الخميس، 17 مارس 2011

الاب طالب ساجدين


يوحنا‮ (٤)‬

إننا نجد في‮ ‬هذا الأصحاح طرق نعمة الله المباركة في‮ ‬التعامل مع الخاطئ‮ . ‬إن الرب‮ ‬يسوع قد جاء إلي‮ ‬هذا العالم حيث الخطية بغرض أن‮ ‬يستحضر بالنعمة كل ما‮ ‬يسمو فوق الخطية‮ ‬،‮ ‬بل والأكثر من ذلك استحضار النفس ذاتها للسجود للآب بعلاقة مباركة جداً‮ ‬،‮ ‬لأن الابن قد جاء لكي‮ ‬يعلن الآب‮ ‬،‮ ‬وليس ذلك فقط بل لكي‮ ‬نسجد له كالله الذي‮ ‬أُعلِن لنا بطبيعته‮ "‬الله روح والذين‮ ‬يسجدون له فبالروح والحق‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يسجدوا‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬24‮) ‬،‮ ‬فالنفس تأتي‮ ‬إلي‮ ‬معرفة شخصية بالله‮ ‬،علاقة به كالآب بالنعمة لأنه قد أُعلِن لنا بواسطة الابن والنتيجة هي‮ ‬أن نفس المعرفة بالآب هنا هي‮ ‬التي‮ ‬ستكون لنا في‮ ‬السماء‮ ‬،‮ ‬فهي‮ ‬ليست نوع من المعرفة هنا وأخري‮ ‬في‮ ‬السماء‮ ‬،‮ ‬ومما لا شك فيه أن الإدراك في‮ ‬السماء سوف‮ ‬يكون في‮ ‬ملئه وكماله بالنعمة وياللعجب‮ ! ‬،‮ ‬ولكن لا‮ ‬يوجد اختلاف في‮ ‬نوعية هذا الإعلان والشخص الذي‮ ‬أُعلِن‮ ‬،‮ ‬لا‮  ‬اختلاف بين ما أُعلِن الآن وما سوف‮ ‬يُعلَن في‮ ‬السماء‮ ‬،‮ ‬لأنه هو هو نفس الإله والآب الذي‮ ‬سوف نعرفه إلي‮ ‬الأبد‮ .‬
وعندما نأتي‮ ‬إلي‮ ‬أفكار المرأة السامرية عن‮  ‬السجود فإننا نجدها كلها‮ ‬يعتريها التشويش‮ ‬،‮ ‬فهي‮ ‬تتحدث عن سجود السامريين وسجود اليهود‮ ‬،‮ ‬فهي‮ ‬تسجد لمن لا تعلم عنه شئ‮ ‬،‮ ‬بل في‮ ‬الواقع إنها تتكلم عن السجود هنا لكي‮ ‬تحوِّل مجري‮ ‬الحديث عنها عندما بدأ الرب بكشف قلبها‮ . ‬فيجب أن‮ ‬يكون هناك خلاص أولاً‮ ‬قبل أي‮ ‬سجود حقيقي‮ ‬،‮ ‬لأنك لا‮ ‬يمكن أن تسجد لإله أنت لست تعرفه‮ ‬،‮ ‬بل لا‮ ‬يمكنك أن تسجد لإله حضوره‮ ‬يستشعرك بالخوف والرهبة‮ ‬،‮ ‬وإلا فإنك سوف تهرب من محضره حالاً‮ ‬كما فعل آدم في‮ ‬جنة عدن‮ . ‬ففي‮ ‬الواقع أن الموضوع هنا ليس هو عبادة الله بواسطة خلائقه مع أن هذا حقيقي‮ ‬في‮ ‬حد ذاته وبالطبع هو‮ ‬يستحق كل السجود والتعبد من هذه الجهة وواجبنا والتزامنا أن نفعل ذلك‮ ‬،‮ ‬إلا أن الموضوع هنا أنك لا‮ ‬يمكن ان تفعل ذلك لأنك ببساطة إنسان خاطئ‮ ‬،‮ ‬بل إن أي‮ ‬سجود‮ ‬يمكن أن‮ ‬يُقدم من إنسان لا‮ ‬يعدو عن كونه سجود قايين‮ ‬،‮ ‬فهو سجود منشأه فساد القلب‮ ‬،‮ ‬فهو سجود إنسان مطرود من الجنة والأرض قد لعنت بسببه ومن نفس هذه الأرض الملعونة‮ ‬يأتي‮ ‬بثمار لكي‮ ‬يقدم تقدمة لله‮ .‬
ونلاحظ أنه من الصحيح تماماً‮ ‬أن تسجد لكنك‮ ‬يجب أن تكون في‮ ‬حالة مهيأة لفعل ذلك‮ ‬،‮ ‬فإنك تجد أناس‮ ‬يفعلون ذلك عن جهل تام‮ ‬،‮ ‬فهم‮ ‬يعترفون بأنهم‮ ‬يجب أن‮ ‬يعبدوا الله ويسجدوا له بدون الشعور بحالتهم كأناس خطاة أمام الله‮ . ‬وهذا أيضاً‮ ‬ينطبق تماماً‮ ‬علي‮ ‬الناموس‮ ‬،‮ ‬فبالطبع نحن تحت مسئولية بأن نطيع ناموس الله‮ ‬،‮ ‬لكن إذا اعتقد إنسان ما أنه قادر علي‮ ‬ذلك فقد أنكر حالته كخاطئ‮ ‬،‮ ‬فهو تحت التزام بأن‮ ‬يفعل ذلك لكنه لا‮ ‬يدرك ما تعلنه كلمة الله‮ "‬أنه ليس بار ولا واحد،‮ ‬ليس من‮ ‬يطلب الله‮" (‬رو3‮ : ‬10،11‮) ‬،‮ "‬أنه ليس ساكن فيَّ‮ ‬أي‮ ‬في‮ ‬جسدي‮ ‬شئ صالح‮" (‬رو‮ ‬7‮ : ‬18‮) ‬،‮ ‬فمثل طفل مكانه هو بين ذراعيّ‮ ‬أبيه‮ ‬،‮ ‬لكنه من الجهة الأخري‮ ‬سيئ السلوك للغاية‮ ‬،‮ ‬فمن الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يكون بين ذراعيّ‮ ‬أبيه لكن ما لا‮ ‬يجب أن نعتقده هو أنه‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يكون هناك كما لو لم‮ ‬يحدث شئ‮ ‬،‮ ‬فيالها من قساوة قلب لو كان لم‮ ‬يشعر بذلك‮ .‬
إن الله قد أراد أنه عندما‮ ‬يأكل آدم من شجرة معرفة الخير والشر‮ ‬يجب أن‮ ‬يحصل علي‮ ‬الضمير‮ ‬،‮ ‬فالناس‮ ‬يقولون أن الناموس إنما هو مكتوب في‮ ‬قلب الإنسان‮ ‬،‮ ‬وهذا صحيح إلي‮ ‬حد ما‮ ‬،‮ ‬لكن ما‮ ‬يحب أن نعلمه أن الإنسان قد حصل علي‮ ‬ضميره بواسطة سقوطه‮ ‬،‮ ‬ومن الجائز أن‮ ‬يكون الإنسان في‮ ‬حالة مروعة من البلادة وعدم الحس بل والأكثر في‮ ‬حالة من الموت الأدبي‮ ‬أو‮ ‬ينتمي‮ ‬إلي‮ ‬عقيدة زائفة‮ ‬،‮ ‬لكن‮ ‬يبقي‮ ‬أنه‮ ‬يوجد هناك شئ مبارك وهو أن الله لازال عاملاً‮ ‬لأجل إحضار النفس لكي‮ ‬تعرف من هو الله عندما‮ ‬يتعامل مع الخاطئ بالنعمة‮ ‬،‮ ‬لكن من‮  ‬الخطأ الخلط بين الناموس والضمير فإنه لو لم‮ ‬يكن هناك ناموس فإن الإنسان‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يعرف الخير والشر‮ ‬،‮ ‬فهل تعتقد أن ابناً‮ ‬ما قد أجرم في‮ ‬حق أبيه لا‮ ‬يشعر بأنه قد فعل شئ خطأ علي‮ ‬الرغم من أنه لم‮ ‬يسمع وصية صريحة من أبيه ؟‮ ‬،‮ ‬فإذا قام ولد بسرقة رفيقه في‮ ‬المدرسة‮ ‬،‮ ‬فهو‮ ‬يعلم بأنه لو اكتشف فسوف‮ ‬يفر هارباً‮ ‬،‮ ‬لكنه‮ ‬يعلم أيضاً‮ ‬بأن هذا الشئ الذي‮ ‬اقترفه هو محض خطأ في‮ ‬حد ذاته‮ ‬،‮ ‬إن الضمير في‮ ‬الإنسان‮ ‬يجعله‮ ‬يعلم الخير والشر والناموس قد جاء لكي‮ ‬يضع سلطان الله علي‮ ‬الضمير‮ .‬
إن آدم قبل السقوط لم‮ ‬يكن‮ ‬يعلم الخير والشر‮ ‬،‮ ‬لأنه أي‮ ‬شئ خطأ في‮ ‬الأكل من الثمار لو لم‮ ‬ينهي‮ ‬الله عنه‮ ‬،‮ ‬لأنه لم‮ ‬يكن هناك أي‮ ‬أذي‮ ‬في‮ ‬الشئ ذاته إلا أن هذا الأمر كان عصياناً‮ ‬لله‮ ‬،‮ ‬فآدم قد حصل علي‮ ‬معرفة الخير والشر عن طريق عصيان الله وعدم طاعته بواسطة الأكل من الشجرة‮ ‬،‮ ‬وياله من أمر مبارك أن الإنسان له هذا الضمير‮ ‬،‮ ‬لأن الله عاملاً‮ ‬بالنعمة لإعلان نفسه للإنسان‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬يوجد شئ‮ ‬يفسد معرفة الخير والشر أكثر من العقيدة الزائفة‮ ‬،‮ ‬وعلي‮ ‬الرغم من هذا الإفساد إلا أن الضمير لا‮ ‬يزال هناك‮ ‬،‮ ‬وتأثير إعلان الله للنفس لازال لأجل استحضار الضمير لكي‮ ‬ما‮ ‬يذكرنا بما قد أخطأنا به ضده‮ ‬،‮ ‬فإنه لكي‮ ‬يمكنني‮ ‬الاقتراب إلي‮ ‬الله كساجد‮ ‬يجب أن أعرف العمل الذي‮ ‬قد عمله الله لأجل نزع الخطية‮ ‬،‮ ‬وكيف‮ ‬يمكنني‮ ‬التحرر تماماً‮ ‬من الخطية عن طريق عمل المسيح‮ ‬،‮ ‬كما نقرأ في‮ ‬رسالة العبرانيين‮ "‬الخادمين وهم مطهرون مرة لا‮ ‬يكون لهم أيضاً‮ ‬ضمير خطايا‮" (‬عب‮ ‬10‮ : ‬2‮) .‬
والآن أيها الاحباء لا‮ ‬يمكنكم السجود لله حتي‮ ‬تتطهر ضمائركم‮ ‬،‮ ‬أنا لست أقول بأنه ليس لديك أية رغبة في‮ ‬الله فأنا افترض وجود ذلك لكن لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون هناك سجود حتي‮ ‬تحصل علي‮ ‬الخلاص‮ . ‬فياتري‮ ‬كيف الحال معك ؟ فهل لم‮ ‬يتطهر ضميرك بعد ؟ فمن الجائز أن تعترف باقترابك لله‮ ‬،‮ ‬لكنك سوف تلوذ بالفرار لو أنه أتي‮ ‬حيثما تقدم له سجودك‮ ‬،‮ ‬ولاحظ جيداً‮ ‬أنا لا أقول بأنه هو الذي‮ ‬سوف‮ ‬يُخرِجك‮ ‬،‮ ‬ولكنك أنت الذي‮ ‬ستهرب منه‮ ‬،‮ ‬كما كان الحال مع آدم‮ ‬،‮ ‬فقد سمع صوت الله ماشياً‮ ‬في‮ ‬الجنة‮ ‬،‮ ‬فالله لم‮ ‬يُخرِج آدم خارجاً‮ ‬ولكن آدم هو الذي‮ ‬هرب وأخفي‮ ‬نفسه خلف الأشجار في‮ ‬الجنة‮ .‬
والآن لنأخذ إيضاح بسيط من خلال الصلاة الربانية‮ ‬،‮ ‬فأنت ترددها لأنك تعلمتها منذ الطفولة بحسب نشأتك في‮ ‬أسرة مسيحية لكن أود أن أسألك عندما تدعو الله من خلال تلك الصلاة‮ "‬أبانا‮" ‬فهل تعرفت عليه بهذه العلاقة فعلاً‮ ‬؟ فتقول أنك لم تتعرف بعد علي‮ ‬ذلك‮ ‬،‮ ‬إذن فأنت لست من ابناء الله‮ ! ‬وبعد ذلك تقول من خلال تلك الصلاة‮ "‬ليأتِ‮ ‬ملكوتك‮" ‬فماذا تقصد بملكوت الآب ؟ حسناً‮ ‬فإذا أتي‮ ‬ذلك الملكوت فسيكون مصحوباً‮  ‬بالمجد السماوي‮ ‬،‮ ‬ولكن‮ ‬يجب أن تعلم‮  ‬جيداً‮ ‬بأن‮ ‬يوم‮  ‬الدينونة سوف‮ ‬يسبق ذلك المجد‮ ‬،‮ ‬فهل أنت مستعد لذلك ؟ كلا‮ ! ‬فأنت لا تقدر أن تقول أنك قد خلصت من‮ "‬الغضب الآتي‮" ‬،‮ ‬فأنت تحت الالتزام بأن تأتي‮ ‬لتقول عبارات تلك الصلاة الربانية ولكنك قد حصلت علي‮ ‬الضمير الذي‮ ‬يجعلك تهرب من محضر الله الذي‮ ‬تعترف بأنك تعبده‮ .‬
ونلاحظ من خلال هذا الاصحاح أن الرب قد مضي‮ ‬من اليهودية آتياً‮ ‬إلي‮ ‬السامرة لأنه قد رُفِض من اليهود‮ ‬،‮ ‬فالله كان في‮ ‬العالم إذ أتي‮ ‬إليه بالنعمة والعالم لم‮ ‬يقبله‮ ‬،‮ ‬فالأصحاح‮ ‬يفتتح بمغادرته لليهودية‮ ‬،‮ ‬ذلك المكان الذي‮ ‬يقال عنه في‮ ‬هذا الأصحاح‮ "‬الخلاص هو من اليهود‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬22‮) ‬،‮ ‬فنحن هنا بصدد مسيح مرفوض في‮ ‬البداية‮ ‬،‮ ‬فليست هناك بشارة بالإنجيل بدون مسيح مرفوض‮ ‬،‮ ‬فإذا كنت تدعو نفسك مسيحياً‮ ‬فإنك تتبع مسيحاً‮ ‬قد صلب وقد رفضه العالم وطرده‮ ‬،‮ ‬كما‮ ‬يقول النبي‮ ‬عن الأمة التي‮ ‬يتعامل الله معها هنا‮ "‬من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب‮" (‬أش‮ ‬53‮ : ‬1‮) ‬،‮ "‬محتقراً‮ ‬ومخذول من الناس‮" ‬،‮ "‬لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه‮" (‬أش‮ ‬53‮ : ‬2،3‮) ‬،‮ ‬يمكنك أن تضع كلمة‮ "‬مسيحي‮" ‬في‮ ‬هذه الآيات السابقة بدلاً‮ ‬من‮ "‬يهودي‮" ‬وستجد أن نفس الشئ‮ ‬يحدث الآن أنا لست أقصد بأن المسيحية تخلَّت عن اعترافها بالمسيح‮ ‬،‮ ‬ولكن إذا كنت أميناً‮ ‬مع نفسك فستقول‮ "‬أنا أيضاً‮ ‬غير راغب في‮ ‬المسيح‮" ‬فأنت تعلم كما أن هذه الكلمات كانت تنطبق علي‮ ‬اليهود فإنها تنطبق عليك أنت أيضاً‮ ‬في‮ ‬رفضك للمسيح‮ ‬،‮ ‬من الجائز أن‮ ‬يكون لك اعترافاً‮ ‬ظاهرياً‮ ‬بالمسيح‮ ‬،‮ ‬ولكنك تعلم جيداً‮ ‬أن رغباتك ليست بحسب المسيح‮ ‬،‮ ‬وعندما تكون بمفردك هل تجد قلبك به محبة حقيقية للمسيح ؟ وحتي‮ ‬المؤمن من الصعب أن‮ ‬يحتفظ بهذه المحبة متجددة دائماً‮ ‬لشخص الرب‮ ‬،‮ ‬لأن الجسد لازال فيه‮ ‬،‮ ‬والجسد ليس له رغبة بحسب فكر المسيح‮ ‬،‮ ‬فالرب‮ ‬يقول لتلاميذه‮ "‬متي‮ ‬جاء المعزي‮ ‬الذي‮ ‬سأرسله سوف‮ ‬يبكت العالم علي‮ ‬خطية لأنهم لا‮ ‬يؤمنون بي‮" (‬يو‮ ‬16‮:‬10‮) ‬إن تلك الكلمات لا تنطبق علي‮ ‬فئة معينة من الخطاة بل علي‮ ‬كل العالم لأن الجميع هم تحت الخطية‮ ‬،‮ ‬والجميع رفضوا المسيح علي‮ ‬السواء‮ ‬،‮ ‬وإذا أخذنا شخصاً‮ ‬مثل هذه المرأة هنا فسنجد نفس الشئ‮ ‬ينطبق عليها‮ ‬،‮ ‬إذ قد تم تبكيتها علي‮ ‬خطاياها في‮ ‬حضرة المسيح‮ .‬
فهل نحن قد أتينا إلي‮ ‬تلك النقطة أيها الأحباء فليس فقط الكلام عن الأشرار بل أيضاً‮ ‬الذين‮ ‬يدعون أنفسهم مسيحيون وليست لهم رغبات قلب بحسب المسيح‮ ‬،‮ ‬إن تلك الحالة لهي‮ ‬أسوأ من حالة الوثنيين أنفسهم‮ ‬،‮ ‬لأن الوثنيين لم‮ ‬يسمعوا عن المسيح ليحتقروا‮ ‬،‮ ‬لكن الذين‮ ‬يُدعَون مسيحيون قد فعلوا ذلك‮ ‬،‮ ‬أنهم‮ ‬يقولون أننا نؤمن بالمسيح أنه ابن الله وهو أتي‮ ‬إلي‮ ‬هنا ليتألم ويموت‮ . ‬ولكن ماذا بعد ذلك ؟ إن نفس الشخص الذي‮ ‬يقول ذلك نجده‮ ‬يمضي‮ ‬غير مبالٍ‮ ‬وكأن شئ لم‮ ‬يحدث‮ ‬،‮ ‬فالله الآن لا‮ ‬يقول لك فقط كما قال لآدم قديماً‮ "‬أين أنت ؟‮" (‬سواء للإنسان في‮ ‬أفضل حالاته أو في‮ ‬هروبه من الله كآدم‮) ‬لكن منذ‮ ‬يوم الخمسين ومجئ الروح القدس هو‮ ‬يسألك ماذا فعلت بابني‮ ‬؟ كما قال الله لقايين قديماً‮ (‬حيث نجد هنا إنسان في‮ ‬أسوأ حالاته‮) "‬أين هابيل أخوك ؟‮" ‬فيجب عليك أن تجيب بأنك طردته من العالم ورفضته‮ ‬،‮ ‬وإذا قلت‮ - ‬إن أبائي‮ ‬هم الذين فعلوا ذلك ولو كنت عائشاً‮ ‬معهم لما فعلت ذلك‮ - ‬فبذلك تكون فريسياً‮ ‬،‮ ‬فأنت تفتخر بنفسك وبكبريائك تدَّعي‮ ‬بأنك أفضل من الذين سبقوك وكنتيجة لذلك إذا ظللت مستمراً‮ ‬في‮ ‬ذلك فسوف تنحدر إلي‮ ‬أسوأ من الفريسي‮ . ‬فهناك فئات كثيرة من الناس وكلا منهم‮ ‬يمضي‮ ‬وراء ملذاته‮ ‬،‮ ‬أحدهم‮ ‬يتبع المسرات والثاني‮ ‬يتبع الرفاهية‮ ‬،‮ ‬والثالث‮ ‬يمضي‮ ‬وراء الأموال‮ ‬،‮ ‬ولكن الشئ الذي‮ ‬يبقي‮ ‬هو أن الله قد جاء إلي‮ ‬العالم بالنعمة في‮ ‬شخص ابنه لكي‮ ‬يفوز بقلوب الخطاة لنفسه وعلي‮ ‬الرغم من أنك تعرف كل هذا إلا أنك لم تقبله‮ .‬
وبعد ذلك نجد أن تلك النعمة التي‮ ‬كانت في‮ ‬المسيح قد قوبلت بالرفض التام‮ ‬،‮ ‬إلا أنه مبارك هو الله الذي‮ ‬يسمو فوق كل هذا لأن نعمته تسمو فوق كل شئ‮ ‬،‮ ‬فنحن نراه في‮ ‬هذا الأصحاح مطروداً‮ ‬من اليهودية لكن لا شئ‮ ‬يعطل تلك المحبة أو‮ ‬يجعلها تبرد‮ ‬،‮ ‬أنه‮ ‬يدخل إلي‮ ‬كل ظروفنا آخذاً‮ ‬أدني‮ ‬مكان‮ ‬،‮ ‬وقد صار معروفاً‮ ‬من الناس علي‮ ‬أنه‮ "‬ابن النجار‮" ‬لسنين عديدة‮ ‬،‮ ‬فنراه مرفوضاً‮ ‬ومحتقراً‮ ‬في‮ ‬أحواله وظروفه‮ "‬فإذ كان‮ ‬يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا علي‮ ‬البئر وكانت نحو الساعة السادسة‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬6‮) ‬أي‮ ‬وقت حرّ‮ ‬النهار‮ (‬وقد كانت تلك البلدة شديدة الحرارة‮) ‬لكن لا شئ‮ ‬يجعل هذه المحبة تبرد أبداًَ‮ ‬،‮ ‬المحبة التي‮ ‬تتجه إلي‮ ‬الهالكين‮ ‬،‮ ‬فهو قد جلس هناك لكي‮ ‬يُخلِّص وهنا‮ ‬يتوقف لكي‮ ‬يسأل ماء من امرأة تعيسة‮ ‬،‮ ‬لأنه ليس له دلو‮ ‬،‮ ‬فعلي‮ ‬الرغم من أنه هو الذي‮ ‬خلق المياه في‮ ‬البئر إلا أنه لم‮ ‬يعمل معجزة لأجل نفسه‮ ‬،‮ ‬أنه لم‮ ‬يعمل معجزة واحدة لأجل نفسه أبداً‮ ‬،‮ ‬ولكن دائماً‮ ‬لأجل الآخرين‮ ‬،‮ ‬فقد أخذ مكان الاتصاع والإتكال الكامل فهو‮ ‬يطلب ماء من السامرية واحدة من شعب سيئ كان لهم خليط من العقائد‮ ‬،‮ ‬فقد أضافوا عبادة‮ ‬يهوه إلي‮ ‬أصنامهم‮ ‬،‮ ‬فقد كانوا فئة من الناس لست أعرف ماذا أدعوهم‮ ‬،‮ ‬ما أريد أن أقوله عن هؤلاء أنه كان لهم أنصاف هرطقات‮ ‬،‮ ‬وأنصاف ارتداد‮ ‬،‮ ‬وقد جلس الرب ليتحدث مع واحدة من هؤلاء الشعب الذين كانوا في‮ ‬قمة الشر‮.‬
وليس معني‮ ‬تلك المحبة المتفاضلة دائماً‮ ‬أن الدينونة علي‮ ‬الخطية سوف لا تأتي‮ ‬،‮ ‬إذ لابد من إتيانها لكن قبل حلول تلك الدينونة فنحن لنا الآن المحبة في‮ ‬المسيح‮ ‬،‮ ‬تلك المحبة التي‮ ‬تسمو فوق كل خطية‮ ‬،‮ ‬لأنها قد أتت إلي‮ ‬حيث وُجدِت الخطية‮ ‬،‮ ‬أنه الله معلناً‮ ‬نفسه بالنعمة‮ ‬،‮ ‬وليس معلناً‮ ‬ذاته بالبر للدينونة‮ ‬،‮ ‬وهذا كان خطأ أصدقاء أيوب‮ ‬،‮ ‬فهم كانوا متطلعين إلي‮ ‬الله الذي‮ ‬يدين الخطية بحسب البر ويعاقبها‮ ‬،‮ ‬إن هذا اليوم لم‮ ‬يأتِ‮ ‬بعد‮ ‬،‮  ‬وليس معني‮ ‬هذا أن الله لا‮ ‬يكبح جماح الخطية التي‮ ‬في‮ ‬البشر‮ ‬،‮ ‬فالله له السلطان ويحفظ العالم من أن‮ ‬يصير مكان مريع بسبب شر الإنسان وطغيانه‮ ‬،‮  ‬لكن الله لم‮ ‬يعلن نفسه بالدينونة حتي‮ ‬الآن إلا أنه‮ ‬يعلن نفسه الآن بالنعمة كما نقرأ‮ "‬أن الله كان مصالحاًَ‮ ‬العالم لنفسه‮ ‬غير حاسب لهم خطاياهم‮" (‬2كو5‮ : ‬19‮) ‬فالآن ليست الدينونة ولكن الله أتي‮ ‬إلي‮ ‬مكان الشر عاملاً‮ ‬بالمحبة هناك‮ ‬،‮ ‬وهو لا‮ ‬يزال‮ ‬،‮ ‬فمع أن الإنسان قد طرد المسيح ورفضه إلا أن الروح القدس قد جاء إلي‮ ‬الأرض لكي‮ ‬يشهد عن محبة الله‮ ‬،‮ ‬المحبة التي‮ ‬تسعي‮ ‬وراء الهالكين لإنقاذهم‮ ‬،‮ ‬فمن الجائز أنك ترفض المحبة وهذا سيوؤل إلي‮ ‬هلاكك لو أنك ستستمر هكذا،‮ ‬إلا أن المحبة لازالت موجودة وتعمل‮ ‬،‮ ‬وربما تكون مثل الابن الأكبر الذي‮ ‬لم‮ ‬يشأ أن‮ ‬يشارك في‮ ‬المحبة التي‮ ‬اتجهت نحو الابن الضال ولكن حتي‮ ‬هذا الابن الأكبر‮ ‬يأتي‮ ‬إليه أبوه ويتعامل معه بالمحبة ضارعاً‮ ‬إليه بالدخول‮.‬
أيها الأحباء هل توجد أي‮ ‬رغبة في‮ ‬قلوبكم من نحو الله ؟ إن المسيح‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يلبي‮ ‬كل رغبة‮ ‬،‮ ‬وإذا لم‮ ‬يكن للإنسان قلب للمسيح فالمسيح له قلب لأجل الإنسان‮ ‬،‮ ‬فلم‮ ‬يكن هناك شئ في‮ ‬هذه المرأة إلا الخطية ولكننا نراه‮ ‬يخلق رغبة جديدة في‮ ‬قلبها‮ ‬،‮ ‬فقد عاشت حياة من الخزي‮ ‬،‮ ‬وهذا كان نتيجة لطبيعتها‮ ‬،‮ ‬وبلا شك كانت هناك إرادة ذاتية فعَّالة بها‮ ‬،‮ ‬وحيث توجد تلك الإرادة الذاتية فالنتيجة هي‮ ‬البؤس والشقاء وقد كانت تلك المرأة في‮ ‬هذه الحالة‮ ‬،‮ ‬فقد جعلتها خطيتها منعزلة فأتت بمفردها لتستقي‮ ‬من الماء في‮ ‬هذا الوقت بالذات لكي‮ ‬لا‮ ‬يراها الآخرون ولا تسمع ما‮ ‬يُقال عنها‮ ‬،‮ ‬ولذا فقد كانت في‮ ‬غاية من البؤس‮ ‬،‮ ‬وأتت لذلك بمفردها إلي‮ ‬البئر إلا أن الله كان هناك أيضاً‮ ‬ليتقابل معها وقد كُشِف قلبها في‮ ‬محضره عندما أتي‮ ‬ليتقابل معها بكل النعمة‮ ‬،‮ ‬ويجب أن نكون نحن أيضاً‮ ‬هكذا أيها الأحباء‮ ‬،‮ ‬فكل أمورنا‮ ‬يجب أن نكشفها أمامه الآن‮ ‬،‮ ‬وإذا لم نكشفها أمامه الآن ونحن بصدد نعمته الكاملة‮ ‬،‮ ‬فأنه سيأتي‮ ‬يوماً‮ ‬حين تُكشَف بالدينونة‮ ‬،‮ ‬فياله من أمر مبارك وعجيب‮ ‬،‮ ‬فإنه علي‮ ‬الرغم من أن محضره‮ ‬يكشف كل الخطايا إلا إننا لا نجد به إلا كل محبة وكل نعمة الآن تسمو فوق كل خطية‮ .‬
ويا للأسف فإن السامرية لم تدرك شئ من هذا‮ "‬لأن الإنسان الطبيعي‮ ‬لا‮ ‬يقبل ما لروح الله‮" (‬1كو‮ ‬2‮ : ‬14‮) ‬فالمسيح‮ ‬يخبرها بعطية الله‮ ‬،‮ ‬وان الله كان هناك لكي‮ ‬يعطي‮ ‬الخلاص‮ ‬،‮ ‬فإن نعمة الله تستحضر الخلاص إلي‮ ‬الهالك‮ ‬،‮ ‬كما قال الرب لزكا‮ "‬اليوم حصل خلاص لهذا البيت‮" (‬لو‮ ‬19‮ : ‬9‮) ‬،‮ ‬ولذلك نقرأ هنا‮ "‬لو كنتِ‮ ‬تعلمين عطية الله ومن هو الذي‮ ‬يقول لكِ‮ ‬اعطيني‮ ‬لأشرب لطلبتِ‮ ‬أنتِ‮ ‬منه فأعطاكِ‮ ‬ماءاً‮ ‬حيّاً‮" (‬يو4‮ : ‬10‮) . ‬فالمسيح كان هناك لكي‮ ‬يعطي‮ ‬الحياة الأبدية‮ ‬،‮ ‬فالله ليس آتياً‮ ‬لكي‮ ‬يطلب ما‮ ‬يجب أن نتعب فيه‮ ‬،‮ ‬ولكنه بالأحري‮ ‬يأتي‮ ‬ليعطي‮ ‬،‮ ‬فإذا كنت تاعباً‮ ‬فإنك لم تحصل بعد علي‮ ‬عطية الله‮ .‬
ولكنك من الجائز أن تقول إذا كان الله‮ ‬يعطي‮ ‬لامرأة رديئة مثل هذه فإنه‮ ‬غير مبالٍ‮ ‬بأخلاقيات الأشخاص‮ ‬،‮ ‬إنني‮ ‬أود أن أقول لك أنك فريسي‮ ‬والعشارون والخطاة سوف‮ ‬يسبقونك إلي‮ ‬ملكوت الله‮ ‬،‮ ‬وعلي‮ ‬الرغم من كل ذلك فإنك خاطئ مسكين وستهلك في‮ ‬خطاياك إلي‮ ‬الأبد إن كنت لا تتجاوب أو تبالِ‮ ‬بعطية المسيح‮ ‬،‮ ‬فهو قد جاء ليعلن الآب بالنعمة‮ ‬،‮ ‬وهو‮ ‬يعطي‮ ‬ذلك الينبوع من الفرح إنه النبع الذي‮ ‬ينبع إلي‮ ‬حياة أبدية‮ . ‬إنه الشخص الذي‮ ‬قد أتي‮ ‬بنا لنعرف الله كما أُعلِن لنا بالنعمة والمحبة‮ ‬،‮ ‬فهل تعرف الله كذلك ؟ وهل تعلم أن عينه تراك ولك أن تعرفه بكامل نعمته كالآب في‮ ‬قلبك وأن هذا الفرح والسرور نابع منه‮ .‬
ولكن المرأة لم تدرك أياً‮ ‬من تلك الكلمات علي‮ ‬الإطلاق‮ ‬،‮ ‬واستمر المسيح معها متأنياً‮ ‬عليها بصبر‮ ‬،‮ ‬فلم‮ ‬يكن لها حياة ولم‮ ‬يكن لديها الإدراك عن تلك الأمور‮ ‬،‮ ‬والآن كذلك أيها الأحباء إن الله‮ ‬يتعامل معكم بالصبر فهل لك أي‮ ‬رغبة له في‮ ‬داخل نفسك ؟ أم أنك مثل هذه المرأة السامرية التي‮ ‬لم تعلم ماذا‮ ‬يستطيع المسيح أو السماء أن تعطي‮ ‬،‮ ‬ولكنها قد علمت بؤس وشقاء الخطية‮ .‬
إنني‮ ‬لا أسألك عن حياتك‮ ‬،‮ ‬إن حياتك كانت مليئة بالخزي‮ ‬،‮ ‬وأنا لا أقصد أنك لابد أن تكون مثل هذه المرأة في‮ ‬حالتها ولكن ما أعلمه أن كل إنسان لا‮ ‬يعرف المسيح له قلباً‮ ‬محبطاً‮ ‬أو أن له قلب‮ ‬يطلب ما‮ ‬يجعله بائساً‮ .‬
ولكن كيف أن الله‮ ‬يتنازل هكذا ليجلس متحدثاً‮ ‬مع امرأة مثل هذه‮ ‬،‮ ‬إن هذا لشئ‮ ‬يتنافي‮ ‬تماماً‮ ‬مع أفكار الإنسان حتي‮ ‬أن التلاميذ اندهشوا عندما كان‮ ‬يتحدث معها‮ ‬،‮ ‬وربما هذا لا‮ ‬يتلاءم‮  ‬مع أفكارهم عن الرب والسيد‮ ‬،‮ ‬فهذا محتمل جداً‮ ‬،‮ ‬ولكن ما قد حدث كان‮ ‬يتلاءم جدا مع الله في‮ ‬نعمته‮ .‬
إن قلب المرأة كان مغلقاً‮ ‬تماماً‮ ‬لما قد قاله لها‮ ‬،‮ ‬فهي‮ ‬غير قادرة علي‮ ‬المجهود المضني‮ ‬كل‮ ‬يوم‮  ‬لكي‮ ‬تأتي‮ ‬لتستقي‮ ‬من هذا البئر‮ "‬ياسيد اعطني‮ ‬هذا الماء لكي‮ ‬لا أعطش ولا آتي‮ ‬إلي‮ ‬هنا لاستقي‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬15‮) ‬ولكن الرب لا‮ ‬يكِّل بل‮ ‬يستمر معها‮ . ‬والآن نأتي‮ ‬إلي‮ ‬التعليم الذي‮ ‬يلي‮ ‬ذلك‮ ‬،‮ ‬إذ أن ضميرها كان‮ ‬يجب أن‮ ‬يُمَس‮ "‬اذهبي‮ ‬وادعي‮ ‬زوجك‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬16‮) ‬،‮ ‬إن كلمة صغيرة‮ ‬ينطق بها الرب لابد أن‮ ‬يكون لها تأثيرها الخاص‮ ‬،‮ ‬والرب هنا لا‮ ‬يتعامل معها كالقاضي‮ ‬أو الديان‮ ‬،‮ ‬إذ كان‮ ‬يقترب إليها بمنتهي‮ ‬النعمة‮ ‬،‮ ‬ولكن النعمة تُظهِر بشاعة الأمر عندما تكون هناك خطية علي‮ ‬الضمير‮ ‬،‮ ‬تماماً‮ ‬مثلما حدث مع آدم عندما سمع صوت الرب الإله ماشياً‮ ‬في‮ ‬الجنة فقد أخفي‮ ‬نفسه‮ ‬،‮ ‬إن الله لم‮ ‬يطرده خارجاً‮ ‬ولكن آدم هو الذي‮ ‬هرب منه وقد كان الأمر كذلك مع تلك المرأة‮ . "‬اذهبي‮ ‬وادعي‮ ‬زوجك‮" ‬فحالاً‮ ‬تأتي‮ ‬خطاياها أمام ضميرها وتحاول أن تهرب بتلك الإجابة‮ "‬ليس لي‮ ‬زوج‮" ‬ولكن إجابة الرب جعلتها تعرف أنه عالم بكل شئ عنها‮ ‬،‮ ‬وللتو تدرك أنه نبيّ‮ ‬،‮ ‬فهو السيد لأنه‮ ‬يعلم‮ ‬،‮  ‬،‮ ‬وهنا كان‮ ‬غريباً‮ ‬عليها أن هذا الشخص‮ ‬يعرف عنها كل شئ‮ ‬،‮ ‬فالله‮ ‬يعلم ذلك بواسطة الضمير‮ ‬،‮ ‬فقد صارت في‮ ‬حالة مكشوفة في‮ ‬محضر هذا الشخص الذي‮ ‬يعرف كل شئ‮ .‬
فهل كلمة الله تستحضركم إلي‮ ‬هذا دائماً‮ ‬أيها الأحباء ؟ وهل قد رأيته‮ ‬يقول لك كل ما قد فعلت ؟ وهل ذاكرتك دائماً‮ ‬فعَّالة في‮ ‬حضرة الله ؟ فلابد أن تنكشف حالتك‮ ‬يوماً‮ ‬ما‮ ‬،‮ ‬إما في‮ ‬يوم الدينونة عندما تولي‮ ‬الرحمة ظهرها‮ ‬،‮ ‬أو الآن في‮ ‬يوم الصلاح الكامل للنعمة‮ ‬،‮ ‬فهل تأتي‮ ‬الآن إلي‮ ‬الله وتقبل حُكمه عليك‮ ‬،‮ ‬وما سيتم كشفه‮ ‬يوم الدينونة‮ ‬يُعلَن الآن ؟ وهل صلاح الله‮ ‬يقودك إلي‮ ‬التوبة الآن ؟ وليس فقط مجرد حزن ظاهري‮ ‬علي‮ ‬الخطية‮ ‬،‮ ‬ولسان حالك كلنا خطاة بصفة عامة‮ ‬،‮ ‬أم أنك تعترف بخطاياك إلي‮ ‬الله واحتياجك إلي‮ ‬المصالحة معه ؟ وهل قد افتقدك الله ذات مرة ؟ إنني‮ ‬لا اقصد بقولي‮ ‬هذا الأحلام أو الرؤي‮ ‬ولكن ما أقصده هل تكلم الله إلي‮ ‬ضميرك بما تعلمه أنت وهو فقط ؟‮ .‬
والآن تتوجه المرأة للحديث عن السجود‮ ‬،‮ ‬فالرب‮ ‬يُخبرها أن الخلاص هو من اليهود‮ ‬،‮ ‬لأن السامريون‮ ‬يسجدون لما ليس‮ ‬يعلمون ولكن تأتي‮ ‬ساعة وهي‮ ‬الآن حين الساجدون الحقيقيون‮ ‬يسجدون للآب بالروح والحق‮ ‬،‮ ‬لأنه لم‮ ‬يعد الأمر الآن ما‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون عليه الإنسان أمام الله ولكن بالأحري‮ ‬ما هو الله بالنسبة للخاطئ‮ . "‬لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدون له‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬23‮) ‬،‮ ‬وأما بالنسبة للسجود الطبيعي‮ ‬للإنسان فهو بلا قيمة‮ ‬،‮ ‬ومن الممكن أن تحصل علي‮ ‬ماكينة تؤدي‮ ‬طقوس معينة فقط‮ ‬،‮ ‬كما نقرأ عن السجود الشكلي‮ ‬لاسرائيل كما‮ ‬يدعوه الله‮ "‬يحني‮ ‬كالأسلة رأسه‮" (‬أش‮ ‬58‮ : ‬5‮) ‬فهو سجود بلا قيمة‮ ‬،‮ ‬فأنت‮ ‬يجب أن تتعامل مع الله كالذي‮ ‬يعرف عنك كل شئ‮ ‬،‮ ‬ويجب أن تعرفه أنت أيضاً‮ ‬وتسجد له بالروح والحق‮ ‬،‮ ‬إن الله ليس طالباً‮ ‬للسجود‮ ‬،‮ ‬مع أن هذا من حقه تماماً والإنسان مسئول أن‮ ‬يفعل ذلك‮ ‬،‮ ‬ولكن الرب هنا بالنعمة وبحسب رغبة قلبه الحارة‮ ‬يقول‮ "‬الآب طالب ساجدين‮" ‬فهو ليس طالباً‮ ‬شكل السجود ولكنه‮ ‬يطلب خطاة منكسرين لكي‮ ‬يجعلهم ساجدين‮ ‬،‮  ‬وليس طالباً‮ ‬عبادة الفريسي‮ ‬وسجوده الذي‮ ‬ينبع من داخل ذاته‮ ‬،‮ ‬فهو‮ ‬يشكر الله ولكنه مفتخراً‮ ‬بذاته‮ .‬
فالله‮ ‬يُعلَن هنا كمن‮ ‬يعطي‮ ‬المياه الحية‮ ‬،‮ ‬متعاملاً‮ ‬مع قلب‮ ‬غبي‮ ‬ومسكين ليأتي‮ ‬به إلي‮ ‬التوبة لعله‮ ‬يجد هناك ولو رغبة‮ ‬يمنح بها عطاياه‮ ‬،‮ ‬فهو لم‮ ‬يعد‮ ‬يطلب صلاح من الإنسان لأن الله قد اختبر الإنسان أولاً‮ ‬قبل الناموس وكانت النتيجة أنه أغرق العالم بالطوفان‮ ‬،‮ ‬وثانياً‮ ‬تحت الناموس وقد كسره الإنسان‮ ‬،‮ ‬وأخيراً‮ ‬أرسل الله ابنه بالنعمة وقد رفضه الإنسان أيضاً‮ ‬،‮ ‬ولم‮ ‬يتبق للعالم سوي‮ ‬الدينونة‮ ‬،‮ ‬فالأمر قد تفاقم حتي‮ ‬وصل إلي‮ ‬تلك النتيجة‮ ‬،‮ ‬ولكن الآن دينونة هذا العالم‮ ‬،‮ ‬إن الدينونة لم تنفذ بعد ولكنها قد أُعلِنت‮ ‬،‮ ‬فالآن دينونة هذا العالم‮ ‬،‮ ‬ولكن الله‮ ‬يأتي‮ ‬إلي‮ ‬هذا العالم الذي‮ ‬هو تحت الدينونة متعاملاً‮ ‬معه بمنتهي‮ ‬النعمة‮  ‬وهنا نجده عاملاً‮ ‬في‮ ‬ضمير الفرد‮ ‬،‮ ‬فهو‮ ‬يُظهِر كل الخطايا ولكنه‮ ‬يعطي‮ ‬حياة أبدية‮ ‬،‮ ‬وقد كان كذلك مع تلك المرأة المسكينة‮ ‬،‮ ‬فأين هو قد وجدك ؟ إنني‮ ‬اتحدث الآن إلي‮ ‬المؤمنين إنه قد وجدك في‮ ‬خطاياك‮ ‬،‮ ‬فالشخص الذي‮ ‬تلامس مع الضمير هو نفسه الشخص الذي‮ ‬بذل نفسه لأجل الخطايا‮ ‬،‮ ‬فخطايا تلك المرأة قد أُظهِرت في‮ ‬محضره كالنبي‮ ‬،‮ ‬ولكنها تريد أن تعرف المسيح‮ "‬متي‮ ‬جاء‮ ‬يخبرنا بكل شئ‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬25‮)  ‬هذا ما قالته المرأة فهي‮ ‬تقول متي‮ ‬جاء ذاك فإنه سوف‮ ‬يخبرنا بمن قد خلص ومن هو هالك‮ ‬،‮ ‬وبعدها‮ ‬يقول الرب‮ "‬أنا الذي‮ ‬أكلمك هو‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬26‮) ‬فإذا كان قد عُرِف لدي‮ ‬ضميرها بأنه نبي‮ ‬،‮ ‬فهو‮ ‬يُعلِن نفسه لها الآن كالمسيح الذي‮ ‬هي‮ ‬في‮ ‬حاجة إليه‮ ‬،‮ ‬المسيح‮  ‬الذي‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يُخلِّص عندما تصل كلمة الله إلي‮ ‬الضمير‮ ‬،‮ ‬ولكن من هو المسيح ؟ ولماذا قد جاء ؟ المسيح هو الذي‮ ‬بذل نفسه لأجل الخطايا فهو الذي‮ ‬أتي‮ ‬بالنور‮ ‬،‮ ‬والصليب‮ ‬يزيح كل الخطايا بعيداً‮ ‬فهو‮ ‬يضعك في‮ ‬الحق أمام نفسك‮ ‬،‮  ‬ويضعك داخل النعمة التي‮ ‬أبعدت عنك كل الخطايا‮ .‬
وتلك هي‮ ‬رواية الضمير إذ هناك نجد أناة الله وصبره في‮ ‬تعاملاته معنا كأفراد إلي‮ ‬أن نأتي‮ ‬إلي‮ ‬إنكسار النفس واتضاعها وخضوعها لبره هو‮ ‬،‮ ‬وبالتالي‮ ‬قد صُنِع السلام‮ "‬لكي‮ ‬يخلق الاثنين في‮ ‬نفسه إنساناً‮ ‬واحداً‮ ‬جديداً‮ ‬صانعاً‮ ‬سلاماً‮" (‬أف‮ ‬2‮ : ‬15‮) ‬،‮ "‬الذي‮ ‬صنع بنفسه تطهيراً‮ ‬لخطايانا جلس في‮ ‬يمين العظمة في‮ ‬الأعالي‮" (‬عب‮ ‬1‮ : ‬3‮) ‬ولكن السؤال لماذا هو قد جلس ؟ لأنه‮ "‬بقربان واحد قد أكمل إلي‮ ‬الأبد المقدسين‮" (‬عب‮ ‬10‮ : ‬14‮) ‬وهو سوف‮ ‬ينهض للدينونة‮ ‬،‮ ‬أما بخصوص خطايانا فيقول الرسول‮ "‬وأما هذا فبعدما قدَّم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلي‮ ‬الأبد عن‮ ‬يمين الله‮" (‬عب‮ ‬10‮ : ‬12‮).‬
فهل تصالحتم مع الله أيها الأعزاء ؟ فنحن لا‮ ‬يمكننا أن نسجد له حتي‮ ‬نخلص أولاً‮ ‬،‮ ‬فعندما أفكر فيما قد صنعه المسيح استطيع أن أقول أن كل شئ قد تم تسويته‮ ‬،‮ ‬فالله قد بذله بالمحبة لأجل خطايانا وقد أقامه مرة أخري‮ ‬بالبر‮ . ‬هذا هو الله الذي‮ ‬أعلن نفسه وقد جاء الخاطئ إلي‮ ‬محضره بالحق لكي‮ ‬يعرفه هناك بالنعمة‮ ‬،‮ ‬فياله من شئ حقير وتافه أن‮ ‬يحيا الإنسان في‮ ‬أكذوبة وأن‮ ‬يكون له ضمير ملوث وفاسد كيما‮ ‬يحافظ علي‮ ‬مظهره أمام الناس‮ ‬،‮ ‬أيها الأحباء صدقوني‮ ‬أنه دائماً‮ ‬يكون الأمر كذلك‮ ‬،‮ ‬فالناس‮ ‬يسلكون بالمظاهر الباطلة ويزعجون أنفسهم بالباطل‮ ‬،‮ ‬فهل أنت كذلك تحيا في‮ ‬أكذوبة ؟ فهل هو شئ صالح أن أكون خارج محضر الله عندما أجد النعمة الكاملة التي‮ ‬تفتقدني‮ ‬وتحضرني‮ ‬في‮ ‬المسيح إلي‮ ‬بر الله الكامل ؟ وياله من مكان أيها الاحباء‮ ! ‬أن نكون في‮ ‬المسيح‮ ‬،‮ ‬فكل شئ آخر‮ ‬يصغر دونه‮ ‬،‮ ‬أن كل الخطايا قد أبعدها بنفسه بمحبته الكاملة‮ ‬،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فلنا ثقة في‮ ‬يوم الدينونة‮ "‬لأنه كما هو في‮ ‬هذا العالم هكذا نحن أيضاً‮" (‬1يو‮ ‬4‮ : ‬17‮) .‬
والآن ماذا كانت النتيجة مع تلك المرأة ؟ فقد تركت جرّتها‮ ‬،‮ ‬فالذي‮ ‬كانت تعيش لأجله قبل ذلك لم تعد مشغولة به الآن‮ ‬،‮ ‬فقد صارت مشغوليتها بالمسيح بالمقابلة مع اهتماماتها السابقة والآن بكل جرآة استطاعت أن تذهب للناس وتقول‮ "‬انظروا إنسان قال لي‮ ‬كل ما فعلت‮ ‬،‮ ‬ألعل هذا هو المسيح‮" (‬يو‮ ‬4‮ : ‬29‮) ‬فقد حصلت علي‮ ‬المسيح‮ ‬،‮ ‬وبالتالي‮ ‬قد نسيت جرّتها‮ ‬،‮ ‬فكل أمورها قد سويت مع الله‮ ‬،‮ ‬فلم‮ ‬يعد لديها شئ مكتوماً‮ ‬،‮ ‬وليس هناك أي‮ ‬خوف من الإنسان حيث أنها تمتعت الآن بمخافة الله‮ ‬،‮ ‬وبالتالي‮ ‬ذهبت لكي‮ ‬تخبر الرجال وقد كانت قبلاً‮ ‬تتجنب حتي‮ ‬السيدات‮ ‬،‮ ‬وهذا هو التأثير العملي‮ ‬لإعلان المسيح للخاطئ‮ . ‬
فهل سكن المسيح في‮ ‬قلبك أيها الصديق العزيز ؟ فهل قد دخل إلي‮ ‬قلبك وقد أخذ مكانه عوضاً‮ ‬عن الأمور التي‮ ‬كانت تجعله خارجاً‮ ‬قبلاً‮ ‬؟‮ ‬ياليت الرب‮ ‬يُعيننا لكي‮ ‬تصير الأمور هكذا معنا‮ . ‬


بقلم يوحنا داربي
 ترجمة عاطف فهيم

ليست هناك تعليقات: