لوقا 22 : 14-34
ياله من شئ غالي وثمين جداً أن نتطلع الي الرب في كل الأوقات ، لأنه لو تثبتت العين علي الذات دائماً فليس فقط سوف لا يكون تقدم بل إننا سنُحبَط بسبب فكر الشر الذي في داخلنا ، لأنه بهذا سوف نحصر أنفسنا في فكرة الشر ، وبالتالي نحرم أنفسنا من القوة التي تنتصر علي هذا الشر .
فيجب ان نلاحط طبيعة الجسد وحالة عمي قلب الإنسان ، والأشياء الرزيلة التي تأتي بيننا وبين الله لكي تحجب عنا الأشياء التي يجب أن ننظر إليها ، فشئ عجيب أننا بفعل الافكار التي هي للقلب الطبيعي (حتي والرب قريب منا) تحرمنا من الشعور بالأشياء الثمينة التي هي قريبة جداً منا ، وتؤثر علينا .
كان الرب يسوع علي وشك اتمام العمل الذي لا يمكن مقارنته بعمل آخر ، إنه كان مزمعاً ان يحمل غضب الله لأجلنا نحن الخطاة المساكين ، فإنه كان يجتاز موقفاً كان يجب ان يكون له تأثيره علي قلب التلاميذ ، فقد كانت كلماته مؤثرة جداً عن رغبته في أن يتناول الفصح مرة أخيرة قبل أن يتألم ، وتحدث أيضاً عن الشحص المزمع أن يسلمه ، فكان يجب أن تؤثر تلك الكلمات علي أذهان التلاميذ وتملأ قلوبهم ، ولكن ياتري ماذا حدث ؟ لقد كانت هناك مشاجرة فيما بينهم عمن يكون الأكبر .
لقد أزيل الحجاب عنا ، إذ عندما نقرأ تلك الحقيقة ، يمكننا فهمها جيداً ، كيف كانوا مشغولين بتلك الأشياء ؟! فنحن نعلم ماذا كان سيحدث ، فكم من الأشياء التي لها سلطان علي أنفسنا (نحن الذين لنا نور أكثر من هؤلاء) تختلف تماماً عن تلك الأشياء التي تملأ قلب يسوع ! ، هكذا هو حال قلب الإنسان في محضر أخطر وأعظم الأشياء علي الاطلاق ، فياتري موت يسوع له نفس التأثير علي قلوبنا كما كان علي قلب التلاميذ ؟! ، ليت هذا الأمر يكون له غلاوته علي قلوبنا .
إن الرب يكون حاضراً معنا نحن أيضاً عندما يجتمع اثنان أو ثلاثة إلي أسمه ، ونحن نعرف جيداً ما هي الافكار التي تشغل قلوبنا وأذهاننا ونحن في محضره ، إننا نري نفس الشئ يحدث معنا نحن نفس الظروف عندما تتلامس قلوبنا مع أخطر وأعظم حق هناك ، فيسوع يخبر تلاميذه "بأن دممه سيسفك لأجلهم" ، وأن يد الذي يسلمه معه علي نفس المائدة ، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه ، "فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من تري منهم هو المزمع أن يفعل هذا؟" كان من المتوقع أن لا يفكروا في شئ الآن سوي موت سيدهم المبارك ، ويحدث أحياناً أن تكون لنا مشاعر حقيقية تحمل شهادة عن محبتنا للرب يسوع ولكن أيضاً ربما تكون مختلطة وفي نفس الوقت بأشياء أخري ، مثل مشاجرة التلاميذ هذه ، يالغباوة وحماقة قلب الإنسان ، الذي يُحسَب مثل غبار الميزان .
ولكن الرب المملوء نعمة ووداعة ينسي نفسه في اعتنائه بتلاميذه قائلاً لهم "الكبير فيكم ليكن كالأصغر والمتقدم كالخادم" ، فهو يعلم جيداً كيف يعلمهم بواسطة شخصه كالمثال الكامل ، فيالعظم محبة الله ، وفي نفس الوقت يريهم النعمة والأمانة التي كانوا مدينون بها له ، فهو لسان حاله (أنتم غير محتاجين ان ترفعوا أنفسكم لأن أبي سيرفعكم) ، "أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي ، وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً لتأكلوا وتشربوا علي مائدتي في ملكوتي ، وتجلسوا علي كراسيَّ تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر" (لو 22 : 28 - 30) .
وبدلاً من ان يغضب الرب لأجل هذا التصرف الردئ من تلاميذه فهو يظهر لهم انه ليس هناك نعمة في البشر ، ولكن توجد نعمة في هذا الإنسان الوحيد الذي هو نفسه ، فهذه النعمة الكاملة هي في يسوع ، وهو يضع تلاميذه فيها بغض النظر عن تصرفهم تجاهه ، فهو يثبتهم راسخين علي مبدأ النعمة بدلاً من تصرفات الجسد الغبية التي ظهرت فيما بينهم ، كما قال هو إنني مملوء بالنعمة تجاهكم وإنني واثق بأن الملكوت هو لكم .
فنحن موضعون تحت النعمة وصوتها دائماً يُسمَع ، إنها تفترض أننا لا نصمد أمام ضعفاتنا ، ولكننا نثبت مع يسوع ، وهو يعطي لنا ملكوت كما أعطي الآب له ملكوت ، وعلاوة علي ذلك فإن النفس التي تتمتع بتلك الأشياء يجب أن تتدرب ، والجسد لابد أن يصير ظاهراً لنا ومن خلال ذلك نري الأعواز خلال التجارب التي نتعرض لها ، ولكن يسوع يجعلنا نثبت معه ، لأننا ننتمي إليه ، فإذا كان يقول لتلاميذه "اجعل لكم ملكوتاً لتجلسوا علي كراسيَّ ...." فهو في نفس الوقت مهتم بإظهار ما هو الجسد الذي فيهم .
وقال الرب "سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني ايمانك" (لو 22 : 31 ، 32) ، فلم يقل له أنك سوف لا تُجرَب ، أو أنني سأمنع الشيطان من أن يجربك ، لم يقل ولم يفعل هذا ، فنري هنا ان الله غالباً ما يترك تلاميذه في مواجهة عدوهم ، ولكنه لا يهلكهم ، ولكن يُترَكون الي حين في مواجهة العدو ، ولكن في نفس الوقت عين الرب لا تتحول عنهم خلال ذلك كما نري في (رؤ 2 : 10) "هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضاً منكم في السجن لكي تُجرَبوا ، ويكون لكم ضيق عشرة أيام ، كن أميناً إلي الموت فسأعطيك أكليل الحياة" .
ولربما بطرس يسأل الرب ألم تقدر أن تنجيني من تلك الغربلة ، مثل مرثا ومريم اللتين أمنوا أن الرب قادر علي أن يمنع موت لعازر ، وحقاً هو قادر علي فعل هذا ، لأن الذي يعطي اكليل الحياة قادر علي أن يمنع من الدخول إلى التجربة ، ولكنه لا يفعل ذلك ، لكي نُجرَّب ، فقد رغب الشيطان أن يغربل أيوب مثل الحنطة وسمح الله له بذلك كما يحدث لنا نحن أيضاً ، وفي اثناء ذلك نري ما في داخل أنفسنا ، فلماذا هو يتعامل معي بمثل هذه الطريقة ؟ ولماذا يضعني في مثل هذه البوتقة ؟ آه إنها رغبة الشيطان ، والله هو الذي يسمح له بذلك ، فتوجد أمور كثيرة تحدث لنا ونحن لا ندركها ، ولكن تلك الامور تُظهِر لنا ما هو الجسد .
وعندما يريد الله أن يستخدم انسان مؤمن في عمله فإنه يأخذ إنسان قد تألم بما فيه الكفاية من خلال التجارب ، كما هو مكتوب هنا "هوذا الشيطان قد طلبكم لكي يغربلكم" إن الخطر هو أمام الجميع ولكن هنا يتحدث الي بطرس "طلبت لأجلك" لأجلك أنت بصفة خاصة لأنه كان مزمعاً أن يأخذ مكانه اكثر مسئولية من الآخرين ، فعلي الرغم من أن الجميع قد تعرضوا للغربلة عند موت المسيح ، إلا أن بطرس كان معرضاً للخطر أكثر منهم .
فيقول الرب لبطرس "وأنت متي رجعت ثبِّت اخوتك" فالرب لم يجنب أياً من تلاميذه من تلك الغربلة ، ولكن بطرس كان أكثر تميزاً في التجربة لكي يكون مؤهلاً أن يُثبِّت اخوته ، فقد كان بطرس مليئاً من الثقة في الذات ، "يارب اني مستعد أن أمضي معك حتي الي السجن وإلي الموت" (لو 22 : 33) ، ولكن يجيب يسوع "لا يصبح الديك اليوم حتي تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني" (لو 22 : 34) .
فقد كانت قوة الجسد في بطرس كافية فقط بأن تلقيه في التجربة ، ولكنه يفشل هناك ، لقد انكر بطرس الرب يسوع حتي في محضره ، فالتفت الرب ونظر الي بطرس عندما أنكره أمام جارية قائلاً "لست اعرفه" ، فعلي الرغم من أن الرب قد حذره ، ولكن الرب لم يسمح بأن يُحفَظ بطرس بواسطة العناية الإلهية في تلك اللحظة ، لأنه كان محتاجاً أن يتعلم بالاختبار ما هو في ذاته ونفسه .
وإذا لاحظنا كل ما صنعه المسيح ، سنري كيف كانت عينه علي بطرس في ذلك الوقت ، إن نعمة المسيح قد التقت ببطرس هناك وقد رافقته خلال التجربة بأكملها ، فالشئ الأول الذي فعله يسوع أنه صلي لأجله ، ليس توبة بطرس هي التي قادت يسوع ليتشفع فيه ، بل إن شفاعة يسوع هي التي قادت بطرس الي التوبة ، "طلبت لأجلك" ، "فالتفت الرب ونظر الي بطرس" ، ان يهوذا قد أنكر الرب وعندما استيقظ ضميره مضي وقتل نفسه ، ولكن هنا نري تأثير صلاة يسوع لحفظ الإيمان في قلب بطرس ، وعندما نظر إليه يسوع كُسر قلبه وبكي .
فأول شئ يجب أن نلاحظه هنا ان الرب صلي من أجل بطرس ، والشئ الثاني أنه دائماً كانت عينه علي تلميذه ، وبمجرد صياح الديك نظر يسوع اليه فبكي بطرس بكاءاً مراً ، وهكذا يتعامل الرب معنا بنفس الطريقة ، انه يصلي لأجلنا ، ويسمح لنا بالدخول الي التجربة والله يسمح لنا بذلك لأنه يري النتيجة من وراء ذلك ، فلو كان بطرس لديه الشعور بضعفه ما كان محتاجاً لتلك التجربة ، فهذه التجربة هي النتيجة الطبيعية لما كان في الجسد ، فقد كان الله قاصداً ان يستخدمه ، ويعطيه مكانة مميزة لأجل خدمته ، فالسبب في السقوط هي الثقة الذاتية ، ولأن الجسد كان فعَّالاً .
إن الله فعل كل شئ حسناً لبطرس ، وقد رأي بطرس قوة الشيطان اثناء الغربلة ، إن باقي التلاميذ ليس لهم نفس القوة الجسدية ، لأنهم هربوا حالاً ، فلم يكن لديهم الثقة الكثيرة بالجسد مثل بطرس ، فالله ترك بطرس للجهاد ضد الشيطان ، ويسوع قد صلي لأجله بالرغم من سقوطه لكي لا يفني إيمانه ، ففي لحظة سقوط بطرس تحولت إليه عين يسوع مباشرة ، إن هذه النظرة لم تعطه سلام ، بل اضطراب الوجه ، ولذا خرج وبكي بكاءاً مراً ، فقد تعلَّم ذاته ونفسه ، فعن طريق ارتكابه للخطية تعلم فشله ، ولم يستطع بطرس ان ينسي أنه قد أنكر الرب ، ولكن الرب قد استخدم سقوطه هذا في علاج حالته .
إنه نفس الشئ يحدث معنا ، فنحن غالباً نسقط في الأخطاء التي لا يمكن علاجها بسبب الثقة الجسدية ، فماذا يفعل الإنسان عندما لا تكون هناك امكانية لإصلاح الخطأ الذي ارتكبه ؟ ليس له إلا بأن يلقي نفسه علي نعمة الله ، وعندما يكون الجسد قوياً يسمح الله لنا بالسقوط ، لأننا عندئذ لا نكون في حالة الاتكال التي نكون فيها محفوظين بنعمة الرب ، إن يعقوب كذلك كان خائفاً من عيسو أخيه ، ولكن الله لم يتركه ليد أخيه ، بل اعطاه ايماناً كافياً لاجتياز تلك الصعوبة ، وقد صارع الله مع يعقوب ، وقد غلب يعقوب ، ولكن كان لابد أن يشعر يعقوب في قلبه بآلام تلك الصعوبة ، والله قد حفظه من بغضة عيسو أخيه ، وفي نهاية ذلك الطريق استطاع يعقوب ان يقول "الله الذي رعاني منذ وجودي الي هذا اليوم ، الملاك الذي خلَّصني من كل شر " (تك 48 : 15 ، 16) .
وعندما يسمح الله لقلب المؤمن ان يجتاز التجربة فهو غالباً يترك القلب لأيدي الشيطان ، ولكنه لا يترك ضمائر أولاده أبداً ليد العدو ، إن ضمير يهوذا كان في يد الشيطان ، ولهذا قد سقط في بالوعة اليأس ، فقلب بطرس كان في يد الشيطان الي حين ، أما ضميره فلا ، لذا فبدلاً من أن ييأس بطرس عبَّرت محبة المسيح له بنظرة كانت فيها القوة لتتلامس مع قلبه .
ان نعمة الله عندما تعمل في القلب فهي تعطي الشعور بالخطية ، ولكن في نفس الوقت تصل محبة المسيح الي الضمير لتعمِّق الشعور بالخطية اكثر ، واذا كان هذا الشعور عميق فهذا لأن الشعور بمحبة المسيح يكون عميقاً أيضاً ، وقد كان رد نفس بطرس كاملاً ، إنه لم يستطع أن ينسي خطيته ، فليس فقط قد غُفرَت خطيته تماماً ، ولكن ضميره ايضاً كان في يد الرب عندما أعلن الروح القدس له كمال قلب يسوع ، وضميره كان قد تطهر تماماً حتي أنه استطاع ان يقف ويدين اليهود في نفس الخطية التي كان قد ارتكبها هو شخصياً في ظروف شائكة ، "أنكرتم القدوس البار" (أع 3 : 14) ، فتلك كانت كلماته ، لأن دم المسيح قد طهَّر ضميره تماماً ، فإذا سألناه عن قوته الجسدية ، لأجاب إنني قد أنكرت الرب ، ولكن لولا نعمته المُطهِّرة لما قدرت أن أفتح فمي .
ولم يعيِّر الرب بطرس بخطيته عندما كان له حديث معه فيما بعد علي بحر طبرية ، لقد انتهي هذا الامر فلم يقل له لماذا أنكرتني ؟ كلا ، فلا يمكن ان يذكِّره الرب بفشله مرة أخري ، ولكن علي النقيض من هذا كان تصرف المسيح معه بحسب تلك المحبة المكتوب عنها "لن اذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد" ( عب 10 : 17 ) فيسوع قد نسي الكل ، ولكن تبقي شئ واحد يجب أن يظهر لبطرس ، أنه أصل أو جذر الخطية ، النقطة التي سقط عندها ، أي تجربة الشيطان له عندما كان له الرغبة الحارة في محبة يسوع وكان سبب سقوطه هو الثقة في الجسد ، ولكن الآن قد تحطمت تلك الثقة ، وضميره الآن قد مُسّ ، وهذا كان مهماً جداً لادراكه الروحي وتشكيله ، فبطرس الذي افتخر بمحبته ليسوع اكثر من الجميع كان قد سقط اكثر من الكل .
فسأله يسوع "هل تحبني اكثر من هؤلاء؟" فأين الآن ثقة بطرس الذاتية ؟ ، ويكرر يسوع السؤال ثلاث مرات ، هل تحبني ؟ ، وفي نفس الوقت لم يرد الرب تذكرته بتاريخه ، فكانت اجابة بطرس "أنت تعلم كل شئ ، أنت تعلم أني أحبك" ، فهو يترك الحُكم للرب ولمعرفته الإلهية ، "فأنت تعلم أني أحبك" هذا ما قد فعله الرب لبطرس ، وهذا بعد سقوطه .
إن الرب الذي كان قد سبق وأخبر بطرس بفشله يسأله الآن "هل تحبني أكثر من هؤلاء ؟ " فلم يستطع بطرس أن يجيب بشئ سوي انه كان قد تعلَّم ضعفه ، وانه احب يسوع اقل من باقي التلاميذ ، فالعلاقة بين الرب وبطرس كانت في نعمة كاملة ، فليس هناك مصدر اخر سوي الثقة في الرب يسوع ، وهو الآن استطاع ان يكون شاهداً للرب ، لأنه كان قد شعر بنظرة القوة التي كان يسوع قد نظر بها إليه .
وكأن لسان حال بطرس إنني أثق فيك أنت الذي تعلم كيف إني أنكرتك ، فاعمل معي ما تراه صالحاً ، ومن هنا نري الرب يعضد قلب تلميذه المحبوب ، ولذا قال له الرب "وأنت متي رجعت ثبِّت اخوتك" ، ما الذي جعل بطرس قادراً علي أن يُثبِّت اخوته ؟ ان انكاره للرب قد علمه ما هو الجسد ، فلم يعد يثق في نفسه بأي شئ ، لقد تعلم انه غير قادر علي فعل أي شئ إلا بأن يثق في الله ، فمهما كان عجزه وضعفه في مقاومة الشيطان ، فإنه استطاع ان يحتكم لنعمة الذي يعرف كل شئ ، ان معرفة الشخص الذي استطاع أن يثق في الرب هي التي تجعله قوياً ، فبعد أن تعلِّم بطرس عجزه في فعل أي شئ بالجسد ، استطاع الرب بعدها ان يأتمنه علي خرافه الخاصة "ارعي غنمي" ، فليس قبل ذلك يستطيع ان يُثبّت اخوته ، إن الجسد له ثقة في الجسد ، وهذه هي الحماقة التي غالباً ما نسقط فيها ، فمن الضروري أن نتعلم أنفسنا من خلال المعركة مع الشيطان ، فكل مسيحي يجب ان يتعلم ما بداخله من خلال الظروف التي يجتاز خلالها ، والله يتركنا لغربلة الشيطان حتي نتعلم ما بقلوبنا ، فيا تري هل لنا الاتضاع الكافي والأمانة لنقول له (إنني لا استطيع فعل شئ بدونك) ، فالله لا يريد ان يتركنا لهذا الاختبار المؤلم لنتعلم ضعفنا إن كنا ضعفاء حقيقة ، ان الله لا يتركنا ابداً ، ولكن عندما نكون غير شاعرين بضعفاتنا فيجب ان نتعلم ذلك عن طريق الاختبار .
فاذا لم يسلك المسيحي بالشعور الدائم بضعفه يتركه الله لمواجهة الشيطان لكي يتعلم ذلك ، وغالباً الشخص يسقط في اخطاء لها نتائج غير قابلة للإصلاح ، وهذا هو أصعب ما في الأمر .
إن يعقوب كان أعرج كل ايام حياته ، ولماذا صار ذلك ؟ لأنه كان أعرج من الناحية الأدبية لمدة واحد وعشرين سنة ، وقد صارع مع الله القدير ، فكان يجب ان يشعر كم هو ضعيف في الجسد ، والله لم يتركه ليتصارع مع عيسو ، ونحن بدورنا لا يجب ان نندهش اذا كان الرب يتركنا لصعوبة ما ، لأنه يفعل هذا لأن هناك شئ ما لم يُكسَر فينا ، فنحن في احتياج ان نكون حساسين لذلك ، ولكن النعمة دائماً هي وراء كل هذا ، فالمسيح كُلِّي النعمة ، فاذا كان يظهر لنا أحياناً أنه يتركنا لكي يعلمنا ضعفنا ، ولكنه لا يزال كلي النعمة والنعمة الكاملة تجاهنا .
إنه ليس عندما التفت بطرس الي الرب نظر الرب إليه ، ولكن هنا نري أن الرب يسوع قد قال له قبل أن يسقط "طلبت لأجلك" ، لأن النعمة دائماً تتقدمنا ، فيسوع يري رغبة الشيطان ويتركنا لتلك الرغبة ، ولكنه يعتني بنا ويحفظنا خلال ذلك ، انه ليس عندما نظر بطرس الي يسوع ، ولكن عندما نظر يسوع الي بطرس خرج وبكي بكاءاً مراً ، ان محبة المسيح دائماً تسبق خاصته وتحتضنهم ، تسبقنا في كل صعوباتنا ، وتحملنا خلال كل العقبات ، فبينما تتركنا تلك المحبة في أيدي الشيطان الي حين كي ما نتعلم اختبارياً ما نحن عليه في ذواتنا ، إلا أنها دائماً قريبة منا وتعلم جيداً كيف تحفظنا من حيِّل العدو ، فهنا نري بوضوح الصلاح الكامل والنعمة التي لهذا الشخص الذي يحبنا ، ليس فقط عندما تتحول قلوبنا عنه ، ولكنه يكيِّف نفسه كي ما يتعامل مع كل عيب فينا كي يصيِّرنا كاملين ومباركين تماماً بحسب مقاصد الله .
ان كل هذا يعلمنا ان نتضع تحت يد الله القوية لكي يرفعنا في حينه ، وعندما اشعر بالانطراح والحزن في التفكير في ذاتي بعد السقوط فلا يجب أن أطلب الراحة بحسب الجسد علي الفور ، بل بالأحري يجب أن اطلب اول كل شئ المسيح واستيعاب الدرس الذي يريد الله أن يعلمني اياه .
أحياناً في وسط الظروف المؤلمة يقول المؤمن إنني غير قادر علي فهم ذلك التعليم الذي يريد الرب ان يعلمني اياه بواسطة هذا ، لا بأس فالله يعرف كل شئ ، وهو يتركك هناك للغربلة لكي يأتي بك الي معرفة أعمق بشخصه وبذاتك ايضاً ، انه يرغب ان يظهر لك كل ما هو في ذاته ويظهر عمله من خلالك ، ولذا يجب ان لا تتنصل من تلك الغربلة أو تحاول التخلص منها ، بل بالحري نقبل التعليم الثمين الذي يريد الرب أن يقدمه لنا من خلال ذلك ، فنحن سنحصل علي معرفة أعمق للرب ومعرفة أعمق لذواتنا .
نحن يجب ان نتعلم ان نُخضِع ذواتنا ليده القوية حتي يرفعنا هو ، ياليب الرب يعطينا نعمة لكي نعرفه هو وحده ! ، فإذا تعلمنا ما نحن عليه فقط فلسوف ننطرح الي بالوعة اليأس ، ولكن غرضه هو أن يعطينا معرفة لذواتنا ومعرفة نعمته التي تجعلنا نصل الي النتيجة المتوقعة ، وبذا نستطيع ان نقول مع المرنم "إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي ، واسكن في بيت الـرب الي مدي الايــام" ( مز 23 : 6 ) .
ياله من شئ غالي وثمين جداً أن نتطلع الي الرب في كل الأوقات ، لأنه لو تثبتت العين علي الذات دائماً فليس فقط سوف لا يكون تقدم بل إننا سنُحبَط بسبب فكر الشر الذي في داخلنا ، لأنه بهذا سوف نحصر أنفسنا في فكرة الشر ، وبالتالي نحرم أنفسنا من القوة التي تنتصر علي هذا الشر .
فيجب ان نلاحط طبيعة الجسد وحالة عمي قلب الإنسان ، والأشياء الرزيلة التي تأتي بيننا وبين الله لكي تحجب عنا الأشياء التي يجب أن ننظر إليها ، فشئ عجيب أننا بفعل الافكار التي هي للقلب الطبيعي (حتي والرب قريب منا) تحرمنا من الشعور بالأشياء الثمينة التي هي قريبة جداً منا ، وتؤثر علينا .
كان الرب يسوع علي وشك اتمام العمل الذي لا يمكن مقارنته بعمل آخر ، إنه كان مزمعاً ان يحمل غضب الله لأجلنا نحن الخطاة المساكين ، فإنه كان يجتاز موقفاً كان يجب ان يكون له تأثيره علي قلب التلاميذ ، فقد كانت كلماته مؤثرة جداً عن رغبته في أن يتناول الفصح مرة أخيرة قبل أن يتألم ، وتحدث أيضاً عن الشحص المزمع أن يسلمه ، فكان يجب أن تؤثر تلك الكلمات علي أذهان التلاميذ وتملأ قلوبهم ، ولكن ياتري ماذا حدث ؟ لقد كانت هناك مشاجرة فيما بينهم عمن يكون الأكبر .
لقد أزيل الحجاب عنا ، إذ عندما نقرأ تلك الحقيقة ، يمكننا فهمها جيداً ، كيف كانوا مشغولين بتلك الأشياء ؟! فنحن نعلم ماذا كان سيحدث ، فكم من الأشياء التي لها سلطان علي أنفسنا (نحن الذين لنا نور أكثر من هؤلاء) تختلف تماماً عن تلك الأشياء التي تملأ قلب يسوع ! ، هكذا هو حال قلب الإنسان في محضر أخطر وأعظم الأشياء علي الاطلاق ، فياتري موت يسوع له نفس التأثير علي قلوبنا كما كان علي قلب التلاميذ ؟! ، ليت هذا الأمر يكون له غلاوته علي قلوبنا .
إن الرب يكون حاضراً معنا نحن أيضاً عندما يجتمع اثنان أو ثلاثة إلي أسمه ، ونحن نعرف جيداً ما هي الافكار التي تشغل قلوبنا وأذهاننا ونحن في محضره ، إننا نري نفس الشئ يحدث معنا نحن نفس الظروف عندما تتلامس قلوبنا مع أخطر وأعظم حق هناك ، فيسوع يخبر تلاميذه "بأن دممه سيسفك لأجلهم" ، وأن يد الذي يسلمه معه علي نفس المائدة ، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه ، "فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من تري منهم هو المزمع أن يفعل هذا؟" كان من المتوقع أن لا يفكروا في شئ الآن سوي موت سيدهم المبارك ، ويحدث أحياناً أن تكون لنا مشاعر حقيقية تحمل شهادة عن محبتنا للرب يسوع ولكن أيضاً ربما تكون مختلطة وفي نفس الوقت بأشياء أخري ، مثل مشاجرة التلاميذ هذه ، يالغباوة وحماقة قلب الإنسان ، الذي يُحسَب مثل غبار الميزان .
ولكن الرب المملوء نعمة ووداعة ينسي نفسه في اعتنائه بتلاميذه قائلاً لهم "الكبير فيكم ليكن كالأصغر والمتقدم كالخادم" ، فهو يعلم جيداً كيف يعلمهم بواسطة شخصه كالمثال الكامل ، فيالعظم محبة الله ، وفي نفس الوقت يريهم النعمة والأمانة التي كانوا مدينون بها له ، فهو لسان حاله (أنتم غير محتاجين ان ترفعوا أنفسكم لأن أبي سيرفعكم) ، "أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي ، وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً لتأكلوا وتشربوا علي مائدتي في ملكوتي ، وتجلسوا علي كراسيَّ تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر" (لو 22 : 28 - 30) .
وبدلاً من ان يغضب الرب لأجل هذا التصرف الردئ من تلاميذه فهو يظهر لهم انه ليس هناك نعمة في البشر ، ولكن توجد نعمة في هذا الإنسان الوحيد الذي هو نفسه ، فهذه النعمة الكاملة هي في يسوع ، وهو يضع تلاميذه فيها بغض النظر عن تصرفهم تجاهه ، فهو يثبتهم راسخين علي مبدأ النعمة بدلاً من تصرفات الجسد الغبية التي ظهرت فيما بينهم ، كما قال هو إنني مملوء بالنعمة تجاهكم وإنني واثق بأن الملكوت هو لكم .
فنحن موضعون تحت النعمة وصوتها دائماً يُسمَع ، إنها تفترض أننا لا نصمد أمام ضعفاتنا ، ولكننا نثبت مع يسوع ، وهو يعطي لنا ملكوت كما أعطي الآب له ملكوت ، وعلاوة علي ذلك فإن النفس التي تتمتع بتلك الأشياء يجب أن تتدرب ، والجسد لابد أن يصير ظاهراً لنا ومن خلال ذلك نري الأعواز خلال التجارب التي نتعرض لها ، ولكن يسوع يجعلنا نثبت معه ، لأننا ننتمي إليه ، فإذا كان يقول لتلاميذه "اجعل لكم ملكوتاً لتجلسوا علي كراسيَّ ...." فهو في نفس الوقت مهتم بإظهار ما هو الجسد الذي فيهم .
وقال الرب "سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني ايمانك" (لو 22 : 31 ، 32) ، فلم يقل له أنك سوف لا تُجرَب ، أو أنني سأمنع الشيطان من أن يجربك ، لم يقل ولم يفعل هذا ، فنري هنا ان الله غالباً ما يترك تلاميذه في مواجهة عدوهم ، ولكنه لا يهلكهم ، ولكن يُترَكون الي حين في مواجهة العدو ، ولكن في نفس الوقت عين الرب لا تتحول عنهم خلال ذلك كما نري في (رؤ 2 : 10) "هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضاً منكم في السجن لكي تُجرَبوا ، ويكون لكم ضيق عشرة أيام ، كن أميناً إلي الموت فسأعطيك أكليل الحياة" .
ولربما بطرس يسأل الرب ألم تقدر أن تنجيني من تلك الغربلة ، مثل مرثا ومريم اللتين أمنوا أن الرب قادر علي أن يمنع موت لعازر ، وحقاً هو قادر علي فعل هذا ، لأن الذي يعطي اكليل الحياة قادر علي أن يمنع من الدخول إلى التجربة ، ولكنه لا يفعل ذلك ، لكي نُجرَّب ، فقد رغب الشيطان أن يغربل أيوب مثل الحنطة وسمح الله له بذلك كما يحدث لنا نحن أيضاً ، وفي اثناء ذلك نري ما في داخل أنفسنا ، فلماذا هو يتعامل معي بمثل هذه الطريقة ؟ ولماذا يضعني في مثل هذه البوتقة ؟ آه إنها رغبة الشيطان ، والله هو الذي يسمح له بذلك ، فتوجد أمور كثيرة تحدث لنا ونحن لا ندركها ، ولكن تلك الامور تُظهِر لنا ما هو الجسد .
وعندما يريد الله أن يستخدم انسان مؤمن في عمله فإنه يأخذ إنسان قد تألم بما فيه الكفاية من خلال التجارب ، كما هو مكتوب هنا "هوذا الشيطان قد طلبكم لكي يغربلكم" إن الخطر هو أمام الجميع ولكن هنا يتحدث الي بطرس "طلبت لأجلك" لأجلك أنت بصفة خاصة لأنه كان مزمعاً أن يأخذ مكانه اكثر مسئولية من الآخرين ، فعلي الرغم من أن الجميع قد تعرضوا للغربلة عند موت المسيح ، إلا أن بطرس كان معرضاً للخطر أكثر منهم .
فيقول الرب لبطرس "وأنت متي رجعت ثبِّت اخوتك" فالرب لم يجنب أياً من تلاميذه من تلك الغربلة ، ولكن بطرس كان أكثر تميزاً في التجربة لكي يكون مؤهلاً أن يُثبِّت اخوته ، فقد كان بطرس مليئاً من الثقة في الذات ، "يارب اني مستعد أن أمضي معك حتي الي السجن وإلي الموت" (لو 22 : 33) ، ولكن يجيب يسوع "لا يصبح الديك اليوم حتي تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني" (لو 22 : 34) .
فقد كانت قوة الجسد في بطرس كافية فقط بأن تلقيه في التجربة ، ولكنه يفشل هناك ، لقد انكر بطرس الرب يسوع حتي في محضره ، فالتفت الرب ونظر الي بطرس عندما أنكره أمام جارية قائلاً "لست اعرفه" ، فعلي الرغم من أن الرب قد حذره ، ولكن الرب لم يسمح بأن يُحفَظ بطرس بواسطة العناية الإلهية في تلك اللحظة ، لأنه كان محتاجاً أن يتعلم بالاختبار ما هو في ذاته ونفسه .
وإذا لاحظنا كل ما صنعه المسيح ، سنري كيف كانت عينه علي بطرس في ذلك الوقت ، إن نعمة المسيح قد التقت ببطرس هناك وقد رافقته خلال التجربة بأكملها ، فالشئ الأول الذي فعله يسوع أنه صلي لأجله ، ليس توبة بطرس هي التي قادت يسوع ليتشفع فيه ، بل إن شفاعة يسوع هي التي قادت بطرس الي التوبة ، "طلبت لأجلك" ، "فالتفت الرب ونظر الي بطرس" ، ان يهوذا قد أنكر الرب وعندما استيقظ ضميره مضي وقتل نفسه ، ولكن هنا نري تأثير صلاة يسوع لحفظ الإيمان في قلب بطرس ، وعندما نظر إليه يسوع كُسر قلبه وبكي .
فأول شئ يجب أن نلاحظه هنا ان الرب صلي من أجل بطرس ، والشئ الثاني أنه دائماً كانت عينه علي تلميذه ، وبمجرد صياح الديك نظر يسوع اليه فبكي بطرس بكاءاً مراً ، وهكذا يتعامل الرب معنا بنفس الطريقة ، انه يصلي لأجلنا ، ويسمح لنا بالدخول الي التجربة والله يسمح لنا بذلك لأنه يري النتيجة من وراء ذلك ، فلو كان بطرس لديه الشعور بضعفه ما كان محتاجاً لتلك التجربة ، فهذه التجربة هي النتيجة الطبيعية لما كان في الجسد ، فقد كان الله قاصداً ان يستخدمه ، ويعطيه مكانة مميزة لأجل خدمته ، فالسبب في السقوط هي الثقة الذاتية ، ولأن الجسد كان فعَّالاً .
إن الله فعل كل شئ حسناً لبطرس ، وقد رأي بطرس قوة الشيطان اثناء الغربلة ، إن باقي التلاميذ ليس لهم نفس القوة الجسدية ، لأنهم هربوا حالاً ، فلم يكن لديهم الثقة الكثيرة بالجسد مثل بطرس ، فالله ترك بطرس للجهاد ضد الشيطان ، ويسوع قد صلي لأجله بالرغم من سقوطه لكي لا يفني إيمانه ، ففي لحظة سقوط بطرس تحولت إليه عين يسوع مباشرة ، إن هذه النظرة لم تعطه سلام ، بل اضطراب الوجه ، ولذا خرج وبكي بكاءاً مراً ، فقد تعلَّم ذاته ونفسه ، فعن طريق ارتكابه للخطية تعلم فشله ، ولم يستطع بطرس ان ينسي أنه قد أنكر الرب ، ولكن الرب قد استخدم سقوطه هذا في علاج حالته .
إنه نفس الشئ يحدث معنا ، فنحن غالباً نسقط في الأخطاء التي لا يمكن علاجها بسبب الثقة الجسدية ، فماذا يفعل الإنسان عندما لا تكون هناك امكانية لإصلاح الخطأ الذي ارتكبه ؟ ليس له إلا بأن يلقي نفسه علي نعمة الله ، وعندما يكون الجسد قوياً يسمح الله لنا بالسقوط ، لأننا عندئذ لا نكون في حالة الاتكال التي نكون فيها محفوظين بنعمة الرب ، إن يعقوب كذلك كان خائفاً من عيسو أخيه ، ولكن الله لم يتركه ليد أخيه ، بل اعطاه ايماناً كافياً لاجتياز تلك الصعوبة ، وقد صارع الله مع يعقوب ، وقد غلب يعقوب ، ولكن كان لابد أن يشعر يعقوب في قلبه بآلام تلك الصعوبة ، والله قد حفظه من بغضة عيسو أخيه ، وفي نهاية ذلك الطريق استطاع يعقوب ان يقول "الله الذي رعاني منذ وجودي الي هذا اليوم ، الملاك الذي خلَّصني من كل شر " (تك 48 : 15 ، 16) .
وعندما يسمح الله لقلب المؤمن ان يجتاز التجربة فهو غالباً يترك القلب لأيدي الشيطان ، ولكنه لا يترك ضمائر أولاده أبداً ليد العدو ، إن ضمير يهوذا كان في يد الشيطان ، ولهذا قد سقط في بالوعة اليأس ، فقلب بطرس كان في يد الشيطان الي حين ، أما ضميره فلا ، لذا فبدلاً من أن ييأس بطرس عبَّرت محبة المسيح له بنظرة كانت فيها القوة لتتلامس مع قلبه .
ان نعمة الله عندما تعمل في القلب فهي تعطي الشعور بالخطية ، ولكن في نفس الوقت تصل محبة المسيح الي الضمير لتعمِّق الشعور بالخطية اكثر ، واذا كان هذا الشعور عميق فهذا لأن الشعور بمحبة المسيح يكون عميقاً أيضاً ، وقد كان رد نفس بطرس كاملاً ، إنه لم يستطع أن ينسي خطيته ، فليس فقط قد غُفرَت خطيته تماماً ، ولكن ضميره ايضاً كان في يد الرب عندما أعلن الروح القدس له كمال قلب يسوع ، وضميره كان قد تطهر تماماً حتي أنه استطاع ان يقف ويدين اليهود في نفس الخطية التي كان قد ارتكبها هو شخصياً في ظروف شائكة ، "أنكرتم القدوس البار" (أع 3 : 14) ، فتلك كانت كلماته ، لأن دم المسيح قد طهَّر ضميره تماماً ، فإذا سألناه عن قوته الجسدية ، لأجاب إنني قد أنكرت الرب ، ولكن لولا نعمته المُطهِّرة لما قدرت أن أفتح فمي .
ولم يعيِّر الرب بطرس بخطيته عندما كان له حديث معه فيما بعد علي بحر طبرية ، لقد انتهي هذا الامر فلم يقل له لماذا أنكرتني ؟ كلا ، فلا يمكن ان يذكِّره الرب بفشله مرة أخري ، ولكن علي النقيض من هذا كان تصرف المسيح معه بحسب تلك المحبة المكتوب عنها "لن اذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد" ( عب 10 : 17 ) فيسوع قد نسي الكل ، ولكن تبقي شئ واحد يجب أن يظهر لبطرس ، أنه أصل أو جذر الخطية ، النقطة التي سقط عندها ، أي تجربة الشيطان له عندما كان له الرغبة الحارة في محبة يسوع وكان سبب سقوطه هو الثقة في الجسد ، ولكن الآن قد تحطمت تلك الثقة ، وضميره الآن قد مُسّ ، وهذا كان مهماً جداً لادراكه الروحي وتشكيله ، فبطرس الذي افتخر بمحبته ليسوع اكثر من الجميع كان قد سقط اكثر من الكل .
فسأله يسوع "هل تحبني اكثر من هؤلاء؟" فأين الآن ثقة بطرس الذاتية ؟ ، ويكرر يسوع السؤال ثلاث مرات ، هل تحبني ؟ ، وفي نفس الوقت لم يرد الرب تذكرته بتاريخه ، فكانت اجابة بطرس "أنت تعلم كل شئ ، أنت تعلم أني أحبك" ، فهو يترك الحُكم للرب ولمعرفته الإلهية ، "فأنت تعلم أني أحبك" هذا ما قد فعله الرب لبطرس ، وهذا بعد سقوطه .
إن الرب الذي كان قد سبق وأخبر بطرس بفشله يسأله الآن "هل تحبني أكثر من هؤلاء ؟ " فلم يستطع بطرس أن يجيب بشئ سوي انه كان قد تعلَّم ضعفه ، وانه احب يسوع اقل من باقي التلاميذ ، فالعلاقة بين الرب وبطرس كانت في نعمة كاملة ، فليس هناك مصدر اخر سوي الثقة في الرب يسوع ، وهو الآن استطاع ان يكون شاهداً للرب ، لأنه كان قد شعر بنظرة القوة التي كان يسوع قد نظر بها إليه .
وكأن لسان حال بطرس إنني أثق فيك أنت الذي تعلم كيف إني أنكرتك ، فاعمل معي ما تراه صالحاً ، ومن هنا نري الرب يعضد قلب تلميذه المحبوب ، ولذا قال له الرب "وأنت متي رجعت ثبِّت اخوتك" ، ما الذي جعل بطرس قادراً علي أن يُثبِّت اخوته ؟ ان انكاره للرب قد علمه ما هو الجسد ، فلم يعد يثق في نفسه بأي شئ ، لقد تعلم انه غير قادر علي فعل أي شئ إلا بأن يثق في الله ، فمهما كان عجزه وضعفه في مقاومة الشيطان ، فإنه استطاع ان يحتكم لنعمة الذي يعرف كل شئ ، ان معرفة الشخص الذي استطاع أن يثق في الرب هي التي تجعله قوياً ، فبعد أن تعلِّم بطرس عجزه في فعل أي شئ بالجسد ، استطاع الرب بعدها ان يأتمنه علي خرافه الخاصة "ارعي غنمي" ، فليس قبل ذلك يستطيع ان يُثبّت اخوته ، إن الجسد له ثقة في الجسد ، وهذه هي الحماقة التي غالباً ما نسقط فيها ، فمن الضروري أن نتعلم أنفسنا من خلال المعركة مع الشيطان ، فكل مسيحي يجب ان يتعلم ما بداخله من خلال الظروف التي يجتاز خلالها ، والله يتركنا لغربلة الشيطان حتي نتعلم ما بقلوبنا ، فيا تري هل لنا الاتضاع الكافي والأمانة لنقول له (إنني لا استطيع فعل شئ بدونك) ، فالله لا يريد ان يتركنا لهذا الاختبار المؤلم لنتعلم ضعفنا إن كنا ضعفاء حقيقة ، ان الله لا يتركنا ابداً ، ولكن عندما نكون غير شاعرين بضعفاتنا فيجب ان نتعلم ذلك عن طريق الاختبار .
فاذا لم يسلك المسيحي بالشعور الدائم بضعفه يتركه الله لمواجهة الشيطان لكي يتعلم ذلك ، وغالباً الشخص يسقط في اخطاء لها نتائج غير قابلة للإصلاح ، وهذا هو أصعب ما في الأمر .
إن يعقوب كان أعرج كل ايام حياته ، ولماذا صار ذلك ؟ لأنه كان أعرج من الناحية الأدبية لمدة واحد وعشرين سنة ، وقد صارع مع الله القدير ، فكان يجب ان يشعر كم هو ضعيف في الجسد ، والله لم يتركه ليتصارع مع عيسو ، ونحن بدورنا لا يجب ان نندهش اذا كان الرب يتركنا لصعوبة ما ، لأنه يفعل هذا لأن هناك شئ ما لم يُكسَر فينا ، فنحن في احتياج ان نكون حساسين لذلك ، ولكن النعمة دائماً هي وراء كل هذا ، فالمسيح كُلِّي النعمة ، فاذا كان يظهر لنا أحياناً أنه يتركنا لكي يعلمنا ضعفنا ، ولكنه لا يزال كلي النعمة والنعمة الكاملة تجاهنا .
إنه ليس عندما التفت بطرس الي الرب نظر الرب إليه ، ولكن هنا نري أن الرب يسوع قد قال له قبل أن يسقط "طلبت لأجلك" ، لأن النعمة دائماً تتقدمنا ، فيسوع يري رغبة الشيطان ويتركنا لتلك الرغبة ، ولكنه يعتني بنا ويحفظنا خلال ذلك ، انه ليس عندما نظر بطرس الي يسوع ، ولكن عندما نظر يسوع الي بطرس خرج وبكي بكاءاً مراً ، ان محبة المسيح دائماً تسبق خاصته وتحتضنهم ، تسبقنا في كل صعوباتنا ، وتحملنا خلال كل العقبات ، فبينما تتركنا تلك المحبة في أيدي الشيطان الي حين كي ما نتعلم اختبارياً ما نحن عليه في ذواتنا ، إلا أنها دائماً قريبة منا وتعلم جيداً كيف تحفظنا من حيِّل العدو ، فهنا نري بوضوح الصلاح الكامل والنعمة التي لهذا الشخص الذي يحبنا ، ليس فقط عندما تتحول قلوبنا عنه ، ولكنه يكيِّف نفسه كي ما يتعامل مع كل عيب فينا كي يصيِّرنا كاملين ومباركين تماماً بحسب مقاصد الله .
ان كل هذا يعلمنا ان نتضع تحت يد الله القوية لكي يرفعنا في حينه ، وعندما اشعر بالانطراح والحزن في التفكير في ذاتي بعد السقوط فلا يجب أن أطلب الراحة بحسب الجسد علي الفور ، بل بالأحري يجب أن اطلب اول كل شئ المسيح واستيعاب الدرس الذي يريد الله أن يعلمني اياه .
أحياناً في وسط الظروف المؤلمة يقول المؤمن إنني غير قادر علي فهم ذلك التعليم الذي يريد الرب ان يعلمني اياه بواسطة هذا ، لا بأس فالله يعرف كل شئ ، وهو يتركك هناك للغربلة لكي يأتي بك الي معرفة أعمق بشخصه وبذاتك ايضاً ، انه يرغب ان يظهر لك كل ما هو في ذاته ويظهر عمله من خلالك ، ولذا يجب ان لا تتنصل من تلك الغربلة أو تحاول التخلص منها ، بل بالحري نقبل التعليم الثمين الذي يريد الرب أن يقدمه لنا من خلال ذلك ، فنحن سنحصل علي معرفة أعمق للرب ومعرفة أعمق لذواتنا .
نحن يجب ان نتعلم ان نُخضِع ذواتنا ليده القوية حتي يرفعنا هو ، ياليب الرب يعطينا نعمة لكي نعرفه هو وحده ! ، فإذا تعلمنا ما نحن عليه فقط فلسوف ننطرح الي بالوعة اليأس ، ولكن غرضه هو أن يعطينا معرفة لذواتنا ومعرفة نعمته التي تجعلنا نصل الي النتيجة المتوقعة ، وبذا نستطيع ان نقول مع المرنم "إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي ، واسكن في بيت الـرب الي مدي الايــام" ( مز 23 : 6 ) .
بقلم يوحنا داربي
ترجمة : عاطف فهيم
ترجمة : عاطف فهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق