الاثنين، 27 يونيو 2011

محادثة في الكمال المسيحي عند الوسليين (6)

وسلي - ولكن في ذلك الوقت لم تكن النعمة الكاملة أُعلِنت بعد ، لأنه قيل أن الروح القدس لم يكن أُعطي بعد ، أما الآن وقد انسكبت محبة الله في القلب بالروح القدس فممكن لنا أن نصل إلي درجة الكمال .

داربي - فلماذا إذن استشهدت أنت بتلك الأمثلة لإثبات معتقدك من جهة الكمال ولكن ما علينا .
ولنتأمل الآن في النوع الثالث من الكمال كما في قول معلمنا في مت 5 : 48 "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل"، وهنا يجب أن نلاحظ الفرق في التعبير فهو لا يقول كن كاملاً أمام الإله القدير ولا كن كاملا لدي الرب كما قيل لإبراهيم أو لبني اسرائيل ، بل يذكر اسم الآب الذي فيه إعلان ملء النعمة ، فنحن بالنسبة لهذه التسمية أولاد مقبولون في المسيح ، كما أن المسيح مقبول لدي الآب ، لأن قبولنا في المحبوب ابنه ، ونحن أبرار أمام الله كما أن المسيح يسوع بار ، ومحبوبون كما أنه هو محبوب، لذلك لا يقول لنا اظهروا صفات الكمال لكي تكونوا مقبولين ومرضيين عنده بل يقول أنكم ابناء أبيكم السماوي إذن عليكم أن تظهروا صفاته في العالم " فانه يشرق شمسه علي الأشرار والصالحين ويمطر علي الأبرار والظالمين" ، أي أنه يعامل الناس بمقتضي النعمة لا بمقتضي الناموس ، وأنتم أيها الخطاة المخلصون بالنعمة برهان علي ذلك ، فكونوا شهوداً لهذا الحق لأن العشارين يحبون الذين يحبونهم أما أبوكم السماوي فإنه يحب اعداءه فاسلكوا أنتم هكذا بمقتضي القانون عينه و "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل"، فلا يقول كونوا كاملين لديه أو أمامه ، أو أن الغرض أن نكون بلا خطية بل يقول عاملوا اعداءكم بالمحبة متشبهين بأبيكم ، ولذلك قلت أن هذه الجملة لا علاقة لها بالخطية في الجسد بل هي تتضمن المبدأ الذي يجب أن نسلك بموجبه كأولاد الله بالمقابلة مع مبدأ الناموس أو مبدأ العدل ، وإذا كان معني كوننا "كاملين كما أن أبانا الذي في السموات هو كامل" هو خلونا من الخطية في الطبيعة ، وإذا كان معني هذه الجملة أني أشابه أبي في كماله من هذا الوجه ، وعلي فرض أن الكمال الذي فينا بحسب معتقدك يجيز لي أن أرتكب أموراً تستوجب الدينونة الأبدية . فينتج من ذلك أن كمال الله أيضاً بهذه الصورة ! . وحاشا لنا أن ننسب لله أقوالا كهذه وتعالي شأنه علواً كبيراً .
قلت لك أن هذا التعليم يُخَفِّض من شناعة الخطية وقيمة القداسة ، وينزل بهما إلي مستوي حالة نفسي أنا ، لأنك تقول أن الإنسان الآن غير مُكَلَف أن يُكمِل الوصية المسلمة لآدم ، ولا أن يتمم الناموس المعطي لموسي ، بل ناموس المحبة الذي يتساهل مع كثير من الغلطات ويجيز الانحراف عن قياس ناموس الله الكامل ، مع أنك لو كنت تقول أنه غير ممكن لك الوصول إلي الحال التي كان عليها آدم قبل السقوط (ولو أن البعض قد توسعوا إلي حد أنهم صرحوا بعكس هذه النظرية) ، وأننا لا نستطيع إتمام شريعة موسي لأننا خطاة معترفا بأنك يجب أن تتواضع لأن الخطية هي سبب كل ذلك ، لما كان لي وجه للإعتراض ، ولكنك تدَّعي أننا غير مطالبين بحفظ الناموس ، وهكذا تُخَفِّض من قياس القداسة ، وعوضا عن الانكسار والتذلل والاعتراف تنكر أنها خطايا بالمرة، وهذه التهمة تثبتها أنت بكلامك إذ تقول لي أن الانحراف عن الناموس الكامل لا يعتبر خطية بالمعني الصحيح ، مع أنك تعترف أنها تستحق الدينونة الأبدية، وبحسب فكرك لا تعتبر الخطية خطية بالمعني الصحيح إلا إذا كانت تعديا اختياريا علي ناموس الله ، وينتج من ذلك أن الشهوة التي كان الرسول بولس يعتبرها خطية لم تكن في الحقيقة خاطئة أبدا لأن الإرادة كانت حاضرة عنده للصلاح ، ومثل هذا يقال ايضا عن خطايا السهو والغلطات فكأنك لا تعتبر شيئا خطية إلا الخطايا الاختيارية التي نقرأ عنها في رسالة العبرانيين أنه "لا تبقي بعد ذبيحة" عنها ، وكأن الرسول بولس كان مخطئا لما صرح في رو 7 قائلاً "لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل" إذ اعتبر ما ليس خطية خطية وفوق ذلك تَضَايُقه من جراء تلك الحالة .

وسلي  - ولكن الأصحاح السابع من رسالة  رومية ليس وقت حالة إنسان متجدد.

داربي - أنا لست معك في هذا الفكر . نعم أن الرسول  لا يصف هنا حالة الحرية بل يحكم علي الجسد ازاء الناموس ، ولكن هذه ليست مسألة بحثنا ، فسواء كان الأصحاح السابع من رومية لسان حال إنسان متجدد أم لا فعلي كل حال إذا كانت الخطية لا تعتبر خطية إلا إذا كانت تعديا اختيارياً علي ناموس الله ، فواضح أن الخطية في الجسد التي يكتب عنها الرسول هنا هي خطية وهمية، لأنه يصرِّح أنه يفعل ما ليس يريده ، وإذا كان ما ليس يريده فإياه يفعل، إذاً لا تكون الخطية اختيارية ، وعلي حسب فكرك ما كان له حق أن يتضايق أو يصرخ طالبا النجاة .

وسلي  - ولكنه يقول في الأصحاح الثامن أنه تحرر من هذه الحالة .

داربي - نعم بدون شك ، ولكن هذا لا يمنع الحكم حسب فكرك بأن الذي كان يشكو منه لم يكن خطية بالمرة ، إذ في الأصحاح السابع يُصرِّح أن ما يفعله لم يكن لارادته دخل فيه ، بحيث جاز أن يقول لست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيَّ ، ومن هنا تري يا أخي العزيز أن جميع الاختبارات التي نقرأ عنها في العهد الجديد تخالف معتقدك ، والتعريف الذي حدَّدت به الخطية من أنها ليست سوي تعدٍِ اختياري ضد ناموس الله يؤول إلي إنكار وجود الخطية في الجسد ، تلك الخطية الساكنة فينا حتي بعد إقماعها بالروح ، وهو تعريف يَحُطّ من معني الخطية ، ويجعلنا نكتفي بذواتنا عوضا عن تعظيم النعمة وصلاح الله ولا شك أن الشهوة خطية ، وتقصيرنا في اتمام واجبات المحبة إنما ينشأ عن الخطية الساكنة فينا ، أما المسيح فلم يكن كذلك لأنه كان بلا خطية ، سالكاً بموجب مشيئة الله وما كان يهمل في عمله كما أهمل أنا ، ولا كان يندفع بالجسد ، نعم أن اندفاعي بالجسد بينما أقصد أن أفعل الصالح من كل قلبي لا يُحسَب لي خطية ، ولكن ذلك ليس لأن التهجم لا يُعتبر خطية بل بسبب كفارة المسيح، أما هذه جميعها فسببها الخطية الساكنة فيَّ التي لم تكن في المسيح ، لأنه كان كاملا ليس في لاهوته فقط بل في ناسوته أيضاً . نعم أني لست أدان لأجل هذه الطبيعة الساكنة فيَّ لأن يسوع احتمل دينونتها ، ولكن هذا يجب أن يكون باعثاً للحكم عليها .
وأما الجملة الواردة في 1يو 4 : 17 "كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضاً" فمعناها غير ما تفهمه منها . ويجب أن تلاحظ أولا أن الضمير هنا راجع إلي المسيح لا إلي الله ، وقد قيل في ص 3 : 3 من هذه الرسالة نفسها "كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر" فما هو هذا الرجاء ؟ أننا "سنكون مثله لأننا سنراه كما هو" (عدد 2) ، ومعني ذلك أننا سنكون مثل المسيح وهو الآن في مجده لا مثله حين كان هنا علي الأرض ، الأمر الذي لم تُقِر به كلمة الله مطلقاً . واضح أيضاً أننا في حالتنا الحاضرة لسنا كما هو ، وبمراجعة قرينة الكلام الوارد في 1يو 4 : 17 وبالتأمل جيدا نقدر أن نفهم ما يقصد أن يعمله الروح القدس ، فقد جاء في عدد 9 "بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلي العالم لكي نحيا به" ، وفي عدد 17 "بهذا تكمَّلت المحبة فينا أن يكون لنا ثقة في يوم الدين لأنه كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضاً"، ولكن المحبة إذا تكملت فينا لا تكون النتيجة أننا نقول سنكون كذا وكذا في ذواتنا بل تعطي "لنا ثقة في يوم الدين".
ومن أين لنا هذه الثقة ؟ "أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلي العالم" وبما أن المحبة قد تكملت إذ أصبحنا في المسيح نفسه أمام الله ، وذلك بقوة الحياة التي يحياها وبواسطة اقتراننا معه بالروح القدس الساكن فينا ، قد صرنا مقترنين به منذ الآن ونحن هنا علي الأرض ، ومع أننا لسنا مثله شخصيا كما هو في مجده ولكننا كاملون مثله أمام الله لأننا فيه ، حياته لنا ونحن مقبولون فيه ومحبوبون مثله وأبرار نظيره ومن حيث الرجاء والمبدأ نحن شركاؤه في مجده ، وهذه الحياة قد وُهبِت لنا ونحن هنا علي الأرض ، لأن الروح قد أُعطِي لنا فعلاً ، بحيث لنا أن نسلك ونحن واثقون أننا مقبولون كشخصه ومحبوبون مثله ، فالذي يضرنا يضره لذلك نسمعه يقول واضعاً نفسه في مركزنا "لماذا تضطهدني" (أع 9 : 4)، وكما أن الله في المسيح أظهر محبته من نحو البشر هكذا الإنسان في المسيح تقرب إلي الله في كمال قبول المسيح ، فله الحق أن يتمتع بامتيازه هذا بالطبيعة التي أُعطِيت له لكي تكون له شركة فيه ، أما الطبيعة التي نلناها فهي طبيعة المسيح نفسه ومتي سلكنا بموجبها فإنها تظهر للعيان . نعم نحن صرنا شركاء الطبيعة الإلهية إذ اقترّنا بأدم الأخير، إلا أن هذه الطبيعة لا تغير شيئاً من الإنسان العتيق بل تحكم عليه وتقضي علي أفكاره وطرقه.

(يتبع)

ليست هناك تعليقات: