يوحنا (٤)
إننا نجد في هذا الأصحاح طرق نعمة الله المباركة في التعامل مع الخاطئ . إن الرب يسوع قد جاء إلي هذا العالم حيث الخطية بغرض أن يستحضر بالنعمة كل ما يسمو فوق الخطية ، بل والأكثر من ذلك استحضار النفس ذاتها للسجود للآب بعلاقة مباركة جداً ، لأن الابن قد جاء لكي يعلن الآب ، وليس ذلك فقط بل لكي نسجد له كالله الذي أُعلِن لنا بطبيعته "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يو 4 : 24) ، فالنفس تأتي إلي معرفة شخصية بالله ،علاقة به كالآب بالنعمة لأنه قد أُعلِن لنا بواسطة الابن والنتيجة هي أن نفس المعرفة بالآب هنا هي التي ستكون لنا في السماء ، فهي ليست نوع من المعرفة هنا وأخري في السماء ، ومما لا شك فيه أن الإدراك في السماء سوف يكون في ملئه وكماله بالنعمة وياللعجب ! ، ولكن لا يوجد اختلاف في نوعية هذا الإعلان والشخص الذي أُعلِن ، لا اختلاف بين ما أُعلِن الآن وما سوف يُعلَن في السماء ، لأنه هو هو نفس الإله والآب الذي سوف نعرفه إلي الأبد .
وعندما نأتي إلي أفكار المرأة السامرية عن السجود فإننا نجدها كلها يعتريها التشويش ، فهي تتحدث عن سجود السامريين وسجود اليهود ، فهي تسجد لمن لا تعلم عنه شئ ، بل في الواقع إنها تتكلم عن السجود هنا لكي تحوِّل مجري الحديث عنها عندما بدأ الرب بكشف قلبها . فيجب أن يكون هناك خلاص أولاً قبل أي سجود حقيقي ، لأنك لا يمكن أن تسجد لإله أنت لست تعرفه ، بل لا يمكنك أن تسجد لإله حضوره يستشعرك بالخوف والرهبة ، وإلا فإنك سوف تهرب من محضره حالاً كما فعل آدم في جنة عدن . ففي الواقع أن الموضوع هنا ليس هو عبادة الله بواسطة خلائقه مع أن هذا حقيقي في حد ذاته وبالطبع هو يستحق كل السجود والتعبد من هذه الجهة وواجبنا والتزامنا أن نفعل ذلك ، إلا أن الموضوع هنا أنك لا يمكن ان تفعل ذلك لأنك ببساطة إنسان خاطئ ، بل إن أي سجود يمكن أن يُقدم من إنسان لا يعدو عن كونه سجود قايين ، فهو سجود منشأه فساد القلب ، فهو سجود إنسان مطرود من الجنة والأرض قد لعنت بسببه ومن نفس هذه الأرض الملعونة يأتي بثمار لكي يقدم تقدمة لله .
ونلاحظ أنه من الصحيح تماماً أن تسجد لكنك يجب أن تكون في حالة مهيأة لفعل ذلك ، فإنك تجد أناس يفعلون ذلك عن جهل تام ، فهم يعترفون بأنهم يجب أن يعبدوا الله ويسجدوا له بدون الشعور بحالتهم كأناس خطاة أمام الله . وهذا أيضاً ينطبق تماماً علي الناموس ، فبالطبع نحن تحت مسئولية بأن نطيع ناموس الله ، لكن إذا اعتقد إنسان ما أنه قادر علي ذلك فقد أنكر حالته كخاطئ ، فهو تحت التزام بأن يفعل ذلك لكنه لا يدرك ما تعلنه كلمة الله "أنه ليس بار ولا واحد، ليس من يطلب الله" (رو3 : 10،11) ، "أنه ليس ساكن فيَّ أي في جسدي شئ صالح" (رو 7 : 18) ، فمثل طفل مكانه هو بين ذراعيّ أبيه ، لكنه من الجهة الأخري سيئ السلوك للغاية ، فمن الطبيعي أن يكون بين ذراعيّ أبيه لكن ما لا يجب أن نعتقده هو أنه يمكنه أن يكون هناك كما لو لم يحدث شئ ، فيالها من قساوة قلب لو كان لم يشعر بذلك .
إن الله قد أراد أنه عندما يأكل آدم من شجرة معرفة الخير والشر يجب أن يحصل علي الضمير ، فالناس يقولون أن الناموس إنما هو مكتوب في قلب الإنسان ، وهذا صحيح إلي حد ما ، لكن ما يحب أن نعلمه أن الإنسان قد حصل علي ضميره بواسطة سقوطه ، ومن الجائز أن يكون الإنسان في حالة مروعة من البلادة وعدم الحس بل والأكثر في حالة من الموت الأدبي أو ينتمي إلي عقيدة زائفة ، لكن يبقي أنه يوجد هناك شئ مبارك وهو أن الله لازال عاملاً لأجل إحضار النفس لكي تعرف من هو الله عندما يتعامل مع الخاطئ بالنعمة ، لكن من الخطأ الخلط بين الناموس والضمير فإنه لو لم يكن هناك ناموس فإن الإنسان يمكنه أن يعرف الخير والشر ، فهل تعتقد أن ابناً ما قد أجرم في حق أبيه لا يشعر بأنه قد فعل شئ خطأ علي الرغم من أنه لم يسمع وصية صريحة من أبيه ؟ ، فإذا قام ولد بسرقة رفيقه في المدرسة ، فهو يعلم بأنه لو اكتشف فسوف يفر هارباً ، لكنه يعلم أيضاً بأن هذا الشئ الذي اقترفه هو محض خطأ في حد ذاته ، إن الضمير في الإنسان يجعله يعلم الخير والشر والناموس قد جاء لكي يضع سلطان الله علي الضمير .
إن آدم قبل السقوط لم يكن يعلم الخير والشر ، لأنه أي شئ خطأ في الأكل من الثمار لو لم ينهي الله عنه ، لأنه لم يكن هناك أي أذي في الشئ ذاته إلا أن هذا الأمر كان عصياناً لله ، فآدم قد حصل علي معرفة الخير والشر عن طريق عصيان الله وعدم طاعته بواسطة الأكل من الشجرة ، وياله من أمر مبارك أن الإنسان له هذا الضمير ، لأن الله عاملاً بالنعمة لإعلان نفسه للإنسان ، ولا يوجد شئ يفسد معرفة الخير والشر أكثر من العقيدة الزائفة ، وعلي الرغم من هذا الإفساد إلا أن الضمير لا يزال هناك ، وتأثير إعلان الله للنفس لازال لأجل استحضار الضمير لكي ما يذكرنا بما قد أخطأنا به ضده ، فإنه لكي يمكنني الاقتراب إلي الله كساجد يجب أن أعرف العمل الذي قد عمله الله لأجل نزع الخطية ، وكيف يمكنني التحرر تماماً من الخطية عن طريق عمل المسيح ، كما نقرأ في رسالة العبرانيين "الخادمين وهم مطهرون مرة لا يكون لهم أيضاً ضمير خطايا" (عب 10 : 2) .
والآن أيها الاحباء لا يمكنكم السجود لله حتي تتطهر ضمائركم ، أنا لست أقول بأنه ليس لديك أية رغبة في الله فأنا افترض وجود ذلك لكن لا يمكن أن يكون هناك سجود حتي تحصل علي الخلاص . فياتري كيف الحال معك ؟ فهل لم يتطهر ضميرك بعد ؟ فمن الجائز أن تعترف باقترابك لله ، لكنك سوف تلوذ بالفرار لو أنه أتي حيثما تقدم له سجودك ، ولاحظ جيداً أنا لا أقول بأنه هو الذي سوف يُخرِجك ، ولكنك أنت الذي ستهرب منه ، كما كان الحال مع آدم ، فقد سمع صوت الله ماشياً في الجنة ، فالله لم يُخرِج آدم خارجاً ولكن آدم هو الذي هرب وأخفي نفسه خلف الأشجار في الجنة .
والآن لنأخذ إيضاح بسيط من خلال الصلاة الربانية ، فأنت ترددها لأنك تعلمتها منذ الطفولة بحسب نشأتك في أسرة مسيحية لكن أود أن أسألك عندما تدعو الله من خلال تلك الصلاة "أبانا" فهل تعرفت عليه بهذه العلاقة فعلاً ؟ فتقول أنك لم تتعرف بعد علي ذلك ، إذن فأنت لست من ابناء الله ! وبعد ذلك تقول من خلال تلك الصلاة "ليأتِ ملكوتك" فماذا تقصد بملكوت الآب ؟ حسناً فإذا أتي ذلك الملكوت فسيكون مصحوباً بالمجد السماوي ، ولكن يجب أن تعلم جيداً بأن يوم الدينونة سوف يسبق ذلك المجد ، فهل أنت مستعد لذلك ؟ كلا ! فأنت لا تقدر أن تقول أنك قد خلصت من "الغضب الآتي" ، فأنت تحت الالتزام بأن تأتي لتقول عبارات تلك الصلاة الربانية ولكنك قد حصلت علي الضمير الذي يجعلك تهرب من محضر الله الذي تعترف بأنك تعبده .
ونلاحظ من خلال هذا الاصحاح أن الرب قد مضي من اليهودية آتياً إلي السامرة لأنه قد رُفِض من اليهود ، فالله كان في العالم إذ أتي إليه بالنعمة والعالم لم يقبله ، فالأصحاح يفتتح بمغادرته لليهودية ، ذلك المكان الذي يقال عنه في هذا الأصحاح "الخلاص هو من اليهود" (يو 4 : 22) ، فنحن هنا بصدد مسيح مرفوض في البداية ، فليست هناك بشارة بالإنجيل بدون مسيح مرفوض ، فإذا كنت تدعو نفسك مسيحياً فإنك تتبع مسيحاً قد صلب وقد رفضه العالم وطرده ، كما يقول النبي عن الأمة التي يتعامل الله معها هنا "من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب" (أش 53 : 1) ، "محتقراً ومخذول من الناس" ، "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه" (أش 53 : 2،3) ، يمكنك أن تضع كلمة "مسيحي" في هذه الآيات السابقة بدلاً من "يهودي" وستجد أن نفس الشئ يحدث الآن أنا لست أقصد بأن المسيحية تخلَّت عن اعترافها بالمسيح ، ولكن إذا كنت أميناً مع نفسك فستقول "أنا أيضاً غير راغب في المسيح" فأنت تعلم كما أن هذه الكلمات كانت تنطبق علي اليهود فإنها تنطبق عليك أنت أيضاً في رفضك للمسيح ، من الجائز أن يكون لك اعترافاً ظاهرياً بالمسيح ، ولكنك تعلم جيداً أن رغباتك ليست بحسب المسيح ، وعندما تكون بمفردك هل تجد قلبك به محبة حقيقية للمسيح ؟ وحتي المؤمن من الصعب أن يحتفظ بهذه المحبة متجددة دائماً لشخص الرب ، لأن الجسد لازال فيه ، والجسد ليس له رغبة بحسب فكر المسيح ، فالرب يقول لتلاميذه "متي جاء المعزي الذي سأرسله سوف يبكت العالم علي خطية لأنهم لا يؤمنون بي" (يو 16:10) إن تلك الكلمات لا تنطبق علي فئة معينة من الخطاة بل علي كل العالم لأن الجميع هم تحت الخطية ، والجميع رفضوا المسيح علي السواء ، وإذا أخذنا شخصاً مثل هذه المرأة هنا فسنجد نفس الشئ ينطبق عليها ، إذ قد تم تبكيتها علي خطاياها في حضرة المسيح .
فهل نحن قد أتينا إلي تلك النقطة أيها الأحباء فليس فقط الكلام عن الأشرار بل أيضاً الذين يدعون أنفسهم مسيحيون وليست لهم رغبات قلب بحسب المسيح ، إن تلك الحالة لهي أسوأ من حالة الوثنيين أنفسهم ، لأن الوثنيين لم يسمعوا عن المسيح ليحتقروا ، لكن الذين يُدعَون مسيحيون قد فعلوا ذلك ، أنهم يقولون أننا نؤمن بالمسيح أنه ابن الله وهو أتي إلي هنا ليتألم ويموت . ولكن ماذا بعد ذلك ؟ إن نفس الشخص الذي يقول ذلك نجده يمضي غير مبالٍ وكأن شئ لم يحدث ، فالله الآن لا يقول لك فقط كما قال لآدم قديماً "أين أنت ؟" (سواء للإنسان في أفضل حالاته أو في هروبه من الله كآدم) لكن منذ يوم الخمسين ومجئ الروح القدس هو يسألك ماذا فعلت بابني ؟ كما قال الله لقايين قديماً (حيث نجد هنا إنسان في أسوأ حالاته) "أين هابيل أخوك ؟" فيجب عليك أن تجيب بأنك طردته من العالم ورفضته ، وإذا قلت - إن أبائي هم الذين فعلوا ذلك ولو كنت عائشاً معهم لما فعلت ذلك - فبذلك تكون فريسياً ، فأنت تفتخر بنفسك وبكبريائك تدَّعي بأنك أفضل من الذين سبقوك وكنتيجة لذلك إذا ظللت مستمراً في ذلك فسوف تنحدر إلي أسوأ من الفريسي . فهناك فئات كثيرة من الناس وكلا منهم يمضي وراء ملذاته ، أحدهم يتبع المسرات والثاني يتبع الرفاهية ، والثالث يمضي وراء الأموال ، ولكن الشئ الذي يبقي هو أن الله قد جاء إلي العالم بالنعمة في شخص ابنه لكي يفوز بقلوب الخطاة لنفسه وعلي الرغم من أنك تعرف كل هذا إلا أنك لم تقبله .
وبعد ذلك نجد أن تلك النعمة التي كانت في المسيح قد قوبلت بالرفض التام ، إلا أنه مبارك هو الله الذي يسمو فوق كل هذا لأن نعمته تسمو فوق كل شئ ، فنحن نراه في هذا الأصحاح مطروداً من اليهودية لكن لا شئ يعطل تلك المحبة أو يجعلها تبرد ، أنه يدخل إلي كل ظروفنا آخذاً أدني مكان ، وقد صار معروفاً من الناس علي أنه "ابن النجار" لسنين عديدة ، فنراه مرفوضاً ومحتقراً في أحواله وظروفه "فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا علي البئر وكانت نحو الساعة السادسة" (يو 4 : 6) أي وقت حرّ النهار (وقد كانت تلك البلدة شديدة الحرارة) لكن لا شئ يجعل هذه المحبة تبرد أبداًَ ، المحبة التي تتجه إلي الهالكين ، فهو قد جلس هناك لكي يُخلِّص وهنا يتوقف لكي يسأل ماء من امرأة تعيسة ، لأنه ليس له دلو ، فعلي الرغم من أنه هو الذي خلق المياه في البئر إلا أنه لم يعمل معجزة لأجل نفسه ، أنه لم يعمل معجزة واحدة لأجل نفسه أبداً ، ولكن دائماً لأجل الآخرين ، فقد أخذ مكان الاتصاع والإتكال الكامل فهو يطلب ماء من السامرية واحدة من شعب سيئ كان لهم خليط من العقائد ، فقد أضافوا عبادة يهوه إلي أصنامهم ، فقد كانوا فئة من الناس لست أعرف ماذا أدعوهم ، ما أريد أن أقوله عن هؤلاء أنه كان لهم أنصاف هرطقات ، وأنصاف ارتداد ، وقد جلس الرب ليتحدث مع واحدة من هؤلاء الشعب الذين كانوا في قمة الشر.
وليس معني تلك المحبة المتفاضلة دائماً أن الدينونة علي الخطية سوف لا تأتي ، إذ لابد من إتيانها لكن قبل حلول تلك الدينونة فنحن لنا الآن المحبة في المسيح ، تلك المحبة التي تسمو فوق كل خطية ، لأنها قد أتت إلي حيث وُجدِت الخطية ، أنه الله معلناً نفسه بالنعمة ، وليس معلناً ذاته بالبر للدينونة ، وهذا كان خطأ أصدقاء أيوب ، فهم كانوا متطلعين إلي الله الذي يدين الخطية بحسب البر ويعاقبها ، إن هذا اليوم لم يأتِ بعد ، وليس معني هذا أن الله لا يكبح جماح الخطية التي في البشر ، فالله له السلطان ويحفظ العالم من أن يصير مكان مريع بسبب شر الإنسان وطغيانه ، لكن الله لم يعلن نفسه بالدينونة حتي الآن إلا أنه يعلن نفسه الآن بالنعمة كما نقرأ "أن الله كان مصالحاًَ العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم" (2كو5 : 19) فالآن ليست الدينونة ولكن الله أتي إلي مكان الشر عاملاً بالمحبة هناك ، وهو لا يزال ، فمع أن الإنسان قد طرد المسيح ورفضه إلا أن الروح القدس قد جاء إلي الأرض لكي يشهد عن محبة الله ، المحبة التي تسعي وراء الهالكين لإنقاذهم ، فمن الجائز أنك ترفض المحبة وهذا سيوؤل إلي هلاكك لو أنك ستستمر هكذا، إلا أن المحبة لازالت موجودة وتعمل ، وربما تكون مثل الابن الأكبر الذي لم يشأ أن يشارك في المحبة التي اتجهت نحو الابن الضال ولكن حتي هذا الابن الأكبر يأتي إليه أبوه ويتعامل معه بالمحبة ضارعاً إليه بالدخول.
أيها الأحباء هل توجد أي رغبة في قلوبكم من نحو الله ؟ إن المسيح يستطيع أن يلبي كل رغبة ، وإذا لم يكن للإنسان قلب للمسيح فالمسيح له قلب لأجل الإنسان ، فلم يكن هناك شئ في هذه المرأة إلا الخطية ولكننا نراه يخلق رغبة جديدة في قلبها ، فقد عاشت حياة من الخزي ، وهذا كان نتيجة لطبيعتها ، وبلا شك كانت هناك إرادة ذاتية فعَّالة بها ، وحيث توجد تلك الإرادة الذاتية فالنتيجة هي البؤس والشقاء وقد كانت تلك المرأة في هذه الحالة ، فقد جعلتها خطيتها منعزلة فأتت بمفردها لتستقي من الماء في هذا الوقت بالذات لكي لا يراها الآخرون ولا تسمع ما يُقال عنها ، ولذا فقد كانت في غاية من البؤس ، وأتت لذلك بمفردها إلي البئر إلا أن الله كان هناك أيضاً ليتقابل معها وقد كُشِف قلبها في محضره عندما أتي ليتقابل معها بكل النعمة ، ويجب أن نكون نحن أيضاً هكذا أيها الأحباء ، فكل أمورنا يجب أن نكشفها أمامه الآن ، وإذا لم نكشفها أمامه الآن ونحن بصدد نعمته الكاملة ، فأنه سيأتي يوماً حين تُكشَف بالدينونة ، فياله من أمر مبارك وعجيب ، فإنه علي الرغم من أن محضره يكشف كل الخطايا إلا إننا لا نجد به إلا كل محبة وكل نعمة الآن تسمو فوق كل خطية .
ويا للأسف فإن السامرية لم تدرك شئ من هذا "لأن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله" (1كو 2 : 14) فالمسيح يخبرها بعطية الله ، وان الله كان هناك لكي يعطي الخلاص ، فإن نعمة الله تستحضر الخلاص إلي الهالك ، كما قال الرب لزكا "اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو 19 : 9) ، ولذلك نقرأ هنا "لو كنتِ تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لكِ اعطيني لأشرب لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءاً حيّاً" (يو4 : 10) . فالمسيح كان هناك لكي يعطي الحياة الأبدية ، فالله ليس آتياً لكي يطلب ما يجب أن نتعب فيه ، ولكنه بالأحري يأتي ليعطي ، فإذا كنت تاعباً فإنك لم تحصل بعد علي عطية الله .
ولكنك من الجائز أن تقول إذا كان الله يعطي لامرأة رديئة مثل هذه فإنه غير مبالٍ بأخلاقيات الأشخاص ، إنني أود أن أقول لك أنك فريسي والعشارون والخطاة سوف يسبقونك إلي ملكوت الله ، وعلي الرغم من كل ذلك فإنك خاطئ مسكين وستهلك في خطاياك إلي الأبد إن كنت لا تتجاوب أو تبالِ بعطية المسيح ، فهو قد جاء ليعلن الآب بالنعمة ، وهو يعطي ذلك الينبوع من الفرح إنه النبع الذي ينبع إلي حياة أبدية . إنه الشخص الذي قد أتي بنا لنعرف الله كما أُعلِن لنا بالنعمة والمحبة ، فهل تعرف الله كذلك ؟ وهل تعلم أن عينه تراك ولك أن تعرفه بكامل نعمته كالآب في قلبك وأن هذا الفرح والسرور نابع منه .
ولكن المرأة لم تدرك أياً من تلك الكلمات علي الإطلاق ، واستمر المسيح معها متأنياً عليها بصبر ، فلم يكن لها حياة ولم يكن لديها الإدراك عن تلك الأمور ، والآن كذلك أيها الأحباء إن الله يتعامل معكم بالصبر فهل لك أي رغبة له في داخل نفسك ؟ أم أنك مثل هذه المرأة السامرية التي لم تعلم ماذا يستطيع المسيح أو السماء أن تعطي ، ولكنها قد علمت بؤس وشقاء الخطية .
إنني لا أسألك عن حياتك ، إن حياتك كانت مليئة بالخزي ، وأنا لا أقصد أنك لابد أن تكون مثل هذه المرأة في حالتها ولكن ما أعلمه أن كل إنسان لا يعرف المسيح له قلباً محبطاً أو أن له قلب يطلب ما يجعله بائساً .
ولكن كيف أن الله يتنازل هكذا ليجلس متحدثاً مع امرأة مثل هذه ، إن هذا لشئ يتنافي تماماً مع أفكار الإنسان حتي أن التلاميذ اندهشوا عندما كان يتحدث معها ، وربما هذا لا يتلاءم مع أفكارهم عن الرب والسيد ، فهذا محتمل جداً ، ولكن ما قد حدث كان يتلاءم جدا مع الله في نعمته .
إن قلب المرأة كان مغلقاً تماماً لما قد قاله لها ، فهي غير قادرة علي المجهود المضني كل يوم لكي تأتي لتستقي من هذا البئر "ياسيد اعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلي هنا لاستقي" (يو 4 : 15) ولكن الرب لا يكِّل بل يستمر معها . والآن نأتي إلي التعليم الذي يلي ذلك ، إذ أن ضميرها كان يجب أن يُمَس "اذهبي وادعي زوجك" (يو 4 : 16) ، إن كلمة صغيرة ينطق بها الرب لابد أن يكون لها تأثيرها الخاص ، والرب هنا لا يتعامل معها كالقاضي أو الديان ، إذ كان يقترب إليها بمنتهي النعمة ، ولكن النعمة تُظهِر بشاعة الأمر عندما تكون هناك خطية علي الضمير ، تماماً مثلما حدث مع آدم عندما سمع صوت الرب الإله ماشياً في الجنة فقد أخفي نفسه ، إن الله لم يطرده خارجاً ولكن آدم هو الذي هرب منه وقد كان الأمر كذلك مع تلك المرأة . "اذهبي وادعي زوجك" فحالاً تأتي خطاياها أمام ضميرها وتحاول أن تهرب بتلك الإجابة "ليس لي زوج" ولكن إجابة الرب جعلتها تعرف أنه عالم بكل شئ عنها ، وللتو تدرك أنه نبيّ ، فهو السيد لأنه يعلم ، ، وهنا كان غريباً عليها أن هذا الشخص يعرف عنها كل شئ ، فالله يعلم ذلك بواسطة الضمير ، فقد صارت في حالة مكشوفة في محضر هذا الشخص الذي يعرف كل شئ .
فهل كلمة الله تستحضركم إلي هذا دائماً أيها الأحباء ؟ وهل قد رأيته يقول لك كل ما قد فعلت ؟ وهل ذاكرتك دائماً فعَّالة في حضرة الله ؟ فلابد أن تنكشف حالتك يوماً ما ، إما في يوم الدينونة عندما تولي الرحمة ظهرها ، أو الآن في يوم الصلاح الكامل للنعمة ، فهل تأتي الآن إلي الله وتقبل حُكمه عليك ، وما سيتم كشفه يوم الدينونة يُعلَن الآن ؟ وهل صلاح الله يقودك إلي التوبة الآن ؟ وليس فقط مجرد حزن ظاهري علي الخطية ، ولسان حالك كلنا خطاة بصفة عامة ، أم أنك تعترف بخطاياك إلي الله واحتياجك إلي المصالحة معه ؟ وهل قد افتقدك الله ذات مرة ؟ إنني لا اقصد بقولي هذا الأحلام أو الرؤي ولكن ما أقصده هل تكلم الله إلي ضميرك بما تعلمه أنت وهو فقط ؟ .
والآن تتوجه المرأة للحديث عن السجود ، فالرب يُخبرها أن الخلاص هو من اليهود ، لأن السامريون يسجدون لما ليس يعلمون ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق ، لأنه لم يعد الأمر الآن ما يجب أن يكون عليه الإنسان أمام الله ولكن بالأحري ما هو الله بالنسبة للخاطئ . "لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدون له" (يو 4 : 23) ، وأما بالنسبة للسجود الطبيعي للإنسان فهو بلا قيمة ، ومن الممكن أن تحصل علي ماكينة تؤدي طقوس معينة فقط ، كما نقرأ عن السجود الشكلي لاسرائيل كما يدعوه الله "يحني كالأسلة رأسه" (أش 58 : 5) فهو سجود بلا قيمة ، فأنت يجب أن تتعامل مع الله كالذي يعرف عنك كل شئ ، ويجب أن تعرفه أنت أيضاً وتسجد له بالروح والحق ، إن الله ليس طالباً للسجود ، مع أن هذا من حقه تماماً والإنسان مسئول أن يفعل ذلك ، ولكن الرب هنا بالنعمة وبحسب رغبة قلبه الحارة يقول "الآب طالب ساجدين" فهو ليس طالباً شكل السجود ولكنه يطلب خطاة منكسرين لكي يجعلهم ساجدين ، وليس طالباً عبادة الفريسي وسجوده الذي ينبع من داخل ذاته ، فهو يشكر الله ولكنه مفتخراً بذاته .
فالله يُعلَن هنا كمن يعطي المياه الحية ، متعاملاً مع قلب غبي ومسكين ليأتي به إلي التوبة لعله يجد هناك ولو رغبة يمنح بها عطاياه ، فهو لم يعد يطلب صلاح من الإنسان لأن الله قد اختبر الإنسان أولاً قبل الناموس وكانت النتيجة أنه أغرق العالم بالطوفان ، وثانياً تحت الناموس وقد كسره الإنسان ، وأخيراً أرسل الله ابنه بالنعمة وقد رفضه الإنسان أيضاً ، ولم يتبق للعالم سوي الدينونة ، فالأمر قد تفاقم حتي وصل إلي تلك النتيجة ، ولكن الآن دينونة هذا العالم ، إن الدينونة لم تنفذ بعد ولكنها قد أُعلِنت ، فالآن دينونة هذا العالم ، ولكن الله يأتي إلي هذا العالم الذي هو تحت الدينونة متعاملاً معه بمنتهي النعمة وهنا نجده عاملاً في ضمير الفرد ، فهو يُظهِر كل الخطايا ولكنه يعطي حياة أبدية ، وقد كان كذلك مع تلك المرأة المسكينة ، فأين هو قد وجدك ؟ إنني اتحدث الآن إلي المؤمنين إنه قد وجدك في خطاياك ، فالشخص الذي تلامس مع الضمير هو نفسه الشخص الذي بذل نفسه لأجل الخطايا ، فخطايا تلك المرأة قد أُظهِرت في محضره كالنبي ، ولكنها تريد أن تعرف المسيح "متي جاء يخبرنا بكل شئ" (يو 4 : 25) هذا ما قالته المرأة فهي تقول متي جاء ذاك فإنه سوف يخبرنا بمن قد خلص ومن هو هالك ، وبعدها يقول الرب "أنا الذي أكلمك هو" (يو 4 : 26) فإذا كان قد عُرِف لدي ضميرها بأنه نبي ، فهو يُعلِن نفسه لها الآن كالمسيح الذي هي في حاجة إليه ، المسيح الذي يستطيع أن يُخلِّص عندما تصل كلمة الله إلي الضمير ، ولكن من هو المسيح ؟ ولماذا قد جاء ؟ المسيح هو الذي بذل نفسه لأجل الخطايا فهو الذي أتي بالنور ، والصليب يزيح كل الخطايا بعيداً فهو يضعك في الحق أمام نفسك ، ويضعك داخل النعمة التي أبعدت عنك كل الخطايا .
وتلك هي رواية الضمير إذ هناك نجد أناة الله وصبره في تعاملاته معنا كأفراد إلي أن نأتي إلي إنكسار النفس واتضاعها وخضوعها لبره هو ، وبالتالي قد صُنِع السلام "لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً" (أف 2 : 15) ، "الذي صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 1 : 3) ولكن السؤال لماذا هو قد جلس ؟ لأنه "بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين" (عب 10 : 14) وهو سوف ينهض للدينونة ، أما بخصوص خطايانا فيقول الرسول "وأما هذا فبعدما قدَّم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلي الأبد عن يمين الله" (عب 10 : 12).
فهل تصالحتم مع الله أيها الأعزاء ؟ فنحن لا يمكننا أن نسجد له حتي نخلص أولاً ، فعندما أفكر فيما قد صنعه المسيح استطيع أن أقول أن كل شئ قد تم تسويته ، فالله قد بذله بالمحبة لأجل خطايانا وقد أقامه مرة أخري بالبر . هذا هو الله الذي أعلن نفسه وقد جاء الخاطئ إلي محضره بالحق لكي يعرفه هناك بالنعمة ، فياله من شئ حقير وتافه أن يحيا الإنسان في أكذوبة وأن يكون له ضمير ملوث وفاسد كيما يحافظ علي مظهره أمام الناس ، أيها الأحباء صدقوني أنه دائماً يكون الأمر كذلك ، فالناس يسلكون بالمظاهر الباطلة ويزعجون أنفسهم بالباطل ، فهل أنت كذلك تحيا في أكذوبة ؟ فهل هو شئ صالح أن أكون خارج محضر الله عندما أجد النعمة الكاملة التي تفتقدني وتحضرني في المسيح إلي بر الله الكامل ؟ وياله من مكان أيها الاحباء ! أن نكون في المسيح ، فكل شئ آخر يصغر دونه ، أن كل الخطايا قد أبعدها بنفسه بمحبته الكاملة ، وبالتالي فلنا ثقة في يوم الدينونة "لأنه كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضاً" (1يو 4 : 17) .
والآن ماذا كانت النتيجة مع تلك المرأة ؟ فقد تركت جرّتها ، فالذي كانت تعيش لأجله قبل ذلك لم تعد مشغولة به الآن ، فقد صارت مشغوليتها بالمسيح بالمقابلة مع اهتماماتها السابقة والآن بكل جرآة استطاعت أن تذهب للناس وتقول "انظروا إنسان قال لي كل ما فعلت ، ألعل هذا هو المسيح" (يو 4 : 29) فقد حصلت علي المسيح ، وبالتالي قد نسيت جرّتها ، فكل أمورها قد سويت مع الله ، فلم يعد لديها شئ مكتوماً ، وليس هناك أي خوف من الإنسان حيث أنها تمتعت الآن بمخافة الله ، وبالتالي ذهبت لكي تخبر الرجال وقد كانت قبلاً تتجنب حتي السيدات ، وهذا هو التأثير العملي لإعلان المسيح للخاطئ .
فهل سكن المسيح في قلبك أيها الصديق العزيز ؟ فهل قد دخل إلي قلبك وقد أخذ مكانه عوضاً عن الأمور التي كانت تجعله خارجاً قبلاً ؟ ياليت الرب يُعيننا لكي تصير الأمور هكذا معنا .
بقلم يوحنا داربي
ترجمة عاطف فهيم
ترجمة عاطف فهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق