الاثنين، 4 فبراير 2013

التدريب في مدرسة الله -هابيل-

التدريب في حياة شاهد البر "هابيل"

هابيل – كالأول في قائمة الإيمان – الذي ورث عقوبة الخطية عن طريق الميراث، ويمكن أن نتوقع أن يمدنا تاريخه بالخطوط العامة للتدريب الذي يتطلبه حياة بارزة في الإيمان.. وأنه لمن الخطأ [وفي بعض الأحيان لا تسبب أي اختبار ولو بسيط للنفس] أن أستنتج أنه مادام مقدار الحق أو النعمة قوى في داخلي فلابد أن تكون الطبيعة في داخلي أقل عجرفة ولكن العكس هو الصحيح، ومن المستحسن أن نعرف سبب ذلك.. فلو أن طبيعتنا كانت من رتبة أقل قبل السقوط لما وضعها السقوط في رتبة أقل مما هي عليه الآن.. ولكانت تطلعاتها وادعاءاتها للتهرب من نتائج السقوط أقل عنفاً وجرأة.. لم تكن لتتطلع إلى أكثر مما فقدت.. وحقيقة إننا قد خلقنا على صورة الله [وليس شيئاً أقل من ذلك] تعطي الأساس للافتراض الآن بأننا كنا قد سقطنا منها.. إن الرجل العظيم إذا انتقص reduced  فهو بالطبيعة يعود إلى ما كان عليه قبلاً.. أما إذا كان غبياً فهو يدعي ذلك دون أن تكون لديه القدرة على الاحتفاظ بها.. وهذا هو بالضبط ما تفعله طبيعتنا.. فكلما زاد إحساسها – أو بالأحرى كلما اضطرت إلى الإحساس – بأنها سقطت من مكانة كانت يوماً عالية كلما زاد تكالبها على الظهور وادعاؤها بالأهمية كلما أمكن ذلك.. وكلما قلت الرغبة أو الطلب على ادعائها كلما قل جهدها في تحقيقه، وهنا فإن النفوس التي تحاول جاهدة أن تنكر مركز [أو وجود Position] الطبيعة يجدون مقاومة منها في كل خطوة ويتعلمون عملياً أن الذين يتألمون في الجسد وحدهم هم الذين يكفون عن الخطــية [ 1بط 4 : 1 ] وأن الموت، وحده،  أدبيا في صليب المسيح، هو الذي يحررني من قوة وعبودية الطبيعة، وعملية الموت في التدريب جسدياً تعطي تأثيرها إلى حقيقتها الأدبية بواسطة نعمة الله.. بمعنى أننا أموات في through المسيح، وبهذه الصفة نحن محررون من الناموس وأمام الله نحن فيه [في المسيح].. وتبعاً لذلك فإن الآب -وبواسطة التأديب – يقودنا إلى الامتياز العملي لمركزنا في المسيح حتى نكون ليس فقط أموات فيه بل أموات في أنفسنا، وهذا هو التأثير العملي لمعرفتنا بأننا قد متنا في المسيح والذي وسيلته هي التدريب.. فالنفس التي تعلم تماماً قبولها أمام الله يجب أن تتعلم ألا تعتمد على الطبيعة التي أنقذت من تأثيراتها وأن وجود هذه النفس هو خارجها (2 كو 4: 10) .. لقد استطاع الرسول أن يقول أنه كان يُمات كل يوم وأنه كان يحمل في جسده إماتة الرب يسوع لكي تظهر أيضا حياة الرب يسوع في جسدنا.. وإذا كان القبول حقيقياً – أي أنه خلاص بالحق من حالتنا الطبيعية – أفلا يجب علينا أن نظهر أدبياً وعلمياً تأثيره ؟ هذا ما يجب أن يكون لأن القبول في البر هو شيء أسمى وابعد من حالتنا الطبيعية، وكلما زاد تمتعنا به واحتفاظنا به كلما توارت الأخيرة عن الأنظار.. [ويكون هذا فقط اعترافاً منا باستحقاقات إحسان الله علينا] أتريد أن تحتفظ بحالتك الطبيعية وفي نفس الوقت تبتهج بخلاصك منها ؟.. وإذا ابتهجت بالخلاص أفلا تظهر [هذا الخلاص ] بنبذك لكل ما قد خلصت منه؟ وإذا كان "هابيل" هو الشاهد الأول للقبول في البر – فإننا سوف نرى أنه أيضا الشاهد الأول الذي أسلم حياته الطبيعية – [ شاهداً في الأولى كما هو في الأخرى] – عند القبول إلى فرح وراحة قلبه – بواسطة الموت [ كم كان حقيقياً ومجيداً !! ] – حتى أنه "وإن مات يتكلم بعد".. هذه هي أول درجة في الترتيب الصحيح للتدريب.. "احسبوا ذواتكم أمواتاً عن الخطية". [رو 6 :11] "أميتوا أعضاءكم التي هي على الأرض" [ كو 3 :5].. ومركز الموت هذا هو بسبب حياتنا في المسيح [لأننا إن كنا أحياء فيه فيجب أن نكون أمواتاً في أنفسنا – والتدريب في أبسط دروسه الأولى يعلمنا هذا.. لا يوجد قديس إلا ويتعلم أن الموت يتم إما بالنزول  droppingالمتواصل لتجارب صغيرة مستمرة أو بواسطة مرض خطير أو بحلول كارثة شاملة دهماء.. يجب أن نتعلم كيف يحقق الموت في نفوسنا الخلاص منه.. وهو أمر لازم أيضا.. وتاريخ هابيل ليس فيه إلا تفاصيل طفيفة جداً، لكنه يتضمن النقطتين العظيمتين في حياة المؤمن – في شدة وقوة لا يمكن تجاوزها – وأعني بهما: القبول عند الله ؛و الموت لكل رابطة وعاطفة طبيعية..( الأول هو عمل الإيمان السهل، والثاني لا يعلن إرادياً لكنه نتيجة لتغير الطبيعة في وسط عالم شرير بواسطة العنف violence  الذي يعطي الموت راحة منه).. والله يسمح باضطهادات قايين لكي يقدم الفرصة لإعلان نعمته ومانحها، والتألم من أجل البر.. بينما يكون التدريب لأنفسنا فهذا هو أعلى مركز للخدمة في الإنجيل. لنسلم – إذاً – بأنني إذا عرفت معنى القبول جيداً فإن الموت هو نصيبي هنا، وأن التدريب لن يفعل ذلك لأنه يؤكد لي كما أنه يشهد للآخرين بأن القبول صحيحاً.. وهكذا فإننا سوف نجتني فائدة كبرى من تاريخ هابيل.. فهابيل لم يبدأ حياته حسب القاعدة أو التوجيه الذي أعطى لآدم [أي أن يعمل الأرض التي أخذ منها]، ولكن هابيل كان على النقيض – راعياً للغنم.. وهذا يظهر منذ البداية أنه لم تكن لدى هابيل أي نية لتحسين المشهد من حوله أو للحصول لنفسه وبمجهوده الخاص على أي شيء من الأرض من شأنه أن يقف حائلاً بينه وبين الله.. لقد كان الإحساس بالموت مائلاً أمامه والخلاص من هذا الشعور كان هو الشيء الوحيد الذي يرضيه.. كان راعياً للغنم.. لم يكن يرعى غنمه بفتور أو بعدم اكتراث، ولكنه كان يقودها من مرعى إلى مرعى حسب احتياجاتها.. ولم يكن يتوقع شيئاً ينبع من الأرض ليخفف عنه.. ومن أجل ذلك.. فلم يكن له فيها مكاناً مختاراً.. كان عاملاً وسائحاًَ ومعانياً من اللعنة التي أحسها حوله وفي نفسه وتحت حكم الموت في مشهد كهذا – ورعايته لقطيع "حي" أتى به ليكون في ارتباط مع الحياة وهذا هو [الشيء الوحيد بالذات الذي كانت تحتاج إليه نفسه ]..
وهو لذلك* أخذ من أبكار غنمه التي تعبر عن "البداية" وعن "القوة" .. وقدمها إلى الله.. كانت هذه ملكاً لله وترمز إلى حياة ربنا يسوع.. لقد قدم هذه لله وكانت تناسب شعوره الخاص بالموت ،ولكنه كان عليه أن يواجه المزيد قبل أن يقابل محضر الله.. كان هناك الاحتياج إلى القبول أيضا. وهذا الاحتياج قوبل، تم تسديده بتقديم "الشحم" الذي هو أفضل ما في الحيوان والذي لا يمكن الحصول عليه إلا بالموت – أي أن النتيجة في القيامة بعد موت المسيح هي التي ترضي الضمير فيما يختص بقبوله التام أمام الله.. وهكذا دخل هابيل إلى فكر الله فيما يختص بحالته الخاصة أمامه وبذلك حصل على شهادة بأنه بار ليس فقط فيما يختص بما عمله، ولكن أيضا فيما يختص بحقيقة موقفه.. وفي غمرة سعادته بكونه مقبولاً أمام الله كان عليه أن يتعلم ما هو موقف وآلام شخص له مثل هذه البركة هنا.. وإذا كان مقبولاً من الله فقد كان لابد أن يُفصَل عن مشهد واقع تحت دينونة الله.. وإذا كان قد تخلص [أو تحرر] من حكم الموت فلم يعد الموت عقوبة بالنسبة له، ولكنه كان عليه أن يتوقعه في وسط مشهد كان كل شيء فيه متناقضاً مع الحياة التي إليها قد قبل.. وبناءًا على ذلك فقد كان عليه أن يقدم برهاناً قاطعاً [أو جلياً]، أن القبول أمام الله، والخلاص من الدينونة، هي بركات حقيقية إلى درجة أن الموت الفعلي لا يستطيع أن يحرمه منها.. هذه هي شهادته.. وهذا هو تدريبه، وكما كان مع اسطفانوس شهيد المسيحية الأول، كان مع هابيل شهيد القبول الأول.. لقد أعطى اسطفانوس بموته دليلاً أفضل من حياته، عن فضل قيامة المسيح، وتقدمت نفسه إلى حقائق القيامة في لحظة موته، أكثر مما استطاعت خلال حياته.. وكانت شهادته الأخيرة هي الألمع، وبينما كان أعوان شر العالم يرجمون اسطفانوس، كان هو بمفردة يجيب على ضرباتهم القاتلة باستيداع روحه إلى نفس الشخص الذي أنكروه وتنكروا له.. ولكي يُثبت عندئذٍ كم كانت ثقته كاملة في عناية المسيح به، نراه يركع حتى ينفق كل ما تبقى له من قوة في صالحهم.
لم يكن لشاهد القبول أو القيامة نصيباً في هذا العالم الشرير، كل شيء لابد أن يكون موتاً بالنسبة له، وعن طريق التدريب كان عليه أن يتعلم ذلك ليتحقق بنفسه، عظمة عطية الله التي هي حياة أبدية، التي هي خارج نطاق هذا العالم وأعلى من مستواه.. حاول أن تسير في أي طريق تحب، ولكنك حتماً سوف تعرف هذا: إن الآب أيضا سوف يمتلكه.. لابد أن تكون حياة الله الجديدة مطابقة مع سجاياها [أو فطرتها instincts ].. عندما أوقدت نار من حطب كان منظر الأفعى مذكراً بولس بأن هذا مشهداً للموت.. لم يكن طريقه إلا الانتقال من قبر إلى آخر.. بالأمس انكسرت به السفينة وهو اليوم يُبتلى بالأفعى !!.. نحن نحتاج إلى هذا التدريب.. نحن نظن أننا نستطيع أن نسير مثل بقية الناس، متمتعين بالنصيب الجديد المبارك الذي أخذناه.. ولكن العكس هو الصحيح.. ومن الأفضل أن نفهم ذلك: أن الآب يريدنا أن نقدِّر نصيبنا في ابنه بالمقابلة مع كل شيء هنا.. سوف نحاول عبثاً أن نجمع بين النقيضين.. ونحن ننفق أغلب وقتنا في أن نتعلم أنه لا يوجد شيء هنا يشبع متطلبات الأحاسيس الجديدة.. هناك سياحة في البرية في طريق موحش، ولكن لا توجد مدينة لنسكن فيها.. لكن الله يسمح بهذا حتى يكتشف أولاده أن رغباتهم لا يمكن أن يشبعها إلا هو.. يجب أن نتعلم أننا لسنا من هذا العالم.. لا نستطيع أن نثق فيه، المسيح لم يأتمن أحداً على نفسه، لو أن لك وجه ملاك فأنهم سوف يرجمونك.. ورغم أن قايين قد "كلم" أخاه عندما كانا "في الحقل" [حسب الظاهر في شركة سعيدة]، إلا أن هابيل قد عرف سريعاً أنه لم يكن ليثق فيه، لأنه في نفس هذه اللحظة "الاجتماعية" فإن قايين قام على أخيه وقتله.
إن اعترافنا يعلن أنه ليس لنا شيء في الأرض.. وأن التدريب الإلهي سوف يقودنا عملياً إلى ذلك – نفس ما تفعله الشهادة الأمنية.. وفي تدريبنا يجب أن نقدم شهادة.. بل إنه من الأفضل [كما في حالة اسطفانوس] أن نتألم في وسط شهادتنا.. فلابد أن الله يحقق – بأي طريقة – بركته لنفوسنا، ثم ينتهي تاريخنا..
ملخص
عندما وُلِد هابيل كان كل شيء من حوله تحت حكم الموت وكان الإحساس بالموت مسيطراً عليه.. ولكنه بالإيمان قدم لله ذبيحة مقبولة [دموية – أي عن طريق الموت] وشهد الله لقرابينه أي شهد الله لقبوله أمامه.. وهنا أصبح هابيل "كياناً" متناقضاً مع كل ما حوله.. شخص حي وسط عالم يخيم عليه الموت.. شخص شاهد للبر وسط عالم تسوده الخطية.. ولم يكن موته [او استشهاده] على يد أخيه قايين إلا الوسيلة الوحيدة للانتقال من مشهد لم يعد ينتمي إليه، إلى العالم الذي أصبح مرتبطاً به بالإيمان.. مثله في ذلك مثل اسطفانوس شهيد المسيحية الأول – الذي عندما كانوا يرجمونه كان وجهه يلمع مثل ملاك، وكان ينظر "السموات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله"
ومن حياة هابيل نتعلم أن:
1.    أن الموت [متحققاً عملياً في ذواتنا] هو الوسيلة الوحيدة لتمتعنا بامتيازاتنا وبركاتنا الجديدة.
2.    أننا نحاول عبئاً أن نتمتع ببركاتنا الجديدة مع احتفاظنا بالتمتع بملذاتنا العتيقة.
3.    أن حياتنا يجب أن تكون اختباراً عملياً لهذا التعبير " لأننا من أجلك نموت كل النهار"  (رؤ 8: 36).



*   هل هناك احتمال لسوء فهم هذه العبارة ؟ لم يكنتقديم هابيل له ذبيحة افضل من قايين نابعا من حكم الظروف و لا من احساسه الشخصي بل " بالايمان".. و لأن كلمة" لذلك " قد تفهم بمعنى بعيد كل البعد عما قصده المؤلف اضفت هذه الملحوظة لأمنع مثل هذا الفكر ( المؤلف)

السبت، 2 فبراير 2013

مدرسة الله - شخصيات الكتاب المقدس - للكاتب يوحنا بللت - ترجمة د بطرس ابو اليمين

سوف ننشر شخصيات الكتاب المقدس تباعاً
لفائدة شعب الله في كل مكان
ياليتها تكون سبب بركة للجميع فتابعونا


التدريب في مدرسة الله  "آدم"

لا يوجد موضوع أكثر فائدة للمؤمن من فهم طبيعة ونتيجة التدريب الذي يرتبه الله لشعبه في فيض محبته وحكمته .. وعلى قدر أهمية الموضوع ولزومه لتدريبات النفس السرية، على قدر ضحالة فهمنا له .. ومن ثم فإن معاملات الله قد تبدو غريبة في بعض الأحيان، أو مفتَقَدة في أحيان أخرى في أي تقدير "منصف" نافع ..
لهذا، أنوي – بمعونة الرب أن أقدم – في بضع صفحات، عرضاً للتدريب الخاص اللازم لكل واحد من شهود الله المتميزين على الأرض – أقدمه مفصلاً من حيث الغرض منه ونتيجته المتحققة ..
وقد شغلت أن أقوم بذلك من أجل أن أقود أفكار المؤمنين إلى دراسة أوفر لموضوع هو من بين المواضيع الأخرى يرتبط بشكل أخص بأفكار الله الحبيبة السرية من نحونا، وتبعاً لذلك فإنني أبدأ بآدم .. رغم أنه لا يأتي بالتحديد على رأس قائمة حياة الإيمان، إلا أنه كان موضوعاً لتدريب عنيف، وفيه تصوير رائع لنتائجه .. 
