السبت، 16 يوليو 2011

عبدا الي الابد (2)

عبدا الي الابد (الجزء الثاني)

إننا نجد في فيلبي (٢) نزوله ليأخذ هذا المكان "أخلي نفسه آخذاً صورة عبد" فقد خدم الله وخدمنا نحن أيضاً بالنعمة ، فقد أخذ ذلك المكان طوعاً بالمحبة ، "افعل مشيئتك يا إلهي" (مز 40 : 8) وقد أطاع حتي الموت موت الصليب ، أنه يُنحِّي صورة مجد اللاهوب جانباً (أما اللاهوت ذاته قلا يقدر أن ينحيه بالطبع) ونرى هنا كماله بمحبة غير محدودة ، ولكن أين كنا سنذهب نحن لو لم يأخذ صورة عبد ؟ إلي الهلاك الأبدي ، لكن كان فيه المحبة الكافية ليأخذ هذا المكان ، فهو اجتاز الموت ، وهناك نجد قوة المحبة الإلهية في خدمته ولا شئ يعطلها ، فقد كانت قوة الشيطان هناك وكانت أيضاً مرارة الإنسان وجحوده ، إلا أننا نسعمه يقول في الاصحاح الخمسين من سفر أشعياء هذا القول الجميل "لماذا جئت وليس إنسان ؟ ناديت وليس مجيب" ويستطرد قائلاً "هل قصرَّت يدي عن الفداء؟ وهل ليس فيَّ قدرة للإنقاذ؟ هوذا بزجرتي أنشف البحر ......." (أش 50 : 2) وكيهوه الإله فعل كل مسرته ، فهو لم يصنع المعجزات بنفسه فقط ولكن ما يظهر قوته الإلهة أكثر أنه أعطي الآخرين قوة أن يصنعوا تلك المعجزات أيضاً "من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو ويعمل أعظم منها أيضاً لأني ذاهب إلي أبي" (يو 14 : 12)  ، أنه العامل بالمحبة الكاملة في هذا العالم ولا شئ يوقفه عن ذلك أبداً "أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة" (اش 50  : 4) فمع أنني يهوه إلا أنني أخذت مكان العبد لكي أحمل كل حزن بكم ، وماذا كانت النتيجة ، لقد وجد الناس الفرصة لرفضه ! "بذلت ظهري للضاربين وخدَّيَّ للناتفين ، وجهي لم استر عن العار والبصق" (اش 50 : 6) ولم يكن هناك شئ يوقفه ، ولا الموت نفسه استطاع أن يعيقه ، فهو قد أتي لكي يموت ، وقد شعر بما يعنيه الموت أكثر جداً مما لا يقدر أحدنا أن يشعر به ، لقد أخذ لسعته ، فقد أتي  ليُجعَل خطية ، وشعر بفظاعة ما يعنيه هذا ، لأنه كان القدوس ، أتي ليحمل الغضب وشعر بهذا لأنه عرف محبة أبيه ، فالتخلي عنه كان هناك والخيانة كانت هناك والكأس التي يجب أن يتجرعها كانت هناك أيضاًَ ، لقد شعر بكل هذا ولكن في هذا كله كانت هناك المحبة الإلهية دائماً تخدم واجتازت في كل هذا لكي تخدمنا نحن الخطاة الأشقياء .
فهناك كانت قوة المحبة الإلهية عندما تركه الله وتخلي الكل عنه وتبقي له مرارة الموت ، وقوة الشيطان ، وغضب الله ، هناك نجد المحبة الالهية والخدمة أيضاً ، أنها القوة الإلهية وقوة المحبة لأبيه ولنا أيضاً ، القوة التي حملته خلال كل شئ عندما كان كل شئ ضده ، فالمحبة الإلهية جعلته يخدم في كل هذا إلي أن قال قد أُكمِل . إنني بكل خشوع أسجد لتلك المحبة التي قادته لأن يُجعَل خطية لأجلي ، وهناك كان الامتحان الكامل لتلك المحبة التي حملته خلال كل هذا ، فياله من درس عميق لنا ، وياله من أمر مريع جداً أن نري ما كان في الإنسان هناك . ماذا يمكنني أن أتوقع من أصدقائي عندما أكون في تجربة ؟ علي الأقل أن لا يتخلوا عني ، أن الجميع تركوه وهربوا ، وماذا أتوقع من القاضي ؟ أن ينصف البرئ . إن بيلاطس قد غسل يديه من دمه ، واسلمه للشعب ! وماذا عن الكهنة ؟ كان يجب أن يترفقوا بالجهال والضالين ، ولكننا نجدهم هنا يُحرِّضون الشعب لكي يصرخوا "خذه خذه اصلبه" ، لقد كان كل إنسان مقاوماً لما هو حق ، وكان هو الإنسان الوحيد الذي لم يكن فقط في طريق الحق بل بالمحبة الإلهية سلك الطريق كله .

أمَّا أولاً فإنني أجده يخدمني بحياته ، لقد خدمنا بموته بالرغم منا (لأن الإنسان كان ضده) ، وهناك كان بمفرده لأن الجميع تركوه ، والله حجب وجهه عنه ، وفي مرقس (٦) نجده قد ذهب إلي البرية ، ولم يكن لديه وقت للأكل ولكن عندما يجيئ الناس إليه فإنه يخدمهم إذ "لم يقدر أن يختفي" ، وليس ذلك فقط بل وعندما كان في سُكرَة الموت علي الصليب لم تنحيه تلك الآلام المريعة عن الالتفات إلي لص بائس ، فيخبره قائلاً "اليوم تكون معي في الفردوس" . ونجده يجلس علي البئر متعباً ، وينتظر امرأة خاطئة تعيسة تأتي ومتحملاً كل احزان الطبيعة البشرية من اعياء وجوع ولكن بقلب لا يعرف الكلل يؤدي خدمة المحبة ، إنه إنسان بكل القداسة الكاملة وبالمحبة الكاملة مسدداً لكل عوز ، فكل ما هو إلهي في إنسان قد أخذ أدني مكان ، فهل هناك مثل هذا ؟! فياله من أمر مبارك وعظيم أن نري ذلك ، أن نري شخصاً ليس له إرادة ذاتية . فعندما يخبروه "بأن الذي تحبه مريض" ، وكنا نتوقع أنه سيذهب إليه علي الفور ، ولكنه يمكث يومين حيث كان ، فليس له أمر الآن من أبيه أن يتحرك ، ونحن نري في ذلك لاهوته ، ولكنه لا يزال كالخادم لم يتلق كلمة ولذلك لم يتحرك ، وكم كان هذا صعب جداً ، لأن المسيح ان كان له بيتاً علي الأرض فمن الممكن أن نعتبره بيت عنيا . إنك لا تجده يترك مكان الخادم أبداً ، ولم يكن يفعل شئ إلا بالمحبة الكاملة ، ان تلك الخدمة التي أخذها قد أداها وأنهاها ، ولكن الآن نري خدمته في الأعالي فهو ذاهب إلي المجد (لو 12) .
(يتبع)

ليست هناك تعليقات: