الثلاثاء، 9 يوليو 2013

لأَنَّ الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا

"لأَنَّ الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا" (عب 3 : 11)

نرجو أن يفهم القارئ المسيحي جيداً أن من أسعد وأحلى امتيازاته أن يحيا حياة الإيمان بكل معنى الكلمة بغض النظر عن شخصه وعن ظروفه ومركزه، وله على حسب النعمة المُعطاة له أن يشترك مع الرسول المغبوط في حاسياته ويقول معه «فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي».  ويجب أن يحترس حتى لا يسلبه أحد هذا الامتياز السامي المقدس الذي هو من حق كل فرد من أهل الإيمان.  آه يا إخوتي نحن نفشل في أوقات كثيرة، وإيماننا يضعف أحياناً في الوقت الذي كان يجب أن يكون قوياً نشيطاً عاملاً، فالله يُسرّ بالإيمان النشيط الجريء.  وإذا تأملنا في الأناجيل الأربعة نجد أن قلب يسوع لم ينتعش ويفرح لشيء في هذه الحياة أكثر من ابتهاجه بالإيمان الحلو النشيط، بالإيمان الذي يفهم قلب الله ويستقي منه بسعة.  ويكفي لزيادة الإيضاح وعلى سبيل التمثيل فقط أن نستشهد بحادثة المرأة الفينيقية السورية الواردة في إنجيل مرقس الأصحاح السابق، وقائد المئة الوارد ذكره في الأصحاح السابع من إنجيل لوقا.
ولا نزاع في أن الرب له المجد يتنازل ويرثي للإيمان الضعيف بل يتنازل ليُجيب أضعف الإيمان فيقابل «إن أردت» بقول النعمة العجيبة «أريد فأطهر».  ويُجيب مَنْ قال «إن كنت تستطيع شيئاً» بهذا الرّد الجميل «إن كنت تستطيع أن تؤمن.  كل شيء مستطاع للمؤمن».  وإن كان يسوع بكل تأكيد يقابل أضعف نظرة وأخف لمسة بالترحاب والتشجيع، ولكن لا يفوتنا أن نذكر في هذا المقام إن قلب المخلّص قد شبع وروحه انتعشت عندما وجد الفرصة سانحة ليقول «يا امرأة عظيم إيمانك.  ليكن لكِ كما تريدين» وأيضاً «لم أجد ولا في اسرائيل إيماناً بمقدار هذا».
فلنتذكر ذلك جيداً لأن ربنا المبارك كما كان يُسرّ في أيام جسده وقت أن كان هنا بين الناس، هكذا الحال تماماً في وقتنا الحاضر، يوّد أن نثق فيه من كل القلب وأن نعطيه الفرصة بإيماننا ليعمل فينا وأن نطلب منه بلا وجل.  ومهما طلبنا منه فلا نغالي، وذلك لأن قلبه المُحب ويده الرفيعة فيهما الضمان الكافي لإجابة الطلب.  فلا شاردة صغيرة تفوته ولا واردة عظيمة تستعصي عليه، فهو المنفرد بكامل قوات السماوات والأرض، وهو رأس فوق كل شيء للكنيسة.  القابض في يده جميع العوالم، والحافظ كل الأشياء بكلمة قدرته، وإذا جاز للفلاسفة أن يتكلموا عن العناصر والنواميس الطبيعية، فالمسيحي يتفكَّر ويتكلم باغتباط وفرح عن المسيح ويده الطائلة وكلمته الفعالة الفائقة، فهو الذي به جميع الأشياء قد خُلقت وبه أيضاً جميع الأشياء تقوم.
وماذا نقول عن محبته!! ويا لها من تعزية عُظمى وراحة تامة وفرح مجيد لكل مَنْ عرف وتحقق وتذكَّر أن الخالق القدير وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، هو بعينه مُحب النفوس إلى الأبد الذي أحبنا إلى المنتهى، وعينه علينا دائماً، وقلبه يحن إلينا كل حين.  فهو الذي تكفل بسد كل أعوازنا سواء كانت جسدية أو عقلية أو روحية.  وما من حاجة من حاجاتنا الكثيرة والمتنوعة، إلا وقد تذخر لنا في المسيح ما يكفي لسدها وملئها تماماً، فهو كنز السماء، ومخزن الله وذلك كله لأجلنا.
فما دام الأمر كذلك، لماذا تتحول قلوبنا ولو مرة واحدة لغيره؟ ولماذا نكشف قلوبنا ونحيِّر إخوتنا المساكين عن حاجياتنا بطريقة مباشرة وغير مباشرة؟ ولماذا لا نذهب مباشرة ليسوع؟ هل نحن في حاجة لمن يرثي لنا ويشترك معنا في حاسياتنا؟ فمَنْ يرثي لنا نظير رئيس الكهنة العظيم الرحيم الذي تجرَّب في كل شيء ويستطيع أن يرثي لضعفاتنا؟ وهل نحن في حاجة لمساعدة من أي نوع كان؟ فمَنْ يستطيع أن يعيننا مثل صديقنا القدير صاحب الغنى الذي لا يستقصى؟ وهل نحن في حاجة لمشورة وناصح أمين؟ فمَنْ يعطي النصيحة كالوحيد المبارك الذي هو حكمة الله المجسمة والذي صار لنا من الله حكمة؟ آه يا إخوتي، يا ليتنا نجتهد حتى لا نجرح ونُدمي قلبه المُحب ونهين اسمه المجيد بتركنا إياه والتجائنا للبشر.  لنقاوم أميالنا الطبيعية التي تدفعنا لأن نثق في الخلائق دون الخالق، ونرجو مساعدة الناس ونعلّق آمالاً كباراً في البشر.  ولنثبت بجانب النبع الفائض دائماً فلا نجد مجالاً للشكوى من الينابيع التي تجف.  وبالاختصار لنجتهد أن نحيا حياة الإيمان، وبذلك نمجد الله في أيامنا وجيلنا الحاضر.

تشارلس ماكنتوش