وسلي - هل طالعت الكراسة التي نشرت حديثاً عن تعاليم الوسليين
داربي - تصفحت أهم ما ورد فيها ، أعني جميع الآيات الكتابية التي أوردها المؤلف ، وقد سبق لنا مناقشة جزء كبير منها ، والذي لاحظته أن معظم الكتاب ليس له شبه علاقة بالموضوع ، مثال ذلك من أجل إثبات إمكانية الوصول إلي الكمال هنا علي الأرض ، اقتبس القول الوارد في عب 3 : 7 "لذلك كما يقول الروح القدس اليوم أن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" ، بل استطيع القول أن الفصل كله الذي نُقلِت عنه هذه الآية لا توجد فيه جملة واحدة أقرب إلي الموضوع من هذه الجملة ، ومن ضمن البراهين التي يثبت بها وجوب نزع الخطية، تجد عبارات كهذه مثلاً "ممتلئين بالروح" ،"مملوء بالروح" ، وأظن أن لا لزوم لدحض مثل هذه البراهين ، كما أنه يستشهد في رسالته بآيات من الكتاب تشير إلي عمل المسيح لأجلنا ، وطبقها علي عمل المسيح فينا مثل قوله في عب 10 : 14 "بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين" ، أو القول الوارد في رؤ 7 : 14 "غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم الخروف" ، الذي "يطهرنا من كل خطية" 1يو 1 : 7 ، أو قوله في عب 9 : 26 "الآن قد ُاظهِر مرة عند انقضاء الدهور ليُبطِلَ الخطية بذبيحة نفسه" .
وبما أنك أنت الذي نبهتني إلي هذه الرسالة ، فإني أبُدِي لك عليها بعض ملاحظات ، فأولاً ربما لاحظت أن محبة الله لأجلنا لا يقصد منها ظاهر معناها ، . وعندما يتكلم عن تكميل المحبة فلا يقصد محبة الله إلينا ، بل محبة مطلوبة منا نحن نحوه ، وهي ما يطلبها منا الناموس ، هذا هو جوهر القضية فكأن الكمال المسيحي حسب فكره يتم بتكميل مطالب الناموس في أسمي صورها ، ثم يذكر مبدأ آخر ، وهو أن الله يطالبنا بحفظ الناموس ويعتبره لازما ، وأما من جهتي فإني أوافق علي أن معرفتي بمحبة الله الكاملة اليَّ (1يو 4 : 10) تنشئ فيَّ بالضرورة محبة ، نعم أنها ضعيفة بالمقابلة مع محبة الله بدون شك ، ولكنها محبة حقيقية ونقية ، لأننا نحن نعرف محبة الله إذ صرنا شركاء الطبيعة الإلهية وانسكبت هذه المحبة في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا ، حينئذ يَثبُت الله فينا ونحن فيه ،. ولذلك فالمحبة التي أحبنا بها تنسكب في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا ، وشعورنا بهذه المحبة يَظهَر في محبتنا له ، وإذ يُشرِق بنور طلعته علينا فإن أشعة ذلك النور تنعكس منا ، وهذا النور المُنعكِس يُسِر الله لأنه يعرف مصدره ، وبما أننا نحن عرفنا محبة الله بواسطة عطية الروح القدس ، فبواسطة ذلك الروح نفسه تعود محبة قلوبنا من ذاتها الي تلك المحبة التي عرفناها فيه (❊).
أما إذا قلت لي أن الله يطلب مني هذه المحبة ويعتبرها شرطاً لازماً ، فكأنك وضعتني تحت الناموس ، وابطلت مبدأ التبرير وخلطت بينه وبين التقديس ، وبالإجمال تكون طرحت النعمة علي جانب ، مع أنها أساس الإنجيل الذي يبرر الفاجر ، واعتبار هذه المحبة متي وجدت أنها هي القداسة الكاملة والخلو من الخطية برهان جهل ذلك الإنسان بحقيقة قلبه ، والتوغل في ذلك المبدأ يزيد الجهل جهلا، وهذا ما شاهدته في كل الذين تمسكوا بهذا التعليم ، يجوز أن بعض الذين يطلبون بالبساطة الشركة مع الله ينجون من هذا الخداع بالمشغولية بعمل الروح القدس فينا ، ولكن ذلك الخطأ ملازم بالطبع للمبدأ نفسه ويمكنك أن تشاهده في أغلب المتمسكين بهذه المبادئ .
وعلينا أن نميز بين الضمير الصالح والخلو من الخطية أي ابادة أصل الخطية من طبيعتنا ، فالمسيحي بدون شك يجب أن يدرب نفسه لكي يكون له ضمير بلا لوم ، وينبغي أن يسلك بالروح كل حين ، وليس له حق أن يبرر نفسه إذا سلك ولو لحظة واحدة بحسب الجسد ، وعليه أن يستخدم قواه للسير بحسب الروح لا بحسب الجسد لكي لا يعثر ، ولا حق له أن يعتذر بالقول مثلا "أن الجسد الساكن فيَّ هو الذي ساقني الي السقوط ، لأن ذلك الجسد يجب أن يُقمَع والروح هو الذي ينبغي أن يقود أفكارنا وعواطفنا ، وإذا سقط المؤمن فيجب أن يكون لسان حاله "وآاسفاه عليَّ فقد قَصَّرتُ في السهر والصلاة واستعمال وسائط النعمة" ، إذ ربما كان سبب سقوطه عدم امتحانه حالة قلبه كما يجب وكما حدث مع أيوب ربما كانت مذلته سبب تعلمه درساً جديداً ولكنه علي كل حال بلا عذر . لا شك أن دم يسوع المسيح كفارة عن الخطية ، ولكن ذلك الإنسان في حد ذاته قصَّر أمام الله ، فهو أمين إذ لم يدعه يجرب فوق ما استطاع أن يحتمل ،. وإذا فُرِض أن ذلك الإنسان احتج بقوله "أنا الآن طفل وإيماني ضعيف"، فجوابي له أن ضعف الإيمان لا دخل له هنا ، لأنه لو كان ضعفه وعدم ثقته في ذاته مؤثراً علي قلبه لكان نفس شعوره بضعفه حفظه من السقوط ، فسقوطه إذن نشأ عن الخطية أي الطبيعة الفاسدة الساكنة فيه مما يدل علي أنها كانت عاملة داخله .
وهنا استلفت نظرك أيضاً إلي عيب آخر تلاحظه في شارحي هذا التعليم ، فهم يقدمون لك أولاً بعض مؤمني العهد القديم أمثلة للكاملين ، ومتي أثبت لهم أن هؤلاء جميعهم قد اخطأوا يقولون لك "إن هذا لا يثبت عدم إمكان قديسي العهد الجديد نوال الكمال لأنهم تحت عهد افضل" ، فلماذا كانوا يستشهدون بهم إذن ؟
ومن الغريب أنك لا تجد بعد يوم الخمسين أن شخصاً واحداً دعي كاملا قط، والسبب في ذلك أن عطية الروح القدس جعلتنا نعرف الإنسان العتيق ونحكم عليه بإدانة الخطية في الجسد والحكم علي الطبيعة ، بما أننا عرفنا علاقة الإنسان الجديد بيسوع المسيح ، أما في العهد القديم فقد كان الإنسان الذي يحفظ الوصايا والفرائض بلا لوم يُدعَي كاملاً ، لأنهم لم يعرفوا شيئاً عن الإنسان الجديد والقديم كما نعرف نحن الذين وصل إلينا نور العهد الجديد الكامل ، فمن سلك حسناً كان يُعد كاملاً ، أما نحن الذين صار لنا إعلان الإنسان الجديد ( المسيح الممجد ) فقد اصبحنا نعرف به الإنسان العتيق (آدم )، ونميزه عنه ، عالمين أنه قد ديِن ولذلك نقول مع الرسول بالروح "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل 2 : 20) ، وفي موضع آخر "ليس أنا بل الخطية الساكنة فيَّ" (رو 7 : 20) ، فالعتق المذكور في الاصحاح الثامن من رومية جعلنا قادرين أن نحكم علي الإنسان العتيق كطبيعة قد دانها الله ، ونحن واثقون أن لنا طبيعة أخري جديدة بها نحيا وبها نستطيع الحكم علي الجسد ، اما الكمال الذي تتكلمون عنه فهو بعكس ذلك يقودنا إلي الناموس ، ويسلبنا نور المسيح الكامل لكي نكتفي بذواتنا .
وهنا أرجوك أن تلاحظ أن المبدأ الذي تكلمت عنه يفرض أننا نسلك بالروح، وقانون سلوكنا أسمي من قياس كمالكم بكثير ، إذ ليس هو سوي حياة المسيح علي الأرض ، أما قياس كمالنا فما هو سوي مجد المسيح فوق في السماء ، لأن ما نعمله هو غير ما نحن عليه ، ومن وقت السقوط وولادتنا ولادة ثانية أصبح فرق بين هذين الأمرين فيسوع المسيح أصبح مثال ما ينبغي أن نفعله وإن لم يكن مثال ما نحن عليه الآن ، إذ أننا مولودون بالخطية أما هو فلم يولد بالخطية .
وعندي أيضا ملاحظة أخري بخصوص هذا الكلام وهي أنه ما كان يخطر علي بالي قط أنه يوجد قوم يقولون أن بلوغ الكمال هنا علي الأرض هو غرض الولادة والحياة وذبيحة يسوع المسيح ، بل هو غرض الكرازة بالإنجيل وقصد الله في الاختيار المذكور في الكتاب . ومن كان يتصور ان السماء وصيرورتنا مثل المسيح في المجد، ووجودنا معه ، والتمتع بمحضره ، وإبادة كل شر وكل حزن وكل بكاء ، وامتلاك مجد الله والحياة مع يسوع المسيح في محضره وبالاختصار وحدة المسيح مع الكنيسة في المجد ، من كان يظن أن ذلك ليس هو غرضا مستقبلاً ، بل أن هذه الأمور جميعها (وبعض الآيات التي تتكلم عنها) تَؤوَّل إلي ما نحن هنا علي الأرض ؟ ! !.
إنك إذا رفعت قياس القداسة الواجب البلوغ إليه هنا علي الأرض إلي أسمي ما يمكنك أن ترفعه ، فأنا أوافقك . ولكن القياس الذي تتكلم عنه هو كما أخبرتك قبل الآن منحط جداً ، فبحسب فكرك يجوز للإنسان أن يرتكب أموراً يستحق عليها الدينونة الأبدية ولا يُقال عنه أن اخطأ ، وفضلاً عن ذلك فأنتم تقولون أن نهاية ما نتوق الوصول إليه ليس أن نكون مثل آدم الأخير ، بل مثل آدم الأول ، إلا أني أرجوك أن لا تنكر عليَّ الغاية التي لأجلها أكمل المسيح العمل ، أعني بها وصولي إلي محضر الله ومجده وراحته السماوية ، ولا تقل لي كما تقولون الآن أني دخلت الراحة التي "بقيت لشعب الله" ، لأنه إذا كان هذا حقيقة وصف حالك فبكل أسف يا أخي أقول لك أن ديانتك أرضية ، وبدلا من فتح السماء أمامي وجعل ذلك واسطة لمداومة الركض في سبيل القداسة والتقوي بعزم لا ينثني ، بحيث أشعر بواسطة تجديد القوة أني لا أزال بعيداً عن الغرض الذي بنعمة الله لابد من الوصول إليه أخيراً ، فإن كل مساعيك التي تبذلها تؤول إلي استخدام إعلان نعمة المسيح واسطة لترتيب نظام يهودي ، ومع أن الرسول بولس بلغ في سبيل الجهاد المسيحي درجة لم يبلغ سواه إليها ، فإنه يقول "إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقي جميع الناس" (1كو 15 : 19) ، والسبب الذي يبني عليه أنينه وهو عابر في طريق الحياة هو نواله باكورة الروح ولهذا كان يئن في نفسه (رو 8 : 23) ، وكان يحارب ليس كمن يضرب الهواء بل كان يقمع جسده ويستعبده (1كو 9 : 26 ، 27) ، فهل تقول عن هذه الراحة أنها هي الراحة التي بقيت لشعب الله ؟ ما هذا الخداع !! ألا يوجد جهاد داخلي ؟! صحيح أنه يمكن لنا أن نثبت ضد العدو ونستمر مدة طويلة بدون أن تحصل مناوشة منه ، ولكن هل هذا يمنع سهرنا لحفظ هذا المركز وحفظ عدوّنا أسيراً لنا ، ذلك العدو الذي لم يتغير في عداوته وشره ، ويمكن في كل لحظة أن يغلبنا فيؤذينا .
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق