وسلي - وأنا معترف معك تماماً أن نعمة الله هي منشأ كل كمال فيَّ.
داربي - ربما . ولكنك متي انشغلت بكمالك ، وتأملت في النتائج التي لك في نفسك ، عوضا عن المشغولية بالله الذي هو مصدرها ، فلا يقال عنك أنك تنسي ما وراء وتمتد إلي ما هو قدام لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع ، بل أنت تُظهِر ولو عن غير قصد روح ذلك الفريسي ، فالفريسي أخذ يشكر الله علي ما رآه في نفسه . إذن الاعتراف بنعمة الله ليس هو الكل ، ولكن الخطأ مع الفريسي أنه عوضاً عن أن يشكر الله من أجل ما هو عليه ، نراه يشكره من أجل ما هو أمامه ، فالفريسي يعترف بالنعمة ولكنه مشغول بالنعمة التي عنده لا بالنعمة التي عند الله التي تعطي وتغفر .
وسلي - ولكن كيف تتخلص من الآيات العديدة التي تأمرنا بالقداسة ، وقد سردتها لك وأنت لم تجاوبني عنها إلي الآن ؟
داربي - أنا حافظها في بالي ولم أنسها ، واعلم أن هذه الآيات هي أضعف حججكم ، وتبرهن أن تعليمكم هو ضد حق وقداسة الله علي خط مستقيم، إذ بموجبها تقصدون الحطّ من قداسة الله من جهة ، والتساهل مع الخطية من الجهة الأخري ، لأنكم لا ترفعون الله إلي مقامه الرفيع . مثلا قلت لي "كونوا قديسين كما أن الله الذي دعاكم قدوس" ولكن حقيقة العبارة كما وردت في 1بط 1 : 15 ، 16 هي "كونوا قديسين لأني أنا قدوس" ، وكل مسيحي يعرف معني وقوة هذه النصيحة ، وهنا أكرر ما قلته لك سابقا أن الاستشهاد بمثل هذه الآيات التي تنطبق علي كل المسيحيين اثباتاً لقضية تقصد تطبيقها علي بعض المسيحيين إنما هو ذَرّ رماد في عيون البسطاء ، وأنت تعرف جيداً أنه لا يوجد بين البشر إنسان قديس كما أن الله قدوس ، بل من نفس أقوالك يُفهَم أنه حسب فكرك معني قولك "كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" و "قديسين كما أن الله قدوس" ، ليس أن الإنسان معصوم من الخطأ بل أن أعظم الأتقياء يرتكبون بعض غلطات تحتاج إلي كفارة دم المسيح الذي بدونه كانوا يستحقون العذاب في جهنم إلي أبد الأبدين (راجع كتاب وسلي في "الكمال المسيحي") ، فما معني كاملين كما أنا أبانا الذي في السماء كامل إذن ؟ مادام أعظم الأتقياء يرتكب غلطات تحتاج إلي دم المسيح لأجل تطيهرها والا قضي علي ذلك الإنسان في الدينونة الأبدية ، وهل كان يعقل (لولا وجود ناس تقول بذلك) أن الذي يشهد بأن كل إنسان يرتكب أمورا تحتاج إلي كفارة دم المسيح يقول أنه ممكن أن يعد مع كل ذلك بلا خطية ، وأن أصل الخطية قد نُزع منه بالمرة بحيث أصبح كاملا كما أن أباه الذي في السماء كامل ؟!! ، وما داموا يشهدون أنه يوجد كمال إلهي غير ممكن لإنسان أو ملاك أن يصل إليه فلماذا يموهون علينا ويخدعونا بادعاء كهذا يحطّ من كمال وقداسة الله ؟ ، تقولون أن الإنسان الكامل له جميع حاسيات يسوع المسيح وأنه يسلك دائماً كما سلك ذاك ، وفي الوقت نفسه تعترفون أن أعظم الأتقياء يرتكب أموراً يستحق من أجلها الهلاك الأبدي . ولا يخفي ما في هذه الأقوال من تناقض غريب .
وسلي - ولكن الذي قال "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماء كامل" (مت 5 : 48) هو الرب يسوع المسيح لا أنا . وكذلك "من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضا" (1يو 2 : 6) وأيضاً "كما هو في هذا العالم هكذا نحن أ يضاً" (1يو 4 : 17).
داربي - أنا أعلم جيداً أن هذه الآيات واردة في كلمة الله ، ولكني أنكر عليك محاولة إثبات وجود مسيحيين بلا خطية غير شاعرين بأن أصل الخطية ساكن فيهم ، لأن الكتاب المقدس لم يذكر هذه العبارات لإثبات الغرض الذي قصدته ، بل عندما قال لنا يسوع "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" فسَّر لنا بنفسه المعني المقصود من هذا القول بما سبق من الكلام (مت 5) ، فالكمال المشار إليه هنا هو من حيث المعاملة بالمحبة لا بالناموس الذي يطلب العين بالعين والسن بالسن ، بمعني أننا نعامل جميع الناس علي مبدأ معاملة الله لنا أي بالنعمة ، فلا مدخل هنا للخطية الساكنة فينا ، ولا علاقة لهذا الكلام بأصل الشر الموجود في طبيعة المؤمن . ومعلوم أن الكمال ورد في الكتاب المقدس علي ثلاث صور تطابق اعلانات الله عن ذاته في التدابير المختلفة ، أي بصفته "الإله القدير" كما (لابراهيم) والرب (لأمة اليهود) والأب (للمسيحيين) فقد قال لإبراهيم سر أمامي وكن كاملا بعدما أعلن له ذاته أنه "الإله القدير" ، ومعني ذلك أن أبراهيم كان يجب عليه أن يسير أمام الله واثقاً في قدرته . ولكن إبراهيم قصر في هذا إذ نعلم أنه كذب (تك 20 : 2)، فأثبت بتصرفه هذا أنه لم يعتمد علي قدرة الله في ذلك الوقت ، ولكن هذا الكمال لا علاقة له بالخطية الموروثة من آدم، بل بتصرف من وضع ثقته في الله متكلا عليه في البلوغ الي هذا القياس ، والحقيقة أن الخطية كانت لا تزال باقية في إبراهيم ولذلك سقط . أما لإسرائيل فقال الله "تكون كاملاً لدي الرب إلهك" تث 18 : 13 ، والكمال المقصود هنا هو في تجنب الاسرائليين الاقتداء برجاسات الكنعانيين في عبادتهم الوثنية ، ولا دخل هنا للتطهير من أصل الخطية وهذا واضح مما ورد في نفس هذا السفر تث 29 : 4 إذ يقول موسي "ولكن لم يعطكم الرب قلباً لتفهموا وأعيناً لتبصروا وآذاناً لتسمعوا إلي هذا اليوم" وهذا القول يشير إلي أمانتهم من نحو الله برفضهم كل عبادة وثنية .
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق