وسلي - ولكني لم أقل أن الشهوة ليست خطية بل الميل ليس خطية . أما قولك أننا لا نستطيع حفظ الناموس فيظهر منه أنك نسيت ما هو مكتوب في رو 8 : 4 "لكي يتم فينا حكم الناموس نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" وفي الواقع أن الله لا يأمر الناس بما لا يستطيعون اتمامه وفي رسالة يوحنا التي يهرب منها اضداد القداسة مذكور ثمان مرات أن المولود من الله لا يخطئ.
داربي - ولكنك قلت بكل تأكيد أن الشهوة ليست خطية وفي نفس تعريف الخطية الذي ذكرته ما يدل علي ذلك ، لأن الشهوة التي فيَّ أي في جسدي ليست تعديا اختياريا ضد ناموس الله ما دامت لي بنعمة الله إرادة لعمل الصالح .
وسلي - إذا كنت قلت أن الشهوة ليست خطية فذلك لأن الرسول يعقوب يقول "أن الشهوة إذا حبلت تلد خطية" (يع 1 : 15) وحضرتك لا تفرق بين التجارب والشهوات نفسها .
داربي - واآسفاه علي الذهن البشري متي وقع في الخطأ فإنه يتوغل في كل أنواع الشك والتناقض . أما من جهة الجملة التي اقتبستها من يعقوب فالرسول نفسه يؤكد لنا أن "كل واحد يُجَرَب إذا انجذب وانخدع من شهوته" .
وسلي - لا يأخي أن الترجمة الصحيحة للفظة شهوة الواردة في هذه العبارة هي ميل أو رغبة .
داربي - أراك تلعب بالنار ، ونفس هذه الملاحظة تنم عن مكابرة واعتداد بالذات، لأني لا أري الفرق الذي تشير إليه مطلقاً ، فالكلمة التي تريد أن تترجمها رغبة هي نفس الكلمة اليونانية التي عبر عنها الرسول بولس في الأصحاح السابع من رسالة رومية ويقصد بها الشهوة التي عَرَّف بها الخطية ، ثم أرجوك أن تلاحظ أنه قيل هنا عن الخطية أنها أنتجت شهوة (عدد 8) ، صحيح أن الشهوة متي حبلت أنتجت خطية كفعل ، ولكنه صحيح أيضاً أن الخطية الساكنة فينا كأصل تنتج كل شهوة ، نعم أنه بحسب تعريفك للخطية (المخالف لكلمة الله) لا يمكنك أن تُسلِّم بهذا الفرق ولكنك تخالف حق الكتاب المقدس . لا ريب أن التجربة تختلف عن الخطية ، مثلا عندما أكره الشر والطبيعة الجديدة التي فيَّ تشمئز مما يعرضه عليّ ابليس (ولو كان تمليقا وتدليسا) ، فلا يقال عن ذلك أنه خطية ولكنها تجربة . أما الشهوة الساكنة فيَّ فإنها خطية دائماً . لست أقصد بذلك أنها تحسب لي خطية إلا أن التجاوز عنها مبني علي كفارة دم المسيح والإنسان الجديد يقضي عليها كخطية وويل لي أن لم أحكم عليها .
وسلي - ولكن ألم يكن للمسيح ميول ؟
داربي - انظر كيف وصل بك الأمر أن تساوي شخص ربنا يسوع المسيح بك ، حتي ترفع ذاتك . ويالها من مبادئ خطرة . لا لا حاشا أن تقول أن يسوع المسيح كانت له ميول مثل الميول الموجودة في طبيعتنا الساقطة ، ولكن ربما تقول لي توجد ميول صالحة . وأنا لا أنكر ذلك فالجوع والعطش مثلاً هما من هذا القبيل وهذه الميول هي نتيجة حاجات يعلم أبونا السماوي أنها فينا ، ولكن هل لك أن تساوي بين تلك الميول الموجودة في القلب البشري التي تقول أنت عنها حسب اقرارك انها موجودة في قلب أعظم الأتقياء ، وتعترف أنها سقطات تحتاج إلي دم المسيح وبين الميول التي كانت في قلب مخلصنا المعبود ؟ أما كانت جميع أفكار المسيح صادرة من الروح القدس مع إنه شعر بالاحتياج وتألم كإنسان ؟ وهل كانت الميول الشريرة الموجودة فينا التي يجب علينا أن نقمعها في كل حين بحيث إذا لم نضبطها نخطئ موجودة أيضاً في قلب يسوع المسيح ؟ يا عزيزي أني كلما تأملت مليَّا في معتقدكم الذي يحاول أن يساوي بين المسيح يسوع (الذي هو الله الذي لم يعرف خطية) وبيننا نحن الخلائق الساقطة والبشر المساكين الخطاة ، نعم كلما تأملت في ذلك أري أن تعليم القداسة الذي يُقصَد منه رفع الإنسان إنما يَحُطّ من امتيازاته ، فيُحقِّر الرفيع ويرفع الوضيع فيه ، ولا يبقي فاصل بين الخير والشر .
وقد قلت أيضاً أن الله لا يأمر الإنسان إلا بما يستطيع الإنسان اتمامه ، ولكن أين تجد كلاما كهذا في الكتاب المقدس؟ ، أما أعطي الله الناموس لبني اسرائيل بحسب الجسد ، فهل قدر الاسرائيلي أن يُكمِّل الناموس ؟
وسلي - الإنسان عجز ولكننا نحن بواسطة روح الحياة الذي في المسيح يسوع نقدر علي اتمامه .
داربي - هذا صحيح من وجه ، ولكنه لا يثبت صحة النظرية التي قررتها سابقاً من أن الله لا يأمر الإنسان إلا بما يستطيع أن يُكمِّله . فالناموس كان قد أُعطي من الله للإنسان في الجسد ، ومن العهد الجديد نتعلم بوضوح تام أن الله لم يعطِ الناموس للإنسان بقصد أنه يستطيع أن يحفظه . صحيح أن الذهن الجسدي يدَّعي ذلك ، ولكن كلمة الله تعلمني أن الناموس قد أعُطِي للإنسان لكي يعرف الخطية ، ويقتنع بأنه ليس في وسعه أن يحفظه "لكي تصير الخطية خاطئة جداً بالوصية" ، أو كما يقول الرسول في موضع آخر "أما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية" ،"ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت فيَّ كل شهوة لأن بدون الناموس الخطية ميتة" (رو 7 : 8) ، ولاحظ هنا أن الخطية هي التي أنشأت كل شهوة ، لأنه لما جاءت الوصية وقالت لبولس لا تشته حينئذ أدرك الخطية "فقوة الخطية هي الناموس" ، كما يقول الرسول في موضع آخر (1كو 15 : 56) ، ينتج من ذلك أن قصد الله من اعطاء الناموس إنما كان لاقناع الإنسان أن الخطية ساكنة فيه ، لا كما قلت لكي يحفظه الإنسان أو يُكمِّله .
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق