الأحد، 30 أغسطس 2015

ماذا انتظرت

ماذا انتظرت ؟

(مزمور 39 : 7)

هذا سؤال يوجه للقلب وكثيراً ما يكون مفيداً ونافعاً عندما نجد انفسنا في حالة تلهف وانتظار شديد لاشياء وعندما نحصل عليها نكتشف انها لم تكن تستحق هذا التلهف ولا ذلك الانتظار , ان قلب الانسان يشبه تماماً ذلك الرجل الاعرج المسكين الذي كان جالساً علي باب الهيكل (أع 3) يحدق النظر في كل من يمر امامه لعله ينال شيئاً , وهكذا يظل القلب متطلعاً للظروف لعله يجد فيها ما يخفف اضطرابه ويهدئ روعه فربما تجده جالساً بجانب مجري بشري آملاً بأن يصيبه منه شئ ينعشه ويلطف لوعته , انه لامر يدعو للاستغراب عندما نتأمل في تلك الامور التافهة والمساند الحقيرة التي تنتظرها الطبيعة البشرية وترجو منها تفريجاً لكربها كتغيير الظروف - تغيير المناظر – تغيير الهواء – سياحة – زيارة – خطاب – كتاب – او بالاختصار اي شئ يمكنه ان يثير عاطفة الانتظار والامل في القلب المسكين الذي لم يجد مركزه وسنده وكل شئ في الرب يسوع , ومن هنا تظهر الفائدة العملية من مجابهة القلب بشدة لذلك السؤال "ماذا انتظرت؟" ولا شك ان الجواب كثيراً ما يظهر للمسيحي المتقدم انحطاط نفسه ويجعله هدفاً للوم ضميره بشدة في حضرة الرب . ويمكنننا ان نري في العدد السادس من مزمور 39 ثلاث صور للناس فمنهم من "كخيال يتمشون" ومنهم من "باطلاً يضجون" ومنهم من "يذخرون ذخائر" ربما توجد هذه الثلاث صفات متمثلة في شخص واحد ولكن لكل منها تأثير وعمل خاص فيوجد كثيرون كل حياتهم خيال ومظهر كاذب سواء في اخلاقهم الشخصية او في اشغالهم التجارية او السياسية او الدينية , فليس منهم شئ ثابت ولا اصلي او حقيقي ولكن كل ما يظهر منهم تراه متلألئاً ولامعاً ولكنه خيال وسطحي محض وغير متعمق في نفوسهم وكأنك لا تري من النار سوي وميضها ودخانها . ثم تري نوعاً اخر حياتهم كلها سلسلة ضجيج باطل فما من مرة تراهم هادئين مكتفين او سعداً راضين – امامهم دائماً شبح شئ يقترب اليهم او مصيبة قريبة الوقوع تصطك – لمجرد تخيلها – ركبهم وترتعد فرائصهم – يهتمون بالنجاح والتجارة كما بالاصحاب والاطفال والعبيد . ومع ان لهم مراكز يحسدهم عليها كثيرون من ابناء جنسهم تراهم علي الدوام يضجون ويزعجون انفسهم بمخاوف ربما لا تحدث ومصاعب لا تتم واحزان ربما لا يعيشون ليشاهدوها , وبدلاً من ان يرجعوا بافكارهم الي حسنات الماضي ويستمتعوا نعَم الحاضر تراهم يتخيلون ويلات ومصاعب المستقبل وبالاختصار هم "باطلاً يضجون" واخيراً نأتي بنوع ثالث يختلف تماماً عن الاولين – هم اناس شديدو الاحتراس وحاذقو العقول كما انهم مهرة في ضروب التجارة وتكديس الاموال . أناس يعيشون حيث يموت الاخرون , ليس هم "كخيال يتمشون" ولكنك تراهم ثابتين والحياة في اعتقادهم ليست خيالاً ولكنها حقيقة تستدعي الكد والنضال , ولاهم ايضاً "باطلاً يضجون" ولكنك تراهم دائماً في هدوء وسكينه او في حالة عمل واقدام "يذخرون ذخائر ولا يدرون من يضمها" .
ولكن تذكر ايها القارئ العزيز ان الروح القدس الحكيم قد سجل علي الثلاثة علي حد سواء بانهم "للباطل يتعبون" , نعم فالكل بدون استثناء وكل ما هو تحت الشمس قد حكم عليه شخص ملهم بالروح القدس بعد ان اختبر كل شئ بنفسه بأنه "باطل وقبض الروح" فالق نظرك اينما شئت "تحت الشمس" فلا تعود بشئ يمكنه ان يريح القلب ولكن عليك ان ترتفع الي فوق وتحلق باجنحة الايمان القوية الثابتة الي ما هو "فوق الشمس" فهناك تجد شيئاً أحسن وأثبت لأن ذاك الجالس عن يمين العظمة قد قال "في طريق العدل أتمشي في وسط سبل الحق فأورث محبي رزقاً وأملأ خزائنهم" (أم 8 : 20-21) فما من احد غير الرب يسوع يستطيع ان يعطي "رزقاً" ولا يوجد خلافه يستطيع ان "يملأ" ولا يوجد غيره يستطيع أن "يشبع" فيوجد في عمل الرب يسوع الكامل ما يمكنه ان يسد حاجات القلب ورغائبه , فالذي وجد يسوع علي الصليب ووجده ايضاً علي العرش قد وجد كل ما يحتاجه فيما يختص بالزمان الحاضر وكذا بالابدية الأتية ولهذا لاق بصاحب المزمور بعد ان جابه قلبه بهذا السؤال "ماذا انتظرت؟" ان يجيب ويقول "رجائي فيك هو" فليس لقلبه ذلك "الخيال الكاذب" أو "الضجيج الباطل" أو "التكديس غير المثمر" ولكن قد رأي في الرب غرضاً يستحق ان يُرجي وان يُنتظَر , وهكذا بعد ان حوَّل نظره عن كل شئ هنا قال من اعماق قلبه "رجائي فيك هو" فهذا هو مركز السلام والسعادة ايها القارئ العزيز فالشخص الذي ينتظر الرب يسوع لا يخزي ابداً إذ ان له كنزاً لا ينفد من الافراح في الوقت الحاضر وذلك بالشركة مع الرب يسوع كما انه يتهلل بذلك الرجاء المبارك إذ انه بعد ان يزول مشهد هذا العالم بكل هيئته الكاذبة وضجيجه الباطل سوف يجد نفسه مع الرب يسوع ويعاين مجده ويتمتع بضياء وجهه وهكذا يكون مثله الي الابد .
فياليتنا اذن نفحص قلوبنا علي الدوام – تلك القلوب التي تجتهد بأن تربط الانسان بالعالم – بسؤالها هذا السؤال "ماذا انتظرت؟" هل انا منتظر اي تغيير في الظروف ؟ او منتظر "الابن الحبيب من السماء" ؟ هل استطيع ان ارفع بصري الي الرب يسوع واقول له بقلب مملوء بالمحبة والامانة "يارب رجائي فيك هو؟" ياليت قلوبنا تزداد في الانفصال عن هذا العالم الشرير وكل ما يتعلق به بقوة التمتع والشركة بتلك الامور غير المنظورة التي هي دائمة وابدية .
          

 بقلم : كاتب غير معروف

الخميس، 20 أغسطس 2015

المحبة

المحبة
أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هَذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ1)  كو 13: 13 )
المحبة هي التعبير عما هو الله في طبيعته له المجد. هي التوافق مع طبيعة الله. هي مظهر كوننا صرنا شركاء الطبيعة الإلهية. هي العمل والشعور وفق صفاته ومبادئه. وهي تتجه تلقائيًا إلى الآخرين لخدمتهم وفائدتهم، لكن الآخرون ليسوا هم الدافع إليها والعامل المحرِّك لها، بل غرضها وهدفها. أما دوافعها ومنابعها ففي القلب من الداخل. وقوتها مستقلة عن الغرض المتجهة إليه. فهي تحب في كل الظروف وفق طبيعتها. وتقوى وتتغذى وتنمو بالشركة مع الله نفسه.

المحبة معناها ومضمونها عكس معنى ومضمون محبة الذات. إن محبة الذات هي الأنانية، أما المحبة فتطلب خير الآخرين، كما طلب الله خيرنا. والمحبة المُتمكنة فينا هي قوة تقاوم الشر داخلنا. ومعظم صفات المحبة هي صفات إيجابية ولا تكسب الذات من ورائها شيئًا، وبها يتحرر القلب من ظن السوء. وظن السوء من صفات القلب الطبيعي المُلازمة له. ثم المحبة تحتمل كل شيء في سبيل الخير والبر الذي لا تراه، بينما هي تصبر على المكروه، وتحتمل الشر الذي تراه. وفي كل شيء تتأنى وتترفق.

ولما كانت المحبة هي طبيعة الله، لذلك هي لا تنتهي، وتستمر إلى الأبد غير متغيرة. فكل إعلان عن الله، وكل واسطة تُستخدم في توصيل هذه الإعلانات، وكل علم بالأسرار هنا على الأرض، وبالاختصار كل ما له صفة التجزؤ والتدرج في استكماله، إنما سينتهي وسيبطل. أما المحبة فلن تسقط ولن تنتهي.

والآن في الزمان الحاضر تثبت المحبة مع الإيمان والرجاء ولكن الأعظم بين هذه الثلاثة هي المحبة. لأن الإيمان والرجاء سينتهيان متى جاءت حالة الكمال في المجد، وستبقى المحبة إلى أبد الآبدين، لأن الإيمان والرجاء يرتبطان بطاقة الطبيعة البشرية، أما المحبة وهي طبيعة الله فتفضلهما وتعظم بسبب طبيعتها.

المحبة أكبر وسائط النعمة في جذب النفوس والتأثير عليها. إنها فعَّالة وبناءة أكثر جدًا من جميع المواهب الروحية.

والقلب المُحب وليمة دائمة، لأنه في جميع اتجاهاته يتمم ناموس الله. والقلب المحب مهما لاقى في طريق المحبة فإنه لن يندم على الإطلاق على ما بذل أو أنفق.


بقلم : كاتب غير معروف