الأحد، 27 مارس 2011

سر الحياة المسيحية السعيدة والمثمرة (4)

الحلقة الرابعة
اختبارات أشياء الطبيعة
إن أول التجارب كانت فيما يختص بأمور الطبيعة ، أي الأشياء الطبيعية وهي أشياء صحيحة وطبيعية لأي شخص فهي ليست أشياء خاطئة أو فعلها خطية فنجد أن الشيطان يأتي الي الرب في عدد (3) ويقول "إن كنت ابن الله فقل لهذا الحجر ان يصير خبزاً " والآن من خلف تلك التجربة البسيطة كان هناك شئ أعمق ، وكأن الشيطان يقول "حسناً إن كنت ابن الله المحبوب فلماذا لا يعتني بك ؟ فالله قد دعاه في الاصحاح السابق "أنت ابني الحبيب بك سررت" وكأن الشيطان يقول له ان كنت ابن الله فلماذا لا يعتني بك في أمور الحياة الطبيعية ؟ فأنت في حاجة للطعام الآن وهذا لا يتوافق مع الله الذي له صفة الاعتناء وتسديد الاحتياج ؟ والآن يا تري ماذا يريد الشيطان ان يفعله مع الرب يسوع وماذا يرغب ان يفعل معك ومعي ان رغبته هو أن يزعزع ايمانك وثقتك في هذا الشخص الذي أتيت لتخدمه فهو يحاول أن يلقي بعض الشك في صلاح الله .
فإذا قرأت تلك التجربة بعناية عزيزي القارئ فستجد بها مكر هذا العدو الخبيث ، فهنا نجد أن هناك شئ حُجَب عن الرب لوقت ما فهو لم يأكل الي حين ، وببساطة هناك شئ أتطلع إليه في الطبيعة ومن الطبيعي أن أناله وهو ليس خطأ أو خطية لكن الرب منعه عنك الي حين فنحن نحتار لماذا فعل الرب ذلك مع أنه ليس شئ خطأ أو خطية  فهذا ما يأتي به الشيطان الي أفكارنا ليشككنا ويزعج ايماننا وثقتنا في الله ، فالعدو يتطلع الي مواقف مثل هذه في حياتك لكي يخبرك قائلاً " ان الرب ليس صالح كما اعتقدت فيه" ! فإذا كان الرب يعتني بك ويهتم باحتياجاتك لأجل سعادتك فكيف يمنع هذا الشئ الذي تحتاج اليه وأنت تعلم أن هذا الشئ  ليس خطأ ؟ وتصير الشوكة اكثر عمقاً ! لو أننا سمحنا لتك الاعتقادات ان تدخل الي أذهاننا فإن آجلاً أو عاجلاً سنشك في صلاح الله .
بعد ذلك نأتي الي الخطوة الثانية لإبليس هنا ، فهو يقترح علي الرب يسوع أن يأخذ خطوة بدون ارشاد أو توجيه من الله أبيه ، أن يأخذ خطوة واحدة لاجل اشباع حاجته ، وهو علي أي حال احتياج حقيقي ! ، يا أعزائي الاحباء هذا بالضبط ما يريد الشيطان أن يفعله معك ومعي ، فيقول لك "حسناً أنت تعرف أن الله لم يسدد هذا الاحتياج فلماذا لا تحصل عليه أنت بنفسك" وفي النهاية ينجح غالباً في أن يجعلنا نأخذ خطوة واحدة بدون توجيه من الرب ، وما يتطلع اليه الشرير أن نأخذ خطوة واحدة وهذا يكفي ! ، فهو لا يسعي كي يجعلنا نسقط في خطية شنيعة في البداية أو أمور فاضحة بل مجرد خطوة واحدة خارج مشيئة الله ، وياتري ما هي اهدافه ؟ اقول مرة أخري ان يجعلنا غير سعداء ، ونعمل مشيئتنا الخاصة التي بدورها تقودنا الي التعاسة وعدم الفرح كمؤمنين ، وبالتالي نصير بلا فائدة  في خدمة الرب .
ونجد هنا أن الرب يقابل العدو بكلمة الله "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" وهذا شاهد من سفر التثنية ، ويبيِّن احتياجنا للكتب ، فيجب أن نخبئ كلمة الله في قلوبنا لأننا نحتاجها في مواقف الحياة العديدة ، والطريقة التي استخدم الرب بها الكتب هنا ليست مثل طريقة بعض الناس الذين يحاولون استخدام كلمة الله كتعويذة أو شئ يطرد الأرواح النجسة  فبعض الناس يقتبسون كلمة الله لكي يجعلوا الشيطان يفر بعيداً ولكن هذا ليس بالتحديد ما أراد الرب أن يعمله هنا .
ولكتاب لا يعلمنا ان ندخل في حوار مع الشرير ، ولكن ما نحتاجه هو أن نأخذ كلمة الله بحيث تصبح جزء من حياتنا ، وهذا ما نجده في (1يو 2 : 14) "إن كلمة الله ثابتة (ساكنة) في الاحداث" فقد كانت كلمة الله جزء داخلي من حياتهم والنتيجة ان كلمة  الله توجههم في ظروف الحياة المختلفة ، وعندما نجرب أن نأخذ خطوة لم يعطنا الرب بها ارشاد فإن كلمة الله تحسم ذلك الامر ، فلا نتقدم اكثر ، ولذا فنحن في حاجة الي كلمة الله في حياتنا ، فيجب أن نعلمها ونضعها في قلوبنا قبل أن تأتي التجربة ، فنحتاج الي كل الكتاب لكي نحيا بنجاح في هذا العالم ! ، فمبادئ الكلمة ترشدنا في قرارات الحياة المتنوعة ، ولذا فالرب هو مثالنا ، فهو يقول "حبال وقعت لي في النعماء" (مز 16 : 6) وقد قال مستر "هاي هو" أن الحبال هنا هي حبال الكتب التي تأتي إليه في الوقت الصحيح اثناء سيره خلال هذا العالم ، وبالتالي ننتصر علي حيل العدو.
اختبارات الأشياء العالمية
ونجد الآن التكتيك الثاني لتجربة العدو فالشيطان يأخذ الرب يسوع الي أعلي الجبل ويريه جميع ممالك العالم ويجرب الرب كالشخص الذي يمتلك الكل ويريد أن يساوم الرب وهنا نجد هجوم ماكر للعدو ايضاً ونجد من وراء تلك التجربة محاولة خداع الرب بشهوة المجد والسلطان ، وكما نعلم من (يو 41 : 30) "إن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شئ" فليس هناك شئ في الرب يسوع يتجاوب مع ملاطفات هذا العدو لأنه لم يكن لديه طبيعة شريرة ، ولكنه من الممكن لأي منا أن يأخذ ولو خطوة واحدة في اتجاه خطأ لو لم نكن متكلين عليه تماماً وكأنه يقول للرب يسوع "أنت لست بحاجة الي أن تذهب للصليب وتتألم وتموت لتشتري ممالك العالم ولكن كل ما تحتاجه هو أن تنحني لي وسأعطي الكل الآن ! ، وهذا يجنبك كل الآلام .
و نفس هذا الشئ يعمله الشرير معنا ، فالله له خطة لحياتنا كما قلنا سابقاً والله يريدنا أن نختبر الفرح الحقيقي للحياة المليئة بالقصد والقيمة عندما نعمل مشيئته ، ولكن من الجانب الآخر نجد العدو محاولاً ان يخرجنا من هذا الطريق ، وببساطة هو يقدم لنا أشياء من هذا العالم كفيلة بأن تشغلنا أو تحرفنا عن فعل مشيئة الله ، ومن الجائز ان يستخدم عرض مغري للعمل ، أو يقدم محاولات للاغراءات الرياضية او الموسيقي أو غيرها ، فهو يسعي لكي يشغلنا بأشياء اخري محاولاً أن يجعلها مغرية  وحسنة لكي يصل الي هدفه الخاص وهو أن يجعل حياتنا بلا فائدة في ملكوت الله ، والنتيجة المريعة لذلك هو ابعادنا عن فعل مشيئة الله وهذا هو جل غرضه الهجومي ، ولسان حاله هنا "أن الامر يتطلب القليل من امور هذا العالم وتبقي ايضاً مؤمناً كما أنت لأنه يوجد حولك الكثير من الأشياء الجذابة والممتعة والله يريدك أن تكون معتدلاً في كل شئ فهو يريدنا أن ننحني ونعطي أنفسنا لنظام هذا العالم ونسرع لفعل ما هو حسن لأنفسنا .
ويقول الرب له "ابعد عني يا شيطان" لكن هذه الجملة ليست كما هي في الأصل ، لأجل سببين الأول : ان الرب هنا هو المثال لنا ليعلمنا كيف نتعامل مع العدو كمخلوقات مستندة علي الرب ، ونحن غير مدعوين للدخول مع الشرير في حوار ! ، ولا حتي توبيخه ! ، فإن رئيس الملائكة عندما دخل في مجادلة مع الشيطان بخصوص جسد موسي لم يجسر ان يورد حكم افتراء ضده ، ولا نحن أيضاً ، فالجملة ترد هكذا في انجيل متي ولكن ليس في انجيل لوقا ، لأنه في متي يُرَي المسيح كالملك وهو كذلك له الحق في أن يوبخ الشرير ، ولكن في لوقا حيث يُري كالإنسان المتكل علي الله لم يوبخه ، والسبب الثاني : ان الرب لم يستخدم سلطانه اللاهوتي ليهزم الشيطان لأنه لو فعل ذلك لم يكن مثالاً لنا لأننا ليس لنا تلك الامكانية والسلطان الإلهي ، فكونه يأمر الشيطان أن يتحول بعيداً عنه مستخدماً سلطانه الإلهي فليست تلك هي الطريقة التي يهزم بها الرب العدو هنا ، ولكن الرب يستخدم مصدر آخر ليهزم الشيطان به ، وهو نفس المصدر الذي استخدمه في التجربة الأولي أي كلمة الله وهذا هو المصدر الذي نستخدمه نحن بدورنا فقد قال الرب "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" وهذا شاهد آخر من سفر التثنية ، فحسم امر  الانحناء للشيطان ، لأن كل الخليقة تنحني للرب وبالتالي لا انحناء لمخلوق أيا كان ! ، وتلك هي الطريقة التي نهزم بها مكايد ابليس وخططه ، فاقتراحات الشرير تتعارض دائماً مع كلمة الله ،  ونحن يجب أن نطيع كلمة الله فقط ، والطاعة لتلك الكلمة تحفظنا من كل حيله يواجهنا بها الشرير ، ونحن علاوة علي ذلك لا يجب أن تكون لنا أهداف عظيمة لحياتنا فيما يختص بذلك العالم وطلب المجد فيه ، فلا يجب أن نسعي لعمل شئ ما لأنفسنا من اقتراحات العدو ، كلا فيجب أن يكون الرب وحده فقط هو الذي أمامنا وهو الذي نسجد له ، فهو الغرض الكامل لنفوسنا وكل شئ في حياتنا ، وأي غرض اخر لحياتنا يعتبر زنا وهو بدوره بمثابة انحناء للشيطان حقاً .
دعني أوضح هذه النقطة لك أكثر ، افترض أن شخص ما قد أتي وقال لك ، دعنا نقوم سوياً بمشروع عمل ما ، وهذا الشخص غير مؤمن ، ولكن له من  المهارات ويعرف انك أيضاً لديك مهارات خاصة بهذا العمل وتستطيعا سوياً أن تحصلا علي مكسب آكثر باتحادكما معاً في ذلك العمل ، في تلك الحالة لو أن كلمة الله ثابتة فيك فستجد أن هناك آية واحدة تحسم لك هذا الامر "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين" (2كو 6 : 14) وهنا فالامر محسوم ، فأنا لست في حاجة الي الصلاة وطلب فكر الرب في هذا ، لأنه اعطاني الاجابة في كلمته ، فكلمة الله تعطي نوراً لهذا الموضوع وتحسمه ، فأنا يجب أن أشكر الله وأطلب منه أن يعطيني نعمة لاطاعة كلمته ، فلو أنك تطيع كلمة الله فإن الشرير لا يقدر أن يخرجك عن طريق عمل مشيئة الله .
فالرب يسوع كان مسروراً ان ينتظر وقت الآب في كل شئ ، وكذلك يجب علينا نحن أيضاً أن نفعل نفس الشئ ! ، فهو غير مزمع أن يقبل ممالك هذا العالم من الشرير ، ولكن من يد الآب وفي وقته هو ، فإنه هناك يوم عندما سيرسل الله الرب يسوع مرة ثانية الي هذا العالم لأجل الحكم لذا نقرأ "قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه" (رؤ 11 : 15) .
(يتبع)

ليست هناك تعليقات: