الأحد، 29 ديسمبر 2013

سبع محطات راحة يسكن فيها المؤمن

سبع محطات راحة يسكن فيها المؤمن

1 - محبة الرب
2 - رعوية الرب
3 - التسبيح المستمر
4 - ذراع الرب وحمايته الكامله
5 - شركة المحبة الأخوية
6 - صوت الرب
7 - قمة الشركة مع الآب والإبن

أولا - محطة - محبة الرب -
سفر التثنية السفر الخامس والأخير من أسفار موسى رجل الله ص 33 :3, 12 - فأحب الشعب. جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك ولبنيامين قال حبيب الرب يسكن لديه آمنا يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن - ما أروع الاعلان عن قلب الله - فأحب الشعب - ليس هناك في الشعب أي شيء يجعل قلب الله يتجه إلى ذلك الشعب بالمحبة لكن هذا هو قلبه والجود العظيم الذي في طبيعته لكن الإعلان الثاني عن ذات الله - جميع قديسيه في يدك - موسى يوجه كلامه إلى ذات الله السائر مع الشعب في البرية كما أمسك به في بدء المسيرة - إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا - خر 33 : 15 -
لكن هنا نجد عبارة عجيبة - جميع قديسيه في يدك - قديسي من ؟ قديسي الله الآب ! في يد من ؟ في يدك أنت الله الابن ! وهذه مع كل إعلانات الوحي المقدس كله ترينا تميز الأقانيم في ذات اللاهوت الواحد وأروع مثل لهذا الإعلان نجده في صلاة الابن المبارك للآب المحب في - يو 17 : 6 - أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم كانوا لك وأعطيتهم لي - وهذا هو التفسير الرائع الجميل - جميع قديسيه - قديسي الله الآب - في يدك - في يدك أنت الله الابن -
ثم الإعلان الثالث عن مخطط الله - حبيب الرب يسكن لديه آمنا - من هو حبيب الرب ؟ الكتاب يعلن عن محبة الله لكل إنسان في العالم - لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لايهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلُص به العالم - وبهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به, في هذا هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أن هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا - يو 3 : 16و 17 1يو 4 :9و10 -
إذاً من هو حبيب الرب ؟ هو الذي صدق هذه المحبة ومن أعماق قلبه يهتف أن هذا الفداء العظيم على الصليب كان لأجلي أنا شخصيا - إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي - غل 2 :0 2 - ليت هذه المحبة تحصر قلوبنا وأفكارنا دائما - لأن محبة المسيح تحصرنا - 2 كو5 : 14 , - واحفظوا أنفسكم في محبة الله - يهوذا 12 ليتنا نسكن دائما في هذه المحبة.
ثانيا - محطة رعوية الرب
الرب راعي فلا يعوزني شيء .. ترتب قدامي مائدة تجاه مضايقي مسحت بالدهن رأسي كأسي ريا إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي وأسكن في بيت الرب كل أيام حياتي - مز 23 : 1 و5 و6 - محطة الشبع الكامل والقناعة الكاملة والراحة الكاملة والإمداد الكامل والفرح الغامر ونهاية مطاف مجيدة.
لا ننس ترتيب الروح القدس للمزامير, مز 23 رعوية الرب الكاملة تأتي مباشرة بعد مزمور الصليب العجيب مز 22 إذ فيه يصف داود مشهد الصليب بتفصيل مذهل وكما نعلم من التاريخ المقدس أن داود ملك على إسرائيل قبل الصليب بألف سنة إسمعه وهو يقول - ثقبوا يدي ورجلي . يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون - مز 22 : 16, 18 وقد تم حرفيا في الرب يسوع - راجع لو 23 : 34, يو 19 : 23 - ماأروع التقرير - الرب راعي فلا يعوزني شيء - ثم نهاية التقرير - إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي وأسكن في بيت الرب إلى مدي الأيام -
ثالثا - مز 48 محطة التسبيح المستمر
- طوبي للساكنين في بيتك أبدا يسبحونك - محطة التسبيح هنا نري المؤمن مسبحا بلا انقطاع كما يقرر الرسول بولس في - عب 13 :15 - فلنقدم به - أي بربنا يسوع المسيح - في كل حين لله ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معترفة باسمه - والفرح والتسبيح المستمر بلا انقطاع هما طابع المسيحي الحقيقي بحسب رسم الكتاب المقدس.
أولا - لأن هذه هي حياة المسيح نفسه هنا على الأرض ورغبة قلبه العميقة لنا - كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا, اثبتوا في محبتي. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم - يو 15 : 9 - 11 -
ثانيا - هذه هي مشيئة الله لحياتنا - افرحوا كل حين صلوا بلا انقطاع اشكروا في كل شيء لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم - 1تس 5 : 15 - 17 -
ثالثا - الفرح في المسيح هو مصدر قوة لنا بالروح القدس - ثمر الروح محبة فرح سلام - غل 5 : 22 - وفرح الرب هو قوتكم - نح 8 : 10 -
رابعا - محطة ذراع الرب وحمايته الكاملة - مز 91 -
الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت أقول للرب ملجأي وحصني إلهي فاتكل عليه لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوبأ الخطر بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي - ترس ومجن حقه لاتخشي من خوف الليل ولامن سهم يطير في النهار ولامن وبأ يسلك في الدجي ولامن هلاك يفسد في الظهيرة .. لأنك قلت أنت يا رب ملجأي جعلت العلي مسكنك لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمي يدعوني فأستجيب له معه أنا في الضيق أنقذه وأمجده -
- أولا - السكن : يتكرر مرتين الأولى في ستر العلي أي تحت حمايته - ع 1 - لكن ع 9 مسكنه في العلي ذاته أي ارتباط قلبي عميق وفي هذا نمو في معرفة الله لأن هذا هو قصد الله أن يكون هو ملء النفس والروح.
- ثانيا - واسطة هذا الارتباط هو الكلمة المقدسة ترس ومجن حقه - إن ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ماتريدون فيكون لكم - يو 15 : 7 - وسر دمار الإنسان وجهله وعبوديته للخطية والشيطان هو إهماله الكلمة - أليس لهذا تضلون إذ لاتعرفون الكتب ولا قوة الله .. فأنتم إذا تضلون كثيرا - مر 12 : 24 - ها قد رفضوا كلمة الرب فأية حكمة لهم - إر 8 : 9 -
- ثالثا - الارتباط بالله في ذهن الملايين أمر يحتاج إلى أعمال عظيمة أو إلى خطوات أو تدريبات على مدي سنين لكن إعلان الوحي المقدس أن الله لا يطلب من الإنسان إلا كلمات فقط. لكن بشرط أن تكون الكلمات الخارجة من الفم تعبر عما في القلب, كلمات نتيجة لعمل كلمته هو في القلب. ما أروع الإعلان هنا - أقول للرب ملجأي وحصني فأتكل عليه - ع2 - وشهادة الله له - ع 9 - لأنك قلت أنت يا رب ملجأي جعلت العلي مسكنك - ثم نري هذا الأمر أيضا في دعوة الرب لإسرائيل في - هو 14 - ارجع يا إسرائيل إلى الرب إلهك لأنك قد تعثرت بإثمك خذوا معكم كلاما وارجعوا إلى الرب قولوا له إرفع كل إثم واقبل حسنا فنقدم عجول شفاهنا -
- رابعا - الحماية الإلهية تشمل 4 جوانب أو 4 أركان العالم
الركن الأول : - لا تخشى من خوف الليل - ظلام العالم. كم من ظلام يسود أفكار البشر والعدو أعمي أذهانهم بخرافات رهيبة تسيطر على حياتهم وتصرفاتهم والانحطاط الأخلاقي يملأ المشهد تماما لكن الذي احتمي في عمل ربنا يسوع المسيح على الصليب يستطيع أن يهتف - شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته - كو 1 : 21 - وإرسالية الرب يسوع المسيح لعبده بولس في لحظة إظهار ذاته له - أنا الآن أرسلك إلى الأمم لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين - أع 26 : 18 -
الركن الثاني : - ولا من سهم يطير في النهار - الذي هو طيش وجنون العالم أي الاندفاع والغرور. والذي تمتع بخلاص الله العظيم بنعمة ربنا يسوع المسيح اختبر أن ذات النعمة المخلصة هي التي تعلمنا نحن المخلصين أن نعيش بالتعقل والبر والتقوى - تي 2 : 11 و12 - والصلوات الحارة في حياة المؤمن يجب أن يسبقها التعقل في الكلام والتصرف مع الناس - وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعقلوا واصحوا للصلوات - 1 بط 4 : 7 - ولا توجد عبادة مشبعة لقلب الرب إن لم تقترن بالتعقل في الترنم والصلوات وخدمة الكلمة في الكنيسة - فإني أقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي بل يرتئي إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الإيمان - رو 21 :3 -
الركن الثالث : ولا من وبأ يسلك في الدجى - الأمراض الروحية المفسدة لحياة الملايين المسكر والمخدرات ومرض الهياج والسخط والتسرع في الكلام - يع 1 : 19 -
الركن الرابع : الخسائر التي قد تصيبنا في العالم - هلاك يفسد في الظهيرة - لأننا نحن المخلصين نعلم - أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله - رو 8 : 28 -
خامسا - محطة شركة المحبة الأخوية - مز 133
- هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معا مثل الدهن الطيب .. مثل ندي حرمون النازل على جبل صهيون لأنه هناك أمر الرب بالبركة حياة إلى الأبد -
- أولا - المحبة الأخوية الصادقة لا يمكن اختبارها إلا بعد التمتع بالفداء بالإيمان القلبي بعمل ربنا يسوع المسيح على الصليب لأجلي أنا شخصيا وهكذا أتمتع بالتبرير الإلهي وهكذا اختبر المحبة الإلهية النابعة من القلب للرب أولا ثم للإخوة - فإذ قد تبررنا بالإيمان فلنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به قد صار الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ... لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا - رو 5 : 1 - 5 -
- ثانيا - المحبة الأخوية تحتاج إلى سهر وتطهير القلب باستمرار من أقل تكدير - طهروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرياء فأحبوا بعضكم بعضا من قلب طاهر بشدة - 1بط 1 : 22 -
- ثالثا - المحبة الأخوية تأتي على قمة فضائل الإيمان - ولهذا عينه وأنتم باذلون كل اجتهاد قدموا في إيمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة وفي المعرفة تعففا وفي التعفف صبرا وفي الصبر تقوي وفي التقوي مودة أخوية وفي المودة الأخوية محبة - بط 1 : 5 - 7 -
- رابعا - المحبة الأخوية تحتاج إلى التدريب وترتيب البيت على الضيافة - لتثبت المحبة الأخوية لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لايدرون - عب 13 :1 - لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا كونوا مضيفين بعضكم بعضا بلا دمدمة - 1بط 4 : 8 و9 -
- خامسا - لاننس خطورة هذا الأمر إذ يتوقف عليه شهادتنا لاسم ربنا يسوع المسيح - وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضا بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض - يو 13 : 34 و35.
- سادسا - أم 1 : 33 - محطة صوت الرب
- أما المستمع لي فيسكن آمنا ويستريح من خوف الشر - لايمكن أن تحصي البركات التي نحصل عليها من هذه المحطة.
- أولا - التنقية - أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به - يو 15 : 2 - أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة - أف 5 : 25 -
- ثانيا - حياة الانتصار على العدو - كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير - أف 6 : 15, 1يو 2 : 14 -
- ثالثا - الامتلاء بالروح القدس - لتسكن فيكم كلمة المسيح بغني وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب - كو 3 :16 و17, أف 5 : 19 -
- رابعا - النمو في القامة الروحية - في كل كمالات المسيح - وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح - 1بط 2 : 3 -
- خامسا - الامتلاء بالتعقل - فتح كلامك ينير يعقل الجهال - مز 911 : 031 - ها قد رفضوا كلمة الرب فأية حكمة لهم - إر 8 : 9 -
- سادسا - حمايتنا من الضلال في التعليم والسلوك - أليس لهذا تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله .. فأنتم إذا تضلون كثيرا - مر 12 : 24 -
- سابعا - استجابة الصلوات - إن ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ماتريدون فيكون لكم - يو 51 : 7 -
سابعا - محطة قمة الشركة مع الآب والإبن - إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا - يو 14 : 23 -

الاخ / مراد امين

الخميس، 12 ديسمبر 2013

الابوة من منظور الهي

الابوة من منظور الهي

ما هي الأبوة، وما هو الأب الناجح؟

نحيا في مجتمعاً الذي يضع تعريفاً لكل شيء، ليس تعريفاً رسمياً مكتوباً ومنطوقاً وموقع عليه من الجميع، ولكنه تعريفاً حسبما أتفق. سوف أضع تعريف المجتمع والعالم للأب، ولكنه تعريفاً خاطئاً.

التعريف العالمي الخاطئ للأب الناجح:
{{هو ذاك الذي يقود عائلته لحياة سعيدة ويوفر لهم حياة كريمة ويعمل له أولاده ألف حساب، وتتطيعه زوجته الجميلة في كل شيء، ونتيجة تربيته لأولاده يصيرون أطباء ومهندسون ورجال أعمال ناجحون ويمتلكون سيارات وفيلات ويسافرون للتعلم في الخارج ويتزجون زوجات وأزواج من نفس عينتهم الإجتماعية}}
آه كم هي سطحية هذه النظرة… ولكنه للأسف النظرة السائدة… حتى بين المؤمنين الحقيقيين.

والآن هل هناك تعريفاً كتابياً للأب الناجح ذو العائلة السعيدة؟

يقول كاتب المزمور: “طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ، وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ. لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ، طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ. امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ. هكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ. يُبَارِكُكَ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ، وَتُبْصِرُ خَيْرَ أُورُشَلِيمَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ، وَتَرَى بَنِي بَنِيكَ. سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ. | مزمور 128″

وهكذا يصف الحياة السعيدة بحسب فكر الله. لم يقل أنها سوف تكون غنية بالمال والوفرة والغنى والصحة. لكنه قال أن مقوماتها هي رجل يتقي الرب، إمرأة مثل الكرمة المثمرة، بنون مثل غروس الزيتون، أحفاد مثل هؤلاء الأبناء.

الأبوة الحقيقية تبدأ وتستمر في التقوى ومخافة الرب
ولكي تكون مطوباً أو سعيداً يجب أولاً أن تكون تقياً تتقي الرب وتحفظ وصاياه وتعيش سالكاً في طرقه. فإن لم تكن رجلاً قد إختبر نعمة الله وصار إبناً حقيقياً لله يعيش في ضوء حق الله ويسلك كما يحق للإنجيل، فلن تستطيع أن تساعد عائلة ما في أن تصير عائلة سعيد.
إن أعظم ما يمكن ان يعطيه الأب لأولاده ولعائلته هي أن يقودهم لمعرفة حقيقية لله. وأن يقودهم في سلوكهم اليومي معه ويرشدهم في هذا الإتجاه. وأن يعطيهم عصارة خبرة مسيرته مع الرب. ويبدو من سفر الأمثال كيف يعلم الأب ولده ما قد إختبره إذ يقول “يَا ابْنِي، لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ وَلاَ تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَكَأَبٍ بِابْنٍ يُسَرُّ بِهِ. | أم 3: 11-12″

الأبوة الحقيقية تكون في إنطباع صورة الآب السماوي في حياة الأب

ولكن، لو تأملنا جيداً في هذا العدد من كلمة الله، نجد أن الأب أولاً ينصح ولده بأن لا يتحقر تأديب الرب وتوبيخه، ويؤكد أنه إختبر أن هذا أمر يفعله الله مع من يحبه. ولكنه يعود ويؤكد أن الذي يحبه الرب يسر به كأبٍ بإبنه. وكأن به يقول {{يا ولدي ألا ترى كم أحبك وأسر بك، فكما أحبك وأسر بك هكذا يسر الرب بأولاده، وكما أؤدبك هكذا يؤدب الرب أولاده}}. آه، يا لها من مسئولية عظيمة مهيبة.

إن الأب هنا يحب أولاده. ويسر بأولاده. ولذا إستطاع أن يضرب لهم مثلاً ممثلاً علاقة الإنسان بالله كعلاقة الأب مع ولده. فهل يا قارئي العزيز يستطيع أولادك أن يقولوا أنك تحبهم وتسر بهم. هل تشاركهم ألعابهم مسروراً؟ هل تشاركهم إهتماماتهم؟ هل تضحك معهم وتداعبهم؟ هل تحتضنهم وتدغدغ مشاعرهم بلمساتك الرقيقية؟ هل تحرص على ما يسرهم؟ هل تعلم ما يسرهم في الأساس وتعمله لهم؟

هل تبدي لهم المحبة؟ يقولون أن كلمة محبة بالنسبة للأطفال هجائها كالتالي:
{{و ق ت}}
فالولد أو البنت سوف يدركون أنك تحبهم لما تعطيهم الوقت. ليس الوقت الذي أنت مضطر لأن تقدمه لهم في أن تذهب معهم للطبيب مثلاً وقت مرضهم، وإن كان هذا أمر هام، ولكن الوقت الذي يستمتعون به. أن تلعب معهم الكرة. أن تتأمل رسوماتهم التي لا معنى لها عندك. أن تستمع لحكاياتهم مع أصدقائهم. أن تكون صديقاً لهم.
وإن فعلت هذه يمكنك بكل ثقة أن تؤدبهم وهم واثقون في أنك تحبهم. لهذا قال الكتاب “أَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ | أف6: “4 إن التأديب من شخص محب متفهم يعطي إحساساً بالأمان والثقة. أما التأديب من شخص قاس لا يظهر سوى وقت العقاب ولا يبدي لهم سوى وجهاً متجهماً لم يروا غيره قط فهو أمر ينتج أشخاصاً مرضى ويجعل من الأب حاكماً بأمر الله يجب تجنبه والإلتفاف حوله. وهو أمر يعطي فقداناً للأمان والثقة وكراهية للمنزل وللعائلة وتوجه للتهرب من التواجد مع العائلة.


الأبوة الحقة تكون في المسير في الإيمان:
ويقول الكتاب عن الرجل الخائف الرب “فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ ثِقَةٌ شَدِيدَةٌ، وَيَكُونُ لِبَنِيهِ مَلْجَأٌ. | أم14: 26″ فالرجل المتعلم مخافة الرب يكون لديه ثقة شديدة وإيمان قوي، ولذا فهذا الرجل يحمي عائلته فيجدون في مثاله الصالح بالثقة في الرب الناتجة من مخافة الرب ملجأ لهم. يتعلمون على يديه أن يثقوا في الرب ثقة شديدة بمخافة الرب.
تأتي الرياح وتعصف بسفينة العائلة. يأتي المرض والضيق والفقر والتهديدات، وتجد العائلة أباً لا يطرح ثقته في الله (عب10: 35). يجدون رجلاً من رجال الله في وسطهم. يأتي العدو يطرح حلولاً للتخلص من الضيق، يقول {{قدم رشوة… أكذب كذبة بيضاء… إنتقم لنفسك…}}. ولكن رجلنا لا يلين ويأبى أن يقدم تنازلات للعدو لكيما يتخلص من المخاوف والضيقات. كم تستريح زوجة وأولاد وبنات في تقي مثل هذا. كم يكون بإيمانه وبثقته ومخافته للرب ملجأ لهم. سيتذكر هؤلاء الأولاد طوال الحياة في مواقف الضيق التي ستلم بهم صورة أبيهم وهو ممسكاً بالثقة ومتمسك بالرب ورافض لكل الحلول التي يقدمها العدو لكي يتخلص من الضيق ويهين الرب.

الأب الكتابي لابد أن يكون مثالاً سلوكياً لأولاده.

ويقول الكتاب “اَلصِّدِّيقُ يَسْلُكُ بِكَمَالِهِ. طُوبَى لِبَنِيهِ بَعْدَهُ. | أم20: 7″ أن الرجل الصديق السالك بالكمال فإن بنيه يكونون سعداء. فإن الرجل الذي يسلك بالكمال في مخافة الرب يعطي مثالاً لأولاده فعندما يقول لهم لا تفعلوا هذا وتلك وإفعلوا هذا وذاك فهم يعلمون أن هذه الآوامر والنواهي ليست حسب هوى الأب، ولكن هي لأنه يعطي حساباً لسلطة أعلى هي الرب. فيجب على الأب أن يذكر بنيه دائماً أن ما يعلمه إياهم هو وصايا الرب.
البعض يقع في مشكلة أن يستغل وصايا الرب في أن يجعل أولاده يطيعون ما يريده هو لا الرب. ويتحدث بإسم الرب دائماً مطالباً الأولاد بطاعة الرب في وصايا محددة ولكنه يريد في الاساس أن يستفيد هو شخصياً من طاعتهم وأن يتخلص من إزعاجهم وأن يتشرف بسلوكهم الجيد أمام الناس. وأما الرب فلا يخطر له على بال. كان الأجدر به أن يسعى لأن يكون سلوك أولاده مرضياً أمام الرب أولاً وقبل كل شيء.

يشعر الأولاد بهذا الأمر ويفهمونه جيداً. فعندما يرون الأب لا يطيع الله في سلوكياته الخاصة. يرونه يكذب، يسيئ لأمهم، يستغل من حوله، يهتم بإحتياجاته الشخصية أولاً وبعد ذلك عائلته، ويلمسون فيه الأنانية، ويجدونه في نفس الوقت يطالبهم بإسم الرب وطاعته أن يقولوا الصدق، ويحسنوا التعامل مع والدتهم، وأن يساعدوا بعضهم البعض، وأن لا يكونوا أنانيين. هذه الإزدواجية تسيئ للأولاد وتسيئ للرب وتسقط صورة الأب في عين الأولاد، وتقضي على سلطان الأب في المنزل إذ تنهار صورته أمامهم. ويستغل العدو هذا الأمر لكي يقنع الأولاد أن كل الذين ينادون بإسم الرب، مثل أبيهم، مزيفون.

الأبوة الحقة عمل شاق ومضني

وكما رأينا في المزمور في أول حديثنا حيث يحدث الروح القدس الأب ويقول له “بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ”. فالبنين مثل النباتات المغروسة. وكم يحتاج النبات من عناية ورعاية. يحتاج من يسهر عليه ويحميه من الضرر ومن يسقيه ومن يضع السماد عند جذوره، ومن يهذبه ويقطع منه كل فرع مريض.
إن السهر على الأولاد روحياً بالصلاة وبالتعليم هو أحد أهم بل وأكثر أدوار الأب حيوية وخطورة. ألم يقل الرسول أن الخادم هو “الْغَارِسُ وَالسَّاقِي… (وأن) كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ. | 1كو3: 8″ فالغروس الموجودة في بيتك يا أخي تتطلب منك أن تكون خادماً. تخدمها بالصلاة والتعليم. لقد إختفى دور الأب المعلم في المنزل. صارت العائلة تتخلص من الأولاد وتلقي بمسئولية تعليمهم الإيمان للكنيسة ومدارس الأحد. لم يكن الأمر هكذا. كم من الوقت يقابل مدرس مدارس الأحد طفلك. ساعتين أو أربعة أسبوعياً. وكم ساعة تقابله أنت؟؟ أكثر بكثير. وأما مدرس مدارس الأحد، الذي يقوم بواجبه وليباركه الرب، يكون في معظم الأحيان شاباً صغيراً لم تعتركه معارك الحياة مثلك. فالأولاد يحتاجون بالأولى لأب لا لشاب صغير في مقتبل الحياة لكي يعلمهم. يحتاجون لأب لديه السلطة أن يؤدبهم ويقومهم. ولكن مدرس مدارس الأحد مؤهل فقط لكي يكون صديقاً لهم. لهذا قال الرسول للآباء وليس للكنيسة “رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ | أف 6: 4″

إن كنت قد صرت مثالاً جيداً لهم، يمكنك الآن أن تكون معلماً لهم، تسقيهم مفردات الإيمان من الصغر. إنه عمل شاق ومضني ويحتاج منك للصلاة والسهر والتعب. ولكن لا تخف فكلمة الله تقول أن مجهوداتك سوف تلقى القبول والتقدير من الله. فيقول كاتب المزمور “الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ. الذَّاهِبُ ذَهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ. | مز126: 5-6″.

فربما تتعب مع الأولاد كثيراً ولا تجد ثمراً في حينه، وتتعب أياماً وأياماً وهم لا يتعلمون، وتسهر عليهم وتحبهم وتوبخهم وتقومهم وتسر بهم، وتعلمهم مرة تلو الأخرى، وتجدهم لا يتعلمون. تقف أمام الله باكياً وحائراً ثم تذهب وتقوم بواجبك مرة أخرى أمام الرب وتعلم وتحب وتسهر وتسر وتوبخ وتقوم، وهكذاً، وأنت لا ترى ثمراً مباشراً. لكن ثق… سوف يأتي وقت الحصاد يوم أن يثمر تعبك فيهم وأن ترى سلالك مملوءة من ثمر بر أولادك.

خاتمة
نرى مما سبق أنه لكي تكون أباً صالحاً ولكي تنجح في مهمتك ينبغي عليك أن تكون إبناً جيداً. نعم، إبناً جيداً لله. دون أن تكون رجلاً صديقاً تقياً تخاف الله وتعمل وصاياه، دون أن تكون إبناً حقيقياً لله، إختبر عنايته ورعايته وحمايته وتأديبه وسروره بأولاده، لن يمكن أن تكون الأب الذي في فكر الله. قد تكون أباً جيداً في مفاهيم البشر، ولكن في مفهوم الله ستكون فاشلاً


الاخ / هاني رفعت

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

لأَنَّ الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا

"لأَنَّ الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا" (عب 3 : 11)

نرجو أن يفهم القارئ المسيحي جيداً أن من أسعد وأحلى امتيازاته أن يحيا حياة الإيمان بكل معنى الكلمة بغض النظر عن شخصه وعن ظروفه ومركزه، وله على حسب النعمة المُعطاة له أن يشترك مع الرسول المغبوط في حاسياته ويقول معه «فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي».  ويجب أن يحترس حتى لا يسلبه أحد هذا الامتياز السامي المقدس الذي هو من حق كل فرد من أهل الإيمان.  آه يا إخوتي نحن نفشل في أوقات كثيرة، وإيماننا يضعف أحياناً في الوقت الذي كان يجب أن يكون قوياً نشيطاً عاملاً، فالله يُسرّ بالإيمان النشيط الجريء.  وإذا تأملنا في الأناجيل الأربعة نجد أن قلب يسوع لم ينتعش ويفرح لشيء في هذه الحياة أكثر من ابتهاجه بالإيمان الحلو النشيط، بالإيمان الذي يفهم قلب الله ويستقي منه بسعة.  ويكفي لزيادة الإيضاح وعلى سبيل التمثيل فقط أن نستشهد بحادثة المرأة الفينيقية السورية الواردة في إنجيل مرقس الأصحاح السابق، وقائد المئة الوارد ذكره في الأصحاح السابع من إنجيل لوقا.
ولا نزاع في أن الرب له المجد يتنازل ويرثي للإيمان الضعيف بل يتنازل ليُجيب أضعف الإيمان فيقابل «إن أردت» بقول النعمة العجيبة «أريد فأطهر».  ويُجيب مَنْ قال «إن كنت تستطيع شيئاً» بهذا الرّد الجميل «إن كنت تستطيع أن تؤمن.  كل شيء مستطاع للمؤمن».  وإن كان يسوع بكل تأكيد يقابل أضعف نظرة وأخف لمسة بالترحاب والتشجيع، ولكن لا يفوتنا أن نذكر في هذا المقام إن قلب المخلّص قد شبع وروحه انتعشت عندما وجد الفرصة سانحة ليقول «يا امرأة عظيم إيمانك.  ليكن لكِ كما تريدين» وأيضاً «لم أجد ولا في اسرائيل إيماناً بمقدار هذا».
فلنتذكر ذلك جيداً لأن ربنا المبارك كما كان يُسرّ في أيام جسده وقت أن كان هنا بين الناس، هكذا الحال تماماً في وقتنا الحاضر، يوّد أن نثق فيه من كل القلب وأن نعطيه الفرصة بإيماننا ليعمل فينا وأن نطلب منه بلا وجل.  ومهما طلبنا منه فلا نغالي، وذلك لأن قلبه المُحب ويده الرفيعة فيهما الضمان الكافي لإجابة الطلب.  فلا شاردة صغيرة تفوته ولا واردة عظيمة تستعصي عليه، فهو المنفرد بكامل قوات السماوات والأرض، وهو رأس فوق كل شيء للكنيسة.  القابض في يده جميع العوالم، والحافظ كل الأشياء بكلمة قدرته، وإذا جاز للفلاسفة أن يتكلموا عن العناصر والنواميس الطبيعية، فالمسيحي يتفكَّر ويتكلم باغتباط وفرح عن المسيح ويده الطائلة وكلمته الفعالة الفائقة، فهو الذي به جميع الأشياء قد خُلقت وبه أيضاً جميع الأشياء تقوم.
وماذا نقول عن محبته!! ويا لها من تعزية عُظمى وراحة تامة وفرح مجيد لكل مَنْ عرف وتحقق وتذكَّر أن الخالق القدير وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، هو بعينه مُحب النفوس إلى الأبد الذي أحبنا إلى المنتهى، وعينه علينا دائماً، وقلبه يحن إلينا كل حين.  فهو الذي تكفل بسد كل أعوازنا سواء كانت جسدية أو عقلية أو روحية.  وما من حاجة من حاجاتنا الكثيرة والمتنوعة، إلا وقد تذخر لنا في المسيح ما يكفي لسدها وملئها تماماً، فهو كنز السماء، ومخزن الله وذلك كله لأجلنا.
فما دام الأمر كذلك، لماذا تتحول قلوبنا ولو مرة واحدة لغيره؟ ولماذا نكشف قلوبنا ونحيِّر إخوتنا المساكين عن حاجياتنا بطريقة مباشرة وغير مباشرة؟ ولماذا لا نذهب مباشرة ليسوع؟ هل نحن في حاجة لمن يرثي لنا ويشترك معنا في حاسياتنا؟ فمَنْ يرثي لنا نظير رئيس الكهنة العظيم الرحيم الذي تجرَّب في كل شيء ويستطيع أن يرثي لضعفاتنا؟ وهل نحن في حاجة لمساعدة من أي نوع كان؟ فمَنْ يستطيع أن يعيننا مثل صديقنا القدير صاحب الغنى الذي لا يستقصى؟ وهل نحن في حاجة لمشورة وناصح أمين؟ فمَنْ يعطي النصيحة كالوحيد المبارك الذي هو حكمة الله المجسمة والذي صار لنا من الله حكمة؟ آه يا إخوتي، يا ليتنا نجتهد حتى لا نجرح ونُدمي قلبه المُحب ونهين اسمه المجيد بتركنا إياه والتجائنا للبشر.  لنقاوم أميالنا الطبيعية التي تدفعنا لأن نثق في الخلائق دون الخالق، ونرجو مساعدة الناس ونعلّق آمالاً كباراً في البشر.  ولنثبت بجانب النبع الفائض دائماً فلا نجد مجالاً للشكوى من الينابيع التي تجف.  وبالاختصار لنجتهد أن نحيا حياة الإيمان، وبذلك نمجد الله في أيامنا وجيلنا الحاضر.

تشارلس ماكنتوش


السبت، 29 يونيو 2013

إن كان أحد يحسب نفسه روحيًا ...؟

إن كان أحد يحسب نفسه روحيًا ...؟  
1كورنثوس14: 37، 38
هل يوجد بين المؤمنين الحقيقين من يحسب نفسه روحيًا وهو ليس كذلك؟
اسمح لي، عزيزي القارئ، أن أعبِّر عن الألم الشديد الذي ينتابني وأنا أتجوَّل وأتأمل حال إخوتي، فهم القديسون والأفاضل الذين في الأرض، لكنني أرى الكثيرين منهم، كبارًا وصغارًا، رجالاً ونساءً، قد تفرقوا واختلفوا شيعًا كثيرة، من جهة مفهوم كل منهم للروحانية الحقة!  كل فريق في طريق، وفي كل طريق الكثير من الحواري والأزقة!  وأشد ما يؤلم هو أن كل منهم مقتنع بأن منهجه وطريقه هو طريق الروحانية الكتابية الصحيح، بل والوحيد!
هذا جعلني أتساءل:
هل يوجد في الكتاب ما يشير إلى إمكانية سقوط المؤمن الحقيقي في حالة من التيهان الروحي؛ تجعله يتجه صوب صورة غير حقيقية للروحانية، وبالتالي يحسب نفسه روحيا وهو ليس كذلك؟
أعتقد أن كلمات الرسول بولس لإخوة كورنثوس، والتي هي عنوان هذا المقال، تجيبنا بنَعَم.  فهو يقول: «إن كان أحد يحسب نفسه روحيًا»!!!  ولم يقل: ”إن كان أحد روحيا“، بل هو يحسب نفسه كذلك!!  لذا يبدو أن هذه المشكلة قديمة قِدَم الكنيسة، فمن الأيام الأولى سقط كل من إخوة كورنثوس وإخوة غلاطية فيها، فاستوجبوا توبيخ الرسول، لكن ليس بدون علاجه:
فإخوة كورنثوس ظنوا أن الروحانية هي الحصول على مواهب الروح القدس، وعلى الغنى في كل كلمة وكل علم؛ فساروا في طريق خاطىء وكانت النتيجة هي التحزّب والانقسام وجلب العار. 
وإخوة غلاطية ظنوا الروحانية على أنها إضافة نوافل ووصايا من العهد القديم لعمل الروح القدس فيهم؛ الأمر الذي جعلهم ينهشون بعضهم بعضًا حتى كادوا يفنوا بعض!!
واليوم نحن نعايش الكثيرين من أحبائنا القديسين الذين سقطوا في فخاخ صور خاطئة للروحانية، تستهلك من أعمارهم الكثير، بل وقد ينتهي العمر بهم دون أن يستفيقوا من وهمهم الكبير!  وإليك بعض الأمثلة:
  • فهذا أخ نشيط غارق في اهتمامه بالخدمة والنفوس، دائم الركض لذات اليمين ولذات اليسار، يتابع دائمًا، وبشغف، أخبار الخدام ولا سيما المشهورين.  لكنك لا تشتم في حياته أبدًا رائحة المسيح، ولا تتنسم في حضوره أبدًا عبير المقادس.
  • وهذه أخت ثانية تحكي لك بهيام عن مشاعرها الفيَّاضة في فرص الصلاة، وعن آثار هذه المشاعر على جسدها الذي لا يتحمل فيض الأحاسيس.  لكنك تجد نفسك أمام إنسانة تدور حول ذاتها حتى النخاع.
  • وهذا أخ ثالث ساخط على جميع إخوته لأنهم، من وجهة نظره، إخوة متسيبون وغير ملتزمين، وبالتالي فهم ليسوا مثله روحيين، إذ هو حريص كل الحرص على حضور الاجتماعات وفي الميعاد!!  لكنك من الجانب الآخر تجد أسرته تشتكي مُرَّ الشكوى من قسوته في البيت، وعدم أمانته في أمور يعتبرها صغيرة، كذلك زملاؤه في العمل لا يحملون أي انطباع جيد عنه، ولم يُظهر لهم أبدًا وداعة المسيح ومحبته!
  • وهذه أخت رابعة تحكي لك بانبهار عن روعة مواهب الروح القدس التي اختبرتها، وعن أسفها الشديد على بقية الإخوة لأنهم محرومين منها!  لكن يلفت نظرك بشدة في حديثها، رائحة العُجب وهي تفوح منها، ومشاعر الإدانة القاسية وهي تقطر من بين شفتيها.
  • وهذا أخ خامس لا مشغولية عنده سوى بأخبار الإخوة في الداخل والخارج!  من منهم ثابت على المبدإ ومن منهم انحرف عن السبل القديمة؟  مَن انقسم على مَن؟  ومَن انفصل عن مَن؟  ومَن قَبِلَ مَن؟  ومَن عَزَل مَن؟  ومَن عليه الدور في العزل؟  ومن عليه الدور في الانقسام؟  كل هذا دون أن يذكر لك شيئا عن الحبيب، أو يأتي لك بحديث ينفي الكدر!  لا يحدثك عن فرحه بنفوس قد خلصت أو أشواقه لنفوس تخلص، وإن حدّثك عن إخوته فهو ينظر إليهم من وجهة نظر واحدة هي مدى طاعتهم لما يسميه ”مبادئ الإخوة“ ،  تشعر في جلستك معه أنه قد نَحَتَ شعارًا جديدًا وغريبًا هو ”لي الحياة هي الكنيسة، والانفصال هو ربح“!!  هذا النوع من المؤمنين قد اعتبر أن الاهتمام الشديد بأمور الكنيسة هو الروحانية الحقة!  بينما في الواقع هو لا يهتم بالكنيسة بل بمبادئ كنسية، وما أبعد الفارق بين الاهتمام بكنيسة الله وبين الاهتمام بمبادئ كنسية.  هذا لأن الكنيسة ببساطة هي جماعة القديسين، وبينما صاحبنا غارق في الاهتمام بمبادئ كنسية، ربما لم يكلِّف نفسه عناء فهم أُسسها الكتابية.  تجده لا يظهر أي اهتمام بحال القديسين، والذين هم الكنيسة، فلا تجد في حديثه ما ينم عن حب لضعيف قد زَلّ، أو رغبة لإنهاض عاثر قد سقط، أو دمعة حزن في صلاة حقيقية من أجل قديس قد أخطأ!  هذه الخدعة الكبيرة هي، من وجهة نظري، هروب مخزٍ من جهاد ومعاناة وتكلفة الروحانية الحقيقية، إلى الكسل الروحي بكل معانيه ومخازيه، إلا أنه يتميز عن بقية أساليب الهروب المخزي أنه يجعل صاحبه لا يشعر بأي شيء من العار الذي ينبغي أن يشعر به المؤمن الكسول، بل على العكس هذا النوع من الهروب يجعله يضع نفسه على قمة جبل الروحانية ناظرًا من عليائه بازدراء وإدانة، ليس فقط للمؤمنين من كل الطوائف لأنهم لم ينفصلوا عن الأنظمة البشرية، بل حتى أيضًا لإخوته الذين لا يسيرون معه في ذات الطريق، والذين لا يحمدون الله من أجله؛ إذ أبقاه ذُخرًا لهذا الجيل كحامي حمى المبادئ الأخوية وآخر عنقود البقية التقية.
  • وهذا أخ سادس متبحِّر في معرفة الكتاب، يشعر بأنه قد درس المنهج وحفظه جيدًا ومستعد بقوة لأي امتحان، وبالتالي لا يكُفّ عن أن يُتحف إخوته بالتعاليم والتعليمات، ويا ويل من يخطئ منهم في تأمل أو حتى في صلاة.  تجده يكثر من الأسئلة العويصة إذا رأى معلّمًا، ويكثر من طرح آراء كبار الشرّاح إذا رأى تلميذًا.  لكن إذا أتيحت لك الفرصة، رغما عنك، لترى حياته العملية؛ فإنك لا تجده يظهر هذا الحرص على طاعة الكتاب بقدر الحرص على معرفته!
  • وهذا أخ سابع لا حديث عنده إلا عن زمان، وإخوة زمان، وخدّام زمان!  والروحانية عنده هي التمسك بما كان زمان، بغضِّ النظر إن كان هذا الذي كان زمان يتفق مع الكتاب أم لا؟!  هو لا يقيس الشيء على كلمة الله، لكنه يقيسه على ما كان يحدث زمان!  والمضحك المبكي أن زمان هذا عنده هو أمر شخصي بحت لا يتعدّى بضع عشرات من السنين!  لأنه لو كان يتمسك بالقديم فعلاً فعليه أن يرجع لما هو أقدم، للذي كان من البدء، أي يرجع للكتاب لكي يقيس عليه فهو الأقدم والأثبت. 
  • ناهيك عن عدد ليس بقليل من المضطربين نفسيًا، وما أكثرهم داخل الكنائس، والذين وجدوا في الصور الخاطئة للروحانية مُسكِّنًا قويًا لاضطراباتهم النفسية؛ فأمسكوا بها بشدة، وصاروا يدافعون عنها باستماتة، بل والمصيبة أنهم يجتهدون لفرضها على بقية المؤمنين على أنها النموذج الأمثل للروحانية! 
  • وعلى الجانب الآخر لكل هذا تجد بعضًا من القديسين، شعر أنه بحكم تكوينه الشخصي، ومن خلال علاقته الشخصية مع الله في مخدعه، لا يمكنه أن يكون أيًّا من هذه النماذج السابقة أو غيرها مما يقدمه المجتمع المسيحي على أنها الروحانية.  وبالتالي اعتقد في نفسه أنه لا يمكن أن يكون شخصًا روحيًا، على الرغم من شوقه لذلك، فيظلّ قابعًا على ضفاف الحياة الروحية، خائفًا من العمق أو رافضًا إيّاه، إذ أن العمق في نظره هو أن يكون أحد هؤلاء وهذا ما يرفضه.
ولا شك عندي أن المخلصين من كل الفئات السابق ذكرها، وغيرها، إن كانوا مسيحيين حقيقيين، سيكتشفون - إن آجلاً أو عاجلاً - زيف هذه الصور.  وعندئذ سيخجلون، بل وسيحزنون بشدة على السنين التي ضاعت في هذا الوهم الخادع.  وأشد ما يخيفني عليهم هو ردود الفعل الخاطئة لهذا الاكتشاف المؤلم:
    • فبعضهم يصاب بحالة من الإحباط الشديد الذي يجعله يقبع بقية عمره على شاطئ الحياة الروحية رافضًا الدخول إلى أي عمق جديد.
    • وبعضهم ينظر بشك وارتياب للروحانية الحقّة!  خائفًا أن تكون مزيفة كتلك التي سبق وعاشها.  وبالتالي تضيع منه اختبارات رائعة وفرص كثيرة لخدمة السيد الحبيب.
    • وبعضهم يقع في فخ إبليس، فيتجه بعنف نحو الصورة العكسية تمامًا للصورة الوهمية التي عاش فيها، غير مدرك أن إبليس يرسل الضلالات أزواجًا، أي يرسل الضلالة ومعها آخرى عكسها تمامًا!  متوقعًا أن الإنسان بطبعه يميل للتطرف وعدم الاتزان، فعندما يكتشف أنه خُدع وسار في اتجاه خاطئ يتجه على الفور للصورة العكسية تمامًا، والتي هي أيضًا صورة وهمية وربما تكون أسوأ من نقيضتها.
    • وبعضهم يعيش عدة سنوات وقلبه ممتلئ بالمرارة تجاه الخدام أو القادة الذين رسموا هذه الصور الخاطئة أو شجعوا عليها.  وبالتالي يحزن روح الله في داخله ويخسر صاحبنا فرحه وقوته.
    • أما أخف ردود الأفعال وطأة وأقلها ضررًا، فهو الغيظ الشديد من النفس، التي بسذاجة سارت في طريق خاطئ؛ فأضاعت من العمر ما كان من الممكن أن يُستثمر أعظم استثمار لمجد المسيح.
وهنا اسمحوا لي أن أذكر لكم موقفا شخصيًا حدث معي منذ سنوات طويلة في أمريكا، ربما يوضِّح الفكرة ويلقي بعضًا من الضوء على المزيد من جوانبها. 
كنت أخدم الرب في إحدى ولايات أمريكا، وكان عليَّ أن أذهب لمكان ما، على بعد حوالي مائة ميل (أي مائة وستين كيلومترًا) من مكان إقامتي، وأصرّ أحد الإخوة مشكورًا على أن يقوم هو بتوصيلي.  ولا أعرف لماذا لم أكن مطمئنًا له، ربما لأني لاحظت فيه، أثناء اشتراكه في مناقشات الإخوة معًا، أنه لم يكن يزن الأمور جيدًا قبل أن يتكلم.  على أي حال قد انتهى الأمر باستسلامي، تقديرًا لمحبته ولإصراره على أن يخدمني.  وفي اليوم التالي أتاني الأخ حسب الاتفاق، وانطلقنا متأخرين بعض الشيء عن الميعاد حسب عادتنا كمصريين.  وبعدما طلبنا وجه الرب لحمايتنا في الطريق، سألت الأخ إن كان متأكدًا من معرفته بالطريق، فأجاب بابتسامة الواثق مستنكرًا من الأصل مجرد السؤال.  فاعتذرت، ولم أجرؤ على تكرار السؤال ثانية.  لكن بعد حوالي ساعة ونصف، لاحظت أننا قطعنا أكثر من مائة ميل بقليل ولم نصل للمكان المقصود!!  فبدأ الشك يساورني فتجرأت وسألته ثانية: ”هل أنت متأكد أننا في الطريق الصحيح؟“.  فأجابني: ”ليس بالضرورة أن تكون المسافة مائة ميل بالضبط، فربما تكون أكثر من هذا بقليل“.  فسكت ثانية، لكن على مضض، وحاولت أن أخفي قلقي، وأن أستمر في إجابة أسئلته التي لم تتوقف طوال الطريق.  لكن، للصدق، بدأت نغمة صوتي تختلف، وإجاباتي أمست مختصرة، ونظراتي إلى ساعة معصمي قد كثرت.  وظللت على هذا الحال متوترًا لما يقرب من نصف ساعة أخرى، قطعنا فيها أكثر من ثلاثين ميل.  وعند ذاك لم استطع تحمل المزيد، فها نحن قد قطعنا حوالي مائة وأربعين ميلاً ولم نصل، ولم يزل أخونا الحبيب على ثقته الزائفة بنفسه.  فوجدت نفسي بكلمات حاسمة وصارمة ألزمه بأن يتوقف فورًا، وبأن يريني الخارطة لكي أعرف أين نحن.  وللأسف لم يكن معه خارطة، فطلبت منه أن يواصل السير إلى أقرب محطة بنزين لكي نسأل أو على الأقل لكي نحصل على خارطة.  وهناك كانت الصدمة إذ اكتشفنا أننا على الطريق الصحيح لكننا في الاتجاه العكسي!! 
بالطبع يمكنكم تصور مدى خجله، وشدة ارتباكه.  وأعترف أن محاولاتي الحثيثة لرفع الحرج عنه لم تنجح في أن تخفي غيظي وضيقي من الموقف، بل ومن نفسي لأنني استسلمت له.  فقد كان عليَّ عندئذ، إذا أردت إتمام المهمة التي من أجلها خرجت، أن أرجع في الاتجاه العكسي لمسافة حوالي أربعمائة وخمسين كيلومترًا ثم أعود لمسافة مائة وستين كيلومترًا!  وعلي بعد هذا أن أحضر الاجتماع في الميعاد وأخدم!!  وبالطبع كان كل هذا مستحيلاً فلم يكن أمامي سوى العودة بخفي حنين وإلغاء هذه المهمة. 
في نهاية اليوم ألفيت نفسي حزينًا للغاية، لأني خسرت أكثر من أربع ساعات في اتجاه خاطئ.
أحبائي: كم يكون الأمر مؤلمًا عندما لا تكون المسألة مجرد أربع ساعات، بل أربع سنوات!  أو أربعة عشر سنة!  أو أربعين سنة في اتجاه خاطئ؟  كم سيكون حجم الألم والضيق بل والغيظ عند مؤمن مُخلص يكتشف أنه أضاع سنينا من عمره وهو يسعى في طريق الروحانية ليكتشف في النهاية أن سعيه كان باطلاً، وأنه لم يزل شخصًا جسديًا ويسلك بحسب البشر؟
أليس هذا الشعور هو الذي خاف منه بولس عندما قال بخصوص أحد المواقف: «لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً» (غل2: 2)؟  صحيح، كان الأمر هناك بخصوص الإنجيل وليس بخصوص الروحانية، لكن كم هو جميل هذا الاتضاع العميق من هامة عالية رفيعة كهامة بولس الرسول، عندما يفترض أنه قد يكون سعى باطلاً وهو الرسول العظيم؟!  وكم يدهشني هذا الاتضاع عندما أقارنه بالثقة الزائفة التي قد تميّز بعضنا، فتجعلنا نعتقد أننا في الطريق الصحيح، بينما نكون في الاتجاه العكسي سائرين!  كم أخشى من قلبي على هؤلاء الذين لا يتوقّفون مع أنفسهم ليفحصوا طرقهم، والذين لا تَرد على ألسنتهم أو حتى على قلوبهم هذه الكلمة الجميلة والحافظة من التيهان كلمة «لئلا».  هذا الشعور هو الذي جعل بولس يكتب لابنه الحبيب تيموثاوس محذِّرًا فيقول: «إن كان أحد يجاهد لا يكلَّل إن لم يجاهد قانونيًا» (2تي2: 5).  هذا الاتضاع العميق، الذي يجعل صاحبه يراجع نفسه ويخشى على نفسه من ضياع العمر في ما لا طائل من وراءه، ميَّز الأتقياء الحقيقيين على مر العصور.
كم أخشى من قلبي على هؤلاء الذين لا يتوقّفون مع أنفسهم ليفحصوا طرقهم، والذين لا تَرد على ألسنتهم أو حتى على قلوبهم هذه الكلمة الجميلة والحافظة من التيهان كلمة «لئلا».
والشيء المؤلم هو أنه ليس كل المخدوعين سوف يكتشفون الحقيقة هنا.  لكنهم بالطبع حتمًا سيكتشفونها هناك عند مجيء الرب.  وهناك، وبينما يرون إخوتهم أمام كرسي المسيح يبتهجون بالمكافآت، لن يبقى لهم سوى الخجل الشديد!  هذا الخجل الذي خاف منه رسول عظيم آخر ألا وهو يوحنا، عندما كتب لأولاده قائلاً: «أيها الأولاد اثبتوا فيه حتى إذا أُظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه» (1يو2: 28).  بل ويكتب لهم في رسالته الثانية فيقول: «انظروا إلى أنفسكم، لئلا نضيِّع ما عملناه بل ننال أجرًا تامًا» (2يو8)!!
إلا أنه يبدو أن هؤلاء الساعون في طرق خاطئة، وراء أوهامهم وتصوراتهم الخاطئة عن الروحانية، يرون أنفسهم أعلى وأرقى من هذه الحالة التي تجعل أصحابها من المساكين نظير بولس خائفين من السعي الباطل هنا، أو نظير يوحنا خائفين من الخجل هناك!

والآن يمكنني أن أسأل سؤالين هامين:
  • هل من وصفة تحفظ المؤمنين من التيهان في سيرهم نحو الروحانية الحقيقية؟
  • وإذا حدث وضَلَّ أحدهم، وحسب نفسه روحيًا، وهو ليس كذلك؛ فكيف يستطيع اكتشاف حقيقة نفسه؟
أقول إذا عدنا للحادثة البسيطة التي ذكرتها منذ قليل، وسألتك: ما الذي جعلني أسير في طريق خاطئ؟
أعتقد أنك ستجيبني بأن السبب يكمن في: الصحبة الخاطئة، وعدم الاهتمام بالخريطة في أول المشوار.
وإذا سألتك كيف: اكتشفت أنني أسير في طريق خاطئ؟
أعتقد أنك ستجيبني: لأنك لم تصل للغرض المحدَّد على الرغم من مرور الوقت اللازم للوصول.
أعتقد أن هاتين الإجابتين يصلحان بقوة كإجابة عن سؤالينا الهامين كالأتي:
لكي لا يتوه المؤمن في سيره نحو الروحانية ولا يضيع من عمره الثمين في طرق خاطئة، ولكي أيضًا ما يكتشف الحقيقة بسرعة إذا ما ضل وتاه، هو يحتاج إلى أربعة أشياء:
1.  غرض محدَّد ينبغي الوصول إليه.
2.  صحبة جيدة.
3.  خريطة دقيقة.
4.  مراقبة الزمن المقطوع.

أولاً: الغرض المحدَّد
ما هو الغرض الواحد والوحيد والمحدَّد الموضوع أمام جميع المؤمنين، والذي عليهم جميعًا الوصول إليه، سوى أن يتصوَّر فيهم المسيح؟ 
إن من يقرأ بتدقيق الأصحاحين الثالث والرابع من رسالة غلاطية، لن يصعب عليه اكتشاف أن الرسول كان يعالج ما نتناوله الآن!  فهو حزين ومتحير في إخوته، وبدأ توبيخهم بشدة ووصفهم بالغباء، غباء من قَبِلَ الخداع، هذا لأنهم بعدما بدأوا بالروح ساروا في طريق خاطئ، صوب صورة خاطئة للروحانية، رسمها لهم المعلمين الكذبة المهوّدين للمسيحية.  لقد وضعوا أمامهم غرضًا غير الذي وضعه الرسول أمامهم من البداية ألا وهو شخص المسيح.  ففي أول عبارة يقول لهم: «أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا» (غل3: 1)، وفي آخر عبارة يقول: «ياأولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم» (غل4: 19).  لقد تمخّض بهم أولاً حتى يعرفوا المسيح كالمخلِّص، ويتمخض بهم أيضًا، وسيظل يتمخض، إلى أن يتصور المسيح فيهم؛ حيث لا غرض أخر غير هذا.  على النقيض من هذا قد وضع المعلمين الكذبة أمامهم منهجًا يتكون من ممارسة الختان وطاعة الناموس وحفظ أيام وشهور وأوقات وسنين!
واليوم قد لا نجد أحدًا يضع هذا المنهج الخاطئ نفسه أمام القديسين، لكنني أعرف عشرات المناهج الأخرى في مختلف الطوائف والجماعات، لم يزل المعلمين والقادة يضعونها أمام القديسين.  تختلف هذه المناهج عن بعضها في كل شيء، لكنها تتفق كلها في شيئين هما:
  • كل منها يؤكد أن طريقه هو الطريق الوحيد الصحيح للروحانية الحقيقية، وأن غيره من الطرق ليس سوى تعاليم كاذبة ومضلة!
  • الشيء الثاني هي أنها جميعا تحوّلهم عن شخص المسيح كالغرض الوحيد!
ولا أستثني من هؤلاء من يضع أمام القديسين بعضًا من الأغراض النبيلة، مثل ربح النفوس، أو مواهب الروح، أو الكنيسة، أو غيرها؛ كبديل للغرض الكريم: شخص ربنا يسوع المسيح.  أقول عن هؤلاء جميعًا ما قاله الرسول: «ولكن الذي يزعجكم سيحمل الدينونة أيَّ من كان».  وقوله ”يزعجكم“ يصف أثره عليهم، فهو كالذئب الذي يدخل وسط قطيع من الخراف فيزعجها، ويجعلها من الخوف تحوّل أعينها عن راعيها السائر أمامها.  وقوله ”أيَّ من كان“ يشير من جانب إلى تنوع هؤلاء المعلمين، ومن جانب آخر إلى عدم إفلات واحد منهم من دينونة الله مهما كان نوع المنهج الذي يتبناه!
هذه هي الروحانية الحقة في أبسط وأصدق صورها: أن يسعى المسيحي باجتهاد ليكون صورة مكرَّرة من سيده ومصدره، يتغير من مجد إلى مجد إلى تلك الصورة عينها.
وإذا مررنا على تعليم العهد الجديد، نجده كله يؤكِّد على هذه الحقيقة، وليس رسالة غلاطية فقط؛ فالمسيحي يسعى طوال عمره ليعرف المسيح (في3: 10؛ 1يو2: 13)، ويعيش مثبِّتًا النظر على المسيح (2كو3: 18)، ويحيا على أكل المسيح (يو6: 57)، ويتأيد بالروح لكي يمتلئ بالمسيح (أف3: 17)، ويقضي عمره يتعلّم المسيح (أف4: 20)، ويسلك في المسيح (كو2: 6)، ويجتهد أن يتشبه بالمسيح (في3: 10)، ويتغيَّر يوميًا روحيًا إلى صورة المسيح (2كو3: 18)، حتى ينتهي به الأمر إلى المشابهة الحرفية والجسدية للمسيح (رو8: 29؛ 1يو3: 2).  هذه هي الروحانية الحقَّة، وهي مياه سباحة نهر لا يُعبَر، بمعنى أنه ولا حتى بولس عبرها، لكنه ظل لنهاية حياته يسبح فيها.  هي طريق له بداية لكن ليس له نهاية، هذا ما نتعلمه من بولس في فيلبي3، ومن الأباء في عائلة الله في 1يوحنا2.  وقد يختلف الروحيون الحقيقيون أحدهم عن الآخر في مقدار الشوط الذي قطعه كل منهم في هذا الطريق، إلا أنهم جميعا في ذات الطريق. 
الروحانية الحقَّة هي طريق له بداية لكن ليس له نهاية.  وقد يختلف الروحيون الحقيقيون أحدهم عن الآخر في مقدار الشوط الذي قطعه كل منهم في هذا الطريق، إلا أنهم جميعا في ذات الطريق.

ثانيًا: الصحبة الجيدة
في الرسالتين اللتين فيهما ناقش الرسول حالة الزيغان عن الروحانية الحقّة، وفيهما وبَّخ المؤمنين على الوضع الذي صاروا فيه، والذي يتناقض مع الروحانية، أشار إلى الأثر السيء لشركتهم مع أشخاص غير أصحاء أدبيًا أو تعليميًا، فكرَّر نفس العبارة «خميرة صغيرة تخمر العجين كله» (غل5: 9؛ 1كو5: 6).
والواقع العملي الذي أراه في تجوالي بين القديسين يجعلني على يقين من أهمية الشركة مع مؤمنين روحيين لكي يعيش الواحد روحيًا.  والعكس صحيح، فمن الصعب جدًا أن تجد مؤمنًا يعيش وسط مؤمنين غير روحيين ويبقى هو روحيًا.  هذا ما جعل الرسول يعلِّم قائلاً: «أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (2تي2: 22).  وماذا يكون القلب النقي سوى القلب المثبَّت على الغرض الكريم، على شخص المسيح؟
ثالثًا: الخريطة الدقيقة
وهل من خريطة دقيقة سوى كلمة الله المكتوبة؟
كم يحتاج المؤمنون الأحداث، بصفة خاصة، لمعرفة كلمة الله معرفة جيدة!  وعندما أقول: ”معرفة جيدة“ أقصد جيدة في نوعها، وليس في كمِّها.  هذا لأن الكمّ حتما سيأتي مع الزمن، لكن المشكلة الكبرى هي أن من يبدأ حياته بأسلوب خاطئ في قراءة الكتاب يصبح من الصعب تغييره فيما بعد!  لذلك لم يقُل الرب يسوع للناموسي ”ماذا تقرأ؟“ ولا ”كم تقرأ؟“ لأنه يعرف أن الناموسي يقرأ كثيرًا ويحفظ ما يقرأ عن ظهر قلب، لكن الرب سأله: «كيف تقرأ؟» (لو10: 26).
كثيرون من القديسين لا يجدون من يعلِّمهم في البداية كيف يقرأون الكتاب ليستقبلوا، لا ليسترجعوا؛ أقصد يستقبلوا رسالة الله لهم من خلال الجزء الذي يقرأوه، لا ليسترجعوا ما سمعوه من قبل أو قرأوه في هذا الجزء.  كثيرون نسوا أن الكتاب قبل أن يكون كتابًا نعظ منه هو كتاب قد كُتب لكي نحيا به.  لم يجدوا من يعلّمهم حاجتهم الشديدة لدراسة الكتاب بطريقة تجعلهم ينجحوا في امتحانات الحياة، وليس في امتحانات العقائد والمعلومات.
كم أشتاق واصلي من إجل إخوتي الشباب، ولا سيما الصغار، لكي لا يبدأوا أي انطلاق في أي اتجاه إلا بعد أن يدرسوا الخريطة جيدًا، وأن لا يتحركوا من مكان إلى مكان إلا وبصحبتهم هذه الخريطة.  لا ينتظروا لكي يفحصوها بعد ما يضلوا، بل يفعلوا ما فعله أهل بيرية قديما الذين قال عنهم الكتاب: «وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أع17: 11).  إن سرّ شرفهم يكمن في أنهم فحصوا من البداية، كما أنهم فحصوا من البداية الكلام في نور الكتاب، كما أنهم فحصوا الكلام في نور الكتاب على الرغم من كونه كلام رسول تجري على يديه أعجب المعجزات!!

رابعًا: مراقبة الزمن المقطوع
الزمن عامل مهم في حياة المسيحي، فهو كأي كائن حي يحتاج وقتًا للنمو.  لكن ليس من المفروض أبدًا أن يظل المؤمن طفلاً، كما حدث مع إخوة كورنثوس؛ فقال لهم الرسول أنه يكلمهم «كأطفال في المسيح!» (1كو3: 1).  وليس من المفروض أبدًا أن يطول الزمان دون أن يكون المسيحي قد قطع شوطًا في طريق الروحانية الحقّة، التي من أهم سماتها القدرة على الحكم الصحيح والتمييز الجيد بين الخير والشر.  هذا ما لم يحدث مع الإخوة العبرانيين فقال لهم الرسول «كان ينبغي أن تكونوا معلّمين لسبب طول الزمان» (عب5: 12). 
المسيحي كأي كائن حي يحتاج وقتًا للنمو.  لكن ليس من المفروض أبدًا أن يظل المؤمن طفلاً، وليس من المفروض أبدًا أن يطول الزمان دون أن يكون المسيحي قد قطع شوطًا في طريق الروحانية الحقّة.
من المفروض أن المسيحي يراقب نفسه باستمرار على كل محاور حياته: في العمل وفي الاسرة وفي الكنيسة، يراقبها لكي يقيس تصرفاته في كل هذه المجالات على المقياس الصحيح، ألا وهو شخص المسيح.  وعندما يلحظ أي قصور عليه أن يراجع نفسه ويضبط من سرعته واتجاهاته وإلا سيمضي العمر وهو في اتجاه خاطئ.

أخيرًا
أقول هناك بعض الملامح التي يشترك فيها جميع المخدوعين، أراها أيضًا في هذه الحادثة التي حدثت معي مثل:-
عدم وزن الأمور جيدًا في الحديث، الثقة الزائدة في النفس التي تجعل الشخص لا يكلِّف نفسه عناء المراجعة والتدقيق، الحساسية الزائدة التي تجعله يرى أي انتقاد أو حتى تساؤل هو انتقاص من الكرامة، التأثر بثقافة وعادات البيئة المحيطة، السير بصحبة من له غرض آخر غير المسيح (كنت أنا أبغي الوصول للمكان أما صديقي فقد كان غرضه قضاء وقت معي، لذلك لم يكن مهتمًا كثيرًا بصحة الطريق الذي فيه نسير، وكثيرون يستمتعون بمجرد الصحبة في أنشطة وخدمات كثيرة بغضّ النظر إن كان غرضها المسيح أم لا)، الاعتماد على التخمين في إجابة الأسئلة دون البحث عن دليل.  وغيرها.
سيدنا الكريم :
كثر الظلام من حولنا، وغابت القدوة من عالمنا، وأنت تعلم فساد طبيعتنا، فارحمنا.
أشرق بنورك من جديد في داخلنا لكي لا نحسب أنفسنا من الروحيين ونحن لسنا هكذا. 
علّمنا طاعة قولك العظيم: ليمتحن الإنسان نفسه، وليمتحن الإنسان عمله، وذكِّرنا دائما بقولك «إن ظن أحد أنه شيء وهو ليس شيئًا فإنه يغش نفسه». 
احفظنا ياسيدنا من غش أنفسنا فنخسر أعز ما نملك، ألا وهي أعمارنا ونحن غير مدركين.
  ماهر صمويل