الخميس، 17 مارس 2011

لماذا انا بالذات

"‬أجزاء مقتبسة من رسالة إلى فتاة تقيةٍ‮ ... ‬بعد أن دهمتها
سيارة ورأى الأطباء أنها ستقضى بقية عمرها
رهينة الكرسيِّ‮ ‬المتحرِّك‮ ..."‬

نأتى الآن إلى موضوعنا وهو سؤال روحى محير لا نجد عليه إجابة بسهولة‮.‬
ولعلَّك الآن قد عرفت ماهو السؤال‮ .. ‬وهو لماذا‮ ‬يسمح اللّه لى بهذا ؟‮ ... ‬ولماذا لا‮ ‬يحدث هذا مع‮ ‬غيرى ؟ لماذا ألمى شديد بينما‮ ‬غيرى أقل ألماً‮ ‬؟‮ ... ‬لماذا أجد أن الألم هو طابع حياتى ؟ بينما أقرب الناس إليَّ‮ ‬لم ولن‮ ‬يجتازوا فيما اجتزت فيه أو فى جزءٍ‮ ‬منه ؟‮ ... ‬لماذا‮ ‬يكون‮ ‬غيرى بسعادته شاهداً‮ ‬على أن المسيح مصدر للسعادة والفرح ؟ وأنا بحزنى وكآبتى وآلامى‮ - ‬هكذا أظنُّ‮ - ‬صورةً‮ ‬أليمة مقدمة للعالم‮ ‬،‮ ‬وموضوعاً‮ ‬لرثاء الأشرار قبل المؤمنين كما حدث مع أيوب ؟‮ ... ‬أود أن أكون سعيداً‮ ‬،‮ ‬وظروفى سهلة وحياتى ميسرة كغيرى من المؤمنين‮ ‬،‮ ‬وذلك باخلاص منى ورغبة مقدسة فى استثمار هذه السعادة وتلك الظروف فى خدمة الرب‮ .. ‬فلماذا لا‮ ‬يحدث هذا ؟ وإنما العكس ؟‮ ... ‬أنا أتساءل والناس أيضاً‮ ‬تنظر وتتساءل‮ ‬،‮ ‬وتشير باصبع الإتهام إلى المجرَّب والمتألم‮ ... ‬كما أشاروا إلى الرب فوق الصليب‮ .‬
وكان السؤال‮ "‬لماذا أنا بالذات"؟‮ ... ‬دون الآخرين ؟‮ ... ‬صحيح أن الألم هو للكلَّ‮ ‬لكن لماذا‮ ‬يكون معيارى منه مع قلَّة من المؤمنين مثلى أكثر من‮ ‬غيرنا بصورة صارخة ؟‮ ... ‬وبحسب ظنى معطِّلة للشهادة ؟
وأخيراً‮ ‬وجدت الإجابة الجميلة والمريحة على صفحات الوحى‮ . ‬ألم‮ ‬يقل الكتاب‮ "‬ناموس الرب كامل‮ ‬يرد النفس‮" ‬؟‮ (‬مز‮ ‬19‮ : ‬7‮) ‬لقد أنار عينى‮ (‬مز‮ ‬19‮ : ‬8‮) ‬ما جاء فى سفر العدد وهو سفر البرية‮ . ‬لقد وجدتُ‮ ‬فيه الإجابة المنشودة‮ . ‬لقد وجدت أن المؤمنين أنواع‮ . ‬ووجدت منهم نوعاً‮ ‬يماثل حالتى وحالة كل متألم‮ . . ‬وحيث أن الكتاب للجميع‮ ‬،‮ ‬فقد جمع هذا الجزء كل أنواع المؤمنين‮ .‬
إن لاوى وبنيه قهات وجرشون ومرارى ليمثلون جميع أنواع المؤمنين‮ (‬عدد ص‮ ‬7‮) . . ‬وفيه لا نجد جميع المؤمنين متشابهين فى أنواعهم‮ ‬،‮ ‬أو متماثلين فى ظروفهم‮ . . . ‬لقد اقتربنا من إجابة السؤال‮ .‬
ونجد إجابة السؤال‮ :‬
أولاً ‮: ‬عندما نقارن بين معانى اسمائهم
وثانياً‮ : ‬عندما نقارن بين أدوار كل منهم فى الخدمة وما أُلقى عليه من مسئوليات بعضها سهل وبعضها صعب‮ .‬
وثالثاً‮ : ‬عندما نقارن بين المعونات التى أعطاها اللّه لكل منهم على قدر نصيبه من التعب والمشقة‮ .‬
‮❊   ❊    ❊‬
أولاً‮ : ‬معانى الاسماء
فقهـات‮ : ‬معناها محفل أو جماعة وهو بهذا المعنى‮ ‬يمثل مؤمنا طابعه العام هو النجاح الاجتماعى كما سنرى‮ .‬
وجرشـون‮ : ‬معناها‮ ‬غريب هو بهذا‮ ‬يمثل مؤمنا طابعه العام هو الغربة والمعاناة منها بسبب اتباعه الرب‮ ‬،‮ ‬والنبذ من المجتمع واعتبار الناس له‮ "‬كأقذار العالم ووسخ كل شئ‮" (‬1كو‮ ‬4‮ : ‬13‮).‬
أما مـرارى‮ : ‬فمشتقة من المرار وهو بهذا‮ ‬يمثل مؤمنا طابعه العام الألم‮ ‬،‮ ‬والألم إلى درجة المرار‮ .‬
‮❊   ❊    ❊‬

ثانياً‮ : ‬دورهم‮ ‬فى الخدمة
فالقهاتيون‮ : (‬أو قهات وبنوه‮) ‬كانوا‮ ‬يحملون ضمن ما‮ ‬يحملون‮ ‬،‮ ‬التابوت الذى هو رمز للمسيح ويغطونه ببعض الأغطية‮ . ‬وفوق الكل‮ ‬غطاء من الاسمانجونى رمز للصفة السماوية التى للمسيح‮ . ‬فهم‮ ‬يحملون المسيح ويقدمونه للعالم فى صفته السماوية‮ ‬،‮ ‬وكل من‮ ‬يراهم‮ ‬،‮ ‬يرى هذا اللون الاسمانجونى ويرى هذه المسحة السماوية فى حياتهم العامة والخاصة‮ ‬،‮ ‬فى هدوئهم وصفائهم‮ ‬،‮ ‬بل حتى فى ملامحهم وابتساماتهم‮ . ‬ويوقِّرهم المجتمع كرجال اللّه‮ ‬،‮ ‬إذ أنهم‮ ‬يعطون أجمل صورة من صور المسيح‮ ‬،‮ ‬ألا وهى صورته كالسماوى فى هذه الأرض‮ . ‬هذا بالإضافة إلى أنهم كانوا أيضاً‮ ‬يحملون المنارة ويغطونها بغطاء اسمانجونى إشارة للمسيح كنور العالم‮ (‬يو‮ ‬8‮ : ‬12‮) ‬أو النور السماوى الآتى إلى هذا العالم‮ . (‬يو‮ ‬1‮ : ‬9‮) ‬فكما‮ ‬يقدِّمون المسيح للعالم فى التابوت‮ - ‬أى المسيح بشخصه‮ - ‬فأنهم أيضاً‮ ‬يقدمونه فى المنارة‮ - ‬أى المسيح بنوره‮ .‬
والجرشونيون‮ : (‬أو جرشون وبنوه‮) ‬كانوا‮ ‬يحملون ضمن ما‮ ‬يحملون بعض الاجزاء من خيمة الاجتماع‮ ‬،‮ ‬كالغطاء العلوى الخارجى للخيمة‮ . ‬وكان كبيراً‮ (‬أكثر من‮ ‬20‮ ‬متر‮ * ‬15‮ ‬متر‮) ‬وكان‮ ‬يُصنع من جلود التُخَس وهى حيوانات بحرية كالدرفيل أو فرس النهر‮ (‬سيد قشطة‮) ‬جلدُها سميك وغير جذَّاب إشارة للمسيح منظوراً‮ ‬إليه من العالم كمن‮ "‬لا صورة له ولا جمال‮" (‬اش‮ ‬53‮ : ‬2‮) . ‬فالجرشونيون‮ ‬يحملون بعض الاجزاء‮ ‬،‮ ‬لكن الجزء الأكبر من الحمل كان جلود التُخَس‮ . (‬إذ أنها بهذا القدر تحتاج إلى أكثر من ثلاثين رجلاً‮ ‬يحملونها ويسيرون بها إذ قدَّرنا للرَّجل عشرة أمتارٍ‮ ‬مسطحة‮ ‬يحملها‮) . ‬أى أن‮ ‬غالبيتهم‮ ‬يحملون هذه الجلود‮ . ‬فالطابع الغالب للجرشونيين هو تقديم المسيح كالغريب والمرفوض من هذا العالم‮ . ‬فالجرشونيين ليس عليهم الطابع الاسمانجونى كالقهاتيين بل طابع جلود التُخَس الخشنة‮ . ‬فهم‮ ‬يحملون صليب المسيح وطابع المسيح فى‮ ‬غربته ورفضه من هذا العالم‮ . ‬هؤلاء‮ ‬يكونون‮ ‬غرباء‮ ‬،‮ ‬أحياناً‮ ‬فى المجتمع فتحتقرهم العامة‮ (‬عكس القهاتيين‮) ‬،‮ ‬وأحياناً‮ ‬فى عملهم فينبذهم زملاؤهم‮ ‬،‮ ‬وأحياناً‮ ‬فى بيتهم فيُعاملون فيها كغرباء لا أحد‮ ‬يلتفت إليهم أو‮ ‬يعتبر لكلامهم بل ربما عنَّفهم أهل بيتهم كما فعلت مرثا بمريم‮ ‬،‮ ‬وأحياناً‮ ‬للأسف الشديد بين إخوتهم المؤمنين‮  . ‬فلا‮ ‬يوجد من‮ ‬يفهمهم أو‮ ‬يقدر ظروفهم بل على العكس ربما‮ ‬يلقون معاملة جافية أو قاسية من إخوتهم المؤمنين‮ (‬شأنهم شأن سيدهم فى زمان رفضه‮).‬
أما المراريون‮ : (‬أو مرارى وبنوه‮) ‬فكانوا‮ ‬يحملون بعض الأجزاء من خيمة الاجتماع‮ . ‬ومن ضمنها الألواح وكانت‮ ‬48‮ ‬لوحاً‮ (‬رمز المؤمنين‮) . ‬وأيضاً‮ ‬الأوتاد والأطناب‮ (‬الحبال‮) ‬،‮ ‬التى كانت تُستخدم للتثبيت‮ (‬كرمز لتثبيت المؤمنين‮) . ‬فهم المتألمون إلى درجة المرار كمعنى اسمهم‮ . ‬لكن خدمتهم كانت التثبيت‮ . . ‬وهل هناك ارتباط بين المرار والتثبيت ؟ نعم‮ .. ‬لقد قال الرب لبطرس‮ "‬وأنت متى رجعت ثبِّت إخوتك‮" (‬لو‮ ‬22‮ : ‬32‮) . ‬ومتى رجع بطرس ؟‮ ... ‬لقد رجع بعد أن بكى بكاءً‮ ‬مراً‮ . (‬لو‮ ‬22‮ : ‬62‮) ‬فبعد إجتياز المرار كان عليه أن‮ ‬يثبت إخوته‮ .‬
فالمراريون وقد اختبروا المرار فى حياتهم‮ ‬،‮ ‬ليست خدمتهم هى تقديم المسيح فى صفته السماوية‮ ‬،‮ ‬فمن أين لهم بالاسمانجونى ؟‮ ‬،‮ ‬ولا حتى تقديم المسيح فى صفته كالغريب فى هذا العالم‮ ‬،‮ ‬فمن أين لهم بجلود التُخَس ؟‮ . ‬فليس شرفاً‮ ‬فقط للمؤمن أن‮ ‬يحمل الاسمانجونى‮ ‬،‮ ‬بل أيضاً‮ ‬حتى حمله لجلود التُخَس‮ ‬يُعَد‮ ‬غِنَى أعظم من كل خزائن العالم‮ . ‬إنه شرف لنا لا أن نقدم المسيح فقط فى صفته السماوية بل إن تقديمه كغريب هو شرف كبير وامتياز عظيم لنا‮ . ‬لكم من أين للمراريين بهذا الشرف ؟ إنهم فى أسفل القاع‮ . ‬لا هم أدركوا الاسمانجونى ولا حتى نالوا شرف حمل جلود التُخَس‮ . ‬لقد طحنهم المرار‮ ‬،‮ ‬وسحقتهم التجربة وربما كانت تجربتهم مرضاً‮ ‬أو ضيقاً‮ ‬أو فقراً‮ ‬مدقعاً‮ ‬أو ألماً‮ ‬نفسياً‮ ‬أو ظروفاً‮ ‬شائكةٍ‮ ‬يهون الموت أمامها‮ . ‬وربما كانت مزيجاً‮ ‬بين هذا وذاك‮ . ‬لا‮ ‬يهم نوع التجربة بل نتيجتها‮ . ‬وما هى ؟‮ . ‬إنها المرار‮ . ‬وهذه هى صفة المراريين وطابع حياتهم المستمر أو المؤقت‮ . ‬أما خدمتهم فهى تثبيت المؤمنين والسؤال عنهم وافتقادهم فى ضيقتهم واعتبار أن ضائقة هؤلاء الإخوة هى ضائقة لهم‮ . ‬إنهم بذلك‮ ‬ينفذون قول الرسول‮ "‬اذكروا المقيَّدين كأنكم مقيَّدون‮" (‬عب‮ ‬12‮ : ‬3‮) ‬ولا أريدك أن تنزعجى من قول الاطباء بأن أيامك ستنقضى فوق كرسى متحرك ولا من قولى بأن هناك مؤمنين طابعهم المستمر هو المرار‮ ‬،‮ ‬ذلك لأنى لم أصل إلى نهاية الكلام ولا إلى المعونة المقدَّمة لكل نوع من الأنواع الثلاثة‮ . ‬وهذا‮ ‬يأتى بنا إلى النقطة الثالثة‮ .‬
ثالثاً ‮: ‬التقدمات المعطاة لبني‮ ‬لاوي
وترمز إلى المعونات المقدَّمة لكل نوع من المؤمنين‮ . ‬لقد طلب موسى إلى رؤساء اسرائيل أن‮ ‬يقدموا لبنى لاوى ست عَجَلاَت واثنى عشر ثوراً‮ ‬،‮ ‬لجرَّ‮ ‬هذه العجلات‮ ‬،‮ ‬ثورين لكل عَجَلَة‮ . ‬وكنا نظن أن توزيع هذه العَجَلاَت والثيران سيكون بالتساوى على بنى لاوى الثلاثة فيأخذ كل منهم عَجَلَتين وأربعة ثيران لكن من قال هذا ؟‮ . ‬هل كانت مسئولياتهم واحدة‮ ‬،‮ ‬أو أحمالهم واحدة‮ ‬،‮ ‬حتى تكون المعونة واحدة ؟ هل من‮ ‬يحمل الاسمانجونى كمن‮ ‬يحمل جلود التُخَس كمن لا‮ ‬يحمل شيئا سوى المرار ؟ كلا‮ . ‬أم لعلّ‮ ‬عند اللّه ظلماً‮ ‬؟ حاشا‮ . (‬رو‮ ‬9‮ : ‬14‮) ‬لذلك نرى أن توزيع هذه التقدمات كان كالآتى‮ :‬
فبنو قهات‮ : ‬كان‮ ‬يكفيهم شرفاً‮ ‬أن‮ ‬يحملوا التابوت ويكفيهم شرفاً‮ ‬أن‮ ‬يغطونه بالاسمانجونى‮ . ‬لذلك فلم‮ ‬يكن لهم شئ من التقدمات‮ . ‬إذ قد أخذوا كل شئ فى تقديمهم للمسيح فى صفته السماوية‮ . ‬وهذا‮ ‬يكفيهم‮.‬
وبنو جرشون‮ : ‬كان نصيبهم عَجَلَتين وأربعة من الثيران‮ . ‬وهى تقدمة تتناسب مع خدمتهم‮ . ‬لقد أخبر الرب المؤمنين بأنهم سيكونون‮ ‬غرباء فى هذا العالم‮ ‬،‮ ‬وهذا أمر طبيعى بالنسبة للمؤمن‮ ‬،‮ ‬قال عنه الرب‮ "‬إن كانوا قد اضطهدونى فسيطهدونكم‮" (‬يو‮ ‬15‮ : ‬20‮) . ‬لذلك فإن التقدمة لبنى جرشون كانت تقدمة طبيعية إذ أنها تُساوى ثُلث التقدمة الكلية وهذا هو الحساب الطبيعى‮ . ‬فالمسئؤلية متوقعة وبالتالى فهى عادية وطبيعية والمعونة بدورها عادية وطبيعية‮ .‬
أما بنو مرارى‮  ‬فكان نصيبهم أربع مركبات وثمانية ثيران لماذا ؟ لأن خدمتهم كانت‮ ‬غير طبيعية‮ . ‬إذ تتميز بالمرار والتعب فهم‮ ‬يحملون الألواح‮ (‬48‮ ‬لوحاً‮ - ‬بطول‮ ‬5.50‮ ‬متر وعرض‮ ‬.77‮ ‬متر تقريباً‮ ‬للَّوح الواحد‮ . ‬أى بحجم‮ ‬يزيد عن المتر المكعب فإن أضفنا إليه وزن الفضة وكانت‮ ‬90‮ ‬كيلو جراماً‮ ‬لزاد وزن اللوح عن الطن بخلاف وزن الذهب‮) . ‬وبالإضافة لحمل هذه الألواح فقد كان على المراريين دقُّ‮ ‬الأوتاد وشدُّ‮ ‬الحبال وفى ذلك كله رمز لحمل المؤمنين والاشتراك فى أثقالهم وتثبيت من‮ ‬يضعف منهم‮ . ‬الأمر الذى ناء بثقله موسى نفسه فى‮ ‬يومه‮ ‬،‮ ‬حتى أنه قال‮ "‬العلى حبلت بجميع هذا الشعب أو لعلى ولدته حتى تقول لى احمله فى حضنك كما‮ ‬يحمل المربى الرضيع‮ .." (‬عدد‮ ‬11‮ : ‬11‮ ‬،‮ ‬12‮) . ‬لذلك فإن التقدمة للمراريين كانت تقدمة‮ ‬غير عادية والمعونة فوق العادية‮ . ‬وهذا ما نراه فى شخص كالرسول بولس‮ ‬،‮ ‬الذى حمل ضمن ما حمل هذه الصفة المرارية‮ ‬،‮ ‬إذ أن ملاك الشيطان لازمه دون مفارقة ليلطمه وبصفة مستمرة‮ . (‬2كو‮ ‬12‮ : ‬7‮) . ‬وكانت خدمته‮ (‬من ضمن خدمات كثيرة‮) ‬هى حمل المؤمنين وتثبيتهم‮ . ‬إذ قال‮ "‬كنا مترفقين فى وسطكم كما تربى المرضعة أولادها‮ ‬،‮ ‬هكذا‮ .. ‬كنا حانين إليكم‮ .." (‬1تس‮ ‬2‮ : ‬7‮ ‬،‮ ‬8‮) . ‬وأيضاً‮ ".. ‬التَّرَاكُمُ‮ ‬عليَّ‮ ‬كلَّ‮ ‬يوم‮ . ‬الاهتمام بجميع الكنائس‮ . ‬من‮ ‬يضعف وأنا لا أضعف‮ . ‬من‮ ‬يعثر وأنا لا ألتهب‮".‬
فالصفة لبولس من هذه الناحية كانت مرارية بالشوكة وبغير الشوكة‮ .‬
والخدمة كانت حمل المؤمنين وتثبيتهم‮.‬
والمعونة كانت نعمة فائقة أُعطيت له تتناسب مع الشوكة‮ ‬،‮ ‬وتتناسب مه الخدمة‮ ‬،‮ ‬بل وتفوق الإثنين‮ .‬
وهذه المعونة ليست فقط لبولس بل تُعطى أيضاً‮ ‬لجميع الذين لهم نسبة من المرار فى حياتهم‮ .‬
كما أود أن أقول لك أن خضوعنا لجرعتنا من المرار ليس إختياراً‮ ‬نقبله حباً‮ ‬فى المسيح‮ . ‬نحن نختار حمل الصليب حباً‮ ‬فى المسيح كقوله‮ "‬إن أراد أحد‮ .. ‬فليحمل صليبه‮" (‬لو‮ ‬9‮ : ‬23‮) . ‬لكن المرار شئ والصليب شئ آخر‮ . ‬فالشوكة على‮ ‬غير ما‮ ‬يفتكر الكثيرون هى بخلاف الصليب‮ . ‬الصليب هو أقرب إلى جلود التُخَس منه إلى المرار‮ . ‬إن قبولنا للصليب وحملنا له‮ ‬يتم بإرادة وبسرور حبا فى المسيح‮ . ‬إن الرسل‮" ‬ذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حُسبوا مُستأهلين أن‮ ‬يُهانوا من أجل اسمه‮" (‬أع‮ ‬5‮ : ‬41‮). ‬لكن لا أحداً‮ ‬يتقبل الشوكة بسرور‮ . ‬صحيح أنه‮ ‬يرضى بها ويُسَرُّ‮ ‬فيما بعد‮ (‬2كو‮ ‬12‮ : ‬10‮) . ‬بعد أن‮ ‬يختبر النعمة‮ . ‬لكن فى البداية لا أحداً‮ ‬يقبلها بنفس درجة قبوله للصليب‮ ‬،‮ ‬وبنفس سرور رفضه من أجل المسيح‮ . ‬وهذا هو الفرق بين الشوكة والصليب‮ .‬

لقد أخذ بولس الشوكة رغماً عنه وليس إختياراً‮ ‬ارتضاه حباً‮ ‬فى أى أحد‮ . ‬إنه حباً‮ ‬ف‮ ‬يالمسيح خسر من أجله كل الأشياء‮ (‬فى‮ ‬3‮ : ‬8‮) ‬وصار‮ ‬غريباً‮ ‬لا‮ ‬يمتلك شيئاً‮ ‬فى هذا العالم‮ . . ‬وحباً فى المسيح صار جرشونياً‮ ‬يحمل جلود التُخَس لكن المرار أو الشوكة أخدها رغماً عنه وليس تضحية منه‮ . ‬وصلى من أجلها ثلاث مرات‮ (‬2كو‮ ‬12‮ : ‬8‮).‬
وهكذا نحن أيضاً‮ ‬يدخلنا الرب إلى عمق المرار رغماً‮ ‬عنا كما أدخل التلاميذ السفينة إلزاماً‮ . ‬لقد‮ "‬ألزمهم أن‮ ‬يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العَبرِ‮." (‬مت‮ ‬14‮ : ‬22‮) . ‬ولم‮ ‬يكن عبراً‮ ‬فقط للبحر‮ ‬،‮ ‬قدر ما كان أيضاً‮ ‬إجتيازاً‮ ‬للمرار‮ . ‬وبحور الألم‮ - ‬كتلك التى اجتازت فيها نفس سيدنا‮ - ‬تصغر أمامها بحور العالم‮ (‬مز‮ ‬69‮).‬
وإلزام الرب المؤمن بالدخول إلى هذه الأعماق هو لحكمة متنوعة‮ . ‬أحدها أن ندرك أبعاد هذا المرار ثم نعود فنثبت إخوتنا‮ . ‬وحتى نتحمل هذا المرار ونكون قادرين على اجتيازه ثم على تثبيت إخوتنا فإن الرب‮ ‬يعطينا نعمة مضاعفة بل وكافية تتناسب مع‮ ‬،‮ ‬بل وتفوق هذا الحمل الثقيل‮ .‬
إن أربع مركبات وثمانية ثيران كانت كافية للتخفيف عن كاهلهم من جسامة التَبِعة وثقل الأحمال‮ . ‬وكما تحمل المركبات أصحابها فإن الملائكة تحملنا‮ (‬مز‮ ‬91‮ : ‬12‮) ‬بل والرب نفسه كذلك‮ ‬يحملنا على الأذرع الأبدية‮ (‬تث‮ ‬33‮ : ‬27‮) ‬وعلى أجنحة النسور‮ (‬خر‮ ‬19‮ : ‬4‮) ‬بلا كلل‮ . ‬إنه لا‮ ‬يكل ولا‮ ‬يعيا‮ (‬أش‮ ‬40‮ : ‬23‮) . ‬وهذا المعنى‮ (‬الصبر وعدم الكلل‮) ‬نرى ما‮ ‬يرمز إليه فى الثيران‮ .‬
وهكذا ترين أن عدة السفر معدة‮ ‬،‮ ‬والمعونات محسوبة مسبقا‮ ‬،‮ ‬ومجهزة قبل دخولنا دائرة الألم‮ . ‬وما على المرارى منا إلا أن‮ ‬ينظر إلى الرب‮" ‬فينال رحمة ويجد نعمة عوناً‮ ‬فى حينه‮"‬ ‮(‬عب‮ ‬4‮ : ‬16‮) ‬وبعد ذلك‮ ‬ينظر إلى إخوته المتألمين فيمد لهم‮ ‬يد المساعدة لتثبيتهم وتعضيدهم وتسنيدهم‮ .‬
لكن الخطأ هو أن‮ ‬ينظر إلى إخوتنا‮ ‬،‮ ‬ونقارن أنفسنا بهم‮ ‬،‮ ‬ولو كانوا أقرب الأقربين إلينا‮ ‬،‮ ‬ثم نتساءل بعد ذلك‮ "‬لماذا أنا بالذات‮" ‬؟‮.‬
ذلك أن لكل مؤمن صفة معينة‮ ‬،‮ ‬وطابعاً‮ ‬خاصا‮ ‬،‮ ‬هو مزيج من هذه الصفات الرئيسية الثلاث‮ ‬،‮ ‬ولكن بنسب تختلف من شخص لآخر‮ . ‬وكما تعلمين أن الألوان الرئيسية فى الكون هى ثلاثة ومن مزجها بنسب متفاوتة‮ ‬يخرج مالا حصر له من الألوان‮ . ‬ولا‮ ‬يوجد لون مثل الآخر تماماً ‮.‬
هكذا‮ ‬يقدم لنا الكتاب ثلاث نماذج أو ثلاث صبغات رئيسية للمؤمنين‮ ‬،‮ ‬ومن مزج هذه الصبغات بنسب متغيرة نحصل على تركيبة متميزة‮ ‬،‮ ‬التى هى بالنسبة لكل مؤمن عبارة عن لون لا‮ ‬يتكرر مرتين،‮ ‬ولا‮ ‬يتشابه فيه مع‮ ‬غيره من المؤمنين‮ .‬
هذه الصفة التى تميز المؤمن أو التركيبة الخاصة به‮ ‬،‮ ‬أو الوضع الذى‮ ‬يكون عليه هى أمر معروف مسبقا لدى اللّه‮ . ‬وفى خطته الحكيمة أن‮ ‬يصل بكل منا إلى هذه الصفة المميزة فلا داعى للحزن أو للإنزعاج أو الحيرة إذ أنه على قدر نسبة المرار فى هذه التركيبة‮ ‬،‮ ‬تكون المعونة المعطاة لنا‮ ‬،‮ ‬وعلى قدر الشوكة تُجزل النعمة وإلهنا حكيم لا‮ ‬يفعل شيئا ليس فى محله‮ . ‬وهذه هى إجابة السؤال‮ . ‬وهى إجابة طويلة لكنها كانت لازمة لى وحيوية ويخيل إليَّ‮ ‬أنها لازمة أيضاً‮ ‬لكل متألم حتى‮ ‬يستودع نفسه بين‮ ‬يدى اللّه الخالق الحكيم الى خلقنا والذى‮ ‬يشكِّلنا حسب ما‮ ‬يراه فى نفسه من جهتنا‮ . ‬عندئذ‮ ‬يرنم‮ .‬


بقلم الاخ : اسحق اسكندر

ليست هناك تعليقات: