السبت، 26 مارس 2011

اعداء المؤمن الثلاثة (3)

تكملة اعداء المؤمن الثلاثة 
الحلقة الثالثة
تضافر قوي الشر
والآن نرغب أن نتحدث عن أعداء المؤمن الثلاثة وطريق الله للنصرة علي مخططاتهم ، وحتي يمكننا أن نكون منتصرين علي العالم والجسد والشيطان .
- العالم هو العدو الخارجي
- الجسد هو العدو الداخلي
- الشيطان هو العدو الخبيث الجهنمي
فالثلاث أعداء يعملون معاً في تضافر واتحاد ، فالشيطان هو الرئيس الذي يصدر الأوامر ، والجسد هو خلف كل  تحركاتنا ويعمل بالاتحاد مع الاثنين الآخرين لكي يتمم غايتهم لسقوطنا في تلك الحرب .
العالم وكيفية التغلب عليه
نقرأ (1يو 2 : 15 - 17) "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم ، إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب ، لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم ، والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلي الأبد" .
عندما نتطلع الي موضوع العالم فنحتاج أن ندرك أنه يأتي في الكتاب علي الأقل في ثلاثة أشكال وهم :
١- أولاً العالم منظور إليه كمكان ، وعلي سبيل المثال (١تي 1 : 15) ".. المسيح يسوع جاء الي العالم ليخلص الخطاة" ،وهنا واضح أن كلمة العالم تشير الي مكان ، فالمسيح قد أتي من السماء إلي هذا المكان لكي يسدد أعواز الخطاة ويموت لأجل مجد الله .
٢- ثانياً العالم منظور إليه كنظام قد بناه الإنسان لكي يدخل نفسه إليه ويجد الراحة والسعادة بالاستقلال عن الله ، والأعداد التي قرأناها في (1يو 2 : 15 - 17) مثال لهذا الشكل من العالم ، أنه بدأ منذ يوم قايين عندما خرج من محضر الرب ، فهو ونسله قد أنشأوا كل أنواع الأشياء التي تجعلهم في راحة وسعادة كأحياء بعيدين كل البعد عن الرب ، واليوم صار هذا العالم في منتهي السفسطة والكذب بالعديد من الأشياء التي تجعل الإنسان في تسلية وبُعد تـام  ، فيوجد العديد من الإدارات في هذا النظام المتسع جداً ، الفنون ، العلوم ، التعليم ، الآدب ، العقيدة ، التجارة ، السياسة ، الرياضة .... الخ ، فيوجد شئ ما لكل إنسان ، والغرض الحقيقي وراء كل هذا النظام هو أن يبعد كل فكر عن الإله الحقيقي من ذهن البشر، وإذا كان ممكناً يحفظ الإنسان سعيداً في الجسد وفي حالة من اللهو بخطاياه ، والشيطان هو رئيس هذا  النظام (1يو 5 : 19) إنه "إلـه العالم" في الأشياء العقائدية (2كو 4 : 4) ، وهو "رئيس العالم" فيما يختص بالأمور الزمنية (يو 14 : 30) ، وهذا العالم أيضاً يدعي "شرير" (غل 1 : 4) ، لأنه المجتمع الذي يبغض المسيح ويريد الابتعاد عنه تماماً (يو 15 : 18، لو 19 : 14) ، هذا هو شكل العالم الذي أرغب التطلع إليه بصفة خاصة في دراستنا عن هذه الثلاثة أعداء .
٣ - ثالثاً : العالم منظور إليه كمجموع البشر الهالكين المؤخذين بهذا النظام المتسع ، ومثال لهذا الشكل من العالم موجود في (مز 17 : 14) " ..... من الناس بيدك يارب من أهل الدنيا نصيبهم في حياتهم ." وأيضاً "هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3 : 16)، إنهم جزء لا يتجزأ من نظام العالم الذين يعيشون حياتهم في الخطية ، فهم مسلوبين في هذا النظام العالمي لذا يُدعي عليهم لقب العالم .
فمن المهم عند قراءة المكتوب أن نميز مفهوم العالم بحسب القرينة ، لأن الكثيرين ولسنا نقول  الكل من المسيحيين اليوم لا يفسرون كلمة الحق بالاستقامة (2تي 2 : 15) ، وبالتالي كنتيجة لهذا نجد كل أنواع التفسيرات الغريبة ، وهذا يعني أننا يجب أن ننتبه جيداً عند قراءة الكتب المقدسة .
فعندما تأتي كلمة العالم يجب أن نحدد ما هي الصورة التي يشير إليها المكتوب هنا ، فعلي سبيل المثال (يو 3 : 16) ، "لأنه هكذا أحب الله العالم ...." فهنا لايمكن أن تكون كلمة العالم هي النظام البغيض الذي يطوح بالإنسان بعيداً عن المسيح ! ، ونحن غير مدعوين أن نحب العالم بمفهومه النظام البغيض ، وبالتأكيد فإن الله لايمكن أن يحب شئ سبق وحذرنا منه ، ولا يمكن  ان يكون العالم هنا أيضاً هو المكان ، لأن كلمة الله لا تقول أن الله يحب كوكب سيار أو مكان ما ، فنحن لا نقرأ أبداً أن الله يحب الجبال مثلاً ، أو  الأشجار أو الأنهار  .... الخ ، إذا فمن الواضح أن العالم في هذا العدد المذكور هنا في (يو 3 : 16) هو الناس الموجودين في هذا النظام ، فالله يحب هؤلاء الأشخاص الذين هم منغمسون في هذا العالم ، الذين يعيقهم العالم عن المجئ للمسيح لأجل الخلاص .
ونحن نُحذَر في (1يو 2 : 15 - 17) طالما نحن مؤمنون أن نبتعد عن نظام العالم الفاسد لأننا في مركز خارج عن هذا العالم (يو 17 : 16 ، غل 1 : 4) ، ويجب أن نتحذر لئلا تنغمس عواطفنا فيه ، وإذا سلمنا عواطفنا له ننحدر إلي أسفل ، والسبب هو أن العالم يطفئ عواطفنا للمسيح ، ومن الجائز أن يكون هذا ببطء ولكن بالتأكيد سيفصل بين قلوبنا والمسيح ، وفي هذه المعركة نتحذر أن نحفظ قلوبنا فوق كل تحفظ ، لأن القلب كما نعلم هو مكان العواطف والعدو يتتبع قلوبنا وعواطفنا ، وأنت تعلم أنك إذا ضربت عدو في قلبه فإن هذه الضربة ستكون قاضية وبالتالي سيموت ، ولهذا يقول في (أمثال 4 : 23) "فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة" .
ونري في العدد القائل "إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1يو 2 : 15) ، وبكلمات أخري لايمكنك أن تتمتع بمحبة الله والأشياء التي في العالم في نفس الوقت ، وببساطة هذا لن يحدث ، إما أنك مزمع أن تتمتع بمحبة الله والأشياء التي للمسيح أو أنك مزمع أن تحب العالم ، ولكن لايمكنك أن تجمع بين الاثنين في آن واحد ، فأحدهما ينحي الآخر .
إن نظام العالم هو بحق عدو ونحتاج ان نتحذر منه ، لأن غرضه الأول هو ازاحة العواطف عن المسيح وابعادها ، فالمسيحي الذي له العواطف الحارة نحو المسيح بواسطة العالم يصير بارد ويصبح سهلاً جداً أن يبتعد عن اتباع الرب ، وقد قلنا سابقاً ، ان العالم له إدارات عديدة مثل الفن ، العلوم ، التربية ، الآدب ، العقيدة ، التجارة ، السياسة ، الرياضة .... الخ ، أنه شئ يجذب أي إنسان مهما اختلفت اهتماماته وتنوعت ، والغرض من وراء كل هذه الأقسام التي في العالم هي منع دخول أي فكر عن الله وعن المسيح إلي أذهاننا ، وإفساد عواطفنا عن المسيح ! ، والآن السؤال : هل يمكن لأي مؤمن واعِ ان يقول إنني أرغب في العالم ؟ ، إن آخر شئ علي الأرض يمكن أن نرغبه هو أن نتشبه بهذا العالم ، والكتاب يقول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12 : 2) .
تذكر دائماً أن هذه الأعداء الثلاثة تعمل معاً ، لأن الشيطان يأتي إليك بشئ من العالم ويكون لهذا الشئ جاذبية لدي الجسد الذي فينا ، فالقوة الكاملة لتأثير العالم تصير قوة فائقة جداً عندما تتحد مع رغبات وميول الجسد الذي فينا ، ونحن جميعاً نتأثر بطريقة أو بأخري.
فالعالم له طرقه التي تسلبنا وتخدعنا لكي نتشبه به وبأنماطه المختلفة ، أنه شئ خطير وصعب أن نحدده لأنه يحدث قليلاً وببطء ، فيوجد ما يسمي "الضغط بإلحاح" وهذا ما يستخدمه العالم ليشكلنا علي طرقه وأنماطه ، إن كل شخص في العالم يجب أن يكون بارداً وإذا لم تكن كذلك فإنك سوف تنفي من مجتمعه .
يمكنك أن تسأل شخص واقع تحت تأثير العالم عما يُطعَم به ، وسوف تري أنه علي الكتب والمجلات والتليفزيون والڤيديو أو الموسيقي ، تلك هي الأمور التي يتغذي عليها إنسان هذا العالم ، إنها طعامه ، ولكن هذه الامور هي شرك بالنسبة للمؤمن الذي يُطعَم عليها .
والخطير بالنسبة للأشخاص الواقعين تحت تأثير العالم أنهم يفقدون حساسيتهم ، وإذا حاولت أن تشير إلي خطورة الأشياء العالمية أمام إنسان غير مؤمن فسيضحك عليك ويسخر منك ، بل سيعتبرك شخص غريب ، وكأنك أتيت من كوكب آخر ، وعلي الأقل بالنظرة السطحية هم يبدون أنهم في حالة من السعادة وهم في طرقهم ، والرب يتحدث في السنهدريم في (لو 11 : 21) عندما يتكلم عن الشرير أنه يحفظ داره متسلحاً لكي تكون أمواله في أمان ، وداره هنا تعني العالم ، فالعالم مجهز تماماً ليكون ذا جاذبية للناس الذين هم في الجسد ، وأمواله هنا تعني الأشخاص المخدوعين بغرور إبليس ونتيجة لذلك هم في أمان في نظامه العالمي ، وهذا يُبيِّن لنا أن الشرير يستخدم أمور هذا العالم لخداع هؤلاء الخاضعين له ووقوعهم في حالة من عدم الإحساس من الناحية الروحية ، فالعالم له تأثيره المخدر علي هؤلاء الذين يتجرعون من صهريجه ولا يدركون ذلك .
إنني أتذكر منذ بضع سنوات كانت هناك تجربة علمية تصنع بالضفدعة ، فالضفدعة كانت توضع في وعاء ماء يسخن ببطء بمعدل درجة مئوية كل بضع دقائق ، وكانت الضفدعة تأقلم نفسها بحسب درجة الحرارة الأعلي تلقائياً حتي يصل الماء الي درجة الغليان وحينئذٍ تموت ! ، ولذلك فالحرارة التي تزيد بمعدل بطئ جعلتها تفقد الإحساس بالخطر ، وبالمثل فالشرير يستخدم التنويم المغناطيسي لنظام هذا العالم ببطء حتي يفقد المؤمن حساسيته للأمور الروحية إذا لم نكن في حالة من اليقظة ، فاحتكاكنا مع الأشخاص العالميين وخلال الاعمال اليومية وفساد العالم الذي يقذفه علينا في كل مكان نذهب إليه فرويداً رويداً يقصد العالم أن يحدرنا إلي مستواه .
أخبرنا الأخ
Wayne Coleman بقصة عن أحد عملائه الذي اندلع حريق بمنزله حيث أن الأسرة كانت لهم طفلين والجد والجدة يقطنان معهما في نفس المنزل ، وكانا الجدين يقيمان في الجانب الآخر من المنزل ، وكان  المنزل مصنوع من الفايبر (وهذا غير مسموح الآن استخدامه في المنازل) ، وعندما اشتعلت النيران كان ينبعث من هذا الفايبر غاز يعمل عمل التخدير في الإنسان دون أن يشعر به ، وإذا استنشق كمية من هذا الغاز كانت كفيلة بأن تميت الشخص ، ولهذا السبب ممنوع استخدام هذا النوع من الفايبر الآن في صنع المنازل .
وعلي أي حال اندلعت النيران واستيقظوا من النوم ونادوا الطفلين لكي يسرعوا بالخروج من المنزل ، والطفل الأكبر كان حوالي 8 أو 9 سنوات لاذ بالفرار بينما الصغري وتبلغ من العمر نحو 5 أو 6 سنوان جرت أيضاً وبعبورها المطبخ سقطت تحت تأثير هذا الغاز السام وماتت ، وكانت تبعد عن الباب بضع خطوات ، واثناء انشغال الوالدين بخروج طفليهما تذكرا والديهما وجريا الي الجانب الآخر من  المنزل لغرفة نوم الوالدين وكانوا يطرقون الشباك بشدة ليدعوهما الي الخارج ، وبعد وقت نهضت الأم من نومها وعلامات الاختناق علي وجهها وقالت ماذا ؟ فأخبروها بالخطر ، ولكنها وقفت محملقة بهما دون حراك ، وأخيراً أغلقت الشباك وعادت مرة أخري الي الفراش وماتت بعد ذلك بوقت قصير .
فالأم المسكينة فقدت الإحساس عن طريق هذا الغاز الخانق وبالتالي لم تدرك ماذا يحدث ، وأنت تعلم جيداً تأثير هذا  العالم علي هؤلاء الذين يتنفسون من جوه الخانق ، انهم يصبحون في حالة من عدم الإحساس الروحي وهم لا يدرون ، و (أمثال 23 : 29 - 35)  يحدثنا عن الشخص الذي يدمن الخمر وهي صورة لمسرات العالم المخدرة للإنسان وبالتالي يصبح الإنسان في حالة من عدم الإحساس تجاه الضربات التي يتلقاها من  الناس لأجل تصحيحه وعودته إلي الصواب في طرقه "فيقول ضربوني ولم أتوجع ، لقد لكأوني ولم أعرف متي أستيقظ ؟ أعود أطلبها بعد" وهذا  اختبار بسيط لك إنني أناديك بصوت عال لعل تأثير غاز هذا العالم قد أثر عليك ! . وبالنسبة للجميع فإنني أعلم أن البعض منكم في حالة من بعض التأثير بواسطة هذا العالم .
ويعود يحذرنا "أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله ؟ فمن أراد أن يكون محباً للعالم فقد صار عدواً لله" (يع 4 : 4) وشمشون وقع في محبة العالم ، وكانت وسيلة سقوطه نومه علي ركبتي دليلة (قض 16 : 19)  ، وعندما أتاه الفلسطينيون خرج وانتفض كما في المرات السابقة ، ولكن "لم يعلم أن الرب قد فارقه" لقد فقد قوته ولم يعلم ذلك ! ، لقد فقد الإحساس عندما وقع تحت تأثير غاز العالم السام ، فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه .
فهناك سبعة أشياء فقدها شمشون بمحبته للعالم :
١ - فقد سره
٢ - فقد شعره
٣ - فقد قوته
٤ - فقد الإحساس بمحضر الرب
٥ - فقد عينيه
٦ - فقد حريته
٧ - وأخيرا فقد حياته
فعندما تكون لك محبة لهذا العالم فسوف ينتابك حالة من النعاس الروحي ولذا يجب أن تتحذر جداً منه ، ولذا نجد الكثير من التحريضات المعطاه لنا في العهد الجديد (1تس 5 : 5 ، أف 5 : 14 ، ... الخ) ومستر داربي قال "حتي لو كنت لا تريد أي شئ لتفعله مع العالم فإنه أيضاً له طريقه لكي يتسلل إليك ، فماذا يكون الحال بالأحري مع هؤلاء الذين يريدون أن يتعانقوا معه" .
ولكن دعنا الآن نتحدث عن طريق الله لأجل النصرة علي هذا العدو ، دعونا نقرأ (1يو 5 : 4 ، 5) "لأن كل من ولد من الله يغلب العالم ، وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا ، من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله" وهنا يعطينا الرب المفتاح لكي يمكننا الانتصار علي العالم ، فيوحنا هنا يعطينا الخلاصة ، أنه يعطي المبدأ فقط ، ويحتاج الي بعض الفهم .
إنه يقول لنا أنه يوجد أمرين لأجل النصرة علي العالم ، فهناك أولاً نعمة الله ، وهذا هو جانب الله ، والجانب الثاني مسئوليتنا ، دعني أوضح ، فمن جانب الله فقد اعطانا طبيعة جديدة من خلال الولادة الجديدة "كل من ولد من الله يغلب العالم" فنحن لنا تلك السعة او الطاقة لكي نتمتع بالأشياء الإلهية - تلك الامور التي هي خارج العالم تماماً - أي الأشياء السماوية ، فإذا كنت مولود من الله فأنت لك تلك السعة لكي تتمتع بتلك الأشياء .
ولكن الغلبة علي العالم ليست من جانب الله فقط ، ولكن لنا مسئولية نقوم بها في هذا الامر ، وهذا يفحص رغباتنا ويظهر حالة النفس تماماً ، وأخر العدد (٤) يقول يجب أن يكون لنا "إيماننا" في الامر ، وهنا لا يتكلم عن إيمان الخلاص لأن الذين يتحدث إليهم هنا هم مخلصون بالفعل ، ولكن الإيمان العملي لأجل الحياة والعيشة العملية في حياتنا اليومية ، إنه الإيمان الذي يمسك بالمسيح الذي في المجد كالمركز لعالم آخر مختلف تماماً ، وأثناء تمسكنا بالمسيح هناك فإننا نتمتع بمشاهد المجد العظيمة ، فنحن قد انقذنا من هذا العالم ، فعندما نتمتع بهذه الأمور فإن العالم سيفقد قوته علينا التي تجذب قلوبنا ، ولاحظ أنه عندما تتلامس نفوسنا مع الأشياء السامية فإن العالم يفقد سلطانه علينا ، وتصير لنا الغلبة عليه !، فقد كان هناك أخ منذ عدة سنوات في طريقه الي الاجتماع وقابله أحد المعارف في الشارع ليسأله هل أنت ذاهب الي المعرض (فقد كان هناك معرض كبير في المدينة) ورد عليه الأخ قائلاً (لو علمت المعرض الذي أنا في طريقي إليه لما سألتني هذا السؤال !) ، فنحن مسئولون أن ننشغل بالأمور السماوية "حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو 3 : 1) ، فعندما يكون حالنا هكذا فإن سلطان العالم وقوته علي نفوسنا سينكسر .
فإن كان (1يو 5) يعطينا مبدأ العتق من العالم ، إلا أننا نجد في العهد القديم أمثلة توضح لنا تلك النقطة ، فنشكر الله لأجل صور العهد القديم التي تساعدنا لكي ندرك مبادئ الله الأدبية .
وفي (تك 14 : 17 - 24) نجد في هذه الأعداد درس رمزي لكيفية إحراز النصرة علي العالم ، فسدوم رمز لهذا العالم في فساده وملك سدوم هو رمز للشيطان نفسه الذي هو إله ورئيس هذا العالم (2كو 4 : 4 ، يو 12 : 31 ، 14 : 30) ، فكرئيس هذا العالم هو رئيس للأمور العالمية والزمنية ، وكإله هذا الدهر نجده رئيس ديانته والتي هي بدون المسيح .
فبعد أن أحرز ابراهيم النصرة  علي ملوك كدرلعومر خرج إليه شخصين لمقابلته ، أحدهما كان ملكي صادق ملك شاليم والذي هو صورة للمسيح ، والآخر هو بارع ملك سدوم (عدد 2) فقد جاء ملك سدوم لكي يجربه ، ولكن ملك شاليم موجود هناك لمعونته ، فبارع قد شجع ابراهيم أن يأخذ أملاك سدوم ، فقال له "وأما الأملاك فخذها لنفسك" (عدد 21) ، ولكن كان هناك شرط له قائلاً "اعطني النفوس" ، وكما قال أحدهم فقد قدم لابرام كيس الدراهم مصحوباً باللعنة ! ، وهكذا يفعل الشيطان معنا دائماً ، فهو يقدم لك ما تريد من مسرات وتسليات هذا العالم وبقدر ما تشاء طالما سيحصل منك علي نفسك ! ، فهو يعلم أن نظام هذا العالم ومسراته ستفسد عواطفنا للمسيح ويجعلنا بلا فائدة لملكوت الله .
ولكن الجميل هنا أننا نري عندما أراد ملك سدوم أن يجرب ابرام ، فملكي صادق يقابله أولاً ! ، وكما قلنا هو صورة للرب يسوع المسيح ، "فقد اعطاه خبزاً وخمراً" والخبر والخمر هما صورة للتعضيد الروحي والفرح ، وهذا عين ما يريد المسيح أن يعطيك إياه ! ، لكي تتغذي علي هذه الأشياء من يد ملكي صادق والذي هو الشركة مع المسيح ، وهذا ما يريد الله أن يجعلك تتذوقه ! ، وابراهيم قد نال ذلك ، وقد بورك عن طريق "كاهن الله العلي" وبالتالي عندما قابل بارع ابرام ، استطاع ابرام أن يرفض كل ذلك ! ، فقال "رفعت يدي إلي الرب الإله العلي مالك السماء والأرض ، لا آخذن لا خيطاً ولا شراك نعل ولا من كل ما هو لك" ويا تري ما هو سر قوة ابرام في رفضه لتقدمة بارع ، لأنه كان قد سبق وذاق شيئاً أفضل ! ، وهذا هو الحال معنا ، فإذا تذوقنا ما يقدمه المسيح وتمتعنا بالأشياء السماوية والروحية ستكون لنا القوة أن نرفض العالم  ، فالامر ببساطة لكي نقدر أن ننال قوة ونصرة علي تجارب بارع علينا أن نأكل من طعام ملكي صادق .
وياتري ماذا حدث لأملاك سدوم ؟ أنها قد احترقت كلها في الدينونة في احتراق سدوم  وعمورة ! ، ما يقدمه العالم هو مؤقت وزائل علاوة علي أنه فارغ ولا يشبع ، فإذا عشت لأجل ذلك فإنك ستفقد الكل ، ولكن ما يقدمه المسيح هو أبدي ! ، وللأسف فنحن نري مؤمنين يسعون وراء العالم ، وأنت تعلم أنهم غير متمتعين بالأشياء السماوية ، ولو كانوا مستمتعين بها لما اشتاقوا للأشياء العالمية .
ونتعلم من العدد الأخير من هذا الأصحاح (عدد 24) أن ابرام لم يرد أن يأخذ قرار فيما يختص بالشباب الذين كانوا معه ، فهو استطاع فقط أن يسلك قدام الله بالإيمان في اعطائهم مثال ، فهم يحتاجون أن يتدربوا بأنفسهم فيما يختص بالامور السماوية لكل واحد منهم علي حده ، وهذا هو نفس الشئ بالنسبة لنا ، فنحن لا يمكننا أن نتخذ قرار بالنيابة عنك ، ولكن طريق التلمذة هو طريق فردي ، فأنت يجب أن تسلك فيه بنفسك  ، فياليت الله يعطيك نعمة لكي تُطعَم علي المسيح ، وبالتالي يأتي الانفصال كنتيجة تابعة لذلك ، وتذكر دائماً عندما نتحدث عن العالم فإننا نجد نوعين من المؤمنين ، مؤمنون منتصرون ، ومؤمنون مهزمون ! ، فيا تري من أي نوع أنت ؟ .

ليست هناك تعليقات: