الأربعاء، 1 يونيو 2011

التلمذة الحقيقية للمسيح (1)

التلمذة الحقيقية
شروطها - امتحانها - مكافأتها


هناك دعوتين مختلفتين للرب :
إن قصدي من هذا الموضوع أن أتحدث عن التلمذة في شروطها ، وامتحانها ، ومكافأتها ، فدعنا نبدأ بمتي 11 : 28 "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم"
 ثم مت 16 : 24 ، "حينئذٍ قال يسوع لتلاميذه إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" .

نري في هذين الفصلين دعوتين للرب يسوع المسيح ، الأولي هي اتباع الرب لأجل الخلاص ، والثانية اتباع الرب في طريق التلمذة الحقيقية ، ومن الجيد أن نري أن هذه الأعداد تسير معاً جنباً الي جنب لأنها تظهر أن الإتيان الي المسيح وإتباعه في طريق التلمذة مرتبطان ببعضهما  البعض.

فالمؤمنون في طريقهم الي السعادة الحقيقية عند انتهاء طريقهم هنا وذهابهم الي المجد  ، وبالرغم ان كل المؤمنين لهم تلك النهاية  السعيدة إلا أن ليس للكل حياة سعيدة هنا ، وذلك لأنهم ليسوا راغبين أن يأخذوا مكان التلمذة الحقيقية . فإنهم يعتقدون انه من الكافي أن يتجاوبوا مع دعوة  الرب الأولي في المجئ إليه لأجل الخلاص ، فهم مسرورون أن يعرفوا بأن خطاياتهم قد غفرت وبعد هذا هم في طريقهم للمجد ، ولكنهم يجهلون الجزء الآخر وهو اتباع الرب وتكريس حياتهم لسيادته ، وبالتالي هم يفتقدون شئ جميل ممكن أن يصنعه الرب من خلال حياتهم ، شئ لأجل مجده ولأجل سعادتهم .

والدعوة الأولي للرب موجهة للجميع "ياجميع المتعبين" لأن الرب يريد أن يأتي إليه الجميع ويخلصوا ، فهو يريد أن يمحوا خطاياهم ويعطيهم راحة وسلام الضمير ، وهذا يتأتي فقط عندما يكون كل شئ صحيح بين نفسك وبين الله ، وإذا كنت لم تخلص الي اليوم فالرب يسوع يدعوك أن تأتي إليه وتبدأ علاقة جديدة معه كالرب والمخلص .

والدعوة الثانية هي التي نود التأمل فيها ، انها دعوة لتلاميذ أن يتبعوه ويأتوا وراءه في الطريق (مت 16) ، ولاحظ هنا انها دعوة ليس للإتيان إليه دعوة للذين يريدوا أن يأتوا وراءه ، اتباع المسيح في طريق الإيمان الذي تحدده كلمة الله حيث يستطيع المؤمن أن يختبر الفرح الحقيقي ، فيوجد فرح داخلي في اتباع الرب والحصول علي الخلاص ، لكن هناك فرح من نوع آخر تختبره النفس عندما تتبع الرب في طريق التلمذة اليومي .

ولاحظ أيضاً ان دعوة الرب في مت 16 حيث يقول "إن أراد أحد أن يأتي وراءي .." وهذا يبيِّن أن التلمذة شئ فردي وأيضاً تطوعي  ، إنني لا يمكنني أن أكون تلميذاً حقيقياً لك وأنت أيضاً لا يمكنك أن تكون تلميذ ليَّ ، فكل واحد منا يجب أن يكون له تدريبه الخاص في ذلك ، ففي مت 16 ، أراد الرب أن يمتحن تلاميذه بوضع بعض الشروط لأجل طريق التلمذة الحقيقية  إنه شئ لا يؤخذ باستخفاف ، فالتلميذ الحقيقي يجب أن "ينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعه" .

نوعين من التلاميذ
والآن نسأل ماذا تعني بالضبط كلمة تلميذ ؟ ببساطة التلميذ هو شخص يعترف بالرب ويتبع تعليمه ، وعلي أي حال انجيل يوحنا يحدد أنه يوجد نوعين من التلاميذ الذين كانوا يتبعون الرب اثناء خدمته علي الأرض ، فقد كان هناك تلاميذ بحسب (يو 6 : 60) ، ويوجد تلاميذ حقيقيين في (يو 8 : 30) ، وهذا يعني ان كان هناك البعض الذين يتبعون الرب فقط لأسباب ظاهرية ، ويوجد البعض الآخر الذين يتبعون الرب لأن لهم إيمان وأمنوا أنه  هو المسيا الحقيقي .

والرب قد اختبر الجمع الغفير لتلاميذه بكلمات فاحصة لتمييز التلاميذ الحقيقيين من هؤلاء المدَّعين فقط فيقول .
"من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه الي الوراء ولم يعودوا يمشون معه  فقال يسوع للاثني عشر لعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا ، فأجابه سمعان بطرس يارب الي من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك ، ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي" (يو 6 : 66 - 69) .

هل التلمذة هي لكل شخص ؟
والآن ربما نسأل هل يجوز لكل شخص أن يكون تلميذ ؟ البعض يعتقدون أن التلمذة موهبة لأجل خدمة الاخوة أو ما يسمي بالإخوة الخدام ، ولكن باقي المؤمنين لا يحتاجون ان يخصصوا أنفسهم هكذا ، لكن لايوحد حق مثل هذا ، إن التلمذة الحقيقية تخص كل المؤمنين ، في الواقع أنها طريق الأمان والسعادة الحقيقية خلال عبورنا هذا العالم ! ، فالمؤمنون الذين يختارون أن لا يسلكوا في طريق التلمذة الحقيقية سوف يجتازون في ضيقات ، وسيفتقدون مثل هذا الطريق يوما ما .
شروط التلمذة :
دعونا نقرأ (لو 14) لنري بعض الشروط اللازمة للتلمذة ، والرب علي الأقل يضع أربعة شروط هنا ، وفي انجيل يوحنا سنجد ثلاثة شروط أخري ، وهذا ما يميز التلميذ الحقيقي عن التلميذ الذي بحسب الظاهر فقط.

ففي (لو 14 : 25 - 35) "وكان جموع كثيرة سائرين معه فالتفت وقال لهم ان كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتي نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً ، ومن منكم وهو يريد أن يبني برجاً لا يجلس أولاً ويحسب النفقة ، هل عنده ما يلزم لكماله لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به قائلين هذا الإنسان ابتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب لا يجلس أولاً ويتشاور هل يستطيع أن يلاقي بعشرة ألاف الذي يأتي علية بعشرين ألفاً وإلا فما دام ذلك بعيداً يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح ، فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً ، الملح جيد ولكن إذا فسد الملح فبماذا يصلح ، لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً من له أذنان للسمع فليسمع" .

يتضح لنا من تلك الأعداد كلها ان التلمذة الحقيقية سوف تكون لا بحسب شروطنا نحن بل بحسب شروطه هو لتلاميذه .

والآن لاحظ أنه لو لم يقبل شخصاً ما تلك الشروط ويطبقها يقول الرب عنه "فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (عدد 26 ، 33) والرب لا يقول عنه "أنه لا يقدر أن يخلص" ، لأن هذا ليس الخلاص بل التلمذة ، لأنه  كانت هناك جموع كثيرة تتبعه في ذلك اليوم ، وكانوا يسمعون تعليمه ، لكن الأغلبية العظمي كانت تتبعه لأنهم كانوا قد انبهروا بمعجزاته ، ولم يكن لهم إيمان ، ولذا قد وضع الرب الشروط التي تميز تلاميذه الحقيقيين عن هؤلاء الذين يتبعونه لأسباب أخري ، ولذا فلندع تلك الشروط تمتحن حقيقة تلمذتنا له .

(١) يجب أن تكون للرب المكانة الأولي في الحياة :
يستحضر الرب أمامنا الشرط الأول والعظيم للتلمذة في عدد 26 ، وهو أنه يجب أن تكون له المكانة الأولي في الحياة ! والنقطة هنا هي محبتنا للرب يسوع يجب ان تتفوق علي كل الأشياء والأشخاص ، حتي عن الاشخاص الأعزاء لدينا جداً ، فيجب ان تكون المحبة الفائقة للسيد محبة تفوق أي محبة لأي شخص في العالم ، هو يقول ان كل محبة أخري تقارن بمحبته هنا تعتبر بمثابة بغضة .

واضح ان الرب لا يقصد كلمة "بغضة" بالمعني الحرفي لأن تعليمه في مواضع أخري يدعونا بمحبة القريب ، لأننا مدعوون بأن نحب أحدنا الآخر (يو 13 : 34) ، فهو يستخدم كلمة "بغضة" علي سبيل المقارنة ليظهر  المحبة التي تتفوق علي كل محبة لأي شئ آخر في حياتنا .

والآن دعني أسألك سؤال ما هو الشئ الذي تتسم به حياتك ؟ هل لك محبة فائقة للرب يسوع فوق كل شئ آخر ، وبالمثل أسأل نفسي ، هل أنت مزمع أن تتبع الرب في طريق التلمذة الحقيقية ، وهو يضع هذا الشرط أمام الجموع لأجل التلاميذ الحقيقيين ، فالمسيح يجب أن يكون هو الأول في كل شئ .

وهو قد وضع هنا في هذه القائمة أشخاص لهم غلاوة علي القلب جداً وهم الأب - الأم - الزوجة - الأولاد - أي كل الأشخاص الذين ممكن أن يحوزوا علي اهتمام القلب ، ثم يقول "نعم  وزوجته أيضاً" وهو يشير الي شخص يستحوذ علي الاهتمام الشخصي في الحياة ، فمعظم الناس لهم شئ يستحوذ علي اهتمامهم في حياتهم ، لكن الرب يقول أن شخصه يجب أن يأتي في المقدمة قبل أي اهتمام آخر سواء كان  اهتمام بشئ أو بشخص ، وأن يبغض الإنسان نفسه ليس معناه أن يبغض خطاياه أو الطبيعة العتيقة (بالرغم من أننا نفعل ذلك) ، ولكن يجب أن نبغض حياتنا في كل اهتماماتها وطموحها التي تفسح المجال لنفسها علي حساب حقوق المسيح ، ولذا قال الرب أيضاً "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه" (مت 16 : 24) انه إنكار النفس الحقيقي ووضع الرب أولاً .
عندما تكون إنسان تمارس الرياضة البدنية فلكي تكون لائقاً من الناحية البدنية فإنك تحتاج الي بعض التدريب ، وهؤلاء الرياضيون يكرسون حياتهم لأجل الحصول علي الجائزة الأولمبية ، وباختيارهم يضحون بأشياء كثيرة لأجل اتمام ذلك الغرض ، فهم يضحون بأمور ثمينة لديهم وباهتماماتهم ويلقون كل شئ آخر وراء ظهورهم ، ويتبعون نظام غذائي معين والتخلي عن عادات وأطعمة وأنشطة لأجل الحصول علي غرضهم  المنشود ، وهم بحسب (مت 1 : 25) "يهلكون" حياتهم لأجل الوصول إلي هذا الهدف ، وأشياء كثيرة يتمتع بها اصدقائهم ويشاركون فيها ويمتنعون هم عنها ، مثل الحفلات وما شابه ذلك ويكونوا حريصين بعدم الانهماك فيها لئلا يتعطل أداؤهم ، فهم يأكلون وينامون ويتدربون بحساب لأجل الوصول الي هدف خاص ، وكما قلت هم يفعلون كل ذلك باختيارهم ! ، وهذا يحتاج الي سنوات من التضحية والتكريس وهم يفعلون كل ذلك لأجل الحصول علي جائزة أرضية أو مجد باطل ، وأما بالنسبة لنا فالتضحية هي لأجل ملكوت الله ، وليس لأجل الحصول علي مجد باطل بين الناس ولكن لأجل مجد الله .

ونحن لم نقل بأن الرب لا يرغب أن نتمتع بالحياة ، وهو لم يقل أنك ينبغي أن تقلع عن الأشياء الطبيعية مثل النزهة .... الخ ، لأن الله اعطانا هذه الأشياء بغني للتمتع (1تي 6 : 17) ، ولكن النقطة هنا هي المقارنة بحقوق المسيح علينا ، فهذه الأشياء ربما تكون مهمة لنا ولكن بالنظر الي حقوق المسيح علينا يمكننا التعامل معها بازدراء .

والآن هل نحن علي استعداد لإعطاء الرب المكانة الفائقة علي كل الأشخاص والاهتمامات الأخري في حياتنا ؟ هذا هو أول شرط لأكون تلميذ حقيقي .

(يتبع)

ليست هناك تعليقات: