الخميس، 29 ديسمبر 2011

الاجتماع العظيم في الهواء

الاجتماع العظيم في الهواء


نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ ... ( 1تس 4: 17 )


قريبًا سوف ينعقد اجتماع عظيم جدًا في الهواء الطَلِق، أعظم من أي اجتماع سبق انعقاده. وسوف تكون لهذا الاجتماع مظاهر تختلف عن تلك التي لأي اجتماع شاهده العالم. ولنذكر بعضها:
مكان الاجتماع: ليس على الأرض ولا في السماء. إنه في الهواء ( 1تس 4: 17 )
الحاضرون: هم جماعة المفديين، المُشترون بالدم من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، منَ في القبور منهم، والأحياء على الأرض حينئذٍ. ولا واحد منهم سوف يتخلف عن حضور هذا الاجتماع. وسوف يلبس جميعهم أجسادًا مُمجدة، مُقامة أو متغيرة.
الغائبون: غير المُخلَّصين، غير المفديين بالدم، كل الذين ”بلا مسيح“.
الغرض من الاجتماع: هو «مُلاقاة الرب». فسوف يجتمع حول شخص المخلِِّص المجيد ربوات المفديين. وما أعظم فرح الفادي حينما يرى حوله الذين هم ”تعب نفسه“ الذين من أجلهم ”سكب للموت نفسه“. وأي فرح سوف يملأ قلوب المفديين إذ يتطلعون في وجه فاديهم الذي يشع بالمجد والجلال!
موعد الاجتماع: من المظاهر الغريبة لهذا الاجتماع العظيم أنه ما من إنسان بين كل الشعوب يعلم موعده. ربما في الصباح أو بعد الظهر، في المساء أو في منتصف الليل. ربما هذا العام أو هذا الأسبوع وربما هذا اليوم. على كل واحد أن يبقى في حالة الاستعداد والسهر منتظرًا سماع إشارة بدء الاجتماع. سوف لا تدق أجراس لإعلان بدء الاجتماع، فإن «الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء». وفي لحظة في طرفة عين، سوف يأخذ كل واحد من المفديين مكانه في الاجتماع.
بعد انعقاد الاجتماع: سوف يخيِّم حزن عميق على الذين خارج الاجتماع. لنستمع إلى كلمات أولئك الذين لم يكن في الاجتماع مكان لهم «يا سيد يا سيد افتح لنا». لكن هل هو بالحقيقة سيدهم؟ ربما يكونوا قد اعتمدوا، وكان لهم أماكنهم في الاجتماعات، لكنهم لم يولدوا ثانية. وسوف يُجيبهم الرب: «الحق أقول لكنّ ما أعرفكن». لأنه لم توجد صلة الإيمان بين نفوسهم وبين المسيح. والآن هم خارجًا إلى الأبد. هناك البكاء وصرير الأسنان.
الوقت يسرع: إن كل دقة من دقات الساعة تُعلن الاقتراب من الأبدية. لكن شكرًا للرب لأنه حتى هذه اللحظة لم يَقُم ليغلق الباب

كاتب غير معروف

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

مجهولين

كَمَجْهُولِينَ وَنَحْنُ مَعْرُوفُونَ  (2كو 6 : 9)

عندما كتب الرسول بولس في رسالة الخدمة المسيحية "كمجهولين ونحن معروفون" فقد كان يقصد أن العالم لا يعرف ولا يقدِّر الروحيين. ومن الجميل عمومًا أن يخدم الشخص في الخفاء، ويكون نظير ”الجندي المجهول“ الذي يقوم بالعمل في صمت. إن أمثال هؤلاء ليس فقط يبرهنون على صدق تكريسهم وحقيقة اتضاعهم، بل إنه لا توجد خدمة حقيقية لا تحتاج إلى أمثالهم، ففي حين يظهر على مسرح الأحداث أفراد قليلون، فإن أضعافهم يكملون الخدمة من خلف الستار. وهم مجهولون في ثلاث صور:

*
مجهولون في أسمائهم: فنحن لا نعرف اسم الغلام الموكَّل على الحصادين (را2) أو رجل الله الذي من يهوذا (1مل13) أو الفتاة المسبية (2مل5) أو الأخ الذي مدْحه في جميع الكنائس ( 2كو 8: 18 ) ولكنهم جميعًا قاموا بخدمات جليلة وأدّوا رسائل نافعة في أجيالهم.

*
مجهولون في أعمالهم: وهناك مَنْ نعرف أسماءهم ولا نعرف ما عملوه بالتحديد كله؛ مثل برسيس المحبوبة التي تعبت كثيرًا في الرب ( رو 16: 12 ) أو معظمهم مثل بناياهو بن يهوياداع من أبطال داود المكرَّسين الذي ما أقل ما تسجَّل عن بطولاته، في حين أنه رجل كثير الأفعال ( 2صم 23: 20 ) .

*
مجهولون في أقوالهم: نظير يوسف الذي تلقب بـ «برنابا» أي ”ابن الوعظ“ لعظاته الرائعة وأقواله الجميلة، إلا أننا لم نقرأ له ولا عظة واحدة في كل الكتاب ! ولكنهم أيضًا معروفون في ثلاث دوائر:

*
معروفون لدى الرب: الذي يرى ويعرف كل شيء عنا من الآن! سرًا كان أم علنًا. ويا له من تشجيع وتحذير في الوقت نفسه!

*
معروفون لدى الذين خدموهم: لم يكن الرسول بطرس يعرف طابيثا وأعمالها الخيرية للمحتاجين ( أع 9: 40 ) إلا أنهم عرفوها وأعلنوا خدمتها عندما ماتت قبل أن تحيا من جديد.

*
معروفون لدى الكل قريبًا: عندما سنُظهر أمام كرسي المسيح للمكافأة كمؤمنين، فإن الكل سيُستعلن للمدح والمُجازاة أمام الرب وأمام القديسين والملائكة جميعًا، قريبًا جدًا. يا ليتنا على قدر المستطاع، نُكثر من الاختفاء ونعمل في الخفاء واثقين أن إلهنا الذي يرى في الخفاء سيُجازينا علانيةً.


اسحق ايليا

الخميس، 24 نوفمبر 2011

التعزية في التجارب

لأنه في ما هو قد تألم مُجرَّبًا يقدر أن يُعين المجرَّبين (عب 2 : 18)

إن ربنا ومخلِّصنا المبارك ستَر أمجاد اللاهوت في حجاب الناسوت عندما صار إنسانًا كاملاً، وفي عبوره في العالم واجه كل ما نلاقيه نحن من صعوبات وآلام. يعلم ما هو الألم وما هو الحزن وما هو البكاء. علم ما معنى المقاومة والبُغضة وسوء المعاملة. جاع وتعب وافتقر وهو يعرف ما معنى كل هذا. لم يكن له أين يُسند رأسه، فهو يعرف معنى الألم الجسماني، كما يعرف ضيق النفس. يعرف معنى تجربة إبليس ومعنى بصق الناس وسخريتهم واستهزائهم. ولا يوجد نوع من الآلام والأحزان البشرية إلا وقد ذاقه، بلا خطية. لم يعرف خطية، ولم يعمل خطية، ولكنه حمل خطايانا في جسده على الصليب "تأديب سلامنا عليه وبُحبُره شُفينا"  (أش 53 : 5) لم يكن مُلتزمًا أن يحتمل كل هذه، لم تكن هناك ضرورة لأن يترك الأمجاد السماوية ويصير إنسانًا، إلا بدافع المحبة "محبة المسيح الفائقة المعرفة) " أف 3 : 19) ومحبة الله الذي أراد أن يجعلنا أولادًا له في المجد الأبدي (عب 2 : 10) نعم قبل أن يتمكن من أخذ مكانه كرئيس خلاصنا، كان يجب أن يتألم. ولم يتألم في صُنعه الفداء على الصليب فقط، بل تألم مُجربًا في كل شيء، ويستطيع أن يرثي لنا نحن المجرَّبين. إننا لا نكون وحدنا في الآلام، بل هو معنا دائمًا، شاعرًا في أعماق قلبه، قلب الشفقة والمحبة، بما يؤلمنا. نظن أحيانًا أننا منفردون، ولكن هذا الشعور خاطئ، وما هو سوي نتيجة لعدم إيماننا ولعدم التجائنا إليه لنوال العون الذي هو على استعداد أن يهبه لنا. فإذا أتينا إليه لنوال التعزية والمعونة اللتين نحن في حاجة إليها، فهو يشعر معنا شعورًا عميقًا بما نجوز خلاله من تجارب. وكم من متاعب وجهود ضائعة كنا نوفرها على أنفسنا لو التجأنا إليه مباشرةً عندما يصادفنا شيء يُتعب قلوبنا، أو أية تجربة يريد بها العدو قطع شركتنا وانعدام أفراحنا فيه! إن ركضنا إليه لا شك يجعلنا نغني في الليل   أي 35 : 10 ولذة حضرته تملأ نفوسنا. ليتنا نتعلم الهروب إليه في كل ضيقة إذ " باطل هو خلاص الإنسان  (مز 60 : 11 ) فإن فعلنا هذا نجد التعزية والفرح. يقول داود عن اختبار: "لأنك كنت عونًا لي، وبظل جناحيك أبتهج" ويقول أيضًا "بك احتمت نفسي، وبظل جناحيك أحتمي إلى أن تعبر المصائب" (مز 63 : 7 , مز 57 : 1)

أدولف سفير

السبت، 12 نوفمبر 2011

المخدع المهجور

يا رب، اهدني إلى برِّكَ ... سهِّل قدامي طريقك ( مز 5: 8 )

ذهبت مرة سيدة مؤمنة، إلى أحد رجال الله، تشكو إليه قلة صلاتها، وعدم شعورها فيها باللذة التي كانت تشعر بها في أيامها الأولى، وأنها قد جاهدت كثيرًا لكي تسترجع حرارة الصلاة الأولى فلم تقدر. فقال لها: ماذا عملتِ؟
قالت: جرّبت كل طريقة  ممكنة ولكن فشلت.
قال: كيف صرتِ مسيحية؟
قالت: اجتهدت أولاً لأحرر نفسي من الخطية ولكن فشلت، ولما وجدت ألاّ فائدة من كل مجهود، طرحت نفسي عند قدمي الرب، وآمنت أنه قادر أن يمنحني غفرانًا وسلامًا، فنلت ذلك بسرعة من السيد الكريم.
قال: جرِّبي هذا الأمر عينه في أمر الصلاة. فعند شعورك بالجمود والظلام لا تجتهدي أن تغيري هذه الحالة بقوتك بل ارتمي أمام السيد مؤمنة بمحبته وقيمة دمه لقبولك لدى الله، وعظمة شخصه كالكاهن العظيم الذي يترفق بالجهّال والضعفاء وهو كفيل بما بقي.
فذهبت من عنده، وبعد أيام أخبرته بأن نصيحته أتت بالثمر المرجو، وأن الإيمان بمحبة وعظمة شخص المخلِّص هو العلاج الشافي لجمود القلب وظلامه.
يا أخي العزيز: إن كنت تريد أن تخلص من حالة الجمود الروحي والصلاة الباردة، الهزيلة، الضئيلة، فلا تستطيع ذلك بناموس موسى، بل بنعمة ذلك الذي أحبك فضلاً، ويحبك فضلاً، وسيحبك فضلاً. إن خلاص الله هبة مجانية، للمؤمن العاثر كما للخاطئ الفاجر "لا تضطرِب قلوبكم .. آمنوا بِي"
لا يضطرب قلبك، جزعًا على حالتك، أو يأسًا من شفائك واستعادة روحانيتك ... آمن بالرب يسوع المسيح، الصديق القديم، فتخلص من هذه الحالة، وثق أنه قادر أن يخلِّص إلى التمام ( عب 7: 25 ). وأنه لأجلك «حي في كل حين» وأنه «واقف على الباب يقرع»، فادخل مخدعك واغلق بابك، وصلِ إلى أبيك الذي في الخفاء، ولا تنسَ أن تأخذ معك الكتاب المقدس لأن  منه سيكلِّمك الله. اقرأ بعض أعداد منه حسب ترتيب قراءتك اليومية، مؤكدًا أن الله يتكلم إليك منه. طبّقه على حياتك ثم أجب الرب، أو أعطِهِ جوابًا عن نفسك، عن حاجتك، عن ضروراتك، مُسلِّمًا له كل شيء، وليكن طلبك مُحددًا واضحًا، مقدمًا الشكر للسيد لأنه سمعك واستجاب لك

أندرو موراي

الخميس، 20 أكتوبر 2011

فهمني لماذا تخاصمني؟

قد كرهت نفسي حياتي. أُسيِّب شكواي. أتكلم في مرارة نفسي قائلاً لله : لا تستذنبني. فهمني لماذا تخاصمني) ! أي 10 : 1-2)


آه أيتها النفس المُتعبة، ارفعي الرأس عاليًا، فلربما قد صنع الرب معكِ هكذا ليُضاعف فيكِ فضائلك.
توجد بعض الفضائل التي لا يمكن أن تظهر لولا هذه التجارب المُرَّة. ألا تعرفين أن إيمانك لا ينمو ويخضَّر زاهيًا في شمس الصيف الوهاجة مثلما يزدهر في الشتاء؟ والإيمان عادةً يبدو كفتيلة مُدخنة لا تعطي نورها إلا في الظلمة المُحيطة. والرجاء في القلب مثل النجم الذي لا يُعطي ويُظهر نوره في ضوء الشمس الساطع. والسلام الإلهي لا يُختبر إلا على أمواج عاتية، أما سلام المياه الساكنة فهو سلام العالم. والقوة لا تُستدعى إلا في زمن الحرب، أما في زمن السلام فالقوة لا تفرق عن الضعف. والنجوم لا تظهر إلا بالليل وكأنها جواهر مرصوصة على ملاءة سوداء، وكثيرًا ما يسمح الله لنا بملاءة سوداء ليرص عليها جواهره.
قد تكون ـ منذ مدة قصيرة ـ قد ركعت على ركبتيك طالبًا من الرب أن يزيد إيمانك أو رجاءك أو سلامك أو قوتك، واستجاب لك الرب. هل ندمت على هذه الطلبة؟ لا. لا تندم أبدًا، فهو لا يمنحك مع هذه الجواهر الثمينة ضررًا على الإطلاق. أبدًا فالعكس صحيح. فحتى لو تأذيت بسبب التجربة، فتيقن أنها تعمل لخيرك، وأن الخسارة اللاحقة بك هي مكسب حقيقي.
أنت لا ترى هذا؟؟ قد لا تراه. ولكن ثق أنه لخيرك حتى ولو بدا عكس ذلك. كيف؟؟ لا يهم أن تعرف كيف. آمن فقط.
قد تقول : ولكن حملي ثقيل جدًا. حسنٌ. إن السواعد لا تتشدد بالحِمل الهيّن، بل بالأحمال الثقيلة. قد تقول تجربتي مُرَّة جدًا. نعم، والدواء النافع قد يكون مُرًا جدًا. قد تقول : لقد أدمَت قدميَّ أشواك الطريق. إنني أصدقك، ولكن انظر، فالورد أصبح دانيًا منك لتقتطفه في غير عناء.
أخي: هل تمر بتجربةٍ ما؟ هل تسأل الله نفس السؤال الذي في مطلع موضوعنا؟ إذًا فهاك هي الإجابة:
الضيق قد جعل الوعود ثمينةً
الضيق قد جعل النجوم مضيئةً
الضيق قد شدّد في كياني سواعدا
وأرى الخسارة فيه ربحًا قد غدا
الضيق علَّمني الترنم في المسا
وشفا بمُرّ دوائه داءً قسا


سبرجن

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

كفاكم

كفاكم

لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم ( 1بط 4: 3 ) كفاكم دوران بهذا الجبل.. ( تث 2: 3 )..كفاكم قُعُودٌ في هذا الجبل ( تث 1: 6 )

ثلاث آيات من كلمة الله، تربط بينهما كلمة واحدة، صغيرة في حجمها، كبيرة في معناها؛ هي كلمة «كفاكم»، من خلالها يوجه إلينا الرب رسالة هامة لتغيير مسار حياتنا نحو الأفضل في العلاقة الحية معه.
أولاً: زمان الحياة الذي مضى يكفينا: إن أثمن ما نملكه هو عمرنا، وما يمر منه لن يعود، وكل شيء نفقده على الأرض من الماديات يمكن أن نعوضه، إلا العمر فهو لا يُعوَّض، فإن كانت كل حياة القارئ العزيز، حتى هذه اللحظة، هي أنه يعيش يعمل إرادته وإرادة الناس، فهو خاسر زمنيًا، وهالك أبديًا لا محالة إن استمر في طريقه. ليتك تستمع لقول الله لك: «كفى». فلماذا لا توقف نزيف الخسارة الآن وفورًا. على أننا كمؤمنين أيضًا، كثيرًا ما نحيا عاملين إرادتنا أو إرادة الناس، مستقلين عن إرادة الله، وهذه هي الخطية. فهل ما يحكم قراراتنا هو رغبات المسيح أم رغباتنا؟ إنها فرصتنا اليوم لنستفيق ونعدل مسار خطواتنا بمعونة إلهنا.
ثانيًا: كفاكم دوران. كثيرًا ما ندور حول أنفسنا، وتقدير الناس لنا، أو حول رغباتنا، ربما حتى المشروعة أو المُلحّة علينا، وهذا معناه التقوقع، ونتيجته الحزن والكآبة وحرمان أنفسنا من التقدم إلى الأمام نحو الهدف ( في 3: 14 )، ويجعلنا نخسر نمونا الروحي ونحن نسعى خلف المسيح لنعرفه أعمق ( 1بط 4: 3 ). كفاكم دوران حول النفس أو حول الرغبات أو حول الناس! تقدموا إلى الأمام يا شعب الله! إن أمامكم رحلة، وأمامكم بركات تنتظر الامتلاك ومن ثم التمتع، فلماذا يضيع العمر هباءً؟!
ثالثًا: كفاكم قعودًا. وهذه الحالة قد تصور لنا الكسل وحب الاسترخاء من جهة، وقد تمثل لنا ـ من الناحية الشخصية ـ تعبًا أو فشلاً أو سقوطًا، دون أن يعاود الإنسان القيام لاستكمال المسيرة وكلا الأمرين قطعًا مُحزن. تمر السنون والحال على ما هو عليه، لا تقدم ولا نمو ولا امتداد للخدمة، ولا تمتع بالبركة، بل انكفاء على النفس واكتفاء بما وصلنا إليه! أية حياة هذه؟ وأية لذة تحملها إلى صاحبها؟ وأية بركات يجنيها مَن حوله منها؟ إنها والعَدَم سواء!
ليت الرب يعود فيُحيينا، ولنسمع تحريض الوحي الثمين "استيقظ أيها النائم، وقُم من الأموات فيُضيء لك المسيح" أف 5: 14 ).

بقلم / اسحق ايليا

الأحد، 2 أكتوبر 2011

تضرعنا وكفايته

تضرعنا وكفايته

تضرعت إلى الرب.... ولم يسمع لي بل قال .... كفاك
 ( تث 3: 23 ، 26) من جهة هذا تضرعت إلى الرب .. فقال لي تكفيك نعمتي
 ( 2كو 12: 8 ، 9)


ما أجمل اللجوء إلى الرب عند الضيق الشديد، أو الاحتياج المُلِّح، لنفرِّغ ما بنا أمامه على انفراد في عرش النعمة، ليس فقط لكينطلب“ مرة، بل ولنتضرع؛ أي نرفع توسلاتنا الحارة، وابتهالاتنا القوية لا مرة بل مرات. فليس مثل الله يقدِّر ويعرف ما بنا، كما أنه ليس مثله قادر على أن يُجيب طلباتنا بكلمة منه إن هو أراد.
وفي كلمة الله نقرأ هذه الكلمة صغيرة الحجم، عظيمة القيمة «تضرعت» ـ بحصر اللفظ ـ سبع مرات. المرة الأولى جاءت بخصوص موسى ورغبته في أن يدخل الأرض. والمرة الأخيرة كانت بالارتباط ببولس والشوكة التي في جسده. في حالة موسى كان هناك زلل قد حدث منه عندما فرَّط بشفتيه وبعصا غير مناسبة ضرب الصخرة مرتين عوضًا أن يكلمها كما أمره الرب. أما في حالة بولس فلم تكن المسألة زلة، بل كانت فرط إعلانات إلهية! وفي كِلا المشهدين المؤثرين لنا جملة دروس نافعة.

فسواء كان هناك خطأ من جانبنا أم لا، فإن الرب غير مُلزَم بالاستجابة لتضرعاتنا بالصورة التي نريدها. وهذان المشهدان يؤكدان بكل وضوح أن الصلاة لا تغير مشيئة الله مُطلقًا، بل هي بالحري تؤهلنا نحن لقبول هذه المشيئة؛ الإرادة الصالحة المرضية الكاملة ( رو 12: 2 ). وليست المسألة قط مرتبطة بالمستوى الروحي الراقي للمُصلي، ففي اليهودية لا نظير لموسى، كاتب أول خمسة أسفار في الوحي، وأول مَن حَمل هذا الوصف الشريف «رجل الله» في كل الكتاب. كما أنه بين كل الخدام والرسل في كنيسة الله لا نظير لبولس، رسول الأمم، ومِقدام الخدمة المسيحية في شتى صورها، وأكثر مَنْ استخدمه الرب في كتابة رسائل الوحي.
على أن الأمر المشجع أنه في كِلتا الحالتين، لم يتأخر الرب عن الاستجابة والرد، وإن كان بالرفض. ومن المعزي أن الرب في كِلا المشهدين قام بتعويض المتضرعين إليه، فعوَّض موسى عن عدم دخوله الأرض بأن رآها بعينيه، ثم أكرمه بأن دفنه بنفسه بعد ذلك، وفي نعمته أدخله إليها برفقته على جبل التجلي بعد نحو 1500 سنة. أما بولس فكان تعويض الرب له بأن «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل»؛ مزيد من النعمة يملأ فراغ الحرمان، ويشفي آلام الاحتياج

إسحق إيليا

الخميس، 29 سبتمبر 2011

قلوب متوافقة النغمات

قلوب متوافقة النغمات

لا يمكن ان يوجد المسيحي في ضيقة ولا يجد المسيح كفواً لها , كما أنه لا يمكن ان يسير في طريق طويلة مظلمة حيث لا يجد كفايته في شخصه المبارك . فراحة الله هي حيث يجد لشعبه راحة تامة . وهل تظنون  انه يمكن لله ان يجد راحة في هذا العالم ؟ وهل وجدتم أنتم راحة فيه ؟ فمع أن محبة المسيح له المجد قد تسامت فوق كل الشرور , إلا أنه لم يستطع ان يستريح , وعندما اتهمه اليهود بكسر وصية يوم السبت قال هذه الكلمات الحلوة الجميلة , "أبي يعمل حتي الأن وأنا أعمل" (يو 5 : 17) نعم , فهل كان يمكن للمحبة أن تستريح في وسط عالم الشقاء والويلات ؟

ولكن عندما يتغير جميع القديسين الي صورة المسيح في المجد , يسكت (يستريح) الله في محبته كما هو مكتوب في (صفنيا 3 : 17) (ويمكن تطبيق هذا علي انفسنا ايضاً) , ويري من تعب نفسه ويشبع , وسوف لا يكون هناك ما يمنع من التمتع بمحبة الله ومجده .

ما أمجد المستقبل المنير المبارك الذي أمامنا , حين تتم كل نتائج الفداء ويستريح الله لأن محبته لم يبق أمامها شء لتعمله لتشبع به نفسها , أما الأن فيريد الله ان تكون قلوبنا متوافقة مع قلبه في حياتنا اليومية , ولذلك يقول في (تث 8 : 2) ” وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ" فكأن الله يقول "ليتحدث قلبي الي قلبك قليلاً , فسأبين لك وأريك أني أعرفه جيداً" لقد أتي بنا الي نفسه ولذلك لا يمكن ان يستقيم أمرنا ما لم نكشف له كل ما في قلوبنا .

هل تظن أن أباً يحب أن قلبه يختلف كل الاختلاف عن قلب ابنه ؟ كلا بل علي عكس ذلك يريد أن روح ونفس وفكر ابنه تكون متفقة تماماً مع فكره لذلك يسير بنا الرب في البرية لتدريبنا علي هذا , يقول بولس الرسول " لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ" (أع 24 : 16) وخلاصة هذا التدريب هي هذه : هل قلبه متفق في كل شئ مع قلب الله ؟ لقد كان قلب ربنا يسوع كذلك ومن ثم استطاع ان يقول دائماً " لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ" (يو 8 : 29).

لقد سار أخنوخ مع الله ونال الشهادة بأنه أرضي الله , كان سائراً في حضرته فكانت النتيجة أنه أرضاه , وأنت لا يمكنك ان تسير مع الله دون ان ينكشف له كل ما فيك , فإن كان علي ضميرك شئ لا يمكنك ان تكون سعيداً في حضرته , وكل خطوة نخطوها معه ترينا شيئاً أكثر من صفاته , وكلما تقدمنا يزداد النور فنري أشياء جديدة يجب ان تدان لم نكن نعرف قبلاً بأنها تستحق الحكم ولكنها ظهرت الأن بحسب ازدياد معرفتنا لمجد الله .

مكتوب "لكي يذلك" ليري ما في قلوبنا ويقودنا الي العيشة بالإيمان "فَأَذَلَّكَ وَأَجَاعَكَ وَأَطْعَمَكَ الْمَنَّ" ألا تسأم نفوسنا أحياناً من هذا الطعام ؟ ألا يحدث أحياناً أن المسيح لا يشبع قلوبنا ؟ نعم متي كان القلب ساعياً وراء شئ أخر فلا يمكن أن المسيح يشبعه .

" لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ" لقد اقتبس المسيح هذه الكلمات وواجه بها الشيطان في البرية إذ لم يكن لديه امر بتحويل الحجارة الي خبز , وقد كان أخذاً صورة العبد ليفعل إرادة الله , " وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ" (1بط 1 : 25) , هذا هو ما يستند عليه الإيمان , ولنلاحظ شيئاً اخر وهو أنه حينما كان الشعب مستنداً علي كلمة الله لارشادهم لم يسمح الله لثيابهم أن تبلي , إذا كان مهتماً بكل ما يخصهم لأنه "َلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ" (مز 37 : 28) كما هو مكتوب  , ولا يصرف نظره عنهم لحظة واحدة " لاَ يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الْبَارِّ" (ايوب 36 : 7) .

ثم نأتي الي وجه اخر من الموضوع " كَمَا يُؤَدِّبُ الإِنْسَانُ ابْنَهُ قَدْ أَدَّبَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ" (تثنية 8 : 5) فأول كل شئ يجيزنا الرب في ظروف فيها يدربنا (وفي اثناء ذلك يطعمنا ويعتني بنا) ثم يأتي بنا الي التدريب علي كسر الارادة , ونحن نشاهد الله يفعل ذلك كل يوم , ولكن الإنسان لا يعرف أين هو ويتساءل هل الله الذي يفعل معه كذلك يحبه حقيقة , أنظر إلي (رومية 5) , فهناك نري ان الله يحبنا كما يحب المسيح وأننا نفتخر علي رجاء المجد حيث المسيح , ولكن ليس ذلك فقط – لا نفتخر علي رجاء مجد الله فقط , بل نفتخر ايضاً في الضيقات لأن الله لا يحول نظره عنا فيها , فضلاً عن ذلك فإنها تجعل الرجاء اكثر لمعاناً لأننا نقول أن راحتنا ليست هنا والرجاء يجعلنا لا نخزي إذ نجد المفتاح لكل هذا في محبة الله التي انسكبت في قلوبنا.

هذا هو طريق الله أن يجعلنا نعرف أنفسنا وهذا هو عمله أيضاً , ولا يوجد مجال للتساؤل عن محبته لأنه اعطانا المفتاح لهذه كلها , وكيف أثبت الله محبته ؟ هذا ما نراه في العدد التالي "المسيح ... مات .... لأجل الفجار" (رو 5 : 6) ثم يقول الرسول "وليس ذلك فقط" ماذا أيضاً ؟ "بل نفتخر أيضاً بالله" لأن الله يجعلني أعرف نفسي وأعرف نسياني لله , ولكن بهذه الطريقة يعلمني ان أفتخر بالله .

فالله يكسر ارادتي ويذل قلبي لكي يجعله متوافقاً معه , الإنسان الطبيعي يقول "أين أهرب من وجهك؟" ولكن في نهاية مزمور 139 يقول "اختبرني يا الله واعرف قلبي" هل قلبي متفق مع مقدار ما وصل الي معرفة للأمور الإلهية ؟ وهل استطيع ان أقول "اختبرني" ؟ إنها كثيرا ما تكون عملية مؤلمة ان يهديني الله "طريقاً أبدياً" .

أيها الاحباء يوجد طريق أبدي وفي هذا الطريق الأبدي يأتي الله ويمتحن القلب فهل ترضي بأن يختبر الله كل باعث وكل محرك في داخلك ؟ يجب أن ترضي إذا أردت ان تكون شركتك مع الله وفرحك فيه كاملين غير منقطعين .

" لِكَيْ يُحْسِنَ إِلَيْكَ فِي آخِرَتِكَ" (ع 16) أيها الاحباء إذا كانت قلوبنا تسير في سلام وشركة مع الله فلابد أن نتعلم أنه ليس فينا شئ صالح ونعرف الله في كمال محبته وفي هذا فرح وتمت لنا في الوقت الحاضر , وعندما يأتي الموت نعتبرها أسعد لحظة حين " نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ " (2كو 5 |: 8).

أيها الاحباء إذا أردتم ان تمجدوا الله وتسيروا في شركة مع الأب ومع الابن فيجب أن تتغلغلوا في معرفة الذات وأن تدربوا ضمائركم لكي تكون بلا عثرة وأن يكون المسيح في أعماق عواطفكم , وأن تكون سيرتكم بين الناس حسنة غير ملومة , يجب ان تتعلموا طرق الله معكم حتي تتوافق قلوبكم مع قلبه .

ياليت الرب يعطينا نعمة أن نعرف اكثر معني السير معه حتي يكون لنا نوع السلام الذي كان للمسيح في سيره هنا – سلام القلب الذي يختبره المؤمن في الشركة مع الأب والابن , وليت الله يعطينا ان نعرف معني جعل كل شئ في قلوبنا مكشوفاً أمامه !.

زدني اقترابا منك بالقلب                أنت الذي بالحب ترعاني
من قلبك انهار ذا الحب                 ضاءت فبارك وزد ربي إيمان

يوحنا داربي