السبت، 28 مايو 2011

ما هو الطريق للوصول الي الفرح في الرب (3)

أما الخلاص من هذه الضيقة والخروج من هذا الظلام فهو في التمثل بذلك الرسول العظيم الذي قضي كل حياته من وقت دعوته إلي نهايتها وهو في ملء القوة والنشاط وكانت حياته حياة الفرح الغير المنقطع ، ذلك لأنه كان سائراً في نور وفرح ما هو أمامه لا ما هو فيه إذ يقول "ليس أني قد نلت أو صرت كاملاً ولكني أسعي لعلي أدرك الذي لأجله ادركني ايضاً المسيح يسوع . أيها الاخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت ولكني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسي ما هو وراء وأمتد إلي ما هو قدام أسعي نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع" (في 3 : 12-14) .
فالخروج أو التخلص من دائرة المشغولية بما فينا أو بما نعمله وانحصار قلوبنا وأفكارنا بما هو أمامنا (صورة  المسيح في المجد) كالغرض الاسمي الذي ينبغي أن نسعي إليه هو الكمال الموضوع لنا لنبلغه ونحن هنا إذ يعقب الرسول كلامه السابق بهذه العبارة (فليفتكر هذا جميع الكاملين منا" فالكامل ليس هو من ينشغل بما فيه أو بما يمكن أن يتم فيه من قوة أو مواهب أو اختبارات ولو بعمل النعمة ، ولكن بالحري هو الذي يستطيع أن يتخلص تماماً من دائرة ذاته والمشغولية بها حتي لا يكتفي بأي عمل من اعمال النعمة فيه ، بل بتثبيت نظره في ما هو امامه يري انه لن يبلغ الكمال الذي تعين له من الله إلا عندما يصل الي مثل صورة المسيح في المجد . فالشعور بعدم الكمال هو الكمال المسيحي - وبهذا الشعور يستمد كل مؤمن قوته التي يركض بها نحو غرضه الأسمي ، فكلما كان الشعور بعدم الكمال متملكا علي كيان النفس وعاملاً في ازدياد شوقها نحوه كلما قويت القوة الدافعة للسعي إليه ، وبالعكس فانه بمقدار ما يوجد من الاكتفاء بالذات تنقص القوة وينقص الفرح ويتعطل السير وتضعف الخدمة ، ولكننا لن نبلغ هذا الكمال بمجرد أن نعرف عنه بل إذا أردنا أن نصل إليه عملياً فلابد لنا من اجتياز مرائر وآلام وخيبات موجعة متنقلين من اختبار إلي اختبار حتي نقتنع تماماً بعجزنا وفقرنا وعدم نفعنا بالمرة وببطلان كل ما نتخذه غرضاً لأفراحنا ومسراتنا سوي الغرض الواحد الموضوع أمامنا - المسيح في المجد - إذ يوجد فينا ميل قوي لأن نكتفي بذواتنا ونقنع بما فينا وبما حصلناه بل ربما ارتفعنا علي من هم حولنا ممن نظن أنهم لم يصلوا إلي مستوي حالتنا التي نحسب أنها نهاية ما يمكن  الوصول اليه ، وبرهانا علي ذلك أننا نجد كثيرين من الوعاظ والمبشرين عوضاً عن ان يتكلموا عن المسيح وما صاره لنا - يتكلمون عن ذواتهم واختباراتهم كالمقياس الذي ينبغي أن يصل إليه الآخرون .
ثم يوجد أيضاً سبب آخر من الاسباب التي قد تؤدي إلي نضوب فرح المؤمن وجفاف تعزياته وضعف ثقته وذلك السبب وان كان لا يخرج عن دائرة ما سبق ايضاحه إلا أنه يحسن إعادة الاشارة إليه كأمر عرضة لأن يؤخذ بفخه أشد المؤمنين إخلاصاً وأكثرهم محبة وغيرة للرب إلا وهو انشغالنا بمحبتنا للمسيح واهتمامنا بما يمكننا أن نقوم به من الخدمات جزاء محبته لنا .

هذا فكر حسن ومشغولية مقدسة لها صورة جذابة لقلب كل مؤمن يقدِّر محبة المسيح ويشعر بما له من الفضل والجميل ويود لو يستطيع أن يجاوب محبته بمحبة نظيرها وخدماته بخدمات نظريها ، وأليس واجباً كمؤمنين غُمرنا بمحبة ربنا واحسانه أن نحبه كما أحبنا ونخدمه كما خدمنا ؟.

نعم هذا واجب وهو شعور يدفعنا إليه تقديرنا لمحبته لنا ولكن مهلا أيها الأخ فحذار من الافراط في حسن الظن بحاسياتك وامكانياتك فأنت لا تزال قاصراً عن ادراك تلك المحبة التي غمرت بها ولا تزال عاجزاً عن تقدير تلك الخدمات التي خُدمت ولا تزال تُخدم بها ، فأنت لم تدع لأن تفرح في محبتك وتبتهج بخدماتك ولكنك دعيت لكي تفرح بمحبة يجب أن تبقي مغموراً فيها دائماً وتبتهج بخدمات أنت في احتياج إليها باستمرار .

تري الكآبة مخيمة علي وجه أحدهم فتسأله عن السبب يجيبك لأني أشعر ببرود في حاسياتي من جهة محبتي للمسيح فإني لا أشعر بأني أحبه كما أحبني وهذا هو سبب حزني وكآبتي.

استند بطرس علي محبته هو للمسيح فقال مفاخراً مرة ها نحن يارب قد تركنا كل شئ وتبعناك مرة أخري يقول ، إن شك فيك الجميع فأنا لا أشك . . وان اضطررت أن أموت معك لا أنكرك ، ولكن ماذا كانت النتيجة ياتري لهذه الثقة الذاتية و الاستناد علي ما عنده للرب لا علي ما عند الرب له والمفاخرة بما تركه وعمله للرب لا بما تركه الرب وعمله لأجله ؟ كانت النتيجة انكاراً وحلفا ولعناً ثم بكاءاً مراً .

قالت العروس في سفر النشيد "حبيبي ليَّ وأنا له" ولكن ما مضي القليل حتي قالت لحبيبها وهو خارجاً واقف يستعطفها لأن تفتح له لأن رأسه امتلأ من الطل وقصصه من ندي  الليل ، يناديها بأرق العبارات وأشجي النغمات قائلاً "افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي" وماذا قالت ؟ هذا كان جوابها لحبيبها "قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه قد غلست رجلي فكيف أوسخهما" .

ولكنها بعد أن عرفت نفسها بالاختبارات المرة التي جازت فيها بعد ذلك ، نراها قد غيّرت اعتقادها في ذاتها وعرفت أن تفرح وتستريح في محبته هو لها لا في محبتها هي له إذ نسمعها تقول عكس ما قالت أولاً "أنا لحبيبي وحبيبي ليَّ" ثم إذ تقدمت في الاختبار أكثر تقول "أنا لحبيبي وإليَّ اشتياقه" وهنا لم تذكر شيئاً عن محبتها له بل انحصرت بكليتها في محبته هو لها .

حاشا لنا أن نقلل من أهمية محبتنا للرب جواباً علي محبته لنا ومن ضرورة خدمتنا له اعترافا بجميل خدمته لنا ولكن محبتنا وخدمتنا ليسا لكي نفرح نحن فيها بل لكي يفرح فيهما هو ، فنحن نفرح في محبته وهو يفرح في محبتنا له ، نحن نستريح في خدمته لنا وهو يسر بخدمتنا له ، وبمقدار ما ننحصر في محبته بمقدار ما تتولد فينا  المحبة التي يراها هو أما نحن فلا نري إلا محبته ولكن إذا أردنا أن نري محبتنا له فلا نري شيئاً لأن محبتنا ما هي إلا انعكاس محبته فينا متي كنا ناظرين إليه ومشغولين به .

هذه نقطة دقيقة ولها تأثيرها في حياتنا الروحية ليس في تعزيتنا وفرحنا فقط ولكن في ثقتنا بالله فإننا إذ نبني ثقتنا علي كوننا نحبه وأننا نخدمه وبلا لوم قدامه أي علي أهليتنا واستحقاقنا لذلك نخيب في نوال ملتمسنا ، والذي يكشف وجود هذا الاعتقاد فينا هو فقدان هذه الثقة التي نتقدم بها عندما نشعر بفتور في محبتنا أو ضعف في حياتنا كأننا لسنا أهلاً للاقتراب والسؤال ، فثقة كهذه توجد فينا حينا وتفقد أحيانا تبعا لما نعتقده في أنفسنا إنما هي ثقة في الذات وليست في الله ، وهي وعدم الإيمان شئ واحد ، لأن الإيمان الذي ينال من الله هو الذي ينظر إلي ما هو الله في ذاته بالنسبة لنا لا إلي ما نحن عليه بالنسبة له ، وما أجمل صورة ذلك الطلب الذي تقدمت به الأختان مريم ومرثنا مستعطفتين الرب أن يحضر لشفاء أخيهما قائلتين "ياسيد هوذا الذي تحبه مريض" (فالذي تحبه أنت لا الذي يحبك) هذا هو الطلب المقبول والمبني علي الإيمان بما هو الله لنا لا علي ما نحن .

نحن لا ننكر أن ثقة الإيمان إنما تتولد من العيشة الصالحة عيشة القرب من الله والتمتع به ، لما نكون حافظين وصاياه وعاملين الأعمال المرضية قدامه ولكن شتان بين أن نجعل عيشتنا هي أساس استحقاقنا وبرهان أهليتنا التي نقترب بها من الله وبين أن تكون عيشتنا وثقتنا متولدتين كلتيهما من استغراقنا في محبة الله .

والآن لنتجه اتجاهاً آخر في بحثنا إذ نري سببا لا من الاسباب الخفية ولا من الاسباب الخاصة بالبعض ولكنه سبب ظاهر وسبب عام تقريباً وهو عدم وصولنا إلي الحكم علي الذات عملياً فيما يتعلق بما حسبنا أنفسنا أننا قد متنا عنه في صليب المسيح الذي يؤمن بانه قد فصلنا ليس عن الخطايا الظاهرة فقط ولكن عن الحياة الأولي بجملتها كحياة للعالم والجسد وشهواته فاصبحنا بواسطة اعتمادنا للمسيح كأننا قبلنا الموت والدفن معه حتي كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك في جدة الحياة (الحياة الجديدة) حياة من أقيم من الأموات لنحيا لا لأنفسنا ولا شهواتنا بل لله .
ليس معني ذلك أن جميع المؤمنين المعتمدين ليسوع المسيح قد أصبحوا في حالة واحدة من جهة معرفة وتمييز ما هو العالم وما هو الجسد وشهواته حتي يصيروا مطالبين بقياس واحد يطبق عليهم جميعاً ، لأنه لو كان الامر كذلك لما وجدت حاجة لتحريضهم علي النمو في النعمة وفي المعرفة ولما وجد فرق بينهم في تقدير ما علي كل واحد منهم من المسئولية كأولاد في المسيح وأحداث وآباء - بل لكانت الديانة المسيحية نفسها لا ديانة روح بل ديانة حرف .
بل المعني ان كل مؤمن مطالب بتوقيع حكم الموت علي ذاته فيما يعرفه وفيما قد يعلن له أنه من الجسد وشهواته كلما ازداد نموا في معرفة ما هو المسيح لله .

وهل يمكننا أن نتخذ فرصة عدم وجود قياس واحد لحالتنا جميعاً - لتصرفنا وسلوكنا وكيفية عيشتنا - حتي في مأكلنا ومشربنا وملبسنا ، مبرراً لاطاعة شهواتنا متجاهلين أننا تحت مسؤولية رهيبة لأن ننفذ حكم الموت علي كل ما عرفنا أنه من الجسد ، كما وأننا في حالة عدم التنفيذ معرضون أنفسنا لتأديبات قاسية بها يحملنا الله علي تنفيذ ما لم نستطع أو ما لم نرد تنفيذه ، وبمقدار ما يكون فينا من تراخ أو توان ، أو اهمال ، أو عدم مبالاة تكون شدة آلامنا وأوجاعنا مما يقع علينا من يد الله القوية .
والآن بعد أن وصلنا إلي هذه الحقيقة فهل نستغرب كوننا غير متمتعين بالفرح في الرب كما تعين لنا أن نفرح فيه وحده ، ونفرح فيه كل حين ، وكل منا قد أطلق العنان لنفسه في استباحة أمور كثيرة ارضاءاً للذات جاعلين اياها غرضا لقلوبنا للفرح بها عوضا عن الرب خادعين أنفسنا بأنه يمكننا أن نفرح بها ونفرح بالرب في آن واحد ، فنريد أن نتمتع بشركة الآب ، ونريد أن نتمتع بالعالم والأشياء التي في العالم . نريد أن نحيا حياة روحية وفي الوقت نفسه لا نريد أن نتحمل آلام خسارة أو حرمان أنفسنا من أية شهوة جسدية ، نريد أن نكون اغنياء في الإيمان ، ونريد أن نكون اغنياء في الزمان أيضاً ، نريد أن نكون متقدمين في الاختبارات الروحية ونريد أن نكون ذوي شهرة في الأمور العالمية أيضاً ، نريد أن يكون لنا مركز سامٍ في السماء ، ونريد مركزاً ساميا علي الأرض  أيضاً .

لا أقصد بأن المؤمن لن يكون جامعاً بين الاثنين لأن الله قد يعطيهما إذا شاء ، ولكن المقصود هو حالتنا النفسية بازاء الأمرين ، لأنه لابد من تعلقنا بواحد من الاثنين أكثر من  الآخر ، كما وأنه في حالة عدم إمكان الجمع بينهما فلابد من تضحية الواحد لأجل الآخر .

أراد الناموسي أن يجمع بين الحياة الأبدية ومحبة المال ولما لم يمكنه رضي بأن يضخي بالحياة الأبدية لأجل المال ، فلو لم يكن للمال مكان بل المكان الأول في قلبه لما هان عليه حرمان نفسه من الحياة الأبدية وأن ينصرف حزينا من أمام من كانت عنده هذه الحياة ، وهكذا الحال دائماً بالنسبة لما يتعلق به القلب من الأشياء المنظورة فلابد أن يكون له المكان الأول علي الأشياء الغير المنظورة لأن طبيعة الإنسان تميل وتتعلق بما يري بأكثر شدة مما تميل وتتعلق بما لا يري ولا يمكن أن نسلك بالإيمان والعيان في آن واحد بل بمقدار ما نعطي لقلوبنا أن تفرح وتسر بالأشياء العيانية بمقدار ما نحرم أنفسنا من الفرح بالرب ونقلل من تمتعنا به .

ومع أننا سمعنا وتعلمنا وربما علمنا ببطلان جميع ما هو تحت الشمس وأنها أشياء لا تستطيع أن تشبع القلب ولا أن تمده بالفرح وأنها ليست سوي اباراً مشققة لا تضبط ماء وان كل من يشرب منها لا بد أن يعطش أيضاً . ومع ذلك فجهلنا وغباوتنا وعناد قلوبنا تأبي علينا إلا أن نجرب بأنفسنا حقيقة ما شهد به الله عنها وشهد به أناس اتقياء قد اختبروها قبلنا بل ونحن أنفسنا قد اختبرناها المرة بعد المرة ومع ذلك لا نزال نخدع من قلوبنا بأن لنا فيها لذة وسروراً وفرحاً ، وهكذا بمقادر ما ننصبَّ فيها بمقادر ما نحرم أنفسنا من الفرح الروحي الذي هو في المسيح يسوع ربنا ومن ثم لا نكون قد جنينا علي انفسنا بحرمانها من الفرح الحقيقي فقط بل لابد أن نتمرمر في حياتنا من نفس الأشياء التي مالت وراءها قلوبنا لتجد لذتها وفرحها فيها عوضا عن المسيح ، ولابد أن يختبر كل واحد في هذه الطريق عاجلاً أو آجلاً ما قاله النبي في المزمور "بتأديبات أن أدبت  الإنسان من أجل اثمه أفنيت مثل العث مشتهاه" (مز 39 : 11) فكل ما يشتهيه القلب بعيداً عن المسيح لابد وأن يصيبه الفناء والاضمحلال وغاية الله من ذلك انما هي ارجاع نفوسنا الي الينبوع الحقيقي الدائم للفرح ألا وهو شخص ربنا يسوع المسيح .

فليمنحنا الرب قوة روحية نقاوم بها كل الاسباب العاملة علي إبعاد قلوبنا عنه سواء أكانت من وساوس العدو أم من شهوات اجسادنا ولأسمه كل المجد إلي أبد الدهور أمين .
بقلم " كاتب غير معروف

الثلاثاء، 17 مايو 2011

ما هو الطريق للوصول الي الفرح في الرب (2)


ولا شك أن كل مؤمن حقيقي ولد من الله قد شعر في وقت ولادته بفرح عظيم وقوة إلهية حلت فيه جعلته لا أن ينتصر علي الخطايا العملية والشهوات كما هي معروفة لديه فقط بل جعلته أيضاً ينتصر علي طباعه وأخلاقه وعاداته الأولي إذ أصبحت مكروهة وممقوته لديه في نور معرفته بالله الذي أصبح شريكاً له في طبيعته الإلهية - وكابن قد ولد منه لا يسر إلا بعمل إرادة الله أبيه .

ولكن هذا الشعور وهذه الحالة ليست إلا إلي حين إذ لابد أن تبتدئ الحرب بين طبيعتي المؤمن في داخله ، ومع أن لنا الوعد من الله بالغلبة علي الجسد وشهواته إلا أننا  نقول بملء الحزن وإنسكار القلب إننا مراراً كثيرة ما سلمنا سلاحنا منهزمين أمام شهواتنا ولا يسعنا إلا أن نعترف بأن كل هزيمة قد انهزمناها ليست إلا برهاناً علي وجود ميل فينا ولو بصورة خفية نحو طبيعتنا الأولي وهذا هو سبب إحزان الروح القدس فينا وبالتالي سبب حزننا نحن أيضاً .

هذان هما وجهان من أوجه عمل الله لخلاصنا مبينين باختصار وايجاز : الوجه الأول هو عمله لأجلنا والوجه الثاني هو عمله فينا وهنا نقطة دقيقة نحتاج أن نتنبه لها وهي وجوب التمييز الكلي بين عمل الله لنا وعمله فينا ومعرفة أي العملين أسبق وأيهما الأساس للآخر ، لأن عدم الانتباه والتمييز بينهما قد اقلق ضمائر الكثيرين وعطَّل سلامهم وفرحهم ، لأنهم عوضاً عن أن يجعلوا عمل الله لأجلهم - العمل الذي أجراه في المسيح يسوع علي الصليب كنائب عنهم - هو موضوع إيمانهم وأساس لعمل الله فيهم يعكسون الموضوع ويجعلون عمله فيهم هو موضوع إيمابهم وأساس لقبولهم أمام الله .

فهؤلاء إما إنهم لم يولدوا ثانية لعدم إيمانهم لأنهم لا يقدرون أن يؤمنوا إلا بشعورهم بعمل يتم فيهم ولا يمكن أن يتم فيهم العمل الذي ينتظرونه ويتوقعونه إلا إذا كانوا مؤمنين أولاً بقبولهم أمام  الله قبولاً تاماً وأبدياً لا علي أساس ما هم أو ما يمكن أن يكونوا عليه ولو بعمله فيهم بل علي أساس ارتضائه بالعمل الكامل الذي عمله هو في المسيح يسوع إذ أنابه عنهم في احتمال حكم الموت والدينونة "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" .

وبرهان ارتضائه أنه أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه ، فهذا هو مركزي وهذا هو مقامي الذي أوصلني إليه الله بنعمته في شخص ابنه الحبيب الذي هو صورتي أمامه الآن وفيه يراني في كمال الجمال ، فهم لا يريدون أن يقبلوا عملا عُمِل لأجلهم وخارجاً عنهم ومقدماً لهم ليقبلوه بالإيمان ولكنهم يريدون أن يروا ويشعروا بعمل يتم فيهم أو بهم حتي يؤمنوا وهذه ليست الطريق التي عينها الله للإيمان بل هي طريق العيان لأن الإيمان هو الايقان بأمور لا تري ، أما متي وضعت في نفسي أن لا أؤمن إلا بعد أن أري أو أشعر فهذا ليس إيماناً وهيهات أن أظفر بما أريد .

ولكن مثل هؤلاء قد يكون العامل في ايجادهم في هذه الحالة هو خطأ الكارزين بالانجيل الذين عوضاً عن ان يجعلوا عمل الله في المسيح لأجل الخطاة هو موضوع الإيمان للخلاص والقبول الأبدي وعمله فيهم أي الولادة الثانية وسكني الروح  القدس هو نتيجة لإيمانهم وتصديقهم بما عُمِل لأجلهم وما هو إلا تأهيل للذين آمنوا بخلاصهم لأن يتمتعوا بأثمار هذا الخلاص - تراهم قد عكسوا القصد وصاروا ينادون بما هو نتيجة تابعة للإيمان كأنه الأساس للإيمان (أي عمل الله فيهم) .

وهذا هو سبب ارتداد الكثيرين ورجوعهم إلي مثل بل أشر مما كانوا ، متممين فيهم قول الرسول بطرس "قد أصابهم ما في المثل الصادق كلب قد عاد إلي قيئه وخنزيرة مغتسلة إلي مراغة الحمأة" ومثل هؤلاء لا يمكن أن نقول عنهم أنهم قبلوا انجيلاً صحيحاً آمنوا به ثم ارتدوا عنه بل هم في الحقيقة قبلوا ناموساً في صورة انجيل أظهر عجزهم عن حمل نيره فتخلصوا منه برجوعهم عنه .

وكما أن تقديم الانجيل بهذه الصورة هو إحدي علل عدم  الإيمان والارتداد في الكثيرين الذين حاولوا أن يجربوا الله تجربة (لأن من لا يستطيع أن يؤمن إلا بعد أن يري فليس هو إلا مجرباً لله) هكذا هو أيضاً سبب زعزعة الكثيرين من المخلصين في أمر خلاصهم وشكهم في إيمانهم وامتلاء نفوسهم بالمخاوف والاحزان - لأني متي جعلت شعوري بالفرح أو نصرتي علي الخطية والشهوات أو قدرتي علي اتمام مشيئة الله وعمل ارادته هي الأساس لإيماني بخلاصي وقبولي أمام الله فلا شك أني لن اتمتع بالسلام الكامل ولن يكون لي يقين الخلاص مطلقاً لأني وأنا في أحسن حالاتي إذا نظرت إلي نفسي وفحصت ذاتي فلن أجد أني قد بلغت المقياس الكامل الذي يؤهلني للقبول أمام الله قبول ابنه الحبيب.

ولكني بالرغم مما أعرفه عن نفسي من عدم مطابقة حالتي التي أنا فيها الآن لذلك المقياس الكامل فإن لي يقين الإيمان بخلاصي خلاصاً أبدياً وقبولي أمام الله قبولاً تاماً لأني لست خالصاً بسبب ما أنا عليه أو ما فيّ ولكن بسبب ذبيحة المسيح التي كفر بها عن جميع خطاياي التي احتمل دينونتها  في جسده علي الخشبة وقد دخل الأقداس السماوية بعد أن قام من الأموات وحصَّل ليَّ بموته فداءاً أبدياً . فكما كان نائبي علي الصليب وهناك حمل خطاياي هكذا هو الآن ظاهر أمام وجه الله لأجلي (كممثلي وشفيعي (محامي) بل صورتي الجديدة التي يراني فيها الله) .

بهذا أنا أؤمن وبهذا أثق لا لأني أشعر به بل لأن الله أعلنه لي في كلمته الصادقة ، ومادام الله لا يطلب مني إلا تصديق ما يقول فيكون لي فأنا أختم علي أن الله صادق في ما يقول واحسب نفسي مالكاً لما قد وهبني وان كنت لم أصل إليه الآن ولكني في طريقي اليه "الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سيكون ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" . وأيضاً "لأنكم متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله متي أظهر المسيح حياتنا حينئذ تظهرون أنتم أيضاً معه  في المجد" .

هذا هو الأساس الصخري الراسخ الذي وضعه الله لنؤمن به ومتي كان إيماننا بما عمله الله لأجلنا وبما صاره المسيح لنا (من موقفه علي الصليب الي جلوسه الآن عن يمين الله كمن كنا فيه (في حساب الله) في ظلمة الموت فوق الصليب وفي القبر وفي نور حياة القيامة والجلوس عن يمينه) كان إيماننا ثابتاً بمقدار ثبوت مركز المسيح في قبول الله له ، لأن الله لم يقبله باعتبار ما هو في ذاته واستحقاقه الشخصي (لأن في هذا الاعتبار هو والآب واحد ولم يزل هو الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب منذ الأزل وإلي الأبد قبل وبعد وفي أثناء وجوده علي الصليب وفي القبر أيضاً) ، ولكنه قد قبله الإنسان الثاني - رأس الخليقة الجديدة الذي كفر بموته عن الخطية ونزعها من أمام وجهه تعالي أبدياً .

فكل من يؤمن يستطيع أن يري ذاته في المسيح أمام الله كاملا ومقبولا ، ومكانه من الله هو نفس المكان الذي أجلس فيه المسيح عن يمينه - وإلي هذا المكان - مكان الاعتبار والقبول الأبدي يدعوني الله أن اعتبره مكاني واعتبر نفسي فيه من الآن وذلك من أجل المسيح لا غير ، فهل أنا مؤمن بذلك ؟ ان آمنت وصدقت فهذا هو مكاني من الآن ولي أن أفرح واغتبط وكإنسان قد صدق وآمن بامتلاك مجد كهذا ينكسف أمامه كل مجد العالم فلابد أن أسعي لوصولي إليه ، ولكني أسعي لا لكي استحق الوصول إليه بل لأنه أصبح من استحقاقي فأسعي نحوه .
وحينئذ لابد لي من قوة حياة أركض بها نحو الغرض الموضوع أمامي كغاية رجائي ونهاية آمالي وهذا ما يمدني به الله لأجل وصولي إلي ما هو أمام إيماني ، فإيماني ليس بما فيَّ من حياة أو قوة ولكن بما هو أمامي كغرض قد وضعه الله لي إن صدقته وسعيت إليه وجدت فيَّ قوة السعي بمقدار تشوقي ورغبتي في سرعة الوصول إليه .

وهنا نجد سبباً من أسباب فشل الكثيرين من المؤمنين في الطريق لأنه عوضاً عن أن تكون مشغوليتهم بموضوع هو أمامهم ينشغلون بما هو فيهم من تعزيات و أفراح واختبارات وبما يقومون به من خدمات هنا وهناك ، لذلك تكون النتيجة الحتمية لهذه المشغولية توقفت الحياة والقوة العاملة فيهم من الله . لأن الله لم يعطنا القوة والمواهب والاختبارات مهما كانت سامية لتكون هي موضوع فرحنا واغتباطنا ولئلا نقف عند حد المشغولية والاهتمام بها نري الرب عندما رجع التلاميذ اليه فرحين قائلين يارب حتي الشياطين تخضع لنا باسمك يقول لهم "ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن اسماءكم كتبت في السموات" (لو 10 : 20) ، فلكي يكون فرحنا ثابتاً ودائماً يجب أن يكون موضوع الفرح أمامنا لا فينا ويجب أن يكون كغرض يجتذبنا إليه لاكغرض قد حصلنا وادركناه ، لأن مشغوليتنا بما هو فينا تلهينا عن النظر إلي ما هو أمامنا فلضلا عن أننا نعتاده فلا نعود نشعر بفرح فيه ، هذا من جهة ومن جهة أخري فإن مشغوليتنا بما هو فينا ينتج عنها توقف في السير إلي الأمام ومتي تعطل سيرنا جفت ينابيع القوة فينا فتجف معها أفراحنا وتعزياتنا وتضمحل اختباراتنا .

(يتبع)
 

الاثنين، 16 مايو 2011

ما هو الطريق للوصول الي الفرح في الرب (1)

كيف نفرح في الرب

كثيرون من المسيحيين تحدث لهم في حياتهم ازمات نفسية ، فتغشاهم ظلمة دامسة تحجب عن أبصارهم نور فرح القبول في الرب وتمتعهم به ، فتخيم علي رؤوسهم سحائب الهم والغم وتجف من قلوبهم كل ينابيع التسلية والفرح وتستولي علي نفوسهم الكآبة والضجر . فلا لذة قلبية يجدونها في كل ما يحيط بهم ولا نور سماوي يسيرون في ضيائه ليروا مباهج الحياة الروحية ويتمتعوا بمسراتها ، وكلما اشتدت بهم ظلمة التجربة كلما ازدادوا يأساً من الخلاص من هذه الحالة فيودون أن يخلصوا منها ولو بالموت .

ولكن بمقدار ما تزداد ضيقة نفوسهم شدة بمقدار ما تقرب ساعة الفرح والنجاة لأنه مكتوب "أمين هو الله الذي لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع أن نحتمل" .

ولا شك عندنا أن اجتياز الكثيرين في مثل هذه الازمات إنما هو من إحدي طرق معاملات الله مع النفوس لهدايتها إليه ، أو لردها من ضلالها ، أو لزيادة تعلقها به ، كما أن كثيرين قد خرجوا منها مزودين باختبارات ثمينة ومعرفة سامية عن الله وعن محبته وعن قدرته وحكمته فازدادوا ثقة فيه ، واكتفاءاً وشبعا به وكانوا بما اكتسبوه من الاختبارات نافعين لغيرهم ممن يجتازون في مثل ما اجتازوه هم .

وبما أن الوصول إلي أعماق النفوس البشرية لمعرفة سبب كل انفعال هو من أصعب الأمور ، إذ ربما كان هناك لا سبب واحد بل اسباب ،  ولكننا بقدر الإمكان نبسط أمام القارئ العزيز بعض هذه الأسباب مع مالها من العلاج الصحيح في كلمة الله راجين من الرب أن يباركها ويستخدمها لمنفعة من يكونون جائزين في مثلها .

فأولاً ، يخاف البعض ويفزع من الدينونة وهول العذاب الأبدي وكونهم في الوقت نفسه غير متحققين خلاصهم وذلك لأنهم عوضاً عن أن يبنوا ثقتهم بخلاصهم علي صدق كلمة الله التي كما أظهرت لهم حالتهم وأقنعتهم بانهم خطاة هالكون وتحت الدينونة اخبرتهم في الوقت نفسه بأن المسيح قد ناب عنهم فوق الصليب وأنه حمل خطاياهم واحتمل دينوتهم وأنهم الآن قد أصبحوا مبررين ومقدسين ، مقبولين ومطهرين من جميع خطاياهم ولهم أمام الله قبول المسيح نفسه ، ابناء محبوبين ، مكملين في المحبوب ، هذا أن آمنوا أي صدقوا هذا الخبر البسيط تصديقاً قلبياً وبنوا تصديقهم هذا لا علي شعورهم ولا علي حسهم ولكن علي شهادة الله ومادام الله قد قال فأنا يجب عليَّ أن أصدق ومتي صدقت الخبر تماما فلابد أن ينتزع خوفي وحزني ويمتلئ قلبي بالسلام والفرح "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" .

لأن المسيح بنيابته عنهم كما أخذ مقامهم مقام المذنوبية أمام الله قد أعطاهم مقامه (كالإنسان الكامل الذي مجد الله وأرضاه وهو الآن عن يمينه مكللا بالمجد والكرامة) .

وإذ نقبل هذا الخبر مؤمنين ومصدقين فالله في الوقت نفسه يبتدئ فينا بالعمل الذي يؤهلنا فعلا لمقامنا الجديد الذي أعلنته لنا كلمة الله التي صدقناها وقبلناها وهو ولادتنا ولادة ثانية من فوق بواسطة الروح القدس وكلمة الله التي آمنا بها والمعبر عنها بالزرع الذي لا يفني بالمقابلة مع زرع الإنسان الذي هو واسطة الولادة الأولي التي تنتهي بالموت والفناء "مولودين ثانية لا من زرع يفني بل مما لا يفني بكلمة الله الحية الباقية وهذه هي الكلمة التي بشرتم بها" .

وعندئذ نبتدئ نحيا الحياة الجديدة بقوة الروح القدس الذي حالما يخلق فينا الطبيعة الجديدة يسكن فيها كقوتها لأجل مقاومة شهوات الجسد (أي ميول الطبيعة الأولي التي لا تزال فينا حتي بعد ولادتنا الولادة  الثانية) كقول الرسول "اسلكوا بالروح قلا تكملوا شهوة الجسد لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتي تفعلون ما لا تريدون" (غل5 : 17).

(يتبع)

الأربعاء، 11 مايو 2011

السبيل الي قوة المسيحي في هذا العالم (5)

إذن فالموضوع هنا ليس الإنسان في المسيح بل المسيح في الإنسان وهذا ما
أرغبه هنا علي الأرض ، فعندما افكر في الإنسان في المسيح أجد الكمال ، لكن عندما يكون الأمر خاص بالسلوك هنا علي الأرض فنحن نرغب في القوة بالإضافة إلي الصدق ، ولو كان هناك قوة في نفسي نجد أن الإنسان العتيق ينهض حالاً ، فالإنسان العتيق يجب أن يتواري لكي تأتي قوة آخري ، فأنا لي المسيح معي ، إنني إنسان مُتكل عليه ، وقد قال المسيح "ليس بالخبر وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" فدائما كان المسيح إنساناً مُتكلاًً وكان في حالة صحيحة دائماً ، غير أن هذا في منتهي الصعوبة بالنسبة لنا ، فنحن نجد أنفسنا تتأذي عندما نكون في حالة الاتكال علي الله ، ولهذا نجد أن المسيحي غالباً ما يسقط بعد اختبار فترة من الفرح العظيم ، ولكن لماذا ؟ لأن فرحه هذا قد أبعده عن حالة الاتكال علي الله ، فعندما يكون عمل التفرغ من الذات جاري فيَّ واجتاز في حالة من الضعف والعجز والعوز لأجل اسم المسيح ، استطيع أن أقول أنني سأفتخر بها كلها ، لماذا ؟ "لأن قوة المسيح ستحل عليَّ" لأنه هناك توجد البركة ، فأشعر بأنني لست شيئاً في ذاتي وعندها أشعر بقوة المسيح التي تحل عليَّ ، وهنا ليس الإنسان في المسيح بل قوة المسيح تستقر علي الإنسان خلال سلوكه علي الأرض هنا ، أنه المسيح في الإنسان . وبفرض أنني تفرغت من الذات ، والمسيح يحيا فيَّ ماذا سأجد في تلك الحالة ؟ إننس سوف لا أكون دائماً في السماء الثالثة ، لكن المسيح هو دائماً هناك ، فأجد سلامي وأمني هناك ، وحياتي هناك وبرِّي هناك ، كل شئ احتاجه سأجده هناك ، فالمسيح هو عنواني ، إنني في المسيح ، وليس في آدم الأول .

إن الحُلّة التي كانت قد وضعت علي الابن الضال عندما أتي إلي البيت لم يرتديها من قبل ، إنها ليست رقعة لثيابه العتيقة ، بل هي حُلّة جديدة تماماً ، فقد أحضروا إليه الحُلّة الأولي ومُنحَت له ، إن ما أخذناه في آدم الأول قد فُقِد ولا يمكننا استرداده ، لكننا الآن قد حصلنا علي شئ جديد وأفضل بكثير . فالإنسان في حالة البراءة لا يعرف الخير والشر ، أما الإنسان المقدس يفعل الخير ويحبه ، فما قد حصلنا عليه الآن ليس حالة البراءة بل ما قد حصل عليه المسيح بوجوده في محضر الله ، فالحُلّة الأولي التي أحضرها الآب الي الابن الضال كانت حُلّة جديدة من نفائس بيته هو ولم يرتديها الابن من قبل ، إن الله قد اعطانا المسيح في السماء ، إنني لست علي الدوام في السماء الثالثة ، لكن المسيح هناك ، ومكاني وعنواني هما هناك بالإيمان بحسب عمل روح الله ، فإذا كان المسيح هو حياتي فإنه لا يوجد هناك في تلك الحياة شئ لا يتوافق مع السماء الثالثة ، إنه المسيح الذي في السماء ، حتي عندما كان سالكاً هنا علي الأرض استطاع أن يقول "ابن الإنسان الذي هو في السماء" ، ولم تكن حياته هنا علي الأرض إلا تعبيراً عن ذلك ،. فاتحادنا به اتحاد حيّ وحقيقي ، إنني في المسيح فوق (أي في السماء) ، والمسيح فيَّ علي الأرض ، فهناك أجد المبدأ لسلوكي والقوة لذلك أيضاً ، فاثناء عملي وشغلي هنا علي الأرض يجب أن أحيا حياة المسيح أي أسلك بروح المسيح مهما كانت الظروف التي اجتاز فيها وبفرض أنني أفعل ذلك بالفعل والروح فيّ غير حزين واتمتع بالسماء الثالثة ، وبالتالي لا يكون في حياتي شئ يتعارض مع ذلك؛ ، إنني لست هناك بالفعل أي في السماء الثالثة لكني أعيش بما يتوافق مع ذلك ، لأنني أسلك في المسيح الذي هو هناك ، إنه هو حياتي وهو أيضاً قوة تلك الحياة ، فلو إنني قد دخلت السماء الثالثة وخرجت منها يمكنني أن استمر في السلوك بنفس تلك المشاعر الروحية والأدبية ، وعندما أعود مرة أخري إلي هناك سوف استمتع بكل هذه بطريقة اكثر عمقاً . خذا مثلاً إنسان يعمل لأجل اسرته طوال اليوم ، ومن الممكن أن يكون هذا العمل شاق ويضطر للابتعاد عن اسرته فترات طويلة لكنه عندما يعود للبيت سيستمتع باسرته أكثر .
فالمسيحي حال كونه في السماء الثالثة غير أنه له أن يسلك في هذا العالم أيضاً ، فالمسيح هو بره وهو أيضاً الذي أعطاه الحق لوجوده هناك ، ولهذا مكانه هو في السماء ، ويجب أن يسلك في قوة تلك الحياة ، وعندما يعود مرة أخري للسماء الثالثة يكون في حالة من السعادة والانتعاش الدائم .

من الجائز أن نفشل في ذلك ، لكن تلك هي قوة المسيح التي تحل علينا هنا علي الأرض والتي تعمل فينا ، ولاحظ كيف يتحدث هنا عن مركز المسيحي لكي ينال مكاناً مثل هذا "اعرف انساناً في المسيح .... بهذا انا افتخر" فبهذا يجب أن نفتخر ، فإذا قلت إنني في المسيح فإني افتخر بذلك ، وبهذا أقول يا له من مكان رائع ذلك الذي وضعني الله فيه ! إنه قد أخرجني من الحفرة ووضعني في ابنه ، كما انه كان قد أخذ اللص الذي كان علي الصليب ووضعه فيه في نفس مجد ابن الله ، وهو أخذ مريم المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطين ووضعها في نفس مجد ابن الله ، بهذا انا افتخر .

والناس يدّعون بأن كل هذا إنما هو افتراض ، ولكن اسمح لي أن أقول كلمة بهذا الصدد ، هل أنت في المسيح ؟ إذا لم تكن في المسيح فإنك لا محالة هالك ، فليس من الصحة في شئ أن تقول أن هذا افتراض ، فإذا لم تكن في المسيح فانت هالك ، وإذا كنت في المسيح فأنت في مأمن تام ، وما هي نتيجة ذلك ؟ أو ليس المسيح هو برِّك ؟ وهل انت لا تفتخر بذلك ولست أقول تفتخر بنفسك ؟ إننا أيها الإخوة لا نقدِّر الفساد الذي في أنفسا كخطاة في الجسد كما يجب ، إذا كنت أعرف بحق ما معني إنني هالك بدون المسيح فلا يمكن أن أدِّعي بأن افتخاري بكوني في المسيح هو مجرد افتراض ، إنني لست محتاجاً أن أفكر في نفسي لأنني في ملء السعادة في حضرة الله ، فإنه قد جعلني مسروراً بالنعمة التي أحضرتني إلي هناك ، وبالشركة الحالية التي ليّ معه في هذا المكان الذي أحضرني إليه ، ونحن يجب أن نتعلم هذا الدرس عملياً ، ولهذا نري بولس قد كانت له شوكة في الجسد بعدما كان قد عرف بدنُوِّه وأن المسيح هو بره ، وهذا هو تعليم الله العملي عن لا شيئيتنا . إنه العمل الأساسي الذي يبقي لنا ، فنحن في المسيح كمن هو برِّنا ، وإذا احتفظت بشئ واحد لنفسي فقط فهذه ليست شركة مع الله علي الرغم من وجود النعمة والشفاعة .
الإنسان في المسيح قد حصل علي مقامه مع الله ، ومنذ حصوله علي ذلك فشغله الشاغل هو أن يُظهِر المسيح أمام العالم ، وبهذا فهو يحتاج إلي قوة ، والقوة تأتي ليس فقط من كونه في السماء الثالثة ، وليس فقط من كونه صار برِّ الله في المسيح ، بل هو يرغب في قوة حاضرة ، والإخلاص والصدق هنا لا يكفي .
إن التجارب ستواجهك ، فأنت في عملك والتجارب تحيط بك من كل نوع ولهذا فأنت تحتاج إلي قوة لكي تُقدِّر غني المسيح ، وهذا سيجعل كل شئ ستواجهه كلا شئ بالنسبة لك ، إن المسيح نفسه أصبح هو قوتك ، إذن أن قوة المسيح ستحل عليك ، والآن عندي سؤال لكم ، فهل أيا منكم يقدر أن يقول لي متي نحن كنا في الجسد ؟ أنه أمر مهم جداً ، والرسول يتحدث عنه قائلاً "لما كنا في الجسد" ، فهل أنت قد تعلمت الأساس الذي تقف عليه قدام الله ، ليس الأساس الذي كان واقفاً عليه آدم الأول ، بل الأساس الذي بناء عليه قد وضعك الله في آدم الأخير أي الرب يسوع المسيح؟  إذا كنت كذلك فأنت إنسان في المسيح وبالتالي ينبغي عليك أن تسلك كما سلك المسيح ، وإذا لم تكن هكذا فهناك درس يجب أن تتعلمه ، فيجب أن تدرك إنك هالك بدون المسيح ، فإذا كان لنا رجاء في أي شئ فيجب أن يكون في المسيح ، فالله قد وضعنا في المسيح ، وبهذا استطيع أن أقول أنني في المسيح أمام الله ، لأنه هو قد حمل خطاياي وطرحها بعيداً أي قد محاها إلي الأبد ، لكن علي الرغم من أنه توجد قوة الحياة الجديدة وحضور الروح القدس إلا أنه لا يجب أن افتخر بنفسي إلا بما يمزق هذا الجسد الشقي اربا ارباً وبهذا سأفتخر بالمسيح .
هل ترغب في أن تُظهِر المسيح أمام العالم؟ إنك ستقول إنني في حاجة إلي قوة لكن لو كنت ترغب في ذلك ، فأنت محتاج إلي أن تتفرغ من الذات لأنه هو برِّك أمام الله ، وسوف تجد قوته في ضعفك كأنها هي قوتك للسلوك خلال هذا العالم من ثم تستطيع قلوبنا أن تدعوه أمين تعال أيها الرب يسوع .
الرب يمنحنا  أن نُقدِّره الآن ، فأولاً يجب أن نعرفه كخطاة مساكين ليسدد كل أعوازنا، وبعد ذلك نعرفه في شركة محبته كالشخص الغالي علي قلوبنا الذي نتطلع إلي أن نعرفه وجهاً لوجه في كل ملئه .

بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : عاطف فهيم