحدانية المطلقة البسيطة نعم .. ففي الإنسان نفسه ظل لذلك .. فالكيان الإنساني الواحد للفرد ليس كياناً بسيطاً فهو يضم ثلاث عناصر متميزة في كيان إنساني واحد وهي :
الروح ، والنفس ، والجسد في الإنسان الواحد الفرد .
فإن كنت أنا المخلوق البسيط لي وحدانية ليس بسيطة ، فإن أعلن لي الله خالقي أنه له وحدانية جامعة خاصة به ، هل استطيع أن أنكر عليه ذلك ؟! كلا البتة .
لقد أعلن الله أنه الواحد الجامع للأقانيم ، واقنوم هي كلمة سريانية ، وتعني شخص مميز ، لكن غير منفصل.
وأقانيم الله الواحد ، الآب والابن والروح القدس .
الآب والابن ليس بمعني جسدي ، حاشا ، ولكن هي علاقة روحية خاصة بالله ، وتعني المساواة والمعادلة والمحبة المتبادلة والإعلان .
لأن الله أحب العالم ، فهو المحب الودود ، أراد أن يفديه ويفتح أمامه طريق الخلاص والغفران ، فلقد أرسل الله ابنه ، بمعني أن اقنوم الابن قد تجسد .
السؤال هنا : أيستطيع الله ، لو أراد ، أن يتجسد ، أي يأخذ لنفسه جسداً ليصير إنساناً ؟ نقول نعم ، لأنه سبحانه قادر علي كل شئ ، لقد تجسد الابن الأزلي ، وولد المسيح من عذراء بدون أب بشري ، لأنه هو في الحقيقة ابن الله .
ولد المسيح إنساناً ، وفي ذات الوقت كان هو الله الظاهر في الجسد ، أي ، إنساناً والله في ذات الوقت .
لقد ظهرت في المسيح كل الصفات الإنسانية ، فقد ولد وكبر ، وأكل ، وشرب ، وحزن ، وتهلل ، وأخيراً أسلم نفسه للموت ، وفي ذات الوقت أظهر كل الصفات الإلهية ، وعمل الأعمال الإلهية .
وكان المسيح هو الإنسان الوحيد الذي عاش علي الأرض بلا خطية ، فهو القدوس البار ، الزكي ، الخالي من العيوب ، الذي لم يستطع الشيطان أن يمسه من قريب أو من بعيد .
ولأنه ابن الله فهو غير محدود في قيمته .
ولأنه الله الظاهر في الجسد : فهو الخالق وليس مخلوقاً .
وبذلك تكون كل شروط الفادي فد تحققت في المسيح ، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يفدي ، بل جاء لكي يفدي ، لقد قال عن نفسه : »إن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدم ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين« . وأيضاً »إن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويُخلِّص ما قد هلك« .
وبعد حياة رائعة ، مجيدة ، شهد فيها الكل عن بره ، اسلم نفسه للموت ، ليس لأنه يستحق ، حاشا ، بل لكي يفدي جنسنا العاصي الأثيم ، وليس خافياً أنه كان يمكن للمسيح ان يتحاشي الصلب إن أراد ، فهو الذي صنع المعجزات العظيمة ، ومعجزة صغيرة كانت كافية لتفريق الأعداء من حوله ، ولكنه ذهب لموت الصليب طوعاً واختياراً ، فهو الذبيح العظيم الذي كانت ترمز إليه كل الذبائح .
ولكنك قد تسأل : لماذا يقبل المسيح وهو الإله أن يموت عني ؟
إنها المحبة الإلهية للإنسان ، فإن طبيعة الله محبة وهو المصدر والمنبع لكل محبة في قلوب خلائقه ، دعني أوضح ذلك :
هب أنك في بيتك ، وابنك يلعب وفجأة هبت النيران في غرفة الابن فكيف ستتصرف كأب ؟ أنا واثق أنك ستندفع نحو الغرفة غير عابئ يالنيران ولا ما قد يصيبك من أذي ، غير هيَّاب الموت ، لأنك تحبه ، ولأنه ابنك ، دعني أسألك من علمَّك أن تفعل هذا ؟ إنه الله المحب الذي وضع في قلبك تلك المحبة المضحية تجاه ابنك ، فـــإن كـنـت وأنت إنسـان محـدود تحب ابنك حتي الموت ، فهل محبة الله ، وهو مصدر كل حب ، أقل من محبتك لأبنك ؟ لذلك قبل المسيح أن يموت ، »لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية« (يوحنا 3 : 16) وفي موته الكفاري علي الصليب بديلاً عن الخطاة ، وبسبب قيمة شخصه الغير المحدودة ، فقد وفي الله كل مطالب بره وعدله .
وعلي هذا الأساس ، فإن الله ، وقد وفيت مطالبه العادلة في المسيح ، فقد قبل عمل المسيح الكفاري ، والدليل هو قيام المسيح من الأموات في اليوم الثالث وصعوده الي السماء ، والله الآن يقبل كل من يؤمن بالمسيح وبعمله الفدائي ويأتي إليه عن طريق المسيح ، ويمنحه غفراناً أبدياً وحياة أبدية ، وبالإضافة الي ذلك فإن من يأتي لله في المسيح ، فإن الله يخلقه خليقة روحية جديدة ، ويعطيه طبيعة تتوافق معه ، وتحب العلاقة والشركة معه ، وتميل إلي الصلاح ، وتكره الشر .
هل فهمت عزيزي معنى الفداء ؟
هل أدركت طريق الله للتبرير والقبول لديه ؟
لقد قال المسيح »أنا هو الطريق والحق والحياة« . ولقد قال الكتاب المقدس »ليس بأحدي غيره (أي المسيح) الخلاص ، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص« .
عزيزي »توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة ، وعاقبتها طرق الموت« . هل الطريق الذي تسير فيه من هذا النوع ؟! اطلب الي الله الذي يعرفك ، ويحبك ، ويسمعك ، وبالتأكيد سوف يجيبك ، قل له افتح قلبي وذهني من فضلك ، واهدني الي طريقك القويم ، وأنر قلبي بمعرفتك المعرفة الحقيقية .
آمين
أشجعك أن تقرأ الكتاب المقدس ، لتجد لنفسك فيه الطريق الوحيد للقبول أمام الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق