الخميس، 23 يونيو 2011

محادثة في الكمال المسيحي عند الوسليين (4)

وسلي  - هل من فكرك إذن أننا نستمر في ارتكاب الخطية ؟ ، أما شهد الله عن كثيرين من الأتقياء الأمناء لله حتي قبل مجئ المسيح أنهم كانوا كاملين ؟، وحاشا أن يكون خلاصنا بالموت ، لأن أخنوخ وإيليا انتقلا بدون أن يعاينا الموت ، ثم أن أيوب كان كاملاً ، ونوح كان كاملاً ، وابراهيم ، واليهود إجمالا أمرهم الله أن يكونوا كاملين ، والرسول بولس يقول لأهل فيلبي ص 3 : 15 "الكاملين منا" ، وفي الكتاب أكثر من مائة شاهد لإثبات هذا الحق ، والرب نفسه يقول في يو 17 : 23 "ليكونوا مكملين إلي واحد" ، والرسول بولس يخاطب أهل أفسس (ص 5 : 27) عند كلامه عن الكنيسة قائلاً "لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شئ من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا لوم"، والواقع أن الآيات الكتابية التي تتكلم عن القداسة عديدة جداً ، حتي إني لا أفهم كيف يتسني لك إنكارها ، بحيث تنسب إلي الموت ما ينطبق علينا الآن فعلاً بحسب ما هو واضح صريحاً في كلمة الله إذ قيل لابراهيم "سر أمامي وكن كاملاً" (تك 17 : 1) ، أما الشوكة التي أُعطِيت لبولس في الجسد وذكرتها في عرض كلامك ، فلم تكن خطية لأن الله لم يكن ليجربه علي هذه الطريقة .

داربي - أول كل شئ أنا متفق معك تماماً من جهة الشوكة التي أُعطِيت لبولس في الجسد ، فإنها بدون شك لم تكن خطية ، ولكنها كانت نوعا من التأديب المؤلم للجسد وقد قصد الله بها أن يوقف عمل الخطية ، لئلا يتعطل الرسول في خدمته ، وكل غرضي من ذكر هذه العبارة التي ذكرها الرسول بولس أن أوضح أن الاختطاف الي السماء الثالثة لا يغير الجسد ، بل ربما كان في ازدياد المعرفة بالله ما يدعو إلي الانتفاخ والكبرياء ، وأن العلاج الشافي ليس في تغيير الطبيعة ، بل في قمعها واذلالها ، إذا أنها شريرة دائماً . وعبارة الرسول هذه برهان واضح علي صحة هذه القضية .
أما قولك إذن أننا نستمر في ارتكاب الخطية . فالجواب حاشا وكلا . وهذا الاعتراض هو خدعة شيطانية وغرضي الآن أن أثبت بطلانها ، لأن إبليس يحاول بمثل هذا السؤال أن يفسد أذهان الناس عن البساطة ، والخطأ الذي يرتكبه المدافعون عن هذا التعليم هو في خلطهم بين الخطية والخطايا ، بمعني أنهم لا يميزون بين الأعمال التي تصدر من الأصل الشرير الساكن فينا وبين ذلك الأصل نفسه ، بحيث أنهم ينكرون وجود الخطية في الإنسان الذي لبس المسيح ، علي أني لا أقول أنه ينبغي أن نخطئ ، بل ينبغي أن نسلك بحسب الروح لا بحسب الجسد (رو 8) ، إلا أني أقول من الجهة الأخري أن الخطية ساكنة في طبيعتنا ، وفي نفس الأمر القائل أن لا نسلك حسب الجسد ما يدل علي أن الجسد شرير في ذاته ، ولكن الجسد ليس هو التجربة ولا هو الشيطان بل هو أصل موجود في الإنسان (غير الخطية التي يرتكبها) ، وهو ما ورثناه بالسقوط ، وهو غير خاضع لناموس الله ، إذ هو أيضاً لا يستطيع (رو 8 : 7) ، ومعلوم أنه لا يجب أن نسلك حسب هذا المبدأ ، وأمين هو الله الذي لا يدعنا نُجََرَبْ فوق ما نستطيع أن نحتمل (1كو 10 : 13) ، ومن هنا يتبين لنا الفرق بين المسيح وبيننا من جهة ناسوته . أما هو فقد وُلِد من  الله بحسب الجسد ، أمَّا نحن فلا . ثم من جهة أخنوخ وإيليا اللذين لم يعاينا الموت فأنهما قد نُقِلا ، والنتيجة واحدة ، لأن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله (1كو 15 : 50) ، نعم أن الموت فعلا ليس هو الذي يخلصنا ، إلا أننا من الجهة الأخري نحن الذين لنا باكورة الروح لم نتمتع بعد بالخلاص الكامل إذ نحن متوقعون التبني فداء أجسادنا (رو 8 : 23) ، وبما أننا لم نحصل علي ذلك بعد فانه يوجد فرق كبير بين حالتنا ونحن في هذا الجسد وحالنا بعد خلعه وانتقالنا من هذه الحياة ، كما أنه يوجد فرق بين هذه الحالة الأخيرة وحالنا عندما تُفتَدي أجسادنا وتكَّمل بالقيامة . نعم إني بالموت اخلع هذا الجسد ، ولكني لا ألبس غيره ، فأتغرب عن الجسد واستوطن عند الرب (2كو 5 : 8) ، إلا إنه لم يُكتَمل مجدي ، وإن كنت قد تخلصت من هذا الجسد ، فإني لا اتمتع بالقيامة التي اتمتع بقوتها الآن في نفسي بالروح القدس ، نعم أن هذا الجسد الذي كان سبب أنيني وأنين كل الذين لهم باكورة الروح علي الأرض لم يعد يسبب لي أنيناً بعد ، وهذه الخيمة التي كانت تربطني بالأرض (في الواقع لا بالقلب) وهي معرضة للزوال قد انحلت ، فانفك رباطي بالخليقة ، ولكنني لم أصل إلي غرضي بعد ، مع أني طرحت ثقلا وخلعت ثوبا مدنسا ، إلا أني استطيع أن أتمتع بمحضر الرب بدون عائق إذ تخلصت من كل الموانع . إذن موتي في الحقيقة لا يخلصني . لأنه عندما يلاقيني الموت يجدني قد خلصت بموت وقيامة يسوع المسيح ، وأني قمت معه . بحيث أني أتحقق ذلك في نفسي الآن ، وبالروح القدس أختبر البركة الناتجة عن ذلك ، وافتخر علي الرجاء الذي لا يخزي . فخلع هذا الجسد لا يُزيد شيئاً علي مقامي الذي لي عند الله ، لأني معه بالإيمان ، ومثل يسوع هناك ، إنما بانفصالي عن  الذي لم يتم  فداؤه بعد (الجسد) وأستوطن عند الرب يسوع أمام أبي السماوي ، متوقعاً أن ألبس المسكن الذي لي أي الجسد الممجد الذي هو علي صورة جسد مجد يسوع المسيح ، وهنا إسمح لي أن أعتب عليك من أجل تساهلك في الاستشهاد بالآيات الكتابية ، لأننا عندما نُحرِّف أقوال الله لا نخدع انفسنا فقط ، بل أن ذلك يبرهن علي عدم إرشاد الروح لنا . فتُنتزَع الثقة من جهتنا ، ومتي تكرر حدوث ذلك واصبح عادة لازمة كان الغرض منها احقاق غير الحق ، فيضطر أن يحكم واحد مثلي بأن الذي يستعمل هذه الطريقة ولو عن غير قصد هو مجرد آلة في يد العدو ، وما أسرع انقيادنا (واأسفاه) وراء روح العدو بدلا من روح الله ، ولكني لا أري الإنسان في ذلك بل أري عمل المجرب ، لأني ألاحظ أن تحريف الآيات مقصود لأجل إثبات غرض خاص بكيفية واضحة، فهل تحب أني أعيد علي مسامعك النصوص الكتابية بخصوص الموت عن الخطية التي تقصد تطبيقها علي المسيحي الكامل؟ ، أما من جهتي فإني كلما كرَّرت مطالعة تلك الآيات كلما تأكدت من عدم انطباقها للغرض الذي تقصده منها ، وكلما اتضح لديَّ أن جميع تلك الشواهد بدون استثناء تخص كافة المسيحيين الذين يخاطبهم الروح القدس من باب التعليم والإرشاد مثل بقية النصائح الواردة في الكتاب المقدس ، مثل "اميتوا أعضاءكم التي علي الأرض" ، "ولا تملكَّن الخطية في أجسادكم المائتة" ، وهذه الملاحظة تنطبق أيضاً علي (رو 8 : 10-12) ، ولكني عندي عليك شئ من جهة ملاحظتين أبديتهما لي ، قلت أولا عن المسيح أنه سيُحضِر الكنيسة لنفسه بلا دنس ولا غضن ولا شئ من مثل ذلك ، وفاتك أن هذا القول يصدق علي الكنيسة في المجد متي تمجد أولاد الله ، فهي تضاد معتقدك ، وتفيد غير المعني الذي حملته منها ، لأن هذه الحالة ستكون فوق بعد القيامة وليس هنا علي الأرض ، وكذلك قولك "ليكونوا مكملين إلي واحد" (يو 17 : 23) ، فقد تركت الجزء السابق الذي يوضح معني الجملة "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد" . ومن جهة الأشخاص الذين استشهدت بهم لاثبات تعليمك ، نتتبع أحدهم وليكن أيوب مثلا لأن تاريخ حياته مفصل في الوحي ، وأنت أيضاَ أطلت الكلام عنه ، فأيوب لم يكن "مثله في الأرض رجل كامل ومستقيم" ، ولكن إذا أثبَّت أن هذا الإنسان الذي تصوَّرت أنه لم يكن فيه خطية علي خلاف ما افتكرت فتسقط حجتك ، أما القضية المعروضة في سفر أيوب فهي : هل يمكن لإنسان مملوء بالنعمة كامل ومستقيم أن يخلو من الخطية ، بحيث يستطيع الوقوف أمام الله كمن هو بلا خطية متمسكا ببره لديه ؟ ، أم العكس صحيح؟، أي أن الخطية لا تزال باقية فيه مع أنه بالنعمة يسلك كما يحق لدعوته ، وأنه يجب عليه أن يحكم علي ذاته أمام الله ، وعوضا عن اتكاله علي النعمة المعطاة له من الله ينبغي بالحري أن يحكم علي نفسه ، إذ ينسي ما هو وراء ويمتد إلي قدام،  بمعني أنه يتناسي تقدمه الروحي لكي يكون نظره في الله دائماً ساعياً بكل تواضع أن يصل إلي قياس قامة ملء المسيح بالحكم علي ذاته كل حين ، ليس أنه يسهر فقط بل يحكم علي ذاته دائما غير ناسٍ أمام الله الطبيعة الشريرة التي فيه ولو لم تكن عاملة . لأن ذلك لايمنع اعترافنا بوجودها . فأيوب مثلا كان إنساناً ممتلئاً نعمة ولكنه أخذ يصف لنا اختباراته ، ومن ذلك نلاحظ أن ذهنه ليس مشغولا بنعمة الله ، أي أنه لم يضع فكره في النعمة التي في الله ، بل فيما انتجته النعمة في شخصه ، كأنه انشغل بالمن الذي التقطه وحافظ عليه الي الصباح فانتن وامتلأ دوداً ، وقد رأي الله فيه ذلك قبل أن يشعر أيوب بشئ من وخامة عمله ، فأصابه بتلك التجارب التي أوقعها عليه الواحدة بعد الأخري حتي تحركت فيه عوامل الخطية وبرزت بعد أن كانت كامنة في قلبه ، فتنبه اليها ضميره لأنه لما كان قلبه مشغولا بنفسه لم يفتكر إلا في نتائج النعمة، فتمسك أيوب المسكين بكماله وتفاخر به غير ناظراً إلي قداسة الله الكاملة وصلاحه المطلق ، وغير شاعراً بقصور في ضميره أو قلبه لأن مشغوليته إنما كانت في صلاحه هو ، وبمقدار ما انحصر فكره في ذلك بذات المقدار غاب صلاح الله عن ذاكرته ، لأن تأمله في قداسته الشخصية جعل ضميره لا يشعر بقداسة الله ، ولكن الله الذي أحبه أمين ، إذ جربه بمقدار ما يستطيع أن يحتمل ، لكي يكشف له مافي قلبه فيرجع بفكره الي التأمل في قداسة الله ولطفه ليس إلا ، وهذا نفس ما نشاهده في الاصحاح التاسع والعشرين حين نقرأ عن حاسيات أيوب الداخلية ومشغوليته بعمل النعمة التي فيه وما انتجته من القداسة ، إذ يقول "لأن الأذن سمعت فطوّبتني والعين رأت فشهدت لي لأني أنقذت المسكين المستغيث واليتيم ومن لا معين له . بركة الهالك حلت عليَّ وجعلت قلب الأرملة يُسَرّ ، لبست البر فكساني كجبة وعمامة كان عدلي . كنت عيوناً للعمي وأرجلا للعرج وأباً للفقراء" . . . الخ ، من هذا الوصف نري أن أيوب كان رجلا ممتلئاً نعمة وحقاً وقد شعر هو بذلك ، ولكونه انشغل بذلك احتاج قلبه إلي تدريب لكي يتعلم من هو أمام الله لذلك حلَّت به تلك المصائب . ولكن أيوب بقي ثابتاً في وقت الشدة كما كان ثابتاً وقت الفرج . وكأن تأثير تلك المصائب لم يصل إلي أصل تلك الخطية . لذلك اشتهر أيوب في الكتاب المقدس بصبره أكثر مما اشتهر بصلاحه ، إذ قيل في (يع 5 : 11) "سمعتم بصبر أيوب" ، بعد ذلك نقرأ أن الله سمح لاصحابه أن يأتوا إليه لكي يعزوه ، وهنا نلاحظ أن أيوب الذي احتمل وتجلد حين كان منفردا بمجرد ما لاحظ أن أصحابه اصبحوا شهوداً ضده تحركت الكبرياء التي فيه ، وطالما كانت مواساة الناس سبباً لإظهار ضجرنا ، فأيوب الذي اشتهر بالصبر أخذ يلعن اليوم الذي ولد فيه ، ولكن ماذا كانت نتيجة كل تلك التجارب والمصائب والدروس التأديبية في نفس أيوب ، بعدما كان يقول أن الأذن التي سمعت طوبتني والعين رأت فشهدت لي ، نراه حالما رفع بصره نحو الله يقول "الآن رأتك عيناي لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد" (42 : 5) ، هذا هو تاريخ ذلك الإنسان الكامل كما ورد في التوراة . ولكن ربما تقول عني أني أسر بالتشهير والتنديد بقديسي الله وكشف عيوبهم . ولكن حاشا أن يكون هذا غرضي ، إلا أني مع جميع اولئك القديسين أفرح بالله لا بالإنسان لأني تعلمت مثل أيوب أني "ان تبررت يحكم عليَّ فمي"
(يتبع)

ليست هناك تعليقات: