الاثنين، 26 سبتمبر 2022

رحمة الله

 

رحمة الله

The Mercy of God

 

" اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ" (مز 136 : 1) , علينا ان نحمد الله جداً علي صفة كمال الطبيعة الإلهية هذه . ثلاث مرات في هذه الآيات العديدة يطلب كاتب المزمور من القديسين أن يحمدوا الرب علي هذه الصفة الرائعة , وبالتأكيد هذا أقل ما يمكن طلبه من هؤلاء الذين حصلوا علي الكثير من وراء هذه الصفة , حين نتأمل في خصائص صفة كمال الله هذه , لا يمكننا إلا أن نبارك الله عليها , رحمته العظيمة (1مل 3 : 6) , "كثيرة" (مز 86 : 5) "بأحشاء" (لو 1 : 78) , "رحمته الكثيرة (الوافرة)" (1بط 1 : 3) , هي " أَمَّا رَحْمَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ عَلَى خَائِفِيهِ، وَعَدْلُهُ عَلَى بَنِي الْبَنِينَ،" (مز 103 : 17) , يمكننا ان نقول مع كاتب المزمور "أَمَّا أَنَا فَأُغَنِّي بِقُوَّتِكَ، وَأُرَنِّمُ بِالْغَدَاةِ بِرَحْمَتِكَ، لأَنَّكَ كُنْتَ مَلْجَأً لِي، وَمَنَاصًا فِي يَوْمِ ضِيقِي" (مز 59 : 16) .

"أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ، وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ" (خر 33 : 19) , كيف تختلف رحمة الله عن نعمته ؟ تنبع رحمة الله من صلاحه , الموضوع الأول لصلاح الله هو عطفه أو فضله الذي يعطيه بحريته لمخلوقاته كمخلوقات , وهكذا وهب الوجود والحياة لكل شئ , الموضوع الثاني لصلاح الله هو رحمته , والتي تعني استعداد الله لتخليص مخلوقاته الساقطة من بؤسها , وهكذا تفترض الرحمة وجود الخطية مسبقاً .

رغم أنه من الصعب فهم الفرق الحقيقي بين نعمة الله ورحمته من أول وهلة , فمن المفيد ان نتأمل بعناية في تعاملات الله مع الملائكة غير الساقطين , إنه لم يُظهر لهم الرحمة , لأنهم لم يكونوا في احتياج لها , إذ أنهم لم يخطئوا أو يقعوا تحت تأثير اللعنة , ولكنهم بالتأكيد هم موضوع نعمة الله المجانية القديرة :

أولاً بسبب اختياره لهم من بين كل الجنس الملائكي (1تي 5 : 21) .

ثانياً : بناء علي اختيارهم بسبب حفظه لهم من الارتداد , حيث تمرد الشيطان وسحب معه ثلث أجناد السماء (رؤ 12 : 4) .

ثالثاً : أن جعل المسيح رأساً لهم (كو 2 : 10 , 1بط 3 : 22) , فأصبحوا في أمان أبدي في الحالة المقدسة التي خلقوا عليها .

رابعاً : بسبب المكانة المرتفعة التي أعطاهات الله لهم , ان يعيشوا في محضر الله المباشر (دا 7 : 10) , ليخدموه علي الدوام في هيكله المقدس , ليتقبلوا منه مهاماً كريمة (عب 1 : 14) , هذه هي النعمة الغنية المعطاة لهم لكنها ليست الرحمة .

في سعينا لدراسة رحمة الله كما تقدم في كلمة الله يجب أن نميز أمراً من ثلاثة أوجه . إن أردنا أن "نُفصّل" كلمة الحق بالاستقامة :

أولاً : هناك رحمة الله العامة , والتي تقدم ليس فقط لكل البشر , المؤمنين وغير المؤمنين علي السواء , بل أيضاً للخليقة كلها "الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ" (مز 145 : 9) "هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْسًا وَكُلَّ شَيْءٍ." (اع 17 : 25) يرحم الله الخليقة الوحشية في احتياجاتها , ويوفر لها المؤن اللازم,

ثانياً : هناك رحمة الله الخاصة , والتي تقدم لبني البشر , فهو يعينهم ويسعفهم , بغض النظر عن خطاياهم , وهو يقدم لهم هم ايضاَ كل ضرورات الحياة , "فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ." (مت 5 : 45) .

ثالثاً : هناك رحمة الله القديرة والمحفوظة لورثة الخلاص , والتي يقدمها لهم في العهد , من خلال الوسيط .

فلنتبع قليلاً اكثر الفرق بين التمييزين الثاني والثالث اللذين أوضحناهما عاليه , من المهم ان نلاحظ ان مراحم الله التي يهبها للأشرار هي وقتية فقط , بمعني أنها محدودة بالزمن الحاضر , لن يقدم لهم رحمة  فيما بعد القبر , "لأَنَّهُ لَيْسَ شَعْبًا ذَا فَهْمٍ، لِذلِكَ لاَ يَرْحَمُهُ صَانِعُهُ وَلاَ يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ جَابِلُهُ." (إش 27 : 11) . لكن عند هذه النقطة قد تطرح صعوبة نفسها علي قرائنا , وهي تحديداً , ألا تؤكد كلمة الله أن "إلي الأبد رحمته" (مز 136 : 1) ؟ لابد من إيضاح نقطتين في هذا الشأن , لا يمكن أن يتوقف الله عن كونه رحيماً , فهذه صفات للذات الإلهية (مز 116 : 5) , لكن ارادته الإلهية تنظم استعمال رحمته , يجب أن يكون الأمر هكذا , فلا يوجد شئ خارج عن ذاته يجبره علي عمل شئ ما , فلو وجد هذا الشئ لأصبح هو الأسمي ,  وتوقف الله عن كونه الله .

إن محض النعمة الإلهية هي وحدها التي تقرر ممارسة الرحمة الإلهية , يؤكد الله علي هذه الحقيقة بشكل مُعبّر في رومية 9 : 15 "لأَنَّهُ يَقُولُ لِمُوسَى:«إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ»." ليست شقاوة المخلوق هي التي تجعل الله يظهر رحمة , لأن الله لا يتأثر بأشياء خارج ذاته , لو كان الله يتأثر بالبؤس المدفع للخطاة البرص , لكان طهّر وخلّص جميعهم , لكنه لا يفعل ذلك , لماذا ؟ ببساطة لأنها ليست هذه مسرته أو قصده , وبالأحري ليس فضائل المخلوق هي التي تجعله يهب مراحمه عليه , فمن التناقض ان نقول استحقاق الرحمة , "لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ ­ خَلَّصَنَا " (تيطس 3 : 5) يقف كل منهما علي النقيض من الآخر , ولا حتي فضائل المسيح هي التي دفعت الله ليهب مراحمه لمختاريه , فنحن هكذا نضع النتيجة وكأنها هي السبب , بل "عن طريق" أو بسبب أحشاء رحمة إلهنا أرسل المسيح لشعبه (لو 1 : 78) فضائل المسيح تجعل الله قادراً أن يهب مراحم روحية باستحقاق لمختاريه , بعد ان تم ايفاء عدله بالضمانة ! لا , فالرحمة تنشأ فقط عن مسرة الله السيادية .

مرة اخري رغم أن هذا حق , حق مبارك ومجيد , أن "إلي الأبد رحمته" لكن علينا ان نلاحظ بدقة من هم موضوع إظهار رحمته , حتي الإلقاء بالأشرار إلي بحيرة النار هو عمل من أعمال الرحمة , يجب التفكير في عقاب الأشرار من وجهة نظر ثلاثية الجوانب , من جانب الله هو عمل عدل , لينتقم لكرامته , لا تظهر رحمة الله علي حساب قداسته وبره , من جانبهم , هي عمل إنصاف , حين يتألمون كجزاء عادل علي آثامهم , لكن من وجهة نظر المفديين , عقاب الأشرار هو عمل من أعمال الرحمة التي لا يُنطق بها , كم يكون هذا رهيباً لو كان الوضع الحالي للأمور , أن يُجبَر أبناء الله علي الحياة بين أبناء إبليس , مستمراً للأبد , لن تكون السماء سماءاً فيما بعد لو ظلت آذان القديسين تسمع كلمات الأشرار المجدفة القذرة , كم هي رحمة في أورشيم الجديدة أنه "وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلاَ مَا يَصْنَعُ رَجِسًا وَكَذِبًا،" (رؤ 21 : 27) !.

لئلا يعتقد القارئ أننا في الفقرة السابقة كنا نعتمد علي خيالنا , فلنرجع إلي كلمة الله المقدسة لتؤيد ما قلناه في مزمور (143 : 12) نجد داود يصلي قائلاً "وَبِرَحْمَتِكَ تَسْتَأْصِلُ أَعْدَائِي، وَتُبِيدُ كُلَّ مُضَايِقِي نَفْسِي، لأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ." وأيضاً في مزمور (136 : 15) نقرأ ان الله "دَفَعَ فِرْعَوْنَ وَقُوَّتَهُ فِي بَحْرِ سُوفٍ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ" لقد كان هذا عمل انتقام من فرعون وجنوده , لكنه عمل رحمة للإسرائيليين , أيضاً في (رؤ 19 : 1-3) نقرأ "وَبَعْدَ هذَا سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ قَائِلاً:«هَلِّلُويَا! الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا،لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا»وَقَالُوا ثَانِيَةً:«هَلِّلُويَا! وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ»." .

مم أشرنا إليه فلنلاحظ كم أ، رجاء الأشرار المزعوم باطل , لكنهم بالرغم من عداوتهم المستمرة لله , لا يزالون يعتمدون علي رحمة الله عليهم , كثيرون من يقولون , لا اعتقد ان الله سيلقي بي في الجحيم , إنه رحيم ولن يفعل ذلك , هذاالرجاء هو أفعي سامة , إن رعوها في أحضانهم ستلدغهم فيموتون , الله إله العدل كما أنه إله الرحمة , وقد أعلن بشكل مُعبٌّر أنه "حافظ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً" (خر 34 : 7) , نعم لقد قال "اَلأَشْرَارُ يَرْجِعُونَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، كُلُّ الأُمَمِ النَّاسِينَ اللهَ." (مز 9 : 17) , وكما أن الناس لا يقولون : "اعتقد انه إن تركنا القذارة تتراكم ومياه الصرف الصحي تركد ويحرم الناس أنفسهم من الهواء النقي , أن الله الرحيم لن يدعهم يقعون فريسة لحمي مميتة" . الحقيقة هي أن من يهملون القواعد الصحية يموتون بالمرض , بالرغم من رحمة الله , وأيضاً بنفس القدر من الصدق , من يهملون قواعد الصحة الروحية سيعاقبون للأبد بالموت الثاني .

الأمر المهيب علي نحو مُخيف هو أن الكثيرين يسيئون إلي صفة الكمال الإلهية هذه , فهم يستمرون في احتقار سلطان الله , ويدوسون علي قوانينه , ويستمرون في الخطية , ثم يطالبون برحمته , لكن الله لن يكون غير منصف لذاته , يُظهر الله رحمته للتائب الحق , وليس لغير التائب "إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ." (لوقا 13 : 3) , أن تستمر في الخطية ثم تتكل علي رحمة الله لينزع عنك الدينونة هو فكر شيطاني , فكأنك تقول "لِنَفْعَلِ السَّيِّآتِ لِكَيْ تَأْتِيَ الْخَيْرَاتُ»؟" ومكتوب عن هؤلاء " الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ عَادِلَةٌ " (رو 3 : 8) سيخيب رجاء هذا الزعم حتماً , اقرأ بعناية تثنية (29 : 18-20) . المسيح هو كرسي الرحمة الروحي (غطاء التابوت) , وكل من يحتقرون ربوبيته ويرفضونها "سيبيدون مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَتَّقِدُ غَضَبُهُ " (مز 2 : 12) .

لكن لتكن فكرتنا الآخيرة هي عن مراحم الله علي شعبه " لأَنَّ رَحْمَتَكَ قَدْ عَظُمَتْ إِلَى السَّمَاوَاتِ، " (مز 57 : 10) , الغني الناتج عن ذلك يتعدي أكثر أفكارنا سمواً , " لأَنَّهُ مِثْلُ ارْتِفَاعِ السَّمَاوَاتِ فَوْقَ الأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ. " (مز 103 : 11) , لا يقدر أحد أن يقيسها , المختارون هم "آنية رحمة" (رو 9 : 23) , الرحمة هي التي أيقظتهم حين كانوا أمواتاً في خطاياهم (أف 2 : 4-5) , الرحمة هي التي خلصتهم (تي 3 : 5) , رحمته الغنية هي التي ولدتهم لميراث أبدي (1بط 1 : 3) , يعوزنا الوقت لنخبر عن رحمته التي تحفظنا , وتؤيدنا , وتسامحنا , وتسدد احتياجنا , الله هو "أبو الرأفة" لشعبه (2كو 1 : 3) .

"حين أري مراحمك يا إلهي , وتتأمل بها نفسي المشرقة ,

أرتقي بالمشهد وأتوه , في عُجب , وحب , وتسبيح" .

 

 

بقلم :  ارثر بنك

الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

 

صبر الله

The Patience of God

 

ما كُتب عن صفة الكمال هذه أقل بكثير مما كتب عن صفات الكمال الأخري للذات الإلهية , مر عدد ليس بقليل من الذين أسهبوا في الحديث عن الصفات الإلهية علي صبر الله بدون أناة الله هي بالتأكيد واحدة من الكمالات الإلهية تساوي حكمته وقوته وقداسته , ولها نفس الحق في الإعجاب والاحترام , صحيح ان التعبير الفعلي ليس موجوداً في فهرس الكتاب المقدس بكثرة مثل الصفات الأخري , لكن مجد هذه النعمة نفسها يلمع تقريباً علي كل صفحات كلمة الله , من المؤكد أننا نخسر كثيراً إن لم نتأمل باستمرار في صبر الله ونصلي بإخلاص أن تتشكل قلوبنا وطرقنا بالكامل علي هذا النحو .

في الأغلب السبب الرئيسي لعدم كتابة كثير من الكُتاب , بصورة منفصلة وأي شئ عن صبر الله هو بسبب صعوبة تمييز هذه الصفة عن صلاح الله ورحمته , خصوصاً الأخيرة , يتم ذكر أناة الله متصلة مع نعمته ورحمته كثيراً , كما يتضح حين نذهب للشواهد الخروج 34 : 6 , العدد 14 : 18 , مزمور 86 : 15 . أن صبر الله هو إعلان عن رحمته , فهذه في الواقع طريقة كثيرا ما تستخدم لإظهاره , هذا أمر لا يمكن إنكاره , لكن إنهما نفس الصفة السامية , ولا يمكن التمييز بينهما , فهذا لا يمكن أن نقبله , قد لا يكون من السهل ان نميز بينهما , لكن كلمة الله تضمن لنا هذا تماما , وذلك عن طريق توقع بعض الأمور من الواحدة ولا نتوقعها من الأخري .

يعطي ستيفين شارنوك تعريفاً لصبر الله جزئياً كالتالي :

" إنه جزء من صلاح الله ورحمته , لكنه يختلف عن الاثنين , الله الذي هو أعظم صلاح , له أعظم لطف , اللطف هو دائماً رفيق الصلاح الحقيقي , وكلما زاد الصلاح , زاد اللطف , من هو قدوس كالمسيح , ومن في لطفه ؟ ينبثق بطء غضب الرب من رحمته : "الرب حنان ورحيم طويل الروح" (مز 145 : 8) , أنه يختلف عن الرحمة في الاعتبار الرسمي للموضوع , تري الرحمة المخلوق بائساً , يري الصبر المخلوق مجرماً , تشفق الرحمة عليه في بؤسه , يتحمل الصبر الخطية التي ولَّدَت البؤس , والتي تلد غيرها" .

يمكننا ان نعطي تعريفاً للصبر الإلهي بأنه تلك القوة علي ضبط النفس التي يمارسها الله علي ذاته , والتي تجعله يتحمل الأشرار ويتمهل كثيراً في عقابهم , في (ناحوم 1 : 3) نقرأ "الرب بطئ الغضب وعظيم القدرة" والتي قال عنها السيد تشارنوك .

"عظماء العالم سريعوا الغضب , وليسوا علي استعداد ان يغفروا الإساءة أو يتحملوا الإهانة ممن هم أقل منهم شأناَ , عدم وجود القوة علي التحكم في النفس هي التي تجعل الشخص يقوم بعمل أشياء غير لائقة حين يُثاَر غضبه , الأمير الذي يمكنه كبح عواطفه هو ملك علي ذاته كما هو علي رعاياه , الله بطئ في الغضب لأنه عظيم في القوة , إن له نفس القوة علي نفسه كما هي علي مخلوقاته" .

هذه النقطة السابقة , كما نعتقد , هي التي تميز صبر الله بوضوح عن رحمته , رغم أن المخلوق هو المستفيد من هذا , لكن صبر الله يراعي بصورة رئيسية ذات الله , هو قيد وضعته إرادته علي أعماله , بينما تستقر رحمة الله بالكامل علي المخلوق , صبر الله هو صفة السمو هذه التي تجعل الله يتحمل إساءات كبيرة دون أن ينتقم لنفسه في الحال , إن له قوة علي الصبر لا تقل عن قوته علي العدل , وهكذا نجد الكلمة العبرية التي تصف طول أناة الله هي "طويل الروح" في (نح 9 : 17) , (مز 103 : 8) ليس معني هذا أن طبيعة الله ليس بها غضب ’, بل أن حكمة الله وإرادته يسرها أن تعمل بهذا الجلال وهذه الرصانة اللذان يصبحان جلالته المتعالية .

تأييداً لتعريفنا السباق دعونا نوضح ان هذه الصفة السامية هي التي لمسها موسي في شخص الله , حين أخطأ شعب اسرائيل بشكل فادح عند قادش برنيع , وهناك أغضبوا يهوه غضباً مريراً , قال الرب لعبده , سأضربهم بالوباء وأحرمهم من أن يروا الأرض التي حلفت لأبائهم, وهنا قال الوسيط الذي يعد مثالاً للمسيح المتجسد الآتي "فالأن لتعظم قدرة سيدي كما قلت : الرب طويل الروح" (عدد 14 : 17) وهكذا طول أناة الله هو "قوته" علي ضبط النفس .

أيضاً في (رومية 9 : 22) نقرأ "فماذا إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك ...؟" لو هشم الله علي الفور هذه الآنية الشريرة , ما كانت قوته علي ضبط النفس لتظهر بهذا الوضوح , لكن بتحمله شرهم وتأنيه في عقابهم هذه المدة , تظهر قوة صبره بصورة مجيدة , صحيح أن الشرير يفسر طول الأناة بصورة مختلفة "لأن القضاء علي العمل الردئ لا يجري سريعاً فلذلك امتلأ قلب بني البشر فيهم لفعل الشر" (جا 8 : 11) , لكن العين الممسوحة من الله تعبد ما يهينه البشر .

 

"إله الصبر" (رو 15 : 5) هو أحد ألقاب الله , يسمي الله هكذا

·                      أولاً : لأنه هو رئيس وموضوع نعمة الصبر في المؤمن .

·                      ثانياً : لأنه هو هكذا في نفسه , فالصبر هو أحد كمالاته .

·                      ثالثاً : كنموذج لنا : "فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ" (كو 3 : 12) وأيضاً "فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ (مقلدين) بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ،" (أف 5 : 1) حين تواجه تجربة أن تتعالي علي غباء شخص آخر , أو أن تنتقم لنفسك من شخص أخطأ في حقك , تذكر صبر الله غير المحدود وطول أناته عليك .

يظهر صبر الله في تعاملاته مع الخطاة , كم كان صبره ظاهراً بصورة مُدهشة تجاه من كانوا قبل الطوفان ! , حين كان الجنس البشري منحطاً بأكمله وقام كل جسد بإفساد طريقه , لم يهلكهم الله حتي سبق فحذرهم , لقد "انتظر" (1بط 3 : 20) حوالي ما لا يقل عن مائة وعشرين عاماً (تك 6 : 3) , وفي هذا الوقت كان نوح "كارزاً للبر" (2بط 2 : 5) , ولاحقاً حين لم تكتف الأمم بعبادة وخدمة المخلوق دون الخالق , بل أيضاً اقترفوا أبشع الرجاسات التي تناقض حتي قوانين الطبيعة (رو 1 : 19-26) , مما جعلهم يملأون كأس إثمهم , لكن بدلاً من أن يستل سيفه للقضاء علي هؤلاء المتمردين , "تَرَكَ جَمِيعَ الأُمَمِ يَسْلُكُونَ فِي طُرُقِهِمْ" وأعطاهم "مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَارًا وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً، "(أعمال 14 : 16-17) .

أظهر الله صبره ومارسه بصورة عجيبة مع اسرائيل , أولاً : "وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، احْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. " (أع  13 : 18) لاحقاً , حين دخلوا كنعان , لكنهم اتبعوا العادات الشريرة للأمم التي حولهم , واتجهوا لعبادة الأوثان , رغم ان الله أدبهم بقوة , لكنه لم يُفنهم بالكامل , لكن في ضيقهم , أقام لهم من ينقذونهم , حين زاد شرهم إلي حد لا يقدر أن يتحمله غير الله ذي الصبر غير المحدود , وبالرغم من ذلك , عفا عنهم سنين عديدة قبل أن يسمح أن يؤخذوا إلي بابل , أخيراً , حين وصل تمردهم إلي أقصاه حين صلبوا ابنه , انتظر أربعين عاماً قبل أن يرسل الرومان عليهم , وهذا بعد أن حكموا هم علي أنفسهم أنهم "غير مستحقين للحياة الأبدية" (أع 13 : 46) .

كم أن صبر الله علي العالم اليوم عجيب ! , من كل ناحية يأثم الناس بشدة , إنهم يدوسون القانون الإلهي تحت أقدامهم ويحتقرون الله نفسه علناً , من المذهل حقاً أنه لا يقتل في الحال هؤلاء الذين يتحدّونه بهذه الوقاحة , لماذا لا يقطع فجأة هذا المجدف المتكبر , المفتري الوقح , كما فعل مع حنانيا وسفيرة ؟ لماذا لا يجعل الأرض تفتح فمها وتبتلع الذين يضطهدون شعبه , حتي أنهم مثل داثان وأبيرام , يذهبون أحياء الي الحفرة ؟ وماذا عن العالم المسيحي المرتد , حيث تُقبل كل أشكال الخطية وتُمارَس تحت غطاء اسم المسيح القدوس؟ لماذا لا يضع غضب الله المقدس حدَّاً لهذه الرجاسات ؟ لا توجد غير إجابة وحيدة ممكنة , لأن الله "احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ" (رو 9 : 22).

وماذا عن الكاتب والقارئ ؟ فلنراجع حياتنا , لم يكن بوقت بعيد أننا مشينا وراء الجموع لفعل الشر , ولم نكن نبالي بمجد الله , وعشنا فقط لإرضاء أنفسنا , كما كان الله صبوراً ان تحمَّل سلوكنا الدنئ ! , والآن بعد أن انتشلتنا النعمة كجمر من النار , وأعطتنا مكاناً في بيت الله , ومنحتنا ميراثاً أبدياً في المجد , كم نرُّد الصنيع لله بالشح ! يا لضحالة شكرنا , يا لتردي طاعتنا , يا لكثرة سقطاتنا ! من أسباب سماح الله ببقاء "الجسد" في المؤمن أنه يعلن أنه "يتأني علينا" (2بط 3 : 9) , حيث أن هذه الصفة الإلهية لا تعلن إلا في هذا العالم , فالله يستخدمها في إعلانها لشعبه .

فليكن تأملنا في صفة التميز الإلهي هذه يلين قلوبنا , يجعل ضمائرنا أكثر رقة , ولنتعلم في مدرسة الاختبار المقدس "صبر القديسين" وتحديداً الخضوع للإرادة الإلهية والاستمرار في عمل الخير , فلنطلب بصدق نعمة التمثل بهذه الصفة الإلهية , "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (مت 5 : 48) , في السياق المباشر , يحثنا المسيح أن نحب أعداءنا , ونبارك لاعنينا , ونحسن إلي من يسيئون إلينا , إن الله يحتمل الأشرار كثيراً بالرغم من عظم حجم خطيتهم , فهل نطلب نحن الانتقام بسبب إساءة واحدة ؟ .

 

 ارثر بنك

الأحد، 18 سبتمبر 2022

 

محبة الله

The Love of God

 

هناك ثلاثة أمور تخبرنا بها كلمة الله تتعلق بطبيعة الله.

أولاً :  "الله روح" (يو 4 : 24) . لا توجد في اليونانية أداة تنكير , فإن نقول "الله روح A  Spirit (نكرة)" هو أمر مرفوض , فهذا يضع الله في مرتبة واحدة مع آخرين. الله "روح Spirit" في أسمي معني. ولأنه "روح" فهو غير مادي, ليس له هيئة مرئية , لو كان لله جسد ملموس , لما كان كلي الوجود , لكان محدوداً في مكان واحد , لأنه روح فهو يملأ السماء والأرض .

ثانياً : "الله نور" (1يو 1 : 5) , وهو المقابل "للظلمة" في كلمة الله تمثل "الظلمة" الخطية , والشر , والموت , ويمثل "النور" القداسة , والصلاح , والحياة . تعني "الله نور" أنه هو مجموع كل الصفات السمو .

ثالثاً : "الله محبة" (1يو 4 : 8) . ليس الأمر فقط أن الله "يحب" , بل هو المحبة نفسها , ليست المحبة مجرد واحدة من صفاته , بل هي ذات طبيعته .

هناك الكثيرون حالياً يتكلمون عن محبة الله , وهم غرباء بالكامل عن إله المحبة . غالباً ما يري العامة أن محبة الله هي نوع من ضعف المحبوب , نوع التدليل طيب الخلق , لقد انتقصوا منها فأصبحت مجرد عاطفة مريضة , علي شاكلة العواطف البشرية . والحقيقة أننا هنا , كما في كل شئ آخر , علينا أن نصيغ أفكارنا وننظمها بما يُعلَن عنها في كلمة الله المقدسة , من الواضح ان هناك احتياج مُلّح لهذا ليس فقط بسبب الجهل الذي يسود علي كل شئ , بل أيضاً بسبب الحالة الروحية الوضيعة الظاهرة بشدة حالياً بين المسيحيين الأسميين . يالقلة المحبة المقدمة لله ! من الأسباب الرئيسية لهذا أن قلوبنا لا تنشغل كثيراً بمحبته العجيبة لشعبه . كلما تعرفنا أكثر علي محبته , شخصه , ملئه , بركته , تنجذب إليه قلوبنا بالحب أكثر .

1- محبة الله لا تتأثر Uninfluenced : ونحن نعني بهذا أنه لم يوجد شئ في من هم موضوع محبته يستدعي وجودها , لا يوجد في المخلوق شئ يجتذبها أو ينشئها . المحبة التي من مخلوق لمخلوق آخر هي بسبب شئ فيه , لكن محبة الله مجانية , تلقائية , وبلا سبب , السبب الوحيد لمحبة الله لنا هو في إرادته الإلهية : "لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، الْتَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ،"(تث 7 : 7 – 8)  . لقد أحبنا الله منذ الأزل , لذلك لا يمكن أن يوجد في المخلوق ما يمكنه أن يتسبب فيما هو في الله منذ الأزل , أنه يحب من تلقاء نفسه : "بل بمقتضي القصد" (2تي 1 :9) .

"نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً." (1يو4 : 19)  . لم يحبنا الله لأننا أحببناه , لكنه أحبنا قبل أن يكون بنا ذرة من حب له , لو كان الله أحبنا رداً علي حبنا له , لما كان الأمر تلقائياً من جانبه , ولكن لأنه أحبنا حين كنا لا نُحَب , فمن الواضح إن محبته لم تكن تحت أي تأثير . من المهم جداً إن أردنا إكرام الله وثبات قلب أبنائه , أنه يجب التأكيد علي هذه الحقيقة الغالية . لم تتأثر محبة الله لي , ولكل خاصته بأي شئ فينا , ما الذي كان فيَّ ليجتذب قلب الله ؟ لا شئ علي الإطلاق . بل بالعكس , كل ما ينفره , كل ما يجعله يحتقرني , خاطئ , عاجز , كتلة من الفساد, بلا خير فيَّ .

"ما الذي كان فيَّ لأستحق التقدير , أو ليُسرَّ الخالق بي؟ هذا , يا أبي , ما أتغني به , لأنه حسن في عينيك" .

2 – محبة الله, محبة أبدية : هذا بالضرورة , الله نفسه سرمدي , والله محبة , لذلك , كما أن الله ليس له بداية , فكذلك محبته , من المعروف أن مبدأ كهذا يتعدي إدراك عقولنا الضعيفة , لكن , حين لا نقدر علي الفهم , يمكننا أن ننحني متعبدين في خشوع , ما أوضح شهادة (إرميا 31 : 3) , "محبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة" . كم هو أمر مبارك أن تعرف أن الله العظيم القدوس أحب شعبه قبل أن دعا السماء والأرض للوجود , أنه وضع قلبه عليهم منذ الأزل . هذا دليل واضح أن محبته تلقائية , لأنه أحبهم قبل أنه يكون لهم وجود بأزمنة لا نهاية لها .

نفس الحقيقة الغالية موجودة في (أفسس 1 : 4 , 5 ) "كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم , لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة , إذ سبق فعيننا" . كم يجب أن يستدعي هذا تسبيحاً من كل واحد من أبنائه ! يا لها من طمأنينة للقلب : حيث أن محبة الله لي ليس لها بداية , فلا يمكن ان يكون لها نهاية ! بما أنه حق أنه "منذ الأزل إلي الأبد" هو الله , وبما أن الله "محبة" , إذا فمن الحق أيضاً أنه "منذ الأزل إلي الأبد" يحب الله شعبه .

3- محبة الله , محبة قديرة Sovereign , هذا أيضاً واضح ضمناً , الله نفسه قدير , ليس تحت إلزام لأحد , هو قانون نفسه , يعمل دائماً بحسب مسرته الملوكية , بما أن الله قدير , وبما أنه محبة , فهذا يستتبع بالضرورة أن تكون محبته قديرة , ولأن الله هو الله , يفعل ما يريد , ولأنه هو محبة , فهو يحب من يشاء . هذا هو تعبيره المؤيد لذلك : "أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (رو 9 : 13) . لم يكن في يعقوب أي سبب يزيد عما في عيسو ليجعله موضوع المحبة الإلهية , كان لهما نفس الأبوين , وولدا في نفس الوقت , ورغم أنهما توأمان , أحب الله واحداً وأبغض الآخر! لماذا ؟ لأن هذا ما حسن في عينيه .

قدرة محبة الله تتبع بالضرورة حقيقة أنها لا تتأثر بأي شئ في المخلوق , وهكذا , أن نؤكد أن سبب محبة الله يوجد في ذاته هو , هي طريقة أخري لنقول إنه يحب من يشاء . للحظة دعنا نفترض العكس , افترض أن محبة الله كانت تتحرك بأي شئ أخر غير ارادته , في هذه الحالة سيحب تحت قانون , وإن أحب تحت قانون سيكون خاضعاً لقانون المحبة , وهكذا لا يكون حراَ , سيكون الله نفسه محكوماً بالقانون ."سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه , حسب" ماذا ؟ ميزة ما سبق فرآها فينا ؟ لا , إذا ماذا ؟ "حسب مسرة مشيئته" (أف 1 : 4-5) .

4 – محبة الله غير محدودة . كل ما يتعلق بالله هو بلا حدود . جوهره يملأ السماء والأرض , ليس لحكمته حدود , فهو يعرف كل ما في الماضي , والحاضر , والمستقبل , ليس لقوته حدود , فلا يعسر عليه شئ , وكذلك ليس لمحبته حدود , إن لها عمقاً لا يقدر أحد ان يتخيله , لها علو لا يقدر أحد أن يصعد له , لها طول وعرض يتحديان المقاييس , بأي معايير بشرية , وهذا يظهر بطريقة جميلة في (أف2 : 4) "الله الذي هو غني في الرحمة , من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها" كلمة "كثيرة" هنا يمكن وضعها جنباً الي جنب مع "هكذا أحب الله" (يو 3 : 16) , وهذا يخبرنا أن محبة الله فائقة جداً ولا يمكن إداركها .

"لا يقدر أي لسان أن يُعبٍّر بالتمام عن لا نهائية محبة الله , أو يقدر أي عقل أن يدركها : إنها فائقة المعرفة" (أف 3 : 19) . أكثر الأفكار اتساعاً التي يقدر أن يأتي بها عقل محدود لوضع إطار للمحبة الإلهية , هي أقل بشكل لا نهائي من طبيعتها الحقيقية , لا تبعد السماء عن الأرض بعداً أكبر مما يبعد صلاح الله عن أكثر تصوراتنا المتناهية التي نقدر أن نُكوٍّنها عنه , إنه بحر يعلو أكثر من كل جبال مقاومته , إنه نبع يتدفق منه كل الخير اللازم لكل من يهتمون به" .

جون براين

5- محبة الله , محبة لا تتغير : كما أن الله "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1 : 17) , فكذلك لا تعرف محبته أي تغيير أو نقصان , يقدم يعقوب لنا مثالاً قوياً علي هذا , أعلن يهوه قائلاً : "أحببت يعقوب" ورغم كل ما فيه من شك وتمرد , لم يتوقف عن محبته له , يقدم لنا يوحنا 13 : 1 مثالاً جميلاً آخر , في نفس الليلة التي قال فيها الرسل "أرنا الآب" , انكره آخر بلعن , وتحرجوا منه جميعهم وتركوه . لكنه "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلي المنتهي" , لا تخضع المحبة الإلهية لأي تقلبات , المحبة الإلهية "قوية كالموت .. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" (نش 8 : 6 , 7) . لا يفصلنا عنها شئ (رومية 8 : 35-39) .

"لا تعرف محبته حداً أو مقاساً , لا يعتري اتجاهها تغيير ,

منذ الأزل كما هي تتدفق من مصدر واحد أبدي" .

6- محبة الله , محبة مقدسة : لا تتحرك محبة الله بهوي النزوات , أو بالعاطفة , بل بالمبدأ , كما أن نعمته لا تملك علي حساب محبته , بل "بالبر" (رو 5 : 21) , فكذلك لا تتعارض محبته مع قداسته . "الله نور" (1يو 1 : 5) مذكورة قبل "الله محبة" (1يو 4 : 8) . ليست محبة الله مجرد ضعف محبوب , أو ليونة متأنثة Effeminate . تعلن كلمة الله , "الذي يحبه الرب يؤدبه , ويجلد كل ابن يقبله" (عب 12 : 6) , لا يتغافل عن الخطية , حتي في شعبه , محبته نقية , لا تمتزج بأي انفعال عاطفي .

7- محبة الله , محبة رحيمة : محبة الله ورضاه لا ينفصلان , يتضح هذا في رومية 8 : 32-39 . يمكن فهم ما هي هذه المحبة التي لا يمكن "الانفصال" عنها من خلال تصميم ومنظور السياق المباشر : إنها رغبة الله الحسنة ونعمته التي تجعله يقدم ابنه عن الخطاة , كانت هذه المحبة هي القوة الدافعة لتجسد المسيح : "لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد" (يو 3 : 16) . لم يمت المسيح ليجعل الله يحبنا , لكن لأن الله يحب شعبه , كانت الجلجثة هي أسمي إعلان عن المحبة الإلهية , حين توضع أمام تجربة الشك في محبة الله , أيها القائد المسيحي , أرجع الي الجلجثة .

إليك سبب غني للثقة والصبر في المحبة الإلهية , كان المسيح محبوباً من الآب , لكنه لم يعُفَ من الفقر , أو العار , أو الاضطهاد , لقد جاع وعطش , وهكذا لم يكن متعارضاً مع محبة الله للمسيح ان سمح للبشر أن يبصقوا عليه ويضربوه , إذا يجب ألا يتشكك أي مؤمن في محبة الله حين يوضع تحت ضربات وتجارب أليمة , لم يُعط الله المسيح علي الأرض غني بنجاح وقتي , فهو لم يكن له "أين يسند رأسه" بل قد أعطاه الروح "ليس بكيل" (يو 3 : 34) . فلنتعلم إذا أن البركات الروحية هي العطايا الكبري للمحبة الإلهية , كما أنه أمر مبارك أن نعرف أنه حين يبغضنا العالم , الله يحبنا ! .

للكاتب : ارثر بنك

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

 

معرفة الله

The Knowledge of God

 

الله كلي المعرفة , إنه يعرف كل شئ , كل ما هو ممكن , كل ما هو واقع , كل الأحداث , كل المخلوقات , هو إله الماضي , والحاضر , والمستقبل , إنه علي علم تام بكل التفاصيل في حياة كل كائن في السماء , وعلي الأرض وفي الجحيم , "هُوَ يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّورُ" (دا 2 :22) لا يوجد شئ يفلت من ملاحظته , لا يُخفي عنه شئ , ولا يُنسي منه شئ , نقدر أن نقول مع كاتب المزمور "عَجِيبَةٌ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ، فَوْقِي ارْتَفَعَتْ، لاَ أَسْتَطِيعُهَا" (مز139 : 6) معرفته الكاملة , إنه لا يخطئ أبداً , ولا يتغير أبداً , ولا يغفل عن شئ أبداً , "وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا" (عب 4 : 13)  نعم , هذا هو الله "الذي معه أمرنا (نحن)" .

"أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ مَسْلَكِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ، وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي، إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا" (مز 139 : 2-4).  يا له من "كائن"عجيب إله الكتاب المقدس هذا ! , يجب أن تعطيه كل صفة من صفاته المجيدة كرامة في تقديرنا . حين ندرك كمال معرفته علينا أن ننحني إجلالاً له  , لكننا قليلاً ما نتأمل في صفة الكمال الإلهية هذه ! , هل يرجع هذا لكون التفكير فيها يصيبنا بالقلق ؟ .

كم هي حقيقة مهيبة ! , لا يُخفي عنه شئ ! , "قُلْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هكَذَا قُلْتُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، وَمَا يَخْطُرُ بِبَالِكُمْ قَدْ عَلِمْتُهُ." (حز 11 : 5) , رغم كونه خفياً عنا , فنحن لا نقدر أن نُخفي عنه شئ , لا تقدر أكثر الليالي ظلاماً , أو أكثر الستائر إعتاماً , أو أكثر السجون عمقاً أن تُخفي خاطئاً عن عيني معرفته الكاملة , لم تقدر أشجار الجنة أن تُخفي أبوينا الأولين , لم تري أي عين بشرية قايين حين قتل أخاه , لكن صانعه شهد جريمته , قد تكون سارة ضحكت بسخرية في عزلة خيمتها , لكن يهوه سمعها , سرق عخان لساناً ذهبياً وخبأه بعناية في الأرض , لكن الرب أظهره للنور , تعب داود كثيراً ليخبئ شره , لكن سريعاً ما أرسل الله الذي يري كل شئ واحد من خدامه ليقول له "أنت هو الرجل" ويقول أيضاً للكاتب والقارئ "وَتَعْلَمُونَ خَطِيَّتَكُمُ الَّتِي تُصِيبُكُمْ." (عد 32 : 23) .

قد يحاول البشر ان يحرموا الله من صفة المعرفة الكاملة , ويا له من دليل علي أن "اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ ِللهِ، " (رو 8 : 7) ! , يكره الأشرار صفة الكمال الإلهية هذه بقدر ما يكرهون أيضاَ أنهم مجبرون طبيعياً أن يعترفوا بها . إنهم يتمنون لو أنه لا يوجد الله , هذا الشاهد علي خطاياهم , الفاحص لقلوبهم , والديان لأعمالهم , إنهم يسعون لينفوا الله هذا من أفكارهم "وَلاَ يَفْتَكِرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنِّي قَدْ تَذَكَّرْتُ كُلَّ شَرِّهِمْ. اَلآنَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ أَفْعَالُهُمْ. صَارَتْ أَمَامَ وَجْهِي" (هوشع 7 : 2) . كم أن المكتوب في (مز 90 : 8) كلام رهيب ومُخيف ! , وهو سبب جيد لكل من يرفض المسيح لكي يرتعد قدامه "قَدْ جَعَلْتَ آثامَنَا أَمَامَكَ، خَفِيَّاتِنَا فِي ضَوْءِ وَجْهِكَ" .

أما بالنسبة للمؤمن , فحقيقة كمال معرفة الله هي حقيقة مشحونة بالكثير من التعزية , فهو يقول في أوقات الحيرة مع أيوب "لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي" (ايوب 23 : 10) , قد يكون هذا أمراً عميق الغموض بالنسبة لي , وغير مفهوم علي الإطلاق لأصدقائي , لكن "اللهَ يَعْرِفُ قُلُوبَكُمْ" (لو 16 : 15) , في أوقات القلق و الضعف يطمئن المؤمنون أنفسهم , "لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ" (مز 103 : 14) , في أوقات الشك والريبة يلجأون لتلك الحقيقة قائلين "اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" (مز 139 : 23-24) , في أوقات الفشل الحزين , حين تناقض أعمالنا قلوبنا , ويأتينا السؤال الفاحص "أتحبني؟" نقول مع بطرس "يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ" (يو 21 : 17) .

ها هو تشجيع علي الصلاة , لا يوجد سبب للخوف من ألا تُسمع تضرعات الصديقين , أو أن تفلت تأوهاتهم ودموعهم من ملاحظة الله , لأنه يعرف أفكار القلب ونياته , لا يوجد خطر أن يتم التغاضي عن قديس واحد وسط جموع المتضرعين الذين يقدمون تضرعاتهم كل يوم وكل ساعة , لأن العقل غير المحدود قادر ان يعطي نفس الاهتمام بملايين البشر , وكأنه لا يوجد غير شخص واحد يلتمس اهتمامه , وكذلك عجز اللغة المناسبة , وعدم القدرة علي التعبير عن أعمق أشواق النفس , لا تعرض صلواتنا للخطر , لأنه "وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ" (اش 65 : 24) .

"عَظِيمٌ هُوَ رَبُّنَا، وَعَظِيمُ الْقُوَّةِ. لِفَهْمِهِ لاَ إِحْصَاءَ" (مز 147 : 5) , ليس الله علي علم فقط بما جري في الماضي في كل نواحي سلطانه الواسع , وهو لا يدري دراية كاملة فقط بكل ما يجري في كل أنحاء الكون , لكنه أيضاً مدرك تماماً بكل حدث , من أقلها الي اكبرها سيحدث في العصور القادمة , معرفة الله بالمستقبل معرفة تامة , تماماً كمعرفته بالماضي والحاضر , وذلك لأن المستقبل يعتمد بالكامل علي الله نفسه , لو كان من الممكن ان يحدث أي شئ بمعزل عن تدخل الله المباشر أو سماحه لكان هذا الشئ مستقلا عن الله , ولن يعود الله هو الكائن الأعظم .

ليست معرفة الله بالمستقبل مجرد أمر مجرداً , لكنها امر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بخطته ويصاحبها , لقد أعدّ الله نفسه ما سيحدث , وما قد أعده لابد وأن يتم , وكما تؤكد كلمته الأكيدة , "هُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ، وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: «مَاذَا تَفْعَلُ؟»." (دا 4 : 35) وأيضاً "فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ أَفْكَارٌ كَثِيرَةٌ، لكِنْ مَشُورَةُ الرَّبِّ هِيَ تَثْبُتُ." (أم 19 : 21) , ولكون حكمة الله وقوته أمرين غير محدودين , فتتميم ما قصده هو أمر مضمون ضماناً مطلقاً , عدم إمكانية فشل المشورة الإلهية في قصدها هو أمر أكيد مثل عدم إمكانية كذب الله القدوس مثلث الأقانيم .

لا يوجد أمر غير أكيد فيما يتعلق بأي شئ في المستقبل بالنسبة لتحقيق مشورة الله , لا يوجد قصد واحد من مقاصد الله معتمد سواء علي المخلوقات أو الأسباب الثانوية , لا يوجد حدث مستقبلي هو مجرد احتمال , أي أنه أمر قد يحدث أو لا يحدث "مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ." (أع 15 : 18) , فما قد قرره الله هو أمر أكيد لا محالة , لأنه "لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ" (يع 1 : 17) , لذلك عرفنا في بداية هذا الكتاب الذي يكشف لنا الكثير عن المستقبل , عن "مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ" (رؤيا 1 :1) .

معرفة الله الكاملة تتمثل وتتضح في كل نبوة مسجلة في كلمة الله  , في العهد القديم ستجد سجلات لنبوات تتعلق بتاريخ اسرائيل , وقد تمت بحذافيرها , وذلك بعد قرون من التنبؤ بها , وتجد فيها أيضاً نبوات اكثر عن حياة المسيح الأرضية , وقد تمت هذه ايضاً حرفياً وبالتمام , لا يمكن ان تُعطي هذه النبوات إلا من الواحد الذي كان يعرف النهاية من البداية , والذي تأسست معرفته علي التأكيد غير المشروط من تحقق كل ما أخبر به , وبنفس الطريقة , احتوي كل من العهد الجديد علي إعلانات اخري مستقبلية وكل ما فيها أيضاَ "أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ " (لو 24 : 44) ولابد أن يكون هذا لأن الذي أخبر بها هو الذي أصدرها .

لذلك يجب أن نوضح أنه لا يجب اعتبار معرفة الله بالمستقبل أو إدراكه له , هما أمور مسببه في ذاتها  , لم يحدث شئ , أو سيحدث فقط لمجرد علم الله به , المُسبب لكل شئ هو إرادة الله , من يؤمن حقاً بكلمة الله يعرف مسبقاً أن الأزمنة ستستمر في التتابع بانتظام لا يفشل حتي انتهاء تاريخ الأرض (تك 8 : 22) , ولكن معرفته ليست هي المسبب وراء تتابعها , إذا لا تنشأ معرفة الله من الأشياء لأنها موجودة أو ستوجد بل لأنه رتب وجودها , كان الله يعمل بصلب ابنه وأخبر بها قبل أن يتجسد بمئات السنين , وهذا لأنه في خطته الإلهية , كان هو الحمل المذبوح منذ تأسيس العالم , لذلك نقرأ أنه كان "مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، " (اع 2 : 23) .

إليك كلمة بخصوص هذا الشأن , يجب أن تملأنا معرفة الله غير المحدودة بالدهشة , كم أن الله مرتفع عن أحكم حكماء البشر ! , لا يعرف أي منا ما ستجلبه الأيام , لكن المستقبل مكشوف أمام عينيه التي تعلم كل شئ , يجب أن تملأنا معرفة الله غير المحدودة بالرهبة المقدسة , لا يوجد ما نفعله , أو نقوله , أو نفكر فيه , يفلت من نظر ذاك الذي معه أمرنا لأن "فِي كُلِّ مَكَانٍ عَيْنَا الرَّبِّ مُرَاقِبَتَانِ الطَّالِحِينَ وَالصَّالِحِينَ." (أم 15 : 3) , كم سيكون هذا الأمر ضابطاً لحياتنا , إن تأملنا فيه كثيرا ! , بدلا من التصرف برعونة , علينا ان نقول مع هاجر "«أَنْتَ إِيلُ رُئِي». " (تك 16 : 13) (أي انت الله الذي يري كل شئ) , يجب أن يملأ إدراك معرفة الله الكاملة المؤمنين بالتعبد , لقد كانت حياتي كلها مكشوفه لعينيه من البداية , كان يري كل سقطاتي , كل خطاياي , كل ارتدادي , ومع ذلك , وضع قلبه عليَّ , كم ان هذا الإدراك يجعلني أنحني وأسجد أمامه !! .

 

 للكاتب : ارثر بنك