عبدا الي الابد (الجزء الثالث)
أما في يوحنا حيث نجد هناك الجانب الإلهي أكثر من جانب الخادم ، فهو يخبرنا بأنه ذاهب إلي الآب ، وهذا لا يغيّر من خدمته إلا من جهة صفة تلك الخدمة ، فلم يعد يخدم الآن بين الناس ، ولكنه يقوم بالخدمة لأجل شعبه في الأعالي .
وكأنه يقول إنني في المجد سوف لا أكف عن خدمة هؤلاء المساكين ، لأنه هل يمتنع قلبه عن خدمة هؤلاء ؟ كلا ، لا يمكن ، أنه الشفيع ، ونجد في رسالة يوحنا أن تلك الخدمة ليست في العالم فهو لم يأخذ تلك الخدمة إلا عندما ذهب إلي السماء ، ولكن السؤال كيف يستطيع شخصاً سماوياً أن يعرف ويشعر بالاحزان والتجارب والضيقات التي يجتاز فيها كائنات ضعيفة وخاطئة مثلنا ؟ ولذا كان يجب أن يأتي أولاً إلي أرضنا ههنا (بلا خطية بالطبع) ويُقتَاد بواسطة الروح (نحن غالباً ننقاد بواسطة أمور أخري) إلي البرية ليُجرَب من إبليس لأننا نحن هناك ، وفي يوحنا (13) نجده مزمعاً أن يمضي إلي المجد ، فبعدما مجّد الله ههنا ، لسان حاله لا يمكنني البقاء هنا معكم ، لأنه لا يمكنكم أن تجدوا راحة هنا لأن هذا المكان قد تدنس ، فأنا يمكنني أن أخدم ولكن ليس هناك راحة هنا ، فهو يجب أن يمضي الي الله إلي أعلي ويستمر في الخدمة ، ولذا يقول "ان لم اغسلك فليس لك معي نصيب" أي أنك لا يمكن أن تكون في شركة معي في هذا المكان الملئ بالخطية ولذا يجب أن أُعدِّك للشركة معي وأنا في الأعالي هناك ، لأننا خلال سيرنا هنا تتسخ أرجلنا بواسطة الطريق ولكن شفيعنا لا زال يخدم . فعندما يحيد القلب عنه فهو كفيل بأن يستحضر القلب إلي الإذلال والانكسار لكي يرد النفس ، إن دمه قد رش علينا ، لكنه لا يزال يغسل اقدامنا ، فهو يقول يجب أن أنقيِّك بحسب قياسي عن التطهير وهذا عيّن ما يفعله الآن ، فيالها من محبة كاملة ، بل يالها من خدمة ، وهل يترك تلك الخدمة التي تشبع قلبه ؟ (ألا يجعلنا هذا نسجد له بكل وقار) ، إنه سوف لا يترك تلك الخدمة أبداً ، أنه إنسان إلي الأبد ، وهذا ما نجده في هذا الاصحاح ، بل واكثر من ذلك إنسان يحل فيه كل ملء اللاهوت .
فهناك شئ جديد لله لا يستطيع أحد أن يفعله قط وهو أن يأتي في صورة إنسان إلي الأرض ، لا يستطيع ملاك أن يفعل ذلك ، ولكن الله استطاع أن يأتي إلي أرضنا عاملاً بالمحبة الإلهية الفائقة ، أما بالنسبة لي فلا يمكنني أن أخذ صورة خادم أو عبد لأنني بالفعل كذلك لو لم أكن خاطئاً عاصياً ، إن الشخص الإلهي فقط هو الذي يستطيع أن يأخذ صورة عبد وهذا ما قد صنعه بالفعل .
أنه يقول "لتكن أحقائكم ممنطقة" ، إنني أعيش في وسط عالم شرير ولكنني أحيا متطلعاً إلي المسيح ، أما العالم فإنه سيظل هكذا (الله يعلم إلي متي) ولكن يوم الرب سيأتي كلص في الليل لأنه حينما يقولون سلام وأمان يفاجئهم هلاك بغتة" (1تس 5 : 3) وتلك هي سمة العالم ومكتوب أيضاً "وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضاً محئ ابن الإنسان" (مت 24 : 37) .
فهو يدعو كل المؤمنين أن يأخذوا مكانهم ومصابيحهم مضيئة ، أي يكونوا بمثابة شهادة قاطعة لما هم عليه دون التباس حاملين مصابيحهم كخدام ولا ينجرفون مع عالم يسير نحو الدينونة بلا مبالاة او اكتراث ، فإن القديسين سيكونون مع الرب قبل مجئ الدينونة ، فهل تعلم ما هو أول شئ سيفعله الرب عند مجيئه ، سيأخذك في الهواء لتكون معه . وهل نقدر أن نعرف ما هو يوم مجيئه ؟ ولكن السؤال هل أنت مستعد للقاءه ؟ أنك لا تعلم ماهي الساعة التي سيأتي فيها ، مع أني أؤمن أنه سوف يأتي بمنتهي السرعة ، ان القديسين قد رجعوا إلي الله لينتظروا ابن الله من السماء ، وإذا هم قد فقدوا هذا الأمر فيالتعاستهم ، لأن تلك هي سمتهم التي تميزهم هنا في هذا العالم ، لأن الأمر ليس هو التمسك بتعليم أو مجرد المعرفة ، ولكن هذا ما يجب أن تكونوا عليه أنتم ، وإذا كنت تنتظره حقاً وباستمرار ألا يغيَّرك هذا ؟ قد تقول لي أن هناك واجبات والتزامات يجب أن أفعلها ، هذا صحيح تماماً فافعلها ، لكن هل يُكنِز الناس الأموال أكواماً أو كنوزاً وهم يعلمون أنه آتي ؟! إن الناس يمتعون انفسهم بقدر المستطاع هنا وبعد ذلك يأتيهم الموت وهم يأملون بأن الأمور ستكون علي ما يرام . أما أنت فإذا كنت تتوقع بحق مجئ الرب ومستعد لكي تفتح له متي جاء فإن هذا يعطيك سمة خاصة "وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم" أي مثل شخص يضع يده علي مقبض قفل الباب "حتي إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت " (لو 12 : 36) الرب يحفظنا في حالة الاستعداد هذه وانتظار القلب كخدام وعبيد له ! فتلك هي حالتنا قبل أن يأتي الرب ، فيجب أن تكون متطلعاً إليه باستمرار ، فإذا كنت قد خلصت وتبررت بمجيئه الأول فإنني اتطلع إليه لمجيئه ثانية لكي أكون معه حيث هو ، فهذا هو نصيب المؤمن أن يكون منتظراً له .
والآن ماذا بعد ذلك ؟ إن سمة الشخص الذي له الاذن المفتوحة للرب هي السهر ، "طوبي لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين الحق أقول لكم أنه يتمنطق ويتكئهم ويتقدم ويخدمهم" (لو 12 : 37) إنني أجده هنا يخدم أيضاً بنفس المحبة الإلهية لا يزال ، أنه يأتي ويدخلنا إلي السماء ، إلي بيت أبيه ، حيث يوجد هو سنكون نحن أيضاً . وبينما أنت في هذا العالم الشرير تجده يقول "إنني ملتزم بأن احفظك في حالة السهر ، في حالة من اليقظة ، في حالة من الاجتهاد الجاد لحفظ قلبك في حالة من الانتظار ولكني سآتي بك إلي مكان الجلوس والراحة وستكون مسرتي أن أخدمك .
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق