الأحد، 18 أكتوبر 2020

الامتياز والمسئولية في بيت الله

 

الامتياز والمسئولية في بيت الله

 

كانت رغبة الله دائماً هي السكني وسط شعبه كي يتمتع الرب بالشركة معهم ويتمتعون هم أيضا به , ونحن لا نجد بيت الله في سفر التكوين , ولكن بمجرد صنع الفداء واستحضار شعب الله اسرائيل وخروجهم من مصر يطلب الله منهم علي الفور ان يصنعوا له مسكناً ويبنوا خيمة حتي يسكن وسطهم .

وبالمثل في العهد الجديد نجد الله راغباً أن يسكن في وسط شعبه كبيت لله , وقد قام بتكوين هذا البيت في يوم الخمسين بمجئ الروح القدس إليهم , ومع ذلك هناك اختلاف بين خيمة الاجتماع في العهد القديم وبيت الله في العهد الجديد , فالأول كان يتم بالتواصل بين الله وشعبه وكان طالباً من شعبه اشياء يجب ان يتمموها ويحفظوها بينما تميز يوم الخمسين باغداق البركات علي الإنسان , ولكن في الحالتين نجد ان بيت الله مرتبط بالامتياز والمسئولية .

فإذا كان حق الكنيسة كجسد المسيح يسمو بأفكارنا الي الرأس الذي في السماء أي المسيح , فإن بيت الله يستحضر قدامنا مكان الكنيسة علي الأرض , حيث تظهر المسئولية بالتأكيد عندما تفكر في بيت الله , لكن دائماً الكتاب يحدثنا أولاً عن امتيازاتنا الرائعة في بيت الله , وهناك ثلاثة إمتيازات علي الأقل تميز بيت الله في العهد الجديد , امتيازات لم تكن موجودة من قبل .

امتياز غفران الخطايا :

بادئ ذي بدء يعلم المؤمنون في بيت الله (وفقاً لفكره الأصلي في الكتاب المقدس) ان خطاياهم قد غفرت , ويمكننا بالتالي ان نكون مستريحين تماماً في محضر الله , واستطاع بطرس أن يقول "فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ" (أع 3 : 19)  فالمؤمنون بالرب يسوع لديهم اليقين الكامل بأن دم المسيح قد ابعد عنا كل معاصينا كما هو مكتوب "وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (1يو 1 : 7) , فنحن الآن في بيت الله وهؤلاء الذين في البيت "لاَ يَكُونُ لَهُمْ أَيْضًا ضَمِيرُ خَطَايَا" (عب 10 : 2)

حضور روح الله :

ثانياً : يتميز بيت الله اليوم بالحضور الدائم لروح الله "مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا ِللهِ فِي الرُّوحِ" (أف 2 : 22)  فالروح القدس لا يسكن فينا فقط كأفراد بل أيضاً يسكن فينا كجماعة تمثل بيت الله , وهذا امتياز لا يُقدّر بثمن , ولم يكن هذا الامتياز موجود من قبل لدي مؤمني العهد القديم , ولكن أصبح امتياز الكنيسة كبيت الله , والروح القدس جاء لكي يحقق أمرين أولا : كي يُعرِّف الإنسان الله وأن يُمجِّد المسيح لدي المفديين ولذا قال الرب يسوع "ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ" (يو 16 : 14) والروح القدس قد كشف لنا أمجاد المسيح الآن كما هو مكتوب "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ».فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ" (1كو 2 : 9-10) والأمر الثاني للروح القدس ان يقود قلوبنا في التسبيح وتقديم الشكر لله تجاوباً مع محبته كما يقول بطرس "بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ ... لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ." (1بط 2 : 5 , 9) .

امتياز المعمودية :

أخيراً يتمتع المؤمنون الذين في بيت الله بامتياز المعمودية أي أن يتخذ المؤمنون مكان الموت مع المسيح كي يشهدوا لاسم المسيح في هذا العالم , فنحن ندخل البيت بالإيمان بعمل المسيح وبالمعمودية باسمه , فياله من امتياز أن نحمل اسم المسيح ونكرمه في هذا العالم الذي قد رفضه .

القداسة كمسئولية :

والمبدأ عند الله أن كل امتياز يتبعه دائماً مسئولية ففي بيت الله هناك مسئوليات خطيرة ترتبط بوجودنا هناك ويجب عدم الاستهانة بها أو تجاهلها , وأول كل شئ يجب ان يتميز بيت الله بالقداسة وهذا المبدأ واضح حتي في العهد القديم "بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ" (مز 93 : 5) وكم يكون هذا أكثر أهمية في ضوء المسيحية وكتب بولس لابنه تيموثاوس "فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" (1تي 3 : 15) وبطرس أيضا عندما يتحدث عن بيت الله في رسالته الأولي يعطينا التعليمات الخاصة بالتصرف داخل هذا  البيت .

ويعطينا الكتاب بيت الله عندما يبنيه الله بصورة كاملة وأيضاً يوضح لنا مسئولية الإنسان في البناء فيقول بولس "حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ" (1كو 3 : 10) وبالارتباط بتلك المسئولية استطاع بولس أن يضع الأساس الذي هو المسيح , ولكنه يقول أيضاً " فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ" وفي هذه الحالة قد يكون الإنسان مؤمناً حقيقياً ولكن يبني بطريقة تهين الرب في بيته (الذي هو بيت الله) , فكم من التعاليم والممارسات السيئة التي تم ادخالها إلي بيت الله علي الأرض , وكم عدد غير المؤمنين الذين تم احضارهم الي هذا البيت , فياله من أمر خطير جداً , لأنه يجلب الشر مباشرة الي المكان الذي يسكن فيه روح الله , فإنه يجب ان تراعي قداسة الله سواء في سلوكنا الشخصي أو في عملنا لأجل الرب .

سيادة المسيح :

وهناك مسئولية اخري مرتبطة بالقداسة , ففي هذا البيت يتم الاعتراف بربوبية المسيح وسيادته , فالمسيح هو "ابن علي بيته" (عب 3 : 6) فعلي جميع الموجودين داخل هذا البيت مسئولية الخضوع لسلطانه , فلا يمكننا التصرف بطريقة غير لائقة في بيت الله , ان كنا نحترم التصرف بلياقة في منزل تحت سلطة إنسان , فكم بالحري يليق بنا التصرف في بيت الله " وَ«لْيَتَجَنَّبِ الإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي اسْمَ الْمَسِيحِ»" (2تي 2 : 9) الذي هو عمود الحق وقاعدته .

استطاع بولس في الأيام الأولي أن يكتب لتيموثاوس مستخدماً هذا التعبير "وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" (1تي 3 : 15) فالكنيسة بصفتها بيت الله هي مسئولة ان تكون "عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" وتلك الكلمات تصف هذا البناء وكم يجب ان يكون قاعدته صحيحة وهيكل سليم علي تلك القاعدة , فالكنيسة نفسها لا تُعلّم , ولكنها تتعلم عن طريق المواهب المعطاة من الرب بالروح القدس من خلال كلمة الله , ومن ثم فهي مسئولة عن تطبيق هذا التعليم والحكم علي اي سوء تصرف للإنسان في بيت الله , وعندما كتب بولس رسالته الثانية لتيموثاوس , وصف الروح القدس الكنيسة بأنها صارت بيتاً كبيراً " وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ " (2تي 2 : 20) إذ لم يتم الحفاظ علي الأساس , ولم يتم البناء وفقاً لكلمة الله ولم يعد البيت " عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ " لأن الانحراف قد بدأ بالفعل منذ الأيام الأولي لبولس الرسول وعبارة " بَيْتٍ كَبِيرٍ " ترتبط بفشل الشهادة لله في هذا العالم , فالبيت الكبير هو العالم المسيحي , بالطبع ما يبنيه الله لا يمكن أن يفسده الإنسان أبداً , ولكن ما أوكله الله للإنسان في مسئوليته قد تشوه في يده للأسف , ولا نجد كلمة الكنيسة بحد ذاتها تذكر في تيموثاوس الثانية بل نجد مصطلح " بَيْتٍ كَبِيرٍ " للاعتراف المسيحي .

التقديس في البيت الكبير :

ففي هذا البيت الكبير نجد أواني ليس ذهب وفضة فقط بل أواني من خشب وخزف أيضا كما هو مكتوب " وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ " (2تي 2 : 20) بعض الأواني هي للكرامة وبعضها للهوان , والمؤمن الحقيقي ليس مدعواً أن يترك البيت , ولا يمكنه فعل ذلك , ولكنه يجب ان يكون مستعداً أن يطهر نفسه من أواني الهوان , وبهذه الطريقة فقط يكون إناءاً للكرامة " فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، (بالانفصال عنها) يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ " (2تي 2 : 21) وعندما يفعل هذا سيجد نفسه بصحبة آخرين قد فعلوا ذلك أيضاً مثله , مكتوب عنهم " الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ " (2تي 2 : 22) .

وعلي الرغم من أن بيت الله اصبح بيتاً كبيراً , فإن الامتيازات والمسئوليات المرتبطة به تظل كما هي , فالرب هو نفسه لا يتغير وروحه لا يزال موجوداً علي الأرض حتي مجئ الرب , ولازلنا نحمل اسمه أمام العالم ويوجد مصطلح جميل للمؤمن الأمين يسمي " إِنْسَانُ اللهِ " (2تي 3 : 17) وهذا التعبير مرتبط دائماً بالأمانة للرب في أيام الفشل والارتداد , ويمكننا دائماً أن نعيش بأمانة للرب ونتمتع بامتيازات بيت الله حتي يأتي الرب ويدعونا لنكون معه في السماء عن قريب .

بقلم : بيل بروست

ترجمة : عاطف فهيم