وآدم في وقت ما، لم يكن محتاجاً للتدريب، إذ أنه كان في حالة لم يعرفها أحد (من الناس) فيما بعد – حالة البراءة، وعندما سقط بدأ التدريب، كان على صورة الله – الأقرب إلى الله من أي مخلوق آخر – ولكنه هو نفسه – الآن أصبح مشرباً بروح وطبيعة هما من العداوة لله حتى أنه إذا أراد أن يعيش لله كان عليه أن يتعلم أن ينبذ إرادته الذاتية تحت تدريبات يد الله القوية، وبالنسبة لآدم، لابد أن هذا كان يمثل تناقضاً غريباً مع الحالة التي كان عليها قبلاً من توافق سهل بين فكره وبين مشيئة الله .. وتبعاً لذلك فلابد أنه شعر بذلك أكثر .. ومع إخضاع عصيان قلبه، لابد انه عقد مقارنة بين حكم الله وبين حالة البراءة عديمة القوة، فعندما كان في حالة البراءة سقط .. وعندما سقط، فإن إرادة الله رفعته لا عن جهل أو لامبالاة بل مع كامل الاقتناع .. كانت البراءة حالة ضعيفة .. أما قوة الله في إخضاع طبيعته التي لم تعد في حالة البراءة فكانت شيئاً عظيماً ووضعاً قوياً .. وهو لم يتُقْ للعودة إلى حالة البراءة مرة أخرى على الإطلاق لأنه عرف كم هي ضعيفة .. كما أنه قد عرف الآن أن في إمكانه أن يحقق بقوة الله في حالة ساقطة أكثر مما كان عليه أن يحققه في حالة البراءة الغير مسنودة إلهيا .. عندما كان في حالة البراءة لم يكن يعرف قيمة الحياة، ولكن عندما سقط فإيمانه بإعلان الله مكَّنه أن يطلق اسم "أم كل حي" على المخلوق الوحيد الذي سماه حتى الآن .. أي أنه تحت حكم الموت تكلم عن الحياة، بينما عندما كان في حالة البراءة فإن عقوبته إذا عصى كانت هي فقدان الحياة .. لم يكن هناك ما يغريه بحالة البراءة الآن صحيح أنها كانت فترة بركة عجيبة، لكنها حالة لم يستطع أن يثبت فيها، ولكنه تحت التدريب الإلهي ارتفع إلى مستوى أعلى أدبياً، رغم أنه من حيث الحالة نزل إلى ما هو أدنى : آدم لم يُغوَ لكنه اُستميل .. وقد اكتشف مبكراً أحاسيس الطبيعة ونوازعها التي قادته في النهاية للسقوط .. لا العالم ولا مجده ولا أي رتبة من الخلائق الأدنى – لا شيء من كل هذا، كان كافياً، لإشباع الرغبات الملحة لقلب آدم ذي النزعة الاجتماعية .. لم يجد معيناً نظيره .. ولكن لم يكن جيداً أن يبقى وحده .. كانت غرائز طبيعته غير مُلبّاة .. ولكن عندما أغويت الشخصية التي أشبعت هذه الغرائز، فإنه استجاب لتأثيرها عليه، كما اعترف هو شخصياً بذلك "هي أعطتني من الشجرة فأكلت" .. لقد كشف الإنسان الأول سر قلبه، أنه كان معتمداً على آخر .. حتى أن الشيطان عندما لم يُرد أن يغامر بأن يغويه، فإن موضوع حبه (حواء )، استطاعت بكل نجاح أن تستميله .. والآن اكتشفا حقيقة نفسيهما أنهما بعيدان عن الله، فاختبآ من محضره .. والآن يُقَّدم لهما الدرس الأول من دروس نعمة الله ..
في التدريب (أو التأديب) يوجد تبكيت على الخطية، كما يوجد أيضا تصحيح أو تقويم .. فالتأديب عندما يكون هناك تألم من أجل الخطية، يجعلني شريكاً لله في قداسته (عب 12: 10) .. ليس الغرض هو تحسين طبيعتي، بل هو إقناعي بانعدام الرجاء فيها حتى أكون مكرساً لله – وهذا هو المعنى الصحيح والواضح للقداسة "التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 12: 14) .. يوجد ألم بالغ في أن أتبكت على الخطية .. وما لم يكن هناك إحساس كبير بنعمة الله عندما نتبكَّت، فسيكون هناك اكتئاب شديد وميل لأن نطرح الكل في يأس .. ومن ثم جاء التحريض : "لا تخر إذا وبخك" (عب 12: 5) .. فالله لا يبكت بعجلة ( باستعجال) بل يريد أننا – بعمل كلمة الله على ضمائرنا- ندين أنفسنا أولا .. لا جدوى من أن تخبر إنساناً زائلاًvain  بأخطائه .. فهذا في العادة سوف يحفزه إلى إخفائها أو التقليل من شأنها .. وأنه لأمر بالغ الصعوبة أن تقنع - شخصاً مريضاً لكنه غير مقتنع بمرضه – صعب أن تقنعه باتباع النظام اللازم للعلاج .. وكلما شددت المجادلة مع مثل هذا الشخص، كلما أمعن في عناده ومحاولته أن يثبت لك أنك أنت على خطأ وأنك تبالغ في وصف المرض بدلاً من أن تخففه .. لكن الخاطئ المبكت حقا، يشبه المريض المدرك لخطورة مرضه ويكون على استعداد أن يتقبل أي علاج أو تصحيح يُقدم له ..
وعندما أكمل آدم كل مخططات قلبه الفاسد المبتعد ( عن الله ) عندما كانت مآزر أوراق التين ملبوسة، وهو مختبئ وراء الأشجار، جاء صوت الله يبحث عنه، رغم أنه كان يتهرب منه .. وهذا دائماً هو الميل الطبيعي عندما يصل إلينا أولا نور الكلمة، فنحن نعد العدة لتفاديه .. مثل الفريسيين الذين تركوا محضر الرب (يو 8: 9) .. ولهذا السبب فنحن دائماً.. نحتاج أن نقطع الطريق كاملاً إلى أن نصل إلى نهاية خططنا حتى نكتشف كم هي غير ذات جدوى .. لم نبدد ساعة، بل أيام طوال من القلق، بددناها في تنفيذ مخططات لو أننا فحصناها في نور كلمة الله الفاحصة لنبذناها كلية .. ما هي طبيعة هذه المخططات ؟؟ .. هل هي لإبعادك أو لإخفائك عن الله، أم هي لتقريبك إليه لتكشف أمامه أدق أسرار قلبك ؟؟
هذا السؤال يفحص هذه المخططات .. لقد أراد آدم أن يحجب نفسه عن عين الله وقد سمح له الله أن يكمل جميع برامجه ومخططاته .. وكل واحد منا يعرف هذا جيداً .. لقد اختبر الابن الضال الكورة البعيدة، لكنه عاد إلى بيت أبيه إنساناً متضعاً .. لقد تم اختبار رغبات القلب و مقاصده، ووجدت أنها قشور .. وعندها تصغي النفس إلى أنغام النعمة الرائعة من ذلك الصوت (الكريم) الذي أردنا أن نتهرب منه في البداية .. إنه لأمر مرعب أن تضطر للإجابة عن السؤال: "أين أنت" .. عندما تكتشف عدم كفاية كل حيلك أن تستر ضميرك عن عمل (تأثير) كلمة الله .. هل كان على الابن الضال أن يجاوب على هذا السؤال عندما كان يرعى الخنازير ؟؟ .. وهل كان على بطرس أن يجيب عليه عندما كان جالساً مع أعداء سيده يستمتع بالدفء على نارهم ؟؟ .. وهل كان على آدم أن يجيب عليه عندما تذكر الوضع الذي أصبح فيه مقارنة بالوضع الذي فقده؟؟ .. إن الإجابة على سؤال "أين أنت" هي التي تكشف حالة الضمير .. و صوت الله يفحصه، وما لم يكن قد تعلم أن عليه أن يتعامل مع الله، فإن نهاية (القصة) لابد أن تكون : "سمعت صوتك فخشيت لأنني عريان فاختبأت" .. الاختباء، هو أول محاولة للضمير المتعب .. فأنت لا تريد أن ترى نفسك .. كما لا تريد أن يراك أحد في حالتك هذه .. وعند سماع صوت الله أنت تختبئ، مع أن الاختباء يفضح (حالة) البعد والمراوغة .. ولابد أن يكون هناك نشاط ما في الضمير عندما يكون هناك لجوء للاختباء، وبخاصة عندما لا تكون هناك عقوبة متوقعة، إلا انكشاف حقيقة ذنبك للآخرين .. إننا في الحقيقة نلجأ إلى الاختفاء لكي نظهر بصورة أفضل مما نحن عليه – ولو كنا على استعداد أن يرانا كل واحد على حسب حقيقتنا بالفعل، لما كان هناك حاجة للاختباء .. فلا يمكن أن يكون هناك لجوء للاختفاء، ألا بغرض تعظيم الذات .. كما لا يمكن أن يكون هناك تمسك بالكذب، إلا لاكتساب ثقة نحن لا نستحقها .. وعندما يتعامل معنا الله، نتعلم أن "كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا"                (عب 4: 13) .. والكلمة تعمل عملها في ضمائرنا خارقة إلى مفرق النفس، والروح، والمفاصل، والمخاخ، ومميزه أفكار القلب، ونياته (عب 4: 12) .. لكن الكلمة توصل إلى الله لأنه هو الذي معه أمرنا .. لقد اخترق صوت الرب نفس آدم، ورغم كونه متزراً بمآزر أوراق التين (التي لم تكن إلا لإرضاء مقاييسه هو الأدبية) ولكن عندما جاءت كلمة الله فحصته، فكان خائفاً لأنه كان عرياناً – عرياناً أمام الله، فأخفى نفسه .
إنه لمن المهم أن ندرس وأن نفهم هذه العملية للضمير، لأن الخلط بينهما يؤدي إلى كثير من التعب والمشقة في النفس .. فإذا وجد شخص قد أرضى ضميره باتباع نظام يخفي عن نفسه وعن الآخرين الحالة الحقيقية للنفس، فإنه يطفو لفترة ما على مياه هادئة، لكن بمجرد سماع صوت الرب فإن كل العوامل تتضافر لإحداث إعصار مروع .. فينقطع نومه ويصبح مبكتاً مثل بطرس (في لو 5: 8) .. يصبح خائفاً .. وحقيقة كونه عرياناً ومكشوفاً أمام الله تومض بشكل مخيف في وجهه، ومما يضاعف الحالة أنه كان قد خدع نفسه، وساعده على ذلك سمعته الحسنة عند الآخرين .. إن مفعول كلمة الله يمكن أن يؤدي إلى الإحباط واكتئاب النفس، ما لم يكن لنا رئيس كهنة عظيم اجتاز السموات يسوع ابن الله (عب 4 : 14) .. ولأنه جُرب في كل شيء مثلنا بلا خطية، فإنه يساعدنا برثائه لنا، بمجرد أن نصبح – بتأثير كلمة الله – منفصلين عن الخطية، كما أن كفارته بفاعلية كاملة أمام الله – تريح الضمير المبكت أمام عرش النعمة - هناك حيث نجد النعمة والعون اللذين نحتاج إليهما .. وهذا- بالضبط- هو ما احتاج أن يتعلمه آدم، وتبعاً لذلك فإن صوت الله تابَعَهُ إلى مخبأه .. فمن العبث أن نهرب من عين الله عندما يقرر أن يجدنا .. فإذا أخذنا جناحي الصبح وسكنا في أقاصي البحر                        (مز 139: 9) فإنه حتى هناك لابد أن يجدنا !! .. كم حاول الضمير الذي يبغي الهروب من الله أن يستر نفسه بأوراق نباتات هذا العالم .. وكم شغل فكره وشد انتباهه قيادة الإنسان ومساعيه الطموحة، لكن سدى، فلابد أن يصرخ المراقبون عاليا: "اقطعوا الشجرة وأقضبوا أغصانها وانثروا أوراقها" ( دا 4: 14) .. فملجأ الأكاذيب لابد أن ينكشف ويتعرى، ولابد للنفس أن تتعامل مع الله .. ويتحتم عليها أن تجيب على السؤال: "أين أنت ؟؟" .. وكل الإجابة المطلوبة هي الاعتراف بالحقائق الواضحة المجردة .. "خشيت لأني عريان فاختبأت" .. وفي اللحظة التي يكون فيها المؤمن في كامل الاعتراف، يكون في منطقة أو دائرة الغفران ورد النفس .. وعندئذٍ يعاتبه أو يؤنبه الروح القدس كما يفعل الصديق بصاحبه .. لقد جرب آدم كل وسائله الخاصة فوجدها باطلة وبلا أي فائدة .. والآن هو سيستمع إلى النعمة التي ستدله على العلاج الكامل الأكيد ..
لكن لاحظ أنه كان عليه أولاً أن يكشف حقيقة حالته .. أن يعترف بخوفه وبعريه ومحاولته إخفاء نفسه .. لقد استطاع التدريب الإلهي أن يحقق ذلك فيه .. والآن فإن الله هو الذي يعلمه .. أصبح آدم الآن متضعاًmeek  .. وسيعلمه الله طريقه .. لقد تعلم آدم أن حالة البراءة لم تكن واقياً له من الميل الخاطئ، وأن الخلو من الدوافع الشريرة ليس ضماناً للتصرف الأدبي السليم آدم كان هو الوحيد الذي عرف ما هي حالة البراءة .. ومع ذلك فلم تكن عاصماً له، فقد جُرَّب وأذعن للمجرب (ولكنه) وهو مدرك أن حالة البراءة قد مضت، وأن السيادة الآن هي للدوافع الشريرة، مع ذلك مازال يثق في ذاته أن يصحح مساره وأن يخفي عاره .. كان المسلك الذي اختاره كافياً لإرضاء مفهومه الأدبي .. وما هو أكثر خداعاً وضلالاً، هو أن تكون لدى الشخص فكرة حسنة يريد أن يدافع عنها، أو أن يكون اقتناعه هو دفاعه عن فكرته، هذا شرك ..قلما يفلت منه حتى الأتقياء .. وبعبارة أخرى أن سمعة الشخص عند أصحابه تلح على ضميره كما لو كانت هي حكم النقض الأخير والنهائي عند قيام أي تساؤل أو ارتياب .. وهناك تعاملات تبادلية في مثل هذا النوع من المعاملات .. فالذي تسمح لي به سأسمح به لك في المقابل، فإذا كانت مآزر أوراق التين هي مقياس المفهوم الأدبي عندك، وإذا كنت تقبلها كشيء كافٍ بالنسبة لي، فإنني سأفعل نفس الشيء بالنسبة لك .. هذا هو جوهر وطبيعة كل ما يسمى بالشهرة الدينية .. لكن صوت الله قد سُمع واضطرب آدم في حالته الزائفة الساقطة .. هذا الصوت (الإلهي ) يمتحن ويسبر الحالة بأكملها .. في النهاية وجد آدم نفسه عرياناً ومكشوفاً أمام ذلك الذي معه أمرنا .. واعترف بكل شيء .. وهو الآن في أعلى درجات الإعداد للتعليم بروح منكسر ومنسحق .. وأمام التحدي الإلهي، اعترف، مع محاولة التماس العذر والتلطيف .. اعترف بأنه أُغوِى وأكل .. ومحاولته لتبرير نفسه، وضعته في مستوى أدنى أدبياً .. أدنى حتى من التهمة التي أراد أن يبرر نفسه منها، ومع ذلك فقد كان هناك اعتراف .. وقد قبل بهذه الصفة .. وابتدأ إلهنا عمل نعمته المبارك في الكشف عن مشوراته ..
وكل واحد من "الممثلين" نال ما يستحقه من القضاء حسب الدور الذي لعبه في "الرواية" .. ونطق الحكم على الشيطان أولاً .. وبينما أن مصيره محدد، فإن الخلاص من قبضته، وعلاج الإنجيل الأبدي،  ويعلنان في مسامع آدم المبكت المُنصَف ص3 .. وهذا  هو الأسلوب الإلهي في رد النفس .. أن يثبت الإنسان أولاً في سلطان الله ونعمته .. وقد تعلم بطرس هذا الدرس (في لو5) من شحنة السمك التي اصطادها، ومن كلمات الرب يسوع .. وهذا هو الأساس المتين لأي عملية رد نفس صحيحة .. عندما يتثبت القلب .. كما حدث مع قلب داود عندما قال له ناثان : "الرب أيضا نقل عنك خطيتك " (2 صم 12: 13) .. عندئذٍ أصبح قلبه قادراً أن يتحمل سماع التأديب الذي كان لازماً لتصحيح ما فيه، تصحيح الذي عملته الخطية فيه .. إنه لمن المهم أن نعرف العملية التي بها يكشف الرب للنفس عن التأديب الذي سيوقعه .. فلابد من شجب كل ما أدى إلى سقوطنا .. ليس في تعبيرات عامة إجمالية .. بل بما يتناسب مع الذنب وبنفس درجته order، وفي نفس الوقت يتم الإعلان (الكشف) عن نوع mode، أو طبيعة الخلاص الصحيح .. ليس فقط أن الحكم على الشيطان قد نطق به، بل إن نتيجة خداعه للإنسان، كانت هي الجزاء الذي لا رجعة فيه .. والإنسان سيُنتَقَم له من عدوه .. فليس فقط أن الحية حكم عليها بقضاء ظاهر عليها، أن تسعى على بطنها وأن تأكل التراب، وأن تظل في عداوة أبدية مع نسل المرأة، لكن ظلمها سينصب على رأسها إذ أن رأسها سيُسحق ..
  وجاءت المرأة في الترتيب الثاني للمحاكمة .. كانت هي السبب الأقرب لسقوط آدم، لكن كما أخذ المجرم الرئيسي عقوبته كان عليها أن تسمع الحكم عليها .. وقد عوقبت بأوقات من التعب الشديد عند قيامها بإضافة فرد جديد للأسرة الإنسانية التي كانت هي الوسيلة لإخضاعها لسلطان الموت، وبالخضوع غير المشروط لرجلها، إذ أن افتقارها للخضوع أتى ثماره في سقوطها، كما أدى إلى سقوط آدم أيضا .. لم يكن كافياً أن يتلقى كل متعدٍّ جزاءًا يتناسب مع تعديه، بل إن العلاقة التي بها أثَّر هذا التعدي على آدم قد تم إصلاحها أو معالجتها أيضا .. ولا ينبغي أن سكتفي خادم الله بمجرد الإفلات من العقوبة .. لا بل أن عليه ألا يخطئ هو شخصياً، والله البار لابد أن ينتقم له .. لكن هذا لن يكون إلا بالبر .. لا يمكن أن يتجاهل هشاشة خادمه، رغم أنه سينقذه عندما سيتم توقيع الحكم غير المخفف .. عدما يدخل الله إلى المحاكمة لابد أن يتم توقيع العدالة المطلقة .. والأعمال درجات في مستوى مذنوبيتها في نظر الله ؛ إذ أن العمل الذي يبعد الشاهد المؤمن عن الله، أكثر مذنوبية أمام الله من السقوط الذي يظهره المؤمن بابتعاده عن الله .. والشخص الذي يضلل واحداً آخراً يأخذ عقوبة أشد من الشخص الذي تم تضليله، مع أن الأخير لا يُعفى من العقوبة، لأن هذا يظهر ضعفاً في أدبياته .. وتوقيع العقوبات لا يكون دائماً بقصد التصحيح .. فلم يكن هناك أي رجاء في إصلاح الشيطان، لكن وُقِّعَت عليه عقوبات قاسية لأنه سبب ضرراً لآدم .. الإنسان هو ممثل الله على الأرض .. وإلحاق الضرر به، يعتبر خيانة عظمى ضد الله .. ومن ثم ففي التأديب الإلهي يوجد دائماً تصحيح للمبدأ أو الجوهر الخاطئ للطبيعة، كما توجد أيضا مجازاة للضرر الذي قد نكون قد ألحقناه للإنسان رفيقنا – وهذا نجد مثاله في الحكم على آدم .. فقد كانت خطيته هي الإذعان لطلبة امرأته المخالفة لكلام الله، ربما هو لم يفعل ذلك متعمداً، أو بعبارة أخرى انه لم يعمله بعد ترو .. لكن الكلمة (كلمة الله) لم تكن مخبأة في قلبه، ولم تكن متحكمة فيه، ولم تضبطه، لأنها لو كانت كذلك لما استمع لصوت امرأته .. لكن حيث انه فرط في مركزه ومقامه، استحق عليه أن يتحمل عقوبته بأن يصبح العبد الأعظم التاعب في هذه الأرض التي كان مفروضاً فيه أن يكون هو سيدها وأميرها، وأصبح كل شيء على الأرض يحمل علامة عدم الخضوع لسيدها، ولكي يخفف وطأة التجربة، كان عليه أن يقضي حياته في تعب وكد من أجل أن يعيش، لكنه في النهاية كان عليه أن يعود للتراب لأنه تراب .. ويوجد تعليم عميق ومفيد في كل هذا .. فحتى إذا فرطنا في المركز الذي يضعنا فيه الله في أي علاقة، فإن الوضع الذي نتقهقر إليه  سيعرفنا بذكريات أليمة – فداحة ما خسرناه .. فاصغر شوكة أو حسكة، كانت تذكر آدم أنه قد فقد سيادته باستماعه لقول امرأته . وإذا كان داود قد تقاعس عن واجباته كملك (2 صم 11: 1) فقد كان عليه أن يفقد .. بطريقة مهينة .. أمجاده كملك (2 صم 15) .. كان لابد أن يذكر كيف استخف بهذه الأمجاد – يُذكر بها عن طريق نجاح ثورة ابنه عليه : "ملعون من عمل عمر الرب برخاء" (إرميا 48: 10).. وقد باءت كل جهود برنابا بالفشل في أن يقنع بولس أن يأخذا معهما مرقس الذي رجع من العمل في بمفيلية (أع 15: 37-39) .. وقد أدى رفض بولس إلى تذكير مرقس كيف أنه استهان بمهمته المعينة له من الله وهجرها .. لكن رغم أنه فقدها بسهولة لم يستعدها إلا بصعوبة .. هذه هي طبيعة تأديب آدم .. وكلما قل اجتهاده وحرصه على أن تخضَع الأمور التي تذكره بسقوطه، كلما زادت هذه الأمور، وكلما قلت قدرته أن يصمد أمامها .. بعرق جبينه لطف وضعه بالنسبة لحاجته .. وكما أن داود عاد بعد تأديب قاسي للعرش .. ومرقس أصبح نافعاً للخدمة (2 تي 4: 11) بعد أن أتى التأديب مفعوله .. فالإيمان دائماً يتصرف على مستوى أعلى من التأديب رغم أنه يتعلم منه .. كان آدم منصتاً للحكم الصادر على الجميع وقبِلَهُ، ولكنه ارتفع فوقه، فدعا اسم امراته حواء "لأنها أم كل حي" .. فالإيمان يصل إلى الله، ومن ثم ففي مقدوره أن يخضع للوضع الذي يُوقع قضائياً على نفس مخطئة، كما أن الإيمان يتطلع إلى الله (وينتظر) الوقت المحدد، والطريقة المعينة منه، للخلاص .. كما أن الإيمان يقبل العقوبة على خطيته، ليس فقط باعتبارها الجزاء العادل عليها بل يقبلها كوسيلة للتصحيح والتقويم .. والتأديب – في الحقيقة – يكون قد أتى مفعوله الأعظم، عندما تخضع النفس له كمن يثق في الله .. وآدم أظهر ذلك لأنه بتسميته امرأته بهذا الاسم يصلح ما بينه وبينها، يعوضها عن إهاناته السابقة لها .. وكذلك أصبحت (هي) التي كانت قبلاً في طبيعتها العاصية – سبب الضرر له – أصبحت الآن في عين الإيمان، قناة أو واسطة الحياة له .. بعد أن تدرب آدم و سار في الإيمان كساه الله .ومع ذلك فلم يكن ممكناً أن يتعطل التأديب أو يؤجل .. فقد طرد الله آدم من الجنة، وأرسله ليفلح الأرض التي اخذ منها، لكي يكتشف أي نوع من الإنسان كان هو، ولكي يعرف كيف أن الإيمان يسانده ويحفظه ..
إننا لا نكشف أنفسنا على حقيقتنا بلا أي تحفظات إلا في علاقاتنا المباشرة في أقرب الدوائر .. فإنسانا لا يعرف أن يدبر بيته كيف يعتني بكنيسة الله ؟؟ (1 تي 5: 3) .. فالسلطان يكون أكثر فاعلية عندما يطبق في البيت اكبر مما لو مورس على بعد .. ولو كان آدم قد تعلم من التأديب، لرأينا ذلك في قدرته على تجنب الخطأ الذي كان سبباً في معاناته .. لكن لا يبدو أنه تعلَّم .. لأن حواء أخذت مركز الذي يسمى ابنه الأكبر، متجاهلة مرة أخرى وضعها المعين لها من الله، وبدون شك ملأت ابنها ( الذي يوحي حتى اسمه بذلك) – ملأته بالطموحات التي أدت به إلى حالة العداوة الرهيبة لوعد الله، بينما نم ذلك عن عدم فهمه المطلق لهذا الوعد .. فقد كان هناك تدمير الموت – بدلاً من توقع الحياة .. وقد كانت حقيقة أن أحد الابنين قد قُتل، وأن القاتل كان هو أخاه الذي تركزت فيه الآمال – كان هذا اختباراً أو تجربة لآدم .. ما أقل إدراكنا له .. لكنه كان تأديباً أتى ثماره، لأنه رغم أنه يُقال أن حواء التي سمت اسم شيث أولاً .. إلا أنه مكتوب أيضا أن آدم سماه أيضا "شيث" مما يظهر- حسبما يبدو لي – أنه في النهاية أدرك ما كان التأديب مقصوداً أن يعلمه إياه .. وأعني انه يجب أن يتصرف نيابة عن الله – فوق أي مؤثرات – وألا يسمح لأي شيء بزحزحتة عن مسار الإيمان .. ويبدو أنه تعلم ذلك في آخر عمل سُجل له في حياته، – خاتمة مبهجة، تبين نتيجة التأديب، وهي خاتمة مناسبة وسعيدة لتاريخ حياته .
والخلاصة : نتعلم من قصة حياة آدم (1) أن البراءة أو الخلو من الشر ليس عاصماً من المؤثرات (الشريرة) (2) وأن إرضاء مفاهيمنا الأدبية أو مفاهيم أي شخص آخر ليس برهاناً أننا قد لبينا، أو أننا نستطيع أن نلبي متطلبات الله منا .. و (3) أننا إذا تخلينا عن الاحتفاظ بمركزنا المعين لنا من الله، فمن المؤكد أننا سنسقط، (4) وأن كلمة الله التي كان من المفروض أن تحفظنا في مركزنا ووضعنا ليس لها مفعول أو تأثير خارج هذا الوضع المعين لنا من الله .. (5) لكننا في تعلُّمِنا ما الذي حدث لنا عند إتباعنا ميولنا الذاتية، فإن التأديب الإلهي دائماً يكون من طبيعة أو نوعية، بحيث يصحح فشلنا وسقوطنا، وأيضا يذكرنا – بأساليب غاية في الدقة – كما فعلت الأشواك مع آدم – يذكرنا بأي حالة من الهشاشة قد أوصلتنا إليها، هذه الميول الخاصة .

ملخص
عندما خلق آدم لم يكن محتاجاً لأي تدريب لأنه كان في حالة البرارة ، وهي حالة لم يختبرها أحد غيره أو بعده .. أما عندما سقط فقد صار التدريب لازماً له لكي يتعلَّم .. وأول شيء كان لازماً له أن يتعلمه هو أن حالة البرارة ليست عاصماً له من السقوط، إذ أن الروابط الطبيعية موجودة ويمكن أن تمارس تأثيراً يؤدي إلى السقوط .. وإبليس نفسه لم يغامر أن يبدأ بإغوائه هو؛ ولكنه استخدم موضوع حبه – حواء – وعن هذا الطريق حقق هدفه بمنتهى السهولة .. ثم كان على آدم أن يتعلم أن الله لابد أن يبكت على الخطية .. وأنه لا تهرب من مواجهة الله، كما تعلم - عندئذ – عدم جدوى أي وسائل للتهرب من الله ، وأن الله الذي يبكت على الخطية هو الوحيد الذي عنده الحل لهذه المشكلة .. وقد تعلَّم عن طريق التدريب أنه – حتى بعد السقوط، عندما يكون مع الله، فإنه يكون في حالة أقوى حتى مما كان في حالة البرارة بدون الله .. وقد تعلَّم من مآزر ورق التين أن كل هذه المحاولات ما هي إلا وسائل لإخفاء حقيقة الواحد عن الآخرين، أما عن نفسه فلا، ومن باب أولى لا تصلح أن تخفيه عن عيني الله .. وأمام الله لا يصلح إلا الاعتراف والتذلل، وعندئذ سيتولى الله الأمر .. فمن ناحية المذنوبية قام الله بذبح ذبائح حيوانية تنفيذاً للمبدأ القائل: "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة"                  (عب 9: 22) .. ومن ناحية حالة العري فإن الله كسى آدم وامرأته بجلد هذه الذبائح .. وهكذا تعلَّم آدم لزوم الكفارة في مواجهة الخطية لكي يكون في علاقة صحيحة مع الله .. على أن اعتراف آدم لم يكن كاملاً، إذ أنه حاول تبرير نفسه وتخفيف الذنب؛ لكن الله – على كل حال – قد قبل اعترافه .. لكن كان لابد من توقيع القضاء الإلهي؛ وأن ينال كل واحد من أشخاص الرواية جزاءه العادل حسب دوره تماماً؛ لكنه تعلَّم أيضا أن الذي يغوي غيره هو أكبر مذنوبية أمام الله من المذنب نفسه ..
وكان من الطبيعي أن يكون أول من يتوقع عليه القضاء هو الشيطان نفسه .. وقد جاء الحكم عليه مبرماً لا فرار منه ولا خلاص .. لكن الله انتهز هذه الفرصة لكي يعلم آدم طرقه في القضاء ، وأنه حتى في أحكام القضاء لابد أن يعلن أفكار نعمته التي لابد أن تكون لها الغلبة في النهاية على مخططات الشيطان .. فقد كان في نفس الحكم الذي تضمَّن قضاء الله على إبليس أن الله ضمَّنه الوعد بنسل المرأة الذي سيسحق رأس الحية .. وكانت هذه هي أول إشارة إلى المسيح – نسل المرأة الذي استطاع أن يسحق رأس الحية على الصليب وإن كانت عقبه قد سُحِقَت .. والدليل على أن آدم استوعب التدريب هو أنه سَّمى امرأته "حواء" أي "أم كل حي" ولم يسمها "أم كل ميت" .. وقد كانت تسمية حواء هي أول ممارسة للسلطان الذي أعطاه له الله باعتباره رأساً لها .. وكأن آدم بتسميته حواء – أم كل حي – قد آمن بوعد الله بنسلها – المسيح – الذي سيكون هو مستودع الحياة لكل من سيؤمن به .. أما حواء فهي – للأسف – لم تتعلَّم لأنها هي التي تولت تسمية ابنها قايين مع أن التسمية لم تكن من اختصاصها لأنها نوع من السلطان الذي اختص الله به آدم وحده .. وهكذا جاءت التسمية خاطئة .. فقد تصورت أن قايين هو النسل الموعود .. لكن قايين لم يكن هو النسل الذي سحق رأس الحية ؛ ولكنه سحق رأس أخيه ..
وهكذا حقق التدريب الإلهي غرضه في آدم وكانت آخرته أفضل من أولاه .. لإلهنا كل المجد !! .. (المعرَّب) .