الأربعاء، 29 يونيو 2011

محادثة في الكمال المسيحي عند الوسليين (8)

وسلي  - ولكنه قيل أن الله "دان الخطية في الجسد لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8 : 3 ، 4) .

داربي - نعم ، ولكن الشر الساكن في الجسد لم يتغير ، وهذا ما أوضحه الرسول تكراراً . إلا أننا اُعتِّقنا من ناموس الخطية والموت بواسطة الحياة الجديدة التي لنا في المسيح يسوع ، ومتي سلكنا بمقتضي هذه الحياة الجديدة فلا نـُقصِّر في اطاعة وصاياه ، ولكننا في الوقت نفسه نحكم علي الجسد الذي فينا ب، ل أن حُكمِنا علي الجسد هو قوة سلوكنا بالروح ، وبمجرد ما نفتكر أو نسلك حسب الجسد فلا يتم حكم  الناموس فينا ، ومن الجهة الأخري فإن الله الذي أعطانا هذه الحياة التي نسلك فيها بالمحبة ، قد أعطانا في الوقت نفسه أن ندرك أننا بعيدون عن قياس يسوع المسيح ، بمعني أننا بعيدون عن الكمال المرسوم أمامنا كغرض في المسيح عليَّ أن أعلم أنه متي أظهر أكون مثله لأنني سأراه كما هو ، "وكل من عنده هذا الرجاء به يُطهِّر نفسه كما هو طاهر" (1يو 3 : 2 ، 3) فإذا كان الله يعطينا قوة لكي نسير في طرقه فهو يعطينا هذه القوة مقترنة بمعرفة عدم إمكاننا إدراك الغرض الموضوع أمامنا ما دمنا هنا علي الأرض . وعوضا عن النظر إلي غرض نظن أنه في إمكاننا الوصول إليه ، وهنا لأجل تشجيعنا ، يؤكد لنا الله أننا لابد من بلوغ هذا الغرض فيما بعد . فهذا الكمال لابد أن يتم فينا، ولكننا في سعينا إليه نشعر أننا ضعفاء عن ادراك ما نريده لكي نسلك بالتواضع في كل حين أمام الله ، ومن الجهة الأخري فإننا نمتد إلي قدام نحو الغرض الموضوع أمامنا ، من هنا تري أن معتقدك الذي يظهر لك أنه صواب ، هو في الحقيقة ضد كلمة الله وفكر الله ، لأنه أشبه بالبر الذاتي الذي لا يتقوي بالنعمة المعطاة لنا بل يَحسِب نفسه شيئاً ، ويظن أنه قد أدرك الغرض . إن الله قد أعطانا في بداية الطريق غفران الخطايا ، ووعدنا في نهايتها بالمجد ، وبقوة هذا الرجاء الذي فينا بوصول حياة يسوع المسيح الينا نتقدم في المسير . علي أن بهاء وطبيعة ذلك المجد واضح من أوصافهما أن ذلك المجد ليس في طاقتنا إدراكه هنا علي الأرض . فنحن نفتخر علي رجاء مجد الله" (رو 5 : 2) ، "وبالرجاء خلصنا" (رو 8 : 24) وإذن نحن واثقون في نعمة الله نسعي نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع .

وسلي  - ولكنه قيل أننا إُعتقنا من الخطية نفسها لا من ناموس الخطية فقط

داربي - لو كنت طالعت قرينة الكلام لكنت رأيت أن الرسول "يتكلم إنسانياً" بسبب ضعف جسدهم . فالعتق الذي يتكلم عنه هنا هو بالمقابلة مع الاستعباد ولذلك نجده من باب المقارنة يقول أنهم اصبحوا عبيداً لله (رو 6 : 22) ، فالرسول في هذه الجملة يقارن بين عبد وحر لسهولة التعبير ليس إلا . وأرجوك أن تلاحظ أيضاً أن الكلام ليس عن حالة إنسان مسيحي كامل دون غيره بل عن كافة المسيحيين بصفة مطلقة . ومن هذا تري أن الجملة لا تساعدك في شئ لإثبات معتقدك . ومثل هذا يقال أيضاً عن الآيات الثمانية التي أشرت إليها في رسالة يوحنا وهي رسالة يحبها كل الذين يحبون أولاد الله بالرغم من تهكم اولئك الذين اعتادوا احتقار اخوتهم والتشنيع بهم ، وهل تلك الاعداد الثمانية التي ذكرتها تثبت أن بعض المسيحيين قد بلغوا درجة الكمال التي لا يعودون معها يخطئون فيما بعد بينما بقية المسيحيين اخوتهم لم يصلوا الي تلك الدرجة؟ ، حاشا وكلا . فالرسول يتكلم عن كل من "ولد من الله" ، فالذي يفعل الخطية هو من ابليس بل ولا يعرف الله (1يو 3) ، إذن بحسب فكرك الذي تستنتجه من هذه الآية كل الذين لم يصيروا كاملين هم من ابليس "المولود من الله لا يخطئ ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله" ، وهذا القول يصدق علي كل مسيحي . ولا أري كيف يمكن لأي واحد مهما كان بسيطاً أن يفهم من هذه العبارة غير ذلك . ربما تقول لي قد يوجد بعض تلاميذ في فرقة واحدة ولكن بعضهم متقدم علي البعض الآخر . ولكني أقول لك أن كلام الرسول هو عن الفرقة كلها ولا توجد إشارة إلي تقدم البعض دون الآخرين .

وسلي - ولكنه أما قيل تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك ومن كل فكرك ، وتحب قريبك كنفسك ؟

داربي - سبق لي أن جاوبتك إجمالا . وقد أثبتُّ لك أن الله بالضرورة يأمرنا بما يجب علينا لا بما نقدر أن نعمله . لأن هذه الوصية التي هي غاية الناموس انما اُعطِيت للإنسان في الجسد وهو "ضعيف" ، وقد تبيَّن لك مما مر بنا أن الوصية وإن كانت هي ناموس الله الصالح الكامل ، إلا أنها متي وضعت علي الإنسان وهو تحت الخطية أصبحت خدمة موت ودينونة (2 كو 3) .

وسلي  - صحيح ولكننا نحن تحت النعمة ويمكن لنا أن نكمله .

داربي  - وقد جاوبتك ايضاً علي هذه النقطة . فنحن تحت النعمة ولنا حياة جديدة - حياة المسيح فينا - ناظرين إلي يسوع المسيح في المجد ، وعالمين أنه متي أظهر نكون مثله لأنناه سنراه كما هو . وهذه الحياة تحكم علي كل شئ فينا بمقتضي كمال الحالة التي سنكون فيها مستقبلا بعد القيامة ، مع عِلمُنا بأننا لم ننل فداء أجسادنا بعد . إذن هذه الحياة تحكم علي الإنسان العتيق الذي فينا وتحكم عليه أصلاً وفرعاً . فيُطهِّر المسيحي نفسه كما أن المسيح طاهر . لاحظ أن الرسول لا يقول عن المسيحي أنه يسعي لكي ينمو في المسيح ، بل أنه يُطهِّر نفسه كما هو طاهر ، ثم لا يقول أنه قد تطهر ، بل يُطهِّر نفسه كما هو الذي في المجد ، وإذ يعلم أن وقت فداء الجسد لم يأت بعد فهو لا يتوهم بلوغه الكمال هنا علي الأرض .
(يتبع)

ليست هناك تعليقات: