الأحد، 26 مايو 2013

الفرق بين شفاعة المسيح وكهنوته

الفرق بين شفاعة المسيح وكهنوته


شفاعته
كهنوته
1-       شفاعة المسيح هي لرد نفس المؤمن عندما يسقط " فَالْتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ الرَّبِّ، كَيْفَ قَالَ لَهُ:«إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». "(لو 22 : 61)

2-       ان شفاعة المسيح هي لوقت الفشل والخطية " يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ  وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا " (1يو 2 : 1-2)

3-       ان شفاعة المسيح تبدأ عندما لا يسلك المؤمن سلوكاً لائقاً بالرب . "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ  وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا " (1يو 2 : 1-2)

4-       فهو شفيع عند الاب , فإذا دخلت الخطية لحياة المؤمن فلا تزال علاقته بالله الاب قائمة , وهذا يبين لنا ان علاقة المؤمن مع الله أبيه لا يمكن ان تفقد , لأن قوة الشر لا تقدر علي قطع العلاقة الثابتة والابدية لي كابن مع الله الأب , ولكن اصغر الخطايا لها القدرة علي قطع الشركة مع الاب والابن . "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ  وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا " (1يو 2 : 1-2)
5-       الرب يسوع كالشفيع لا يرثي لخطيتي , ولكنه يحزن بسببها "فَالْتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ الرَّبِّ، كَيْفَ قَالَ لَهُ:«إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». "(لو 22 : 61)





 
6-       الرب يسوع يشفع للمؤمن عندما يسقط علي اساس موته الكفاري الذي صنعه مرة والي الابد . "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ  وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا " (1يو 2 : 1-2)


7-       وفيما يتعلق الشفاعة فهو امين وعادل , لأن أساس الشفاعة هو عمل المسيح الذي عُمل مرة علي الصليب (الكفارة) , فالله امين وعادل لأن المسيح قد دفع ثمن الخطية علي الصليب بالفعل , والله لا يطالب بالثمن مرة اخري ." إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ." (1يو 1 : 9)
8-       عمل المسيح الشفاعي هو عمل متقطع , ولا يمارس بصفة مستمرة , ولكن هذا العمل يبدأ فقط عندما يسقط المؤمن ويقع في خطأ , وليس عندما يتوب عن الخطية ويعترف بها . ." إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ." , " يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ  وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا " (1يو 1 : 9 , 2 : 1-2)
9-       عندما يخطئ المؤمن او يفشل لا يذهب الي المسيح , وإذا ترك الامر لنا فإننا سوف لا ترد نفوسنا مرة اخري للمسيح , لأن المؤمن غير قادر علي رد نفسه بدون عمل المسيح كالشفيع , فالمؤمن المخطئ سوف لا يتوب ولا يرجع للرب من نفسه , لأنه مخلوق اعتمادي , فلا يستطيع ان ينقذ نفسه او يحفظ نفسه , ولكن عمل المسيح كالشفيع يقوده للتوبه والاعتراف بالخطية , وعندئذ ترد نفسه , وعندما يقوم المسيح بعمل رد النفس فهو غير محتاج ان يأتي إلينا , ولكنه يذهب للاب بالنيابة عنا , والروح القدس يستحضر ضميرنا الي محبة المسيح وكلمته (لو 22 : 61 , يو 13 : 4  (الماء) ) وتكون النتيجة رجوع المؤمن واعترافه بخطيته , وترد نفسه تماماً وحينئذ ترد شركته مع الاب والابن . " إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ " (1يو 1 : 9)
10-    بسبب عمل المسيح كالشفيع يستطيع المؤمن ان يتوب ويأتي متضعاً للاب ومعترفاً بخطيته وحينئذ ترد نفسه  . " إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ " (1يو 1 : 9)

1-       كهنوته هو لأجل الحفاظ علي المؤمن من السقوط " فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ"(عب 7 : 25)

2-       كهنوت المسيح فقط لأجل وقت الاحتياج في تجاربنا وضعفاتنا " لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ" (عب 4 : 15-16)
3-       توسطه كالكاهن كي ما نسلك السلوك اللائق " وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ" (لو 22 : 32)




4-       انه كاهن مع الله " مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ"(عب 2 : 17) , " فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ" (عب 7 : 25)

 

5-       ككاهن يرثي لضعفاتنا ويعيننا في تجاربنا " مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ  لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (عب 2 : 17-18) , " لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ  فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ" (عب 4 : 15-16)
6-       فهو بحياته كالكاهن في المحد يستطيع ان ينقذ المؤمن من السقوط في الخطية " لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ" (رو 5 : 10)  , "فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ" (عب 7 : 25)
7-       والمسيح كالكاهن في خدمته يدعي "أميناً ورحيماً" " مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ" (عب 2 : 17)



8-       عمل المسيح كرئيس الكهنة لأجلنا هو عمل دائم ومستمر " فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ" (عب 7 : 25)





 
9-       في  وقت التجربة والمحنة يذهب المؤمن الي المسيح كرئيس الكهنة ليجد معونة " فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ " (عب 7 : 25)










 

10-    بسبب عمل المسيح كرئيس كهنة يقدر المؤمن ان يتقدم بثقة وجراءة الي عرش النعمة لينال رحمة ويجد نعمة عوناً في حينه "لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ  فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ " (عب 4 : 15-16)


بقلم : بروس انيستي
ترجمة : عاطف فهيم

الأحد، 19 مايو 2013

الله لنا

الله لنا
رومية 8 : 31-39


في هذا الجزء من كلمة الله يُجمل الرسول اختبارات القلب وعمل النعمة , اولاً في اختبارات القلب هذه , ثم في اعلان الحرية الحقيقية من خلال الفداء الذي في المسيح يسوع , الذي نتمتع به كمفديين (متحررين) من كل ما كناه في الجسد , من الخطية ومن الشيطان ومن العالم وحتي من الناموس , ولكن الرسول بعد ان فصَّل كل هذه الامور وبعد ان اظهر الطريقة التي بها بحصولنا علي الروح القدس , اصبحنا اولاداً لله وورثة الله ووارثين مع المسيح وبعد ان اصبحنا مدركين لبشاعة العبودية والفساد الذي لا يزال يحيط بنا هنا يختتم الكل باظهار كيف ان قبل كل شئ وفي كل شئ وفوق كل شئ الله لنا وهو يبرز هذه الحقيقة العظمي لا ليظهر ان المسيح في السماويات بل انه معنا في مشاكلنا , وهو يظهر هذه الحقيقة وياله من امر مبارك حتي ان الرسول بولس يصل بها لله نفسه !! رغم انه يجتاز اضطرابات الحياة , ولكن قبل ان توجد التجربة وقبل ان توجد انت ان الله نفسه لك واذا كان الامر كذلك لا يهم ما الذي ضدك !! .
وبعد ان تعمق في اختبارات النفس قبل الفداء , وبعد ان اظهر ان الفداء قد تم يتناول الحقيقة العظمي التي تتربع فوق الكل , وتتخلل الكل , وهذا ليس ما هو نحن بالنسبة لله , لأننا كنا مدانين , وكما يقول في نفس هذا الاصحاح كنا أعداء لله , وغير خاضعين لناموس الله بل اننا في الحقيقة لم يكن ذلك ممكناً , لكن بالعملية التي كشف بها عن بؤسي اظهر لي اعلان ما هو لي أنا , والاستنتاج الذي يصل اليه من كل هذا هو : "إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا (لنا) ، فَمَنْ عَلَيْنَا؟" وسوف نجد انه بالطريقة التي ينظر اليها بها يتناول كل جوانب المسألة . وهو لا يكتفي بالنظر الي الحقيقة المجردة , ورغم ان هذا امر مبارك في حد ذاته لكنه يتناول كل جانب من الجوانب.
وانه لامر فائق القيمة – ايها الاحباء – ان نري الطريقة التي بها الله لنا , ليس فقط ان لا شئ يمكن ان يفوته , لكنه ينشغل بكل شئ يهمنا . تماماً كما يحدث ان شخصاً يصبح عليلاً , فإن صديقه لابد ان يعود للسؤال عنه والاطمئنان علي احواله , اما اذا كان طفلاً فإن امه تكون مهمومة جداً لأجله , وسوف تكرّس كل عنايتها وكل افكارها له إذ ان قلبها هناك , فهي بجملتها له , وكل شئ تبذله لأجله , بل انها سوف لا تسمح لك بالحضور اذا احدثت ضجة , ومع ذلك فهي لا تعدو كونها ام بشرية التي يمكن ان تنسي رضيعها "هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ" (أش 49 : 15) , وفي نفس الوقت انها نفس طبيعة محبة الله الكاملة في صورتها المتنازلة , لا شئ يمكن ان يفلت منه , وهو لا يهمل شيئاً , بالتأكيد في استطاعتنا ان نقول " إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا (لنا) ، فَمَنْ عَلَيْنَا؟" .
" اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ" (رو8 : 32) اول ما اجده هنا هو ان الله منعم جواد , فأقول لقد اعطي ابنه المبارك , ان لي الله كمعطي علي أعلي مستوي , حتي انه لا شئ يمكن ان يسمي بعد ذلك ابداً, ولاحظ المنطق ايضاً فإن الرسول يؤسس كل شئ علي ما هو الله في ذاته وما يفعله الله ليصل الي النتائج بالنسبة لنا , ليس الي ما هو فينا بالنسبة لله , ولو إنني اتخذت ما اجده في نفسي اساساً للتفكير لقلت انني انساناً خاطئ , والله لا يمكن ان يقبلني , بل لابد ان يدينني رغم انه قد يوجد قليل من الرجاء. هذا طالما ابني استنتاجاتي علي ما اجده في نفسي , فانه رغم انه قد توجد بعض افكار صحيحة عن الله الا انها جزئياً صحيحة وجزئياً خاطئة , وهذا ليس ايمانا ايها الاحباء . من الصحيح الي ابعد الحدود ان تعرف النفس ان الله ديان قدوس لكن التبكيت الصحيح علي الخطية يجعلنا نشعر ان الله لا يمكن ان يقبلنا .
خذ علي سبيل المثال الابن الضال , لقد تغير , ورجع الي نفسه , وعرف صلاح ابيه , لكنه بدأ علي الفور يطلق العنان لاستنتاجاته علي اساس ما هو , ومن ثم قرر ان يقول " وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ" (لو 15 : 19) لقد ظن ان هذا هو الوضع الأوفق له في بيت أبيه , كان اعترافه بالخطية في محله , ولكن استنتاجاته كانت خاطئة , وهذا ما يفعله الناس الأن , وهو امر طبيعي تماماً لو ان هذا هو كل ما علينا ان نعرفه , لكنهم يمزجون الحق بمفاهيم الناس كما فعل الابن الضال إذ خلط احساسه بالخطية الذي كان في محله مع افكاره الخاصة عن ابيه التي كانت خطأ فادحاً , وعندما نفكر بهذا المنطق فإن هذا معناه اننا لم نلتقي بالله , لأن الابن الضال بمجرد ان قابل اباه كان قد أُلبس الحلة الأولي ووقع علي عنقه وقبله , والي ذلك الحين لم يكن قد وصل الي شهادة الاب علي معاملاته بناء علي ما كانه هو في ذاته .
وهذا بالضبط هو نفس الاسلوب الذي يتبعه الروح القدس عندما يجري استنتاجاته عن الله , قد تفكر النفس بأنها حقيرة , لكنها بذلك تبرهن علي انها لم تنطرح علي النعمة بتبكيت كاف علي الخطية , ولكن الرسول قد تعمق في كل الامر , وهو يتساءل اذا كان الله قد بذل ابنه الوحيد فما الذي يرفض ان يبذله بعد ذلك !! لقد امسكت بهذه الحقيقة ان الله لم يشفق علي أغلي وأعظم من في السماء , فأقول ما الذي يرفض ان يبذله معه ؟؟ , لو كانت عليّ ديون فإنني لن احب ان اطّلع علي دفاتري (هذا ان كنت غير امين) لأنني اعرف ما الذي سأجده هناك في تلك الدفاتر , كل ما فيها يضغط علي اعصابي بشدة , لكن اذا جاء واحد ودفع كل ديوني , فإنني لن اخشي (بعد سداد هذه الديون) ان اطلع علي تلك الدفاتر , بل افتحها علي اخرها , وعلي قدر ما اري من ضخامة هذه الديون علي قدر ما يزداد تفكيري بالامتنان للشخص الذي قام بسدادها , وهكذا الحال مع الفداء , إن نتيجة ادراكي لعظمة ما قد عمل هي ان يجعلني ذلك اكثر تفكيراً في ذاك الذي هو لأجلي (الله) وهكذا فإن التوبة تلازم الشخص باضطراد كل ايام حياته , لأنني كلما عرفت الله أكثر كلما رأيت بشاعة الخطية , لكن اول كل شئ هو ان الله هو المعطي , واذا كان قد بذل ابنه , فإن المجد قد جاء كنتيجة طبيعية , وعلي قدر ادراكي لعظمة المسيح علي قدر ما تزداد رؤيتي لذلك الامر , ان وجودنا في المجد معه ما هو إلا كونه يري من تعب نفسه " مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، " (اش 53 : 11)  وما لم نوجد في المجد لن يري من تعب نفسه – هذه هي النتيجة الطبيعية .
لكن الرسول يستطرد طارحا هذا التساؤل " مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ " فالله لي سواء فيما يختص بالخطايا في محوها أو فيما يختص بالبر , فهو لا يقول فقط انه قد تبرر من قبل الله بل يقول ان الله هو الذي يبرر , لذلك فماذا يهم ان يشتكي الشيطان كما فعل مع يهوشع الكاهن العظيم في سفر زكريا " أَفَلَيْسَ هذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟" (زك 3 : 2) . هل تريد ان تطرحه هناك مرة اخري ؟ في مقدورنا ان نهتف بانتصار : من يديننا ؟ بالطبع هو امر مناف للعقل ان نفكر في ذلك , ان البر هنا هو ان المسيح هو بري . انا في المسيح الذي مجّد الله , وأنا اقف امام الله في المسيح , وهو قد قال : " الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللهُ فِيهِ. إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ، وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعًا" (يو 13 : 31-32) , لقد مجّد عمل الصليب كل ما هو الله (كل صفات الله) , والأن المسيح في المجد ,  وأنا إنسان بار فيه , ليس فقط ان كل ما كنته في ادم قد مُحي , بل " لأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هذَا الْعَالَمِ، هكَذَا نَحْنُ أَيْضًا" (1يو 4 : 17) او حسب الترجمة الأدق كما هو هكذا نحن في هذا العالم .
ثم يأتي امر اخر . إذ يمكن لنا ان نتوقع كل شئ بعد ان اعطانا الله ابنه , ومع ذلك ففي الحقيقة توجد صعوبات في الطريق نستطيع ان نقول نفس الشئ "الله ليّ" لكن لاحظ كيف يغير الضمير فيقول " مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ "  لماذا تحوّل الي المسيح , بالتأكيد ان هذا يعني محبة الله في المسيح , لكن لماذا لا يقول محبة الله ؟ لأنه علينا ان نتعامل مع الشخص الذي جلس عن يمين الله بعد ان كان هنا في وسط المشاكل والصعوبات , تقابلنا صعوبات ومشاكل من كل اتجاه , الاضطهاد في العائلة (قد لا يكون ظاهراً لكن من الصعب احتماله) , لقد صادف المسيح مثل هذا ايضاً , قد تقول : هم يقولون عني اني مجنون , لقد اراد اقارب المسيح ان يأخذوه لأنهم ظنوه مختل العقل ايضاً " وَلَمَّا سَمِعَ أَقْرِبَاؤُهُ خَرَجُوا لِيُمْسِكُوهُ، لأَنَّهُمْ قَالُوا:«إِنَّهُ مُخْتَلٌّ»."(مر 3 : 21) , ولذلك فإن الرسول يأتي أمامنا بنفس محبة المسيح الذي تنازل " مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ " فنحن هنا قد وجدنا المحبة الإلهية التي تنازلت لكي تختبر كل ما نحن نجتاز فيه , اريد ان اعرف مواساة المسيح او تعاطفه , لن اعرف ذلك عندما سامحني الله , فالله لا يعرف الشفقة في تعامله مع خطاياي , لكن في التجارب , فإنني بالتأكيد اريد ان اعرف ان المسيح تألم إذ قد جُرّب
" مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ هل القوات والرئاسات ؟؟ لقد تجرب المسيح منهم وغلبهم جميعاً من أجلي , لذلك فهم لا يمثلون أي عقبة في الطريق . "فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ " وماذا عن الحياة , لقد دخل المسيح الي مداها ايضاً , وكان له الكثير من الالام والاحزان فيها , وكلما تألمنا اكثر كلما كان ذلك افضل لنا , لكنه قد قال "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ" (يو 14 : 27) الحياة لا تستطيع ان تفصلني عن محبة المسيح , "لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ" (في 1 : 21) وماذا عن الموت ؟ وهذا ايضاً لا يستطيع ان يفصلني بل انه سيحملني اليه , والموت ربح , والاضطهادات ؟ ليس فقط انني سأفتخر فيها بل ان المسيح سيكون معي فيها , في كل هذه الامور اتعلم ان اعرف نفسي أنني كيان لا ينفع شيئاً كما أتعلم امانة المسيح , قد اعرف انساناً رحيماً , لكنني اذا استمريت اعرفه لمدة ثلاثين عاماً سأحصل علي اختبار هذا الامر , ليس انه قد تغير , لكنني سأعرفه اكثر , سأجد المسيح الذي اخرجني من المشكلة العظمي هو الذي يتشفع لي الأن , وهو لا يكرر ما فعله عند البداية , لكن نوعاً من الثقة يتزايد مع اختبار كل يوم , سأجد المسيح هو هو لا يتغير , إنني اخجل من نفسي بسبب افتقاري للثقة فيه , واستعلان نعمته يعطيني تألفاً مع معرفته (اقول هذا بكل وقار واحترام) وايضاً يعطيني ثقة وجرأة – شعوراً سعيداً بالثقة "وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا (اكثر من منتصرين) بِالَّذِي أَحَبَّنَا" لأننا نتعلم المسيح الذي هو نصيبنا الابدي ونتعلم انفسنا التي نحتاج ان نتخلص منها , كل الخليقة قد تكون ضدنا , لكنها في النهاية ليست سوي خليقة .
الله ليّ , ليس هنا في محبته كمطلق العظمة الذي فكر فيّ تفكيراً حسناً عندما لم أفكر انا فيه , لكنها محبة الله في المسيح , في ذاك الذي اجتاز في كل الصعوبات من اجلنا : الحياة أم الموت "أَمِ الْحَيَاةُ، أَمِ الْمَوْتُ، أَمِ الأَشْيَاءُ الْحَاضِرَةُ، أَمِ الْمُسْتَقْبَِلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ.", (1كو 3 : 22) , ومن اجلنا لاقي الغضب والضيق والمقاومة والاضطهاد , والان فأنا أري ان نفس الشئ الذي يمكن ان يعترضني هو الذي اجتاز فيه المسيح من أجلي , وهذا شاهد علي المحبة التي اجتازت في كل شئ من اجلي , كل ما يهم الشخص الذي يحبه الله يهتم به المسيح , وبهذه الطريقة علينا ان نتمادي لنصل الي المجد , الي المسيح ان شئت – بكامل الادراك ان المسيح قد اوصلنا الي هناك (الي المجد) وإلا فنحن مثل بني اسرائيل في مصر , عندما اجتازوا البحر الاحمر انتهي كل شئ , لقد تركوا مصر , الفداء اخرجهم , اذ نتحدث الان عن ان العمل قد انجز , فإن الفداء وراءنا , ان غفران الخطايا ليس هو كل ما في الفداء رغم انه مشتمل فيه .
لكننا قد اخرجنا من الحالة التي كنا فيها , الي حالة اخري تماماً كما حدث مع اسرائيل , اذ انهم – رغم وجودهم في مصر – لم يمسهم القضاء عندما حل , لكن هذا لم يكن هو كل شئ , فقد اخرج الله اجسادهم ايضاً , وهكذا هو يخرجنا خارج دائرة الجسد (لست اقصد الاجسام , فهذا لم يتم بعد ) وهكذا فإن الله قد اتي بالاسرائيليين الي حالة جديدة تماماً الي البرية , وهناك كانت لهم السحابة طوال الطريق , كما كان لهم المن (طعاما) , وهناك ثيابهم لم تبلي وارجلهم لم تتورم , كل شئ كان مصدره الله , صحيح انه كان لهم ان يجمعوا المن تماماً كما ان الاجتهاد مطلوب منا في امور الله , ثم بعد ذلك اجتازوا الاردن حيث بدأت الحروب , وعندئذ نجد ان الرب يأتي الي يشوع كرئيس جند الرب , وعندما جاء اليه كالقائد امره ان يخلع نعليه لأن المكان الذي كان واقفاً فيه مقدس .
هذه هي الخصائص المميزة لطرق الله , ليست القضية هي الفداء هنا , لقد اخرجنا الله لنفسه (من حالتنا الأولي) , لكن بعد ان خرجنا كل امر ذو وزن عندنا ينبغي ان يكون بحسب قداسة الله , لأننا موعدون لأن نكون في شركة مع الله , والشركة تعني السعادة المشتركة , الافكار المشتركة والمشاعر المشتركة , ان سرور الاب هو في ابنه , ونحن لنا شركة معه في ذلك , وهكذا فإن شركتنا هي مع الاب وابنه يسوع المسيح , و" إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ" (1يو 1 :6) فالرسول يستحضر صفة الله كالقدوس لكي ما يزيد التأثير علي الشخص المؤمن .
وهكذا فان نتيجة الفداء هي انه يأتي بنا الي الله , وعندما يؤتي بنا الي هناك يمكننا ان نقول " اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي" (مز 139:23) , لأنه يختبرنا فعلاً ليس بقصد الادانة , بل لكي يطهر , ولذلك فنحن نرغب في ان يفعل ذ        لك , ومن ثم فإنه فكر مبارك – ايها الاحباء – انه بينما قد اجتاز المسيح في كل ما يمكن ان يصادفني من مشاكل او صعوبات , فإنه يشكلني حتي اكون ملائماً لمكاني هناك في المجد , وهذا صحيح من كل جانب,  انه ما لم تصل النفس بقدر كاف للاحساس بالخطية وما لم تجد المسيح ككل شئ فيما يخص التبرير فإنها لن تفهم النعمة , ليعطينا الرب وحده ان نعرف في قلوبنا وضمائرنا ان علينا ان نتعامل مع الله , ليس كما كان يتعامل اسرائيل لأن الحجاب قد شق الان من أعلي الي اسفل , وينبغي ان نسلك حسب النور , إذ قد جئ بنا الي النور , هذا ما أتمناه بكل شدة لنا جميعاً , ان نعرف الفداء الكامل وأن يكون لنا الادراك ان النتيجة هي ان يؤتي بنا الي الشركة مع الاب ومع ابنه حتي ان كل ما لا يتفق مع قداسته يجب ان يُحكم عليه ويزال .

بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : د. بطرس ابو اليمين

الاثنين، 13 مايو 2013

العناية الأخوية والخطأ الشخصي

العناية الأخوية والخطأ الشخصي

 هل آخذ في فكري من تلك اللحظة كقضية مسلَّم بها، إن أخي هذا لا يمكن استرجاعه؟ كلا. كيف أعرف أن طريقتي في التعامل معه لم تكن هي السبب في فشلي؟ أو قد يحدث أنه في أثناء مقابلتنا أنه يعتقد أنني أثبت له أن تصرفه هذا لم يكن له أي مبرر، أو أنني عزوت إليه دوافع لا يظن هو أنها تتوافر عنده، وفي هذه الحالة يجب علىَّ أن آخذ معي «واحداً أو اثنين، لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة» (ع 16)، وحتى إذا لم تنفع هذه الخطوة، فإن هناك خطوة أخرى يجب أن تُتخَذ: يجب أن أخبر الكنيسة. فلو أنه بعد كل هذا أصر المُسيء على عناده - أي إذا لم يعمل فيه الندم - فالكلمة إذن «فليكن عندك كالوثني والعشار» لأنه لا توجد للقديسين محكمة عليا على الأرض يلجأون إليها سوى «الاثنين أو الثلاثة» المجتمعين باسم الرب (ع 18 - 20). على أن هناك خطراً آخر يتعرض كل واحد منا أن يقع فيه إذا لم يتخذ له الحيطة التامة. فيمكنني مثلاً أن أذهب إلى الأخ الذي أخطأ إليَّ، بطريقة قانونية جافة، أذهب إليه والرغبة في إرضاء ضميري أكثر عندي من الرغبة في ربح أخي، أذهب إليه فقط لكي أُظهر أنني تصرفت معه روحياً، وأعاتبه. ولكن بدلاً من أن أجده جافاً غير نادم أجده على العكس خاضعاً خضوعاً تاماً، ويعترف بصراحة أنه أخطأ إلىَّ مُظهِراً كل علامات انكسار القلب الحقيقية. ولكن ما الذي يحدث؟ يا للأسف!! أكون أنا مهتماً بالإساءة التي لحقتني أنا، أكثر من اهتمامي برجوع أخي إلى شركته السعيدة معي، وآلام كبريائي الجريحة تنسيني واجبي الروحي، ويظهر بصورة محزنة أنني أُفضّل لو أن أخي انحرف عن الطاعة بدلاً من أن أُظهِر له التسامح لأنه ندم، فتكون النعمة قد عملت فيه، ولكن لم تعمل فيَّ، وفي قلبي أنا لأسامحه.ويبدو أن الجزء المتبقي من هذا الأصحاح مقصود به هذه الحالة، فلندرسه جيداً معاً. في عدد 21 يوجه بطرس إلى الرب هذا السؤال: «كم مرة يخطئ إلىَّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟» والإجابة على هذا السؤال كما يلي: «لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات»، ثم بواسطة كلمة «لذلك» يربط هذه الحقيقة بمَثل السيد الرحيم والعبد القاسي. قضيتا دائن ومدين تُعرضان أمامنا في هذا المثل. المديون الأول عليه لسيده عشرة آلاف وزنة، ومع ذلك فعند اعترافه بالدين، وعند إظهاره الرغبة لتسديد مطالب الدائن، سامحه سيده بكل الدين على الرغم من ضخامته. ثم يترك نفس العبد محضر سيده المُنعِم ويجد أحد العبيد رفقائه كان مديوناً له بمائة دينار. فيمسكه من عنقه ويطلب منه أن يسدد دينه في الحال. ويعترف المديون المسكين بالدين ويظهر استعداده أن يوفي مطالب الدائن العادلة. ولكن ماذا نجد؟ لا نجد أية رحمة أو أي احتمال، وإنما طرحه في السجن «حتى يوفي الدين».والآن لاحظ الأعداد الآتية إذ أنها مليئة بالتعليم الخطير النافع لنا. عندما رأى بقية العبيد مثل هذا التصرف «حزنوا جداً» وأخبروا سيدهم الذي استدعى العبد الجاحد، ووجه إليه هذا اللوم «أيها العبد الشرير، كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إليَّ. أفما كان ينبغي أنك أنت أيضاً ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا؟» (ع 32، 33)، ثم نقرأ بعد هذا «وغضب سيده وسلمه إلى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه».ثم يطبق الرب المَثل كما يلي: «فهكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته». وغني عن البيان أن هذا المَثل لا يحدثنا عن خلاص النفس، ولكن عن مبادئ حكم المَلك في ملكوته، تلك المبادئ التي تنطبق على المؤمن الحقيقي كما تنطبق تماماً على المعترف الاسمي. إنها حقيقة لا يمكن تغييرها أن المسيح حَمَل على الصليب إلى الأبد نتائج خطايا كل مؤمن، ولكن فيما يختص بسلوكنا في هذا العالم فهناك مبدأ لا يمكن التحول عنه في حكم الله يقضي بأن «ما يزرعه الإنسان فإياه يحصد أيضاً» (غل 7:6).  ويوجد مبدأ عام آخر في سياسة حكمه موضح في مزمور 25:18، 26 «مع الرحيم تكون رحيماً. مع الرجل الكامل تكون كاملاً. مع الطاهر تكون طاهراً، ومع الأعوج تكون ملتوياً». وأيضاً في متى 7:5 نقرأ القول «طوبى للرحماء لأنهم يُرحَمون». والآن أي واحد منا عندما يستعرض تاريخه الماضي سواء كقديس أو كخاطئ، وعندما يفكر في آثار حكمه على كل ما قاله أو فعله، يقدر أن يقول: "أنا لست في حاجة إلى حكم الرحمة"؟ ألا يشعر بالحري كل واحد منا أننا نحتاج كثيراً إلى الرحمة نظير تلك الرحمة التي وجهت إلى ذاك المديون بعشرة آلاف وزنة؟ وألا يجدر بنا أن نقول: لا شيء سوى الرحمة تنقذنا. لا شيء سوى الرحمة الكاملة الغنية.
فلنتذكر إذن إن وجدنا في أنفسنا ميلاً لأن نكون جفاة قساة غير مسامحين لإخوتنا. لنتذكر أنه بينما الله عن طريق نعمته لا يذكر خطايانا وتعدياتنا فيما بعد، إلا أن أحكامه تنص على ما يلي «لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم» (مت 2:7)، «لأن الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة، والرحمة تفتخر على الحكم» (يع 13:2). ولنضع في بالنا ذلك التحريض الثمين الموجه إلى القديسين في أفسس «وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح» (أف 32:4).
أليس أمراً يستحق الملاحظة والاعتبار أن الأصحاح الذي يعلمنا الأمور المختصة بالمركز الذي نجتمع إليه (مت 20:18)، يشابه كثيراً في مجال تعليمه الأدبي الأصحاح الذي يعطينا أساس اجتماعنا أي حقيقة الجسد الواحد؟ (أف 4). في متى 18، كما لاحظنا، نشاهد أن روح الأولاد في التواضع وفي التفكير بالنعمة في صالح الآخرين، تعرض أمامنا كالروح التي يجب أن تتمثل فينا. وفي أفسس 2:4 نقرأ التحريض القائل «بكل تواضع، ووداعة، وبطول أناة، محتملين بعضكم بعضاً في المحبة».قيل إن رجلاً أعمى سُئِل لماذا يحمل مصباحاً وهو سائر ليلاً، فأجاب إن النور بالنسبة له لا يحفظه من الوقوع لأنه أعمى، وإنما يمنع الآخرين من التعثر فيه. ليت الرب يجعلنا نسير «كأولاد نور»، عندئذ لا نتقي شر الوقوع فحسب، بل أيضاً لا نهيئ مجالاً للآخرين ليعثروا فينا. ليت عنايتنا بالآخرين في نور الله تظهر أكثر (2كو 12:7؛ 1كو 25:12)، متذكرين بأن ذاك «الرحيم» «أمين» (عب 17:2) و «القدوس الكامل» هو أيضاً «بلا شر» أي «لا يؤذي أحداً» (عب 26:7). ويجب ألا نحاول أبداً أن نظهر الرحمة على حساب المبدأ الإلهي والقداسة العملية، كما أنه يجب ألا نظن خطأ أن الصلابة والقساوة هما الثبات والإخلاص

كاتب غير معروف

السبت، 11 مايو 2013

سر النصرة الحقيقية

سرّ النُصرة الحقيقية
يشوع (5)

يمكنني القول ان هناك فارقاً محسوساً بين نتيجة الخلاص الذي حققه لنا المسيح وبين ما يؤهلنا للتمتع بالامور التي لنا في الوطن السماوي , لقد كان فداء اسرائيل كاملاً من جهة فرعون , إذ قد انتهي الي الابد , وعندما ادخل اسرائيل الي البرية كان فداؤه كاملاً , وهو نفس الحال معنا , وفي عبورنا البرية , يُعطي لنا المسيح كالسحابة وكالمن وكالماء من الصخرة , جميع ما هو لازم وضروري لنا , وهذا يأتي من نعمة الله الخالصة , لا يوجد أي ذكر للصراع في كل هذا بل الله يعطي المحتاج : السحابة والمن والماء , كلها دائماً موجودة , المسيح يُعطي لنا لسد كل عوز او احتياج , ولكي يعطينا قوة للترحال خلال البرية .
واذا نظرنا الي انفسنا لوجدنا انفسنا عاجزين عن التمتع بالامور التي تخصنا , ليست القضية الان هي الدخول الي البرية بل الدخول الي كنعان , لابد من عبور الاردن , وكل غلطة ترتكب هنا انما نرتكبها في حضور عدو نفوسنا , وهي تضعفنا وتفسد استمتاعنا بما لنا في المسيح , فالمؤمن طالما هو داخل السماويات يكون في دائرة تواجد العدو " مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ "(أف 6 : 12) , وما لم يكن اميناً فإنه سيكون عاجزاً عن التمتع بالمواعيد التي له .
فعلينا ان نعبر ما يعيق طريقنا , الاردن نري فيه الموت , لقد حول المسيح الموت الي معبر او الي طريق لأن الرسول بولس يقول "أَبُولُسُ، أَمْ أَبُلُّوسُ، أَمْ صَفَا، أَمِ الْعَالَمُ، أَمِ الْحَيَاةُ، أَمِ الْمَوْتُ، أَمِ الأَشْيَاءُ الْحَاضِرَةُ، أَمِ الْمُسْتَقْبَِلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ" (1كو 3 : 22) فالموت هو لنا , ونحن لا نستطيع ان نتمتع بمواعيد الله لنا إلا بقدر ما نكون قد متنا عن كل شئ هنا علي الارض , الانسان محسوب ميتاً , استمر المن الي ان وصلوا الي الاردن , فالمسيح موجود هناك لكي يعطينا القوة لأن نتقدم الي الامام , لكن يوجد شئ اخر الا وهو التمتع بالكنوز التي لنا في السماء , ومن اجل هذه الغاية لابد ان نكون أمواتاً لكل ما هو هنا علي الارض , وإذا لم أتحقق من هذا الموت الان فلن يمكنني التمتع بالسماويات , فعندما يتوقف نشاط الجسد ونكون بالإيمان في السماء حينئذ يمكننا ان نأكل من ثمار الارض , اقول ان هذا شئ وكوننا مجرد عابرين في البرية ولنا المسيح لكفايتنا وسداد لاعوازنا فهذا شئ اخر , فنحن مدعوون للتمتع بالسماويات , ولكي نفعل ذلك لابد ان نكون قد عبرنا الاردن أي الموت , وهناك يمكننا ان نأكل من ثمار ارض الموعد .
وأول كل شيء فعله يشوع قبل الدخول في خضم المعارك هو انه ختن شعب اسرائيل , وهو ما يعني خلع جسم الخطايا (الجسد) او عار مصر , فقبل تجديدنا لم نكن إلا جسديين , "وَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «الْيَوْمَ قَدْ دَحْرَجْتُ عَنْكُمْ عَارَ مِصْرَ». فَدُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَكَانِ «الْجِلْجَالَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ" هذا هو عار مصر وتلك كانت الثمرة الوحيدة لتلك الأرض , خُتن اسرائيل في الجلجال , وهذا هو محو كل ما تبقي من ارض مصر الي ذلك  الوقت , فعلينا ان نعود دائماً الي الجلجال , ولابد ان تكون خيمتنا موضوعة في الجلجال , ولابد من قطع الشر هناك , ثم بعد ذلك يحتفلون بعيد الفصح , الامر الذي لا يذكر انه صُنع في اثناء البرية , فقد كانوا عندئذ غير مختونين , فالشركة الحقيقية مع عمل المسيح لا تكون الا عندما يكون المؤمن مختوناً , عندما يكون الشر قد رُفع من الوسط , ونكون قد حكمنا علي أنفسنا , وهنا لكي يتم الاكل من الفصح كان لابد ان يُجري هذا الختان في الجلجال , فالقداسة بدون هذا الختان تصبح امراً مرعباً , ولكن مع وجود الختان استمتع بقداسة الله في المسيح , فالفريك المشوي يمثل المسيح المقام من الاموات دون ان يري فساداً , ونحن نتلذذ به , فهو شئ به نتغذي , وليس فقط كافيا لسد جوعنا طالما نحن في البرية " وَأَكَلُوا مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ فِي الْغَدِ بَعْدَ الْفِصْحِ فَطِيرًا وَفَرِيكًا فِي نَفْسِ ذلِكَ الْيَوْمِ " (يشوع 5 : 11) .
لكن لكي نصبح مهيئين للحروب الروحية , ومن اجل الاستمتاع الروحي لابد ان نكون امواتاً لهذا العالم , وللخطية , ولابد ان يكون هناك تجرد او خلع للجسد , فعلينا ان نعود الي الجلجال للحكم علي الجسد , هذه الامور تسبق استعلان رئيس جند الرب كاشفاً عن ذاته لنا من اجل الخوض في المعركة , فعندما يكون قد اجري الختان وتم عمل الفصح , يمكننا ان نتغذي علي امور كان من شأنها بدون هذا الختان ان تؤدي الي موتنا وادانتنا (تك 17 : 14 , خر 12 :48) , والمسيح يقدم نفسه كقائد لنا في المعركة , وطالما هو رئيس جند الرب , فهو يقدم نفسه في ذات القداسة التي قدم نفسه بها الي موسي عندما اعلن له عن اسمه " فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». " (خر 3 : 14) فعندما يقود الله شعبه الي المعركة والانتصار يكون هو نفسه إله القداسة مثلما كان عند اكماله عمل الفداء , وهذه القداسة تُستعلن بنفس الوضوح في سلوك شعبه , فبسبب خطية عخان لم يخرج الرب مع شعبه للحرب , فلا مشاكل يمكن ان توقفنا عندما يكون الله موجود في المشهد , كما ان الشعب لا يمكنه الصمود امام اعدائه عندما لا يكون الله معهم .
فمن اجل التمتع بالسماويات لابد من وجود الاردن والجلجال أي الموت وخلع الجسد , هناك نأكل من ثمار ارض الموعد , وياله من مكسب عظيم وامر ثمين ان نتحقق من امتيازنا بأن نكون قد انتهينا من الخطية , فالامران صحيحان بالنسبة للحياة المسيحية , البرية والرب في كنعان , ولكي نكون اقوياء , لابد ان نكون امواتاً للجسد , وعندئذ يكون كل شئ لنا , والمسيح لنا بقداسته وقيامته من الاموات , ويكون لنا الرب نفسه قائداً لنا من نصر الي نصر , وقائلاً لنا " فَقَالَ رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ لِيَشُوعَ: «اخْلَعْ نَعْلَكَ مِنْ رِجْلِكَ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ هُوَ مُقَدَّسٌ». فَفَعَلَ يَشُوعُ كَذلِكَ " (يش 5 : 15) فخلع النعل هنا يعني السلوك بالقداسة اللائقة بالرب كقائد للانتصار .
ليعطنا الرب نعمة لنستفيد من موت المسيح , ونتمتع بثمرة الارض وجميع ما هو لنا في المسيح , ولتحقيق هذه الغاية لابد ان نكون امواتاً للجسد , وان يكون لنا القلب المختون  , ونعود للجلجال  للحكم علي الذات من اجل ان يكون لنا في محلتنا رئيس جند الرب , فنحن ضعفاء وماذا اقول ؟ ضعفاء لكن المسيح هو قوتنا !! , فنستطيع ان نستمتع بما هو موهوب لنا في كنعاننا السماوية !! .
بقلم : يوحنا داربي


الخميس، 9 مايو 2013

دعوة ابراهيم - تك 12

دعوة ابراهيم

تكوين (12)

فى زمن كالوقت الحاضر، الذى انتشرت فيه المسيحية الاسمية انتشاراً كبيراً، من المهم بنوع خاص أن يكون المسيحيين مقتنعين اقتناعاً عميقاً بضرورة التحقق شخصياً من دعوة الله، الأمر الذى بدونه لا يكون هناك استمرار أو ثبات فى الطريق المسيحى.
إنه لأمر سهل جداً أن نجاهر بالإيمان فى وقت تنتشر فيه المجاهرة، ولكنه ليس من السهل مطلقاً أن نسير بالإيمان، ليس من السهل مطلقاً أن نطرح الأمور الحاضرة على رجاء «الأمور العتيدة».  لا شىء سوى ذلك المبدأ القوى، الذى يشير إليه الرسول بالقول «الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى» (عب1:11)، يقدر أن يمكن الإنسان من الاستمرار فى طريقٍ، إذ هى فى عالم فيه كل شىء مغلوط وكل شىء مشوش، لابد أن تكون شائكة وصعبة.  ينبغى أن نشعر أننا مدفوعون بأمر عتيد أن يأتى، شىء يستحق الانتظار، شىء يعوض كل أتعاب طريق السائح الشاقة؛ قبل أن ننهض للتخلص من ظروف الطبيعـة والعالم لكى «نحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا» (عب2:12).
كل هذا ممثل أحسن تمثيل فى أبرام، وهذا التمثيل يزداد إيضاحاً وقوة من المباينة الظاهرة بينه وبين حياة لوط والآخرين الداخلين ضمن نطاق القصة.
فى الأصحاح السابع من سفر الأعمال نجد الكلمات الآتية، التى تتجه مباشرة إلى الموضوع الذى أمامنا: «ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو فى ما بين النهـرين قبلما سكن فى حاران وقال له اخرج من أرضك ومن عشيرتك وهلم إلى الأرض التى أريك» (ع2،3).  هنا نواجه أول شعاع من ذلك النور الذى جذب أبرام من ظلمة «أور الكلدانيين»، والذى إذ سطع على طريقه، المتعبة من وقت إلى آخر، أعطى نفسه قوة جديدة بينما هو يسير متجهاً إلى تلك «المدينة التى لها الأساسـات التى صانعها وبارئها الله».  «إله المجد» جعل أبرام  يرى فى ضوء طبيعته الحالة الحقيقة للأشياء التى فى أور، وأكثر من هذا أن يعتقد، كما لاحظ بعضهم، بشىء خاص بالمجد والميراث العتيدين.  لذلك لم يتردد، ولكنه حالاً جهّز نفسه للرحيل.
على أننا، عند المقارنة الدقيقة بين فاتحة الأصحاح السابع من سفر الأعمال وبين تكوين 1:12، نحصل على مبدأ هام؛ فمن الوقت الذى ظهر فيه الله لأبرام إلى أن وصل أخيراً إلى أرض كنعان، حدثت حادثة تتضمن تعليماً عميقاً لنا.  أقصد أن أشير إلى موت والد أبرام إذ نقرأ فى أعمال 7 «ومن هناك نقله بعدما مات أبوه إلى هذه الأرض التى أنتم ساكنون فيها» (ع4).  هذا يمكّننا من فهم قوة التعبير الوارد فى تكوين1:12 «وكان الرب قد قال لأبرام».  من هذين النصين يظهر جليا أن تحرك تارح وعائلته والوارد ذكره فى تكوين31:11 كانت نتيجة إعلان من «إله المجد» لأبرام.  ولكن لا يظهر أن تارح وصله إعلان مثل هذا من الله.  إننا نرى فيه بالأحرى عقبة لأبرام أكثر من أى شىء آخر؛ لأنه قبل أن يموت لم يستطع أبرام أن يأتى إلى أرض كنعان؛ موطنه المعين من الله.
والآن فهذا الظرف الذى قد يظهر للقارئ السطحى تافهاً، يثبت بأقوى كيفية الحقيقة السابقة الذكر، وهى أنه ما لم يتحقق الإنسان شخصياً من دعوة الله؛ إعلان «إله المجد»، فلا يمكن أن يكون هناك استمرار أو ثبات فى الطريق المسيحى.
لو أن تارح تحقق تلك الدعوة، ما كان ليصبح عقبة لأبرام فى طريق إيمانه، ولا كان ليسقط، كمجرد ابن للطبيعة، قبل أن يصل أرض الموعد.
سنجد نفس المبدأ موضحاً فى حياة لابان فيما بعد فى تكوين 24.  فقد كان لابان - كما لاحظ أحدهم - يقظاً تماماً إلى قيمة الحلى الذهبية والفضية التى أحضرها عبد إبراهيم معه، ولكنه لم يكن ليعى قيمة النبوة الخاصة بالأمور المستقبلة التى خرجت من شفتيه.  وبعبارة أخرى لم يصله إعلان من «إله المجد» وبالتبعية بقى - كما لاحظ نفس ذلك الكاتب - "رجلاً عالمياً محضاً".
فى حادثة تغيير شاول الطرسوسى نتعلم نفس هذا الحق.  كان هناك أشخاص آخرون معه عندما سقط على الأرض من جراء صدمة لمعان مجد الرب يسوع.  هؤلاء الأشخاص نظروا الضوء حقيقة، وشاهدوا كثيراً من الظروف الخارجية التى أحاطت بذلك المتحمس الهائج، لكن كما يقول هو نفسه «لم يسمعوا صوت الذى كلمنى» (أع22: 9).
هنا النقطة المهمة، ينبغى أن الصوت يتكلم «إلىَّ»؛ «إله المجد» لابد أن يظهر"لى"، قبل أن يكون فى إمكانى أن آخذ مركز سائح وغريب فى العالم، وأداوم على أن «أركض فى الجهاد الموضوع أمامى».  إنه ليس إيماناً قومياً، ولا هو إيمان عائلى؛ ولكنه إيمان شخصى، ذلك الذى يجعل منّا شهوداً حقيقيين لله فى العالم.
ولكن عندما أُريحَ أبـرام من العقبة التى وجدها فى شخص والده، استطاع الدخول بقوة وحزم فى طريق الإيمان، الطريق التي لا يقدر «اللحم والدم» مطلقاً أن يطآنها، الطريق الشائكة المحفوفة بالمتاعب من بدايتها إلى نهايتها، والتى فيها الله فقط هو الذى يقدر أن يعول النفس.
«واجتاز أبرام فى الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة موره. وكان الكنعانيون حينئذ فى الأرض. وظهر الرب لأبرام وقال لنسلك أعطى هذه الأرض فبنى هناك مذبحاً للرب الذى ظهر له» (تك12: 6،7).  هنا أبرام يأخذ حالاً موقفه كعابد فى مواجهة الكنعانيين.  فالمذبح يميّزه كمن بعد أن تخلَّص من أور الكلدانيين، تعلم أن ينحنى أمام مذبح الإله الحقيقى وحده «الذى صنع السماء والأرض».
وفى العدد التالى نجد المظهر العظيم الثانى من مميزات رجل الإيمان؛ وهو «الخيمة» التى تشير إلى الاغتراب فى العالم. «بالإيمان تغرب فى أرض الموعد كأنها غريبة ساكناً فى خيام مع اسحق ويعقوب الوارثين معه لهذا الموعد عينه» (عب11: 9).
ستكون لنا فرصة أن نلاحظ بأكثر إمعان، بينما نتقدم، هاتين النقطتين الهامتين فى حياة أبرام.  ولذلك سنكتفى الآن بإثبات هذه الحقيقة، وهى أن الخيمة والمذبح يريانا إياه بكل وضوح كغريب وكعابد، وأنه لذلك كان رجلاً منفصلاً بالكلية عن طريق هذا العالم الشرير.
ما أن دخل أبرام فى طريقه، حتى كان عليه أن يقابل إحدى تلك الصعوبات التى لها خاصية امتحان الإيمان بالنسبة إلى نوعه وغـرضه، «وحدثت مجاعة فى الأرض».  ها هى الصعوبة تقابله فى نفس المكان الذى دعاه الـرب إليه الآن.  وهذا ليس بالأمر السهل، عندما نشاهد التجربة والحزن والضيق والصعوبة تنتظرنا، ونحن سائرون في الطريق المستقيم الضيق، ونظل مثابرين، نظل مواصلين السير فى الطريق إلى الأمام، خصوصاً إذا كنا نرى بجوارنا - كما لاحظ أبرام - حالة تختلف تماماً عن حالة التجربة الخاصة التى قد نكون متألمين تحت ثقلها؛ فأناس هذا العالم «ليسوا فى تعب الناس ومع البشر لا يصابون» (مز5:73).  هذا الشعور يزداد بحرماننا التام من كل شىء يمكن بحسب المنظور أن يكون أساساً ودعامة لأملنا. 
ما أن وطأت قدم أبرام الأرض، حتى عمّت المجاعة حوله من كل جانب إلا فى مصر.  لو أنه فقط وجد نفسه هناك، إذاً لاستطاع أن يعيش فى راحة ورخاء.
هنا يجب على رجل الإيمان أن يتتبع طريق الطاعة المجردة. كان الله قد قال «اخرج من أرضك. . .  إلى الأرض التى أريك». صحيح أن أبرام قد يكتشف بعد ذلك أن إطاعة ذلك الأمر تتضمن بقاءه فى أرض ليس فيها بحسب الظاهر سوى هلاك من الجوع ينتظره.  لكن حتى لو أن الأمر كذلك، فالله لم يربط الأمر بأى شرط على أى حال.  كلا، فالكلمة كانت بسيطة وواضحة «إلى الأرض التى أريك»، كان يجب أن يكون هذا صحيحاً وملزماً لأبرام.  فالمجاعة إذاً ما كان يجب أن تحمله على ترك الأرض، ولا الرخاء ينبغى أن يحببه فى البقاء فيها.  فالكلمات الفعالة كانت هى «التى أريك».
لكن أبـرام يترك هذه الأرض، وينحنى للوقت تحت وطأة التجربة، وينزل بأقدامه إلى مصر تاركاً وراءه خيمته ومذبحه.  هناك حصل على الراحة والتنعم، وتخلص بلا شك من التجربة المضنية، التى كان يعانيها فى أرض الموعد، ولكنه فقد فى تلك الأثناء عبادته واغترابه، الأمور التى يجب أن تكون على الدوام أعز ما لقلب السائح.
لم يكن لأبرام فى مصـر شىء يتغذى به كرجل روحى.  قد تكون مصر – بل هى بلا شك - استطاعت أن تقدم له ثراء كإنسان طبيعى، ولكن ذلك كان كل ما تستطيع أن تقدمه مصر، وما كانت لتعطى شيئاً لأبرام إلا إذا ضحى بصفته كغريب وكعابد لله.
ولا حاجة بنا إلى القول أن هذا الأمر لا يزال صحيحاً إلى هذه الساعة.  يوجد الكثير فى العـالم مما تستطيع طبيعتنا القديمة أن تتطعم به بغاية الترف.  توجد الملـذات الكثيرة، ملذات الجسد والعقل، ووسـائل كثيرة للحصول على رغبات القلب، ولكن ما المنفعة من كل هذا إذا كانت تلك التمتعات  لابد وأن تقود إلى الخروج عن طريق الإيمان؛ طريق الطاعة المجردة.
هذا هو السؤال الذى يوجه إلى المسيحى: أيهما أفضل، الذهب والفضة، القطعان والمواشى، الراحة الحاضرة والثراء فى مصر، أم الخيمة والمذبح فى «أرض الموعد»؟  أيهما أفضل: الراحة الجسدية والسرور العالمى، أم السير الهادئ المقدس مع الله هنا، والبركة الأبديـة والمجد بعد حين؟  لا نستطيع أن نمتلك الأمرين معا لأن «من يحب العالم فليست فيه محبة الآب».
لكن قد نتساءل: لماذا كان على أبـرام أن يختبر المجاعة والتجربة فى أرض الموعد؟  لماذا لم يجد سكناً وثروة هناك؟
 الجواب بكل بساطة هو «الكنعانيون والفرزيون كانوا حينئذ ساكنين في الأرض» (تك13: 7). فالأرض لم تكن إلى ذلك الحين صالحة لأن تكون محل إقامة مفديى الله.  كان يجب أن إيمان أبرام يمكّنه من أن يخترق بنظره تلك الفترة الطويلة الهائلة التى يجب أن تمر قبل إتمام الوعد.  ونفس مبدأ الإيمان هو الذى جعله ينتظر إلى الوقت المعين من الله، وإلى ذلك الحين يبقى بدون «وطأة قدم» (أع7: 5).
هكذا يجب أن يكون الحال الآن.  رجل الإيمان الحقيقى لا يستطيع أن يجد مكانـاً فى العالم لأن "الكنعانيين" هناك.  عما قريب لن يكون الأمر كذلك، لأن «كل المعاثر» ستُطرح خارج المملكة، وتصير «ممالك العالم لربنا ولمسيحه» (رؤ11: 15) وحينئذ يسود البر «من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصى الأرض».

بقلم : تشارلس ماكنتوش





الثلاثاء، 7 مايو 2013

انا ام الاخر

أنا أمْ الآخر؟

كل من عرف المسيح بعمق، عرف فيه شخصًا شعاره هو:”لا أنا بل الآخر !وكل من عرف نفسه بحق، عرف فيها شخصًا شعاره هو: ”لا الآخر بل أنا“!فنحن كلنا - يا صديقي - بالطبيعة أنانيون، أنانيون حتى النخاع، جوهرنا هو ”أنا وليس الآخر“!!وحيث تسود الطفولة الروحية في هذه الأيام، فالأمر لا يختلف إلا قليلاً مع معظمنا، كمؤمنين:ففي معظم الأوقات نحن ندور حول أنفسنا، والذات تستأثر بكل المساحة ولم تُبق ِ في قلوبنا شيئًا للآخر!
انظر إلى صلواتنا، وابحث عن مركزية الذات فيها، تجدها واضحة كل الوضوح.  فمعظم - إن لم يكن كل - طلباتنا هي من أجل أنفسنا!وحتى صلواتنا من أجل نجاح الخدمة؛ هي صلوات من أجل نجاح خدمتنا نحن، وليس نجاح الخدمة بصفة عامة!  أي إنها صلوات من أجل نجاحنا!  من أجل ”الأنا“ !انظر إلى أفراحنا؛ تجدها مرتبطة بشيء امتلكناه أو أنجزناه!  ونادرًا ما تجدنا فرحين لأن أخًا لنا امتلك شيئًا أو حقَّق نجاحًا لا علاقة له بنا نحن!انظر إلى آلامنا، في مجملها، تجدها دائمًا بسبب حرمان نعانيه؛ حرمان من مال أو صحة أو زوج أو زوجة أو طفل.  حرمان مادي أو معنوي.  إنها دائمًا أحزان على الذات!حتى - للأسف - كنائسنا، ومجالات خدمتنا، صارت مجالاً للبحث عن الذات، وتوكيدها، وإشباعها، وتحقيقها!
إننا، باختصار، نحب ذواتنا جدًا.  فكان حبّنا لها على حساب حق الآخر علينا؛ حقه في أن نفهمه، نحترمه، نقبله، نغفر له، نعيش من أجله، بل ونموت من أجله كما علَّمنا سيدنا.لذا، يبدو لي أننا نسينا الشرط الذي وضعه لنا المسيح لكي نكون تلاميذه عندما قال: «إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض...  حتى نفسه أيضًا، فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا» (لو14: 26).  بل إننا تجاهلنا تحذيره الخطير لنا بخصوص محبة الذات عندما قال: «من يحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية» (يو12: 25).  ولقد تجاهلنا دعوته المتكرِّرة لنا أن نُنكر النفس، بل ونُهلكها، من أجله ومن أجل توصيل الإنجيل للآخرين.بل يبدو لي إننا تجاهلنا حتى ما نتعلمه بالطبيعة، ألا وهو أن الإنسان ”كائن علاقاتي“ - كما يقولون - لا يستطيع أن يجد المعنى في الحياة إذا انكفأ على ذاته.  تجاهلنا أن الذات التي لا تخرج من قوقعتها لتمدّ ذراعيها للآخر وتفتح حضنها له، بل وتفني نفسها من أجله، سوف تدمِّر نفسها.الأسوأ من هذا، هو أن هذه الذات المحبوسة في أسوار نفسها، والعائشة من أجل نفسها، تقضي أيامها وهي أسيرة لوعي زائف بأنه لا يوجد سواها!  ولذلك فإنها كلما تحرَّكت لتعمل، أو حتى لتخدم؛ تجدها دائمة الاصطدام بالآخرين، تدفعهم وتسقطهم، بل وأحيانًا تدهسهم وهي لا تقصد!  هذا لأنها تتحرك في ظلام قناعتها الخاطئة بأنه ”لا آخر“!  تتحرك في فضاء وهمي، صوَّرهُ لها وعيها الزائف، لذلك فهي تتحرك فيه بعشوائية؛ لا تعرف شيئًا اسمه ”الأبعاد“ أو ”الحدود“ أو ”المسافات“.  ومن هنا يأتي فعلها دائمًا مدمِّرًا لنفسها وللآخر.ولكن للأمانة، ينبغي أن أُقِّر أننا أحيانا نكتشف وجود الآخر؛ لكن المأساة أننا نكتشفه فقط لنحمِّله أسباب فشلنا ونجعله شماعة لهزائمنا!  فحيث يوجد الضعف والهزيمة والخراب، فهناك دائمًا ”الآخر“ وليس ”أنا“!أما أشد ما يخيفني، هو أننا صرنا نتجاهل أن علّة كل الأمراض الروحية، والمشاكل الكنسية التي نعانيها، هي أنانيتنا الفجَّة وبحث كل منّا عن إشباع ذاته وتوكيدها على حساب أمور الله وشعبه!  وصرنا محترفين في إرجاع كل ضعف وخراب وفشل إلى أي شيء، وإلى كل شيء، إلا لهذا السبب الواحد الحقيقي!  وإن كان البحث عن الذات بصفة عامة هو أمر بغيض في نظر الله، فكم تكون بشاعته عندما يكون في كنيسة الله، وعلى حساب شعب الله وأمور الله.  إنه أردأ أنواع البحث عن الذات، بل وأحَطَّها.لذلك نحاول أن نرفع الستار ونميط اللثام عن هذه الآفة، ونسلِّط الضوء على هذا المرض الخبيث الذي ينخر في عظامنا.  متضرّعين إلى الرب، بانكسار، لعله يرحمنا فيجعلنا نخلع الأقنعة، ونتوب عن العمل من أجل ذواتنا، ولنبدأ العمل بحق من أجل الرب وشعبه.  لنخجل من أنفسنا ونقوم ونغسل وجوهنا من مساحيق الروحانية الزائفة، ونتحلى بالروحانية الحقّة، والتي لا تبدأ إلا بإنكار الذات.  بل لعله يُرجع لنا وعينا المفقود فنكفّ عن الشكوى من أدوار البرد التافهة، ونقوم لنواجه بشجاعة السرطان الذي ينهش الجسد؛ سرطان محبة الذات.لن نتوقف عند هذا، لكننا سنقدم العلاج، فنحتاج ان نري النموذج العكسي لهذا، نموذج الحياة التي من فوق، فهي الترياق الشافي.  حياة ربنا يسوع المسيح الذي عاش كل حياته دون أن يفعل شيئًا واحدًا من أجل نفسه!  والذي بموته أبطل الخطية، والتي هي في جوهرها الاستقلال عن الله والدوران حول الذات.  كما أنه بقيامته وصعوده وإرساله الروح القدس ليسكن فينا، أعطانا بنعمته نفس نوعية حياته التي لا تدور حول ذاتها، بل حول الله؛ فتتيح مساحة ضخمة، بل كل المساحة، للآخر!!لكنه، قبل أن يصل إلى الصليب، لكي يضع نهاية الإنسان العتيق الذي يدمِّر نفسه بدورانه حول ذاته،
وقبل أن يدكّ القبر، ويقوم منتصرًا على الموت، ليخلق الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله، والذي يتمركز حول خالقه ويعيش من أجل الآخر،وقبل أن يصعد ليرسل الروح القدس، الذي به نمتلك هذه الحياة العجيبة، فتتدفق من بطوننا أنهار الماء الحي لتروي عطش الآخر،كان لا بد من الامتحان!
كان لا بد أن ينكشف ويتبرهن أمام الجميع، أن المسيح ليس فيه ذرة واحدة من ”الأنا“، بل كل ما فيه هو الحب فقط؛ أي أن كل ما فيه هو ”الآخر“ وليس ”الأنا“!  إذ حيث يوجد الحب، يوجد الآخر.  ولا معنى أن تقول إنك تحب، إذا لم يوجد الآخر أمام عينيك، بل وفي حضنك.  بل إن معيار حجم محبتك هو المساحة التي يشغلها الآخر في قلبك ووقتك وجهدك.  لذلك عاش المسيح على مدار ثلاثين سنة يفُحَص من الداخل بمنظار الله، والذي ينفذ إلى آخر ذرة في أعماق الكيان، فلم يجد فيه ذرة واحدة تدور حول ”الأنا“!  كانت كل ذرات كيانه تدور حول الله، وتذوب لتُحيي وتُثري الآخر.  فجاء الإعلان على الملإ من السماء المفتوحة: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت».  ويا لها من شهادة!  يا له من إعلان!ولم يكتفِ الله بفحصه، بل سمح حتى للمجرِّب بأن يجربه، فجُرِّب من الشيطان بكل أنواع التجارب، كل الأيام، ليجذبه - ولو مرة واحدة - إلى فعل مستقل عن الله، فعل واحد من أجل ذاته، ولو حتى أكل رغيف خبز!  فارتد الشرير خائبًا، إذ لم يجد فيه تابعه الأمين، ”الأنا“ الذي يعيش من أجل ”الأنا“!  ولذلك قال السيد: «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء» (يو14: 30).ولم يكتفِ الآب بذلك، بل قصد له أن يعيش بين مختلف أشكال الناس يحتكّ بهم كل يوم، فالحديد بالحديد يُحدَّد والإنسان يحدِّد وجه صاحبه، أي لا يُظهر معدن الإنسان إلا احتكاكه بإنسان.  فكثيرًا ما يلبس أحدنا قناع محبة الآخر، لكن إذا حدث أن جُرح أو أهين من هذا الآخر، فعلى الفور يسقط القناع، وتنكشف الحقيقة أنه لم يكن سوى محبًّا للذات!  فماذا عن المسيح؟لقد احتقروه وأبغضوه كل الأيام، فماذا أخرجت منه سهام كراهيتهم له؟  لم تُخرج سوى المزيد من الحب لهم، حب كان وقودًا وطاقة لمزيد من التجوال بينهم يصنع الخير لهم ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس!لقد خربشوه بالأظافر وبالأشواك، فهل ظفروا بقناع يسقط أخفى تحته محبة الذات؟  على العكس، لم يجدوا سوى قلبًا محبًّا عجيبًا يبكي عليهم، بل ويناشدهم أن لا يبكوا عليه بل على أنفسهم.عرّوه ونزعوا عنه كل الثياب فلم يجدوا.  ولم يكتفوا.  رأوا في جنونهم أن يمزّقوا الجلد بالسياط، لعله يكون قد أخفى ”الأنا“ العائش من أجل ”الأنا“ تحت جلده؛ فحرثوا جلده بالمحراث، حوَّلوا ظهره الكريم إلى أتلام.  ثقبوا اليدين والرجلين مسمّرين إياه على صليب العار!  فهل ظهر تحت ثيابه، أو حتى تحت جلده، أو خرج من بين عظامه أيّ حبٍّ للذات؟  على العكس، فاضت من قلبه الذائب كالشمع همسات حانية، رددتها شفتاه اليابستان من العطش، تطلب الغفران لقاتليه، لا نقمة من أجل ”الأنا“، إذ لا وجود من الأصل لهذا النوع من ”الأنا“!!قرّروا في النهاية أن ينفُذوا إلى الأعماق، لا بأظافر أو بأشواك، لا بمسمار أو بسياط، لكن بضربة واحدة من رمح قاسٍ ينفذ إلى عمق الكيان؛ إلى القلب مباشرة، ليخرجوا عصارة الجوهر للخارج، ويتم الفحص على الملإ، لعلهم يجدوا هذا الأنا فيه.  فإذ بالخارج من أعماق قلبه هو مداد حبٍّ عجيب من «دم وماء»، خرج ليكتب على صفحة الخلود: ”الآخر وليس أنا“.  دم وماء ليغسلا كائنًا قد فسد، كائنًا كان إنسانًا، يغسله ويطهِّره من الأنانية قضائيًا وأخلاقيًا أمام الله والناس!  لكي يعود من جديد إنسانًا.هذا هو حبيبي، هذا هو ابن الإنسان.  هذه هي الحياة الخالية من الأنانية أي الخالية من الخطية.  هذه الحياة التي اشبعت الله، وسبَّبت أعظم بركة للإنسان، لم يحتفظ بها صاحبها لنفسه، لكن من منطلق لا أنانيته المطلقة، سكبها المسيح للموت، لكي يكون امتلاكها مُتاحًا لنا نحن عائلة الإيمان.  ومن يومها، صار كل من يرفض حياته الأنانية، أو بالحري موته الأناني، ويشتاق للا أنانية، أي يشتاق للحياة، صار يجد في هذا الشخص الفريد الملجأ والملاذ، يجد فيه المخلِّص والحياة.  بل إنك لن تجد إنسانًا على الأرض يحيا من أجل الآخر، إلا وتجده تلميذًا للمسيح. أقول: إنه إن كانت رحلة كل البشر على الأرض، من المهد وحتى اللحد، هي رحلة بحث دؤوب عن الذات لإشباعها وتوكيدها وتحقيقها؛ فإن رحلتنا نحن كمسيحيين ينبغي أن تكون، كرحلة حياة سيدنا، رحلة بحث دؤوب عن الآخر، حتى يحصل على السعادة الحقيقية والخلاص الأبدي.