الخميس، 29 سبتمبر 2011

قلوب متوافقة النغمات

قلوب متوافقة النغمات

لا يمكن ان يوجد المسيحي في ضيقة ولا يجد المسيح كفواً لها , كما أنه لا يمكن ان يسير في طريق طويلة مظلمة حيث لا يجد كفايته في شخصه المبارك . فراحة الله هي حيث يجد لشعبه راحة تامة . وهل تظنون  انه يمكن لله ان يجد راحة في هذا العالم ؟ وهل وجدتم أنتم راحة فيه ؟ فمع أن محبة المسيح له المجد قد تسامت فوق كل الشرور , إلا أنه لم يستطع ان يستريح , وعندما اتهمه اليهود بكسر وصية يوم السبت قال هذه الكلمات الحلوة الجميلة , "أبي يعمل حتي الأن وأنا أعمل" (يو 5 : 17) نعم , فهل كان يمكن للمحبة أن تستريح في وسط عالم الشقاء والويلات ؟

ولكن عندما يتغير جميع القديسين الي صورة المسيح في المجد , يسكت (يستريح) الله في محبته كما هو مكتوب في (صفنيا 3 : 17) (ويمكن تطبيق هذا علي انفسنا ايضاً) , ويري من تعب نفسه ويشبع , وسوف لا يكون هناك ما يمنع من التمتع بمحبة الله ومجده .

ما أمجد المستقبل المنير المبارك الذي أمامنا , حين تتم كل نتائج الفداء ويستريح الله لأن محبته لم يبق أمامها شء لتعمله لتشبع به نفسها , أما الأن فيريد الله ان تكون قلوبنا متوافقة مع قلبه في حياتنا اليومية , ولذلك يقول في (تث 8 : 2) ” وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ" فكأن الله يقول "ليتحدث قلبي الي قلبك قليلاً , فسأبين لك وأريك أني أعرفه جيداً" لقد أتي بنا الي نفسه ولذلك لا يمكن ان يستقيم أمرنا ما لم نكشف له كل ما في قلوبنا .

هل تظن أن أباً يحب أن قلبه يختلف كل الاختلاف عن قلب ابنه ؟ كلا بل علي عكس ذلك يريد أن روح ونفس وفكر ابنه تكون متفقة تماماً مع فكره لذلك يسير بنا الرب في البرية لتدريبنا علي هذا , يقول بولس الرسول " لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ" (أع 24 : 16) وخلاصة هذا التدريب هي هذه : هل قلبه متفق في كل شئ مع قلب الله ؟ لقد كان قلب ربنا يسوع كذلك ومن ثم استطاع ان يقول دائماً " لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ" (يو 8 : 29).

لقد سار أخنوخ مع الله ونال الشهادة بأنه أرضي الله , كان سائراً في حضرته فكانت النتيجة أنه أرضاه , وأنت لا يمكنك ان تسير مع الله دون ان ينكشف له كل ما فيك , فإن كان علي ضميرك شئ لا يمكنك ان تكون سعيداً في حضرته , وكل خطوة نخطوها معه ترينا شيئاً أكثر من صفاته , وكلما تقدمنا يزداد النور فنري أشياء جديدة يجب ان تدان لم نكن نعرف قبلاً بأنها تستحق الحكم ولكنها ظهرت الأن بحسب ازدياد معرفتنا لمجد الله .

مكتوب "لكي يذلك" ليري ما في قلوبنا ويقودنا الي العيشة بالإيمان "فَأَذَلَّكَ وَأَجَاعَكَ وَأَطْعَمَكَ الْمَنَّ" ألا تسأم نفوسنا أحياناً من هذا الطعام ؟ ألا يحدث أحياناً أن المسيح لا يشبع قلوبنا ؟ نعم متي كان القلب ساعياً وراء شئ أخر فلا يمكن أن المسيح يشبعه .

" لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ" لقد اقتبس المسيح هذه الكلمات وواجه بها الشيطان في البرية إذ لم يكن لديه امر بتحويل الحجارة الي خبز , وقد كان أخذاً صورة العبد ليفعل إرادة الله , " وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ" (1بط 1 : 25) , هذا هو ما يستند عليه الإيمان , ولنلاحظ شيئاً اخر وهو أنه حينما كان الشعب مستنداً علي كلمة الله لارشادهم لم يسمح الله لثيابهم أن تبلي , إذا كان مهتماً بكل ما يخصهم لأنه "َلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ" (مز 37 : 28) كما هو مكتوب  , ولا يصرف نظره عنهم لحظة واحدة " لاَ يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الْبَارِّ" (ايوب 36 : 7) .

ثم نأتي الي وجه اخر من الموضوع " كَمَا يُؤَدِّبُ الإِنْسَانُ ابْنَهُ قَدْ أَدَّبَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ" (تثنية 8 : 5) فأول كل شئ يجيزنا الرب في ظروف فيها يدربنا (وفي اثناء ذلك يطعمنا ويعتني بنا) ثم يأتي بنا الي التدريب علي كسر الارادة , ونحن نشاهد الله يفعل ذلك كل يوم , ولكن الإنسان لا يعرف أين هو ويتساءل هل الله الذي يفعل معه كذلك يحبه حقيقة , أنظر إلي (رومية 5) , فهناك نري ان الله يحبنا كما يحب المسيح وأننا نفتخر علي رجاء المجد حيث المسيح , ولكن ليس ذلك فقط – لا نفتخر علي رجاء مجد الله فقط , بل نفتخر ايضاً في الضيقات لأن الله لا يحول نظره عنا فيها , فضلاً عن ذلك فإنها تجعل الرجاء اكثر لمعاناً لأننا نقول أن راحتنا ليست هنا والرجاء يجعلنا لا نخزي إذ نجد المفتاح لكل هذا في محبة الله التي انسكبت في قلوبنا.

هذا هو طريق الله أن يجعلنا نعرف أنفسنا وهذا هو عمله أيضاً , ولا يوجد مجال للتساؤل عن محبته لأنه اعطانا المفتاح لهذه كلها , وكيف أثبت الله محبته ؟ هذا ما نراه في العدد التالي "المسيح ... مات .... لأجل الفجار" (رو 5 : 6) ثم يقول الرسول "وليس ذلك فقط" ماذا أيضاً ؟ "بل نفتخر أيضاً بالله" لأن الله يجعلني أعرف نفسي وأعرف نسياني لله , ولكن بهذه الطريقة يعلمني ان أفتخر بالله .

فالله يكسر ارادتي ويذل قلبي لكي يجعله متوافقاً معه , الإنسان الطبيعي يقول "أين أهرب من وجهك؟" ولكن في نهاية مزمور 139 يقول "اختبرني يا الله واعرف قلبي" هل قلبي متفق مع مقدار ما وصل الي معرفة للأمور الإلهية ؟ وهل استطيع ان أقول "اختبرني" ؟ إنها كثيرا ما تكون عملية مؤلمة ان يهديني الله "طريقاً أبدياً" .

أيها الاحباء يوجد طريق أبدي وفي هذا الطريق الأبدي يأتي الله ويمتحن القلب فهل ترضي بأن يختبر الله كل باعث وكل محرك في داخلك ؟ يجب أن ترضي إذا أردت ان تكون شركتك مع الله وفرحك فيه كاملين غير منقطعين .

" لِكَيْ يُحْسِنَ إِلَيْكَ فِي آخِرَتِكَ" (ع 16) أيها الاحباء إذا كانت قلوبنا تسير في سلام وشركة مع الله فلابد أن نتعلم أنه ليس فينا شئ صالح ونعرف الله في كمال محبته وفي هذا فرح وتمت لنا في الوقت الحاضر , وعندما يأتي الموت نعتبرها أسعد لحظة حين " نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ " (2كو 5 |: 8).

أيها الاحباء إذا أردتم ان تمجدوا الله وتسيروا في شركة مع الأب ومع الابن فيجب أن تتغلغلوا في معرفة الذات وأن تدربوا ضمائركم لكي تكون بلا عثرة وأن يكون المسيح في أعماق عواطفكم , وأن تكون سيرتكم بين الناس حسنة غير ملومة , يجب ان تتعلموا طرق الله معكم حتي تتوافق قلوبكم مع قلبه .

ياليت الرب يعطينا نعمة أن نعرف اكثر معني السير معه حتي يكون لنا نوع السلام الذي كان للمسيح في سيره هنا – سلام القلب الذي يختبره المؤمن في الشركة مع الأب والابن , وليت الله يعطينا ان نعرف معني جعل كل شئ في قلوبنا مكشوفاً أمامه !.

زدني اقترابا منك بالقلب                أنت الذي بالحب ترعاني
من قلبك انهار ذا الحب                 ضاءت فبارك وزد ربي إيمان

يوحنا داربي

الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

اطلبوا السلام



اطلبوا السلام

لأَنَّ:«مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ الْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّامًا صَالِحَةً، فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ أَنْ تَتَكَلَّمَا بِالْمَكْرِ،   لِيُعْرِضْ عَنِ الشَّرِّ وَيَصْنَعِ الْخَيْرَ، لِيَطْلُبِ السَّلاَمَ وَيَجِدَّ فِي أَثَرِهِ (1بط 3 : 10 – 11)

عندما يتحقق النجاح يظهر الحاسدين، وهذا ما حدث عندما بارك الرب إسحاق، فتعاظم الرجل، وتزايد في التعاظم، فقد حسده الفلسطينيون على ما حققه من نجاح ( تك 26: 12 - 15)، لذلك لجأوا إلى طَم جميع الآبار، التي حفرها العبيد في أيام إبراهيم أبيه، ليحرموه من المياه كمصدر للحياة. فماذا فعل إسحاق؟ لقد لزم إسحاق الصمت ولم يَثرْ دفاعًا عن آبار أبيه، بل ونراه يقبل رغبة أبيمالك في ترك جرار، فتركها طلبًا للسلام، دون إثارة لمشكلات. فمضى ونزل في وادي جرار وأقام هناك، وعاد ونبش آبار الماء القديمة التي حفرها أبيه إبراهيم (ع17، 18). إلا أن المنازعات والمخاصمات كانت تلاحق رجل السلام أينما حلّ، ولكن إسحاق الذي كان يسعى طالبًا السلام، ترك، لمخاصميه ومنازعيه، هذه الآبار أيضًا (ع19- 21). ولربما أراد رعاة جرار أن يُثار إسحاق ويخرج عن شعوره، أو يأمر عبيده بطمّ الآبار حتى لا ينتفعوا بها. كلا. إنه لم يجازِ أحدًا عن الشر بشر ( رو 12: 21 )، بل نجده يخيِّب آمالهم بترك الآبار لهم ويذهب ليحفر بئرًا أخرى، وعندئذٍ لم تحدث مخاصمة. لماذا؟ لأنه عرف كيف يغلب الشر بالخير ( رو 12: 21 )، ولأن هؤلاء المخاصمين أصابهم الخجل. إن تصرف إسحاق بهذه الطريقة قادهم للتراجع عن هذه التصرفات الحمقاء إزاء إسحاق. «ثم نقل من هناك وحفر بئرًا أخرى ولم يتخاصموا عليها، فدعا اسمها رَحُوبوت، وقال: إنه الآن قد أرحب لنا الرب وأثمرنا في الأرض» (ع22). لقد أرحب له الرب مكانًا ومكانة في عيون الحاسدين وذلك لأنه عرف كيف يعيش بتلك الروح الوديعة الهادئة في جو المنازعات والمخاصمات لأنه كان يطلب السلام. والرائع أن أبيمالك ملك الفلسطينيين وأحد أصحابه ورئيس جيشه، أتوا إلى إسحاق طالبين أن يعقد معهم معاهدة سلام. ولماذا أتوا إليه؟ لأنهم قالوا: «إننا قد رأينا أن الرب كان معك» (ع28). إن الخصوم لا بد وأن يأتوا إلى رجل السلام معترفين ومقدّرين. إن السلام هو طريق الراحة والأمان والبركة لكل مَن يطلبه ويسعى إليه. لكن من أين لنا هذه الروح المُسالمة؟ إن مصدرها الحقيقي هو رئيس السلام؛ ربنا يسوع المسيح، الذي يمنحك أولاً سلامًا مع الله، ثم سلامًا مع نفسك، وأيضًا سلامًا يمتد ليشمل مَن حولك.

جوزيف وسلي

الاحتماء بالرب

الاحتماء بالرب

الاحْتِمَاءُ بِالرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى إِنْسَانٍ., الاحْتِمَاءُ بِالرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى الرُّؤَسَاءِ (مز 118: 8-9)


لا شك أن القارئ قد اختبر نتيجة الاتكال على الأمور التي تُرى بدلاً من الاتكال على الله غير المنظور. فكثيرًا ما ننتظر نحن المؤمنون العون من الإنسان ونشوِّه بساطة الاتكال على إلهنا مع أنه مكتوب: «ملعونٌ الرجل الذي يتكل على الإنسان، ويجعل البشر ذراعه، وعن الرب يحيد قلبه. ويكون مثل العرعر في البادية، ولا يرى إذا جاء الخير، بل يسكن الحرَّة في البرية، أرضًا سَبخَة وغير مسكونة» ( إر 17: 5 ، 6). أيها القارئ العزيز .. هل أنت قَلِق من جهة أمورك الزمنية؟ دعنا نتحاجج معك لحظة: أنت تحتمي بالرب وحده في أمر خلاصك الأبدي، إذًا فلماذا أنت تضطرب؟ أ ليس مكتوبًا «ألقِ على الرب همك فهو يعولك. لا يَدَع الصدِّيق يتزعزع إلى الأبد» ( مز 55: 22 )، وأيضًا «لا تهتموا بشيءٍ، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلم طلباتكم لدى الله»؟ إن كنت لا تثق في الرب من جهة الأمور الزمنية الضئيلة عديمة القيمة، فكيف تثق فيه من جهة الأمور الروحية الأبدية؟ هل تحتمي به لأجل فداء نفسك، وتحتمي بخلافه لأجل مراحم أقل وأبسط؟ أ ليس الله كافيًا لسد حاجاتك؟ أو هل كل غناه لا يكفي لملء احتياجك؟ هل تحتاج إلى عين أخرى بجانب عين ذاك الذي يرى كل الأسرار؟ هل يضعف حبه؟ هل تعجز يده؟ إن كان الأمر كذلك، فابحث لنفسك عن إله آخر. أما إذا كان إلهنا إلهًا غير محدود، قادرًا على كل شيء، أمينًا إلى النهاية، صادقًا في كل مواعيده، حكيمًا في كل ما يعمل، فلماذا تجتهد في البحث عن مصدر ثقة آخر؟ لماذا تبحث في الأرض لتجد أساسًا آخر تبني عليه اتكالك؟ أيها الحبيب لا تزيِّف ذَهَب إيمانك بزغل الثقة في البشر. لا تشتهِ يقطينة يونان، بل استرِح على إله يونان. دَعْ الأساس الواهي يكون من نصيب الجهال، أما أنت فكن كمَن سبق فرأى العاصفة، فبنى لنفسهِ حصنًا على صخر الدهور، فإنه «مباركٌ الرجل الذي يتكل على الرب، وكان الرب مُتكله، فإنه يكون كشجرةٍ مغروسة على مياه، وعلى نهرٍ تمد أصولها، ولا ترى إذا جاء الحر، ويكون ورقها أخضر، وفي سنة القحط لا تخاف، ولا تكف عن الإثمار» ( إر 17: 7 ، 8).

على الإلهِ فاتَّكِلْ

للخَيرِ صانعًـا
وكُنْ أَمينًا دائمًا

للحقِّ تابعًا


ف.ب. ماير

السبت، 24 سبتمبر 2011

هو يكفي


هو يكفي!

اجعلوا هذا الوادي جبابًا جبابًا... لا ترون ريحًا ولا ترون مطرًا وهذا الوادي يمتلئ ماء ... وذلك يسيرٌ في عيني الرب 2مل 3 : 16 - 18 

ما أكثر أعوازنا، وما أعمق جباب (حُفر) حياتنا من كل نوع، لكن ما أعظم ملؤه! وما أروع كفايته لكل فراغ عندنا! فبعد دخول الخطية صارت هي مشكلة الإنسان الجوهرية، إلا أنه ـ تبارك اسمه ـ في عمله الكامل على الصليب وُجد فيه الكفاية للعلاج الشامل لها. وفي عالم المخاوف والأهوال، من مخاطر الأعداء أو صدمات الأزمات هو يكفي أمانًا وضمانًا "كن ضامني عند نفسك " أي 17: 3 ). ويا لها من وثيقة تأمين سماوي شامل، بل وأبدي! «الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت مز 91: 1 (
وإزاء المواقف المُحيرة، والتقاطعات التي تواجهنا في رحلة الحياة ولا نرى أي طريق نسلكه، هو يهدي برأيه (ترشد برأفتك الشعب الذي فديته، تهديه .. إلى مسكن قدسك  ( خر 15 : 13  (أمسكت بيدي اليُمنى، برأيك تهديني وبعدٍ إلى مجدٍ تأخذني (مز 73 : 24)

وأمام كم هائل من الاحتياجات الروحية أو النفسية أو الزمنية، جميل أن نتذكَّر قول الرسول "فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع" في 4:  19 ) فنهتف مع المرنم: "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء"  مز 23 : 1

أما إذا سمح لنا الرب بجُب الوحدة القاسية، فلنتذكَّر أنه هو الرفيق الأعظم لسياحة البرية الذي وعد بأنه معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر ( مت 28: 20 ). وذاك الذي رافق يوسف في سجنه، وبولس أيضًا في نفس وحدته) 2تي 4 : 16 – 17 هو الأقرب إلينا دائمًا. يغيب الأحباء والأصدقاء، بإرادتهم أو رغمًا عنهم، أما هو فلا!
ثم ما أضعف أوانينا الخزفية! لكن "ليكون فضل القوة لله لا منا"  2كو 4: 7  )، فالرب هو قوتنا ( خر 15: 2  , مز 63: 8 ) إذ نلتصق به، فإن يمين قوته تعضدنا في ضعفنا) ( حب 3 : 17)

 وأخيرًا فإنه فرحنا في أوقات كآبتنا، إذ ننظر إليه عوض النظر إلى أنفسنا أو إلى ظروفنا أو إلى الآخرين، فإننا نختبر الفرح فيه رغمًا عن الظروف المعاكسة (حب3: 17، 18؛ في4: 4

ولنتحول عن الإنسان ـ حتى لو كان أقرب إنسان ـ ولنتحول عن ظروفنا المؤلمة فنسمع بعد التضرعات الثلاثية قول الرب لبولس إزاء الشوكة "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل"


اسحق ايليا

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

محبة المسيح وغيرته



محبة المسيح وغيرته

(أن المحبة قوية كالموت. الغيرة قاسية كالهاوية. لهيبُها لهيبُ نارِ لظى الرب" ( نش 8 : 6"



"لأن المحبة قوية كالموت". نعم، فكما أن الموت يُمسك بمَن يقبضهم ولا يفلتهم من يده إذ لا توجد قوة تستطيع أن تنتزعهم منه، هكذا المسيح ـ له كل المجد ـ فإنه لن يتخلى عن أحبائه، ولا توجد قوة تستطيع أن تنتزعهم من يده. إن محبة المسيح لا ترخي ولا تهمل أولئك الذين هم عطية الآب له: «وأنا أعطيها حياةً أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحدٌ من يدي ... ولا يقدر أحدٌ أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد (يو 10: 28 30 (حقًا ما أعجب محبة ربنا يسوع، فإنها إذ التقت بالموت في صراع عنيف فوق الصليب، انتصرت المحبة وانهزم الموت إلى الأبد.

"
الغيرة قاسية كالهاوية. لهيبُها لهيبُ نارِ لظى الرب"، إنها غيرة المسيح المقدسة ـ غيرة محبته الشديدة ، التي لا تحتمل أن يختلس قلوبنا أي شيء سواه. وكم هو بغيض لديه أن يوجد ما يفسد أذاهننا عن البساطة التي في المسيح يسوع، نحن الذين خطبنا لنكون عذراء عفيفة له. إنه يَغَار علينا "غيرة الله " 2كو 11: 2 ، 3،  وما يقدمه لنا من تحريضات وتحذيرات وتأنيبات وتأديبات هي من الأدلة القوية على غيرة محبته التي هي "كالهاوية" ـ أي التي لا تستطيع أية قوة أن تؤثر عليها أو تُضعفها، إذ ليس في كل الخليقة ما يستطيع أن ينتزع من الهاوية مَن قد استحوذت عليهم وامتلكتهم. إن غيرته الشديدة علينا تعمل معنا بوسائل متنوعة، وكثيرًا ما تكون معاملاته قاسية كما لو كانت "لهيب نارِ لظى الرب" . وهذا يذكِّرنا بذلك الفصل الذي يتحدث كثيرًا عن ”تأديب الرب“ ويُختم بهذه العبارة الخطيرة «لأن إلهَنا نارٌ آكلة» (عب12). ولكن هناك دائمًا من وراء تلك المعاملات الإلهية، مهما كانت مُذلة وقاسية، تلك المحبة القوية والمضطرمة التي لا تُطفأ، تلك المحبة التي تقف حائلاً ضد كل المؤثرات التي تحاول أن تلهينا أو تحوِّلنا عن الحبيب. إنها المحبة التي تعمل دائمًا على مُلاشاة كل تلك المؤثرات ولو "بلهيب نار" إذا لزم الأمر، وذلك لتحريرنا من تلك المؤثرات ومن قوتها حتى نستطيع أن نتمتع ونبتهج فرحًا بمحبة المسيح.

مَحبةُ الابنِ الحبيبْ

كالموتِ في قوتِها
فالموتُ ما استطاعَ أن

يطفي لَظَى لهيبها

متي بهنام

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

أفراح الكبر

أفراح الكِبَر

أيضًا يُثمرون في الشيبة. يكونون دِسامًا وخُضرًا، ليخبروا أن الرب مستقيم. صخرتي هو ولا ظلم فيه (مز 92 : 14

لما بلغ واحد من خدام الرب الأجلاء الشيخوخة، قال:
فمي اليوم مملوء ضحكًا وقلبي يترنم. وأنا أعجب لقوم لا يريدون أن يبلغوا الكِبَر، وفي كل لحظة يحاولون أن يؤكدوا أنهم أصغر من سنهم، بل قد يستنكرون الحقيقة عن أعمارهم، أما أنا فارفل في مباهج شيخوختي، إنها ثروة لي.
أنا اليوم في أفضل العمر. في أحلى أيامي وأصفاها. طريقي يتزايد نورًا، وغناء الطير في أذني يزداد سحرًا. النسمات تهب رقيقة والشمس أكثر سطوعًا. صحيح أن "إنساني الخارج" يفنى، ولكن"إنساني الداخل" يتجدد يومًا بعد يوم. وسأحكي هنا بعضًا من الدروس التي تعلمتها ولو جزئيًا:

أولها: أن نعمِّق إيماننا بالله؛ إيمان الثقة في كمال رعايته وعنايته ودوام محبته. الإيمان بدقة الترتيب الإلهي الذي يحكم الحياة الحاضرة، وبمراحم محبة الله.

ثانيها: أن نتقبَّل بالرضى ظروف الحياة المُرّة والحلوة، وكثيرًا ما كان المُرّ منها أحلى من الحلو . والصبر من العادات الجميلة التي ينبغي أن نتعهدها في حياتنا. وحينما نقع في تجارب متنوعة فلنحسب هذا كل فرح، عالمين أن امتحان الإيمان يُنشئ صبرًا، وينبغي أن يكون للصبر عمل تام، لأن الغلبة الصحيحة نحصل عليها عن طريق القبول الحسن للشدائد والضرورات والضيقات، لأنها كلها تخدم أغراض الله في حياتنا)  يع 1 : 2-7(

ثالثها: ينبغي أن تملأ المحبة قلوبنا. المحبة لجميع الناس. يجب أن نصبر على الذين يمتحنون الصبر فينا، فإن لم نستطع أن نحبهم للطف يبدو منهم، فلنحبهم لعطف منا عليهم. وعلى أي الحالين يجب أن نحبهم، وأن نصلي من أجلهم، وأن نطرح جانبًا المرارة من جهتهم شعورًا أو تفكيرًا.

ورابعها: ينبغي أن لا نصرف الوقت هباءً حسرة على الماضي، أو نضع اليد على الخد أسفًا على أخطاء الأمس أو على ذاهب الأيام. هذه جميعها نستودعها في يدي الله ونمتد إلى ما هو أعلى وما هو قدام (في 3 : 13-14) لنبدأ حياة خدمة، وحياة محبة، وحياة تقدم في كل شيء، ونمو في معرفة الله. هذه هي الحياة التي لا تشيخ أبدًا لأنها تتجدد دائمًا كالينبوع الفائض المتلألئ، تغذيه باستمرار سيول بركات تنحدر من القمم الأبدية.
هنري دربانفيل