بقيت لي ملاحظة بشأن الشواهد الكتابية التي اقتبسها صاحب النشرة التي تكلمت لي عنها ، فقد اعتاد علي عادة مستهجنة بأن يأخذ جزءا من عدد ويضمه إلي جزء من عدد آخر ، كأن الروح القدس قصد ضمهما معاً ، مع أن قصد الروح القدس في الجزء الأول غير قصده في الثاني ، خذ مثالا لذلك نفس الجملة الواردة في غلاف الكتاب حيث تقرأ "كونوا أنتم كاملين (وهي جزء من جملة واردة في مت 5 : 48) ، لأن كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه ، (وهي مأخوذة من عبارة واردة في لو 6 : 40) ، وليفتكر هذا جميع الكاملين منا ، (وقد اقتبس هذه الجملة من كلام الرسول بولس في في 3 : 15) ، فان كان أحد يعلم تعليماً آخر ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة والتعليم الذي هو حسب التقوي فقد تصلف ولا يفهم شيئاً" ، (وهي عبارة واردة في 1تي 6 : 3 ، 4) .
ومع أن أبسط واحد في المعرفة يقدر أن يفهم أن قوله "تعليماً آخر" يشير إلي ما سبق في التعليم الوارد في هذه الرسالة نفسها ، ولا معني لأخذ جزء من جملة واردة في رسالة فيلبي 3 : 15 والعطف عليها بقوله أخيراً "إن كان أحد يعلم تعليماً آخر" . . الخ ، إذ أن الروح القدس في هذه الرسالة كان يعلم المؤمنين من جهة واجبات العبيد من نحو سادتهم ، والكرامة التي يجب عليهم أن يؤدوها إليهم ما داموا أولاداً لله ، فماذا نقول عن خلط كهذا .
بل في بعض الأوقات يمزج المؤلف عددين مع بعضهما بدون أن ينبه القارئ إلي ذلك ، فقد قال مثلاً : "من يصبر إلي المنتهي بالإيمان العامل بالمحبة فهذا يخلص" ، ولكنه لا توجد جملة بهذه الصورة في الكتاب المقدس ، إلا أن المؤلف أخذ عبارة واردة في غل 5 : 6 وحشرها وسط جملة واردة في مت 24 : 13 وربطهما بحرف الباء الذي أضافه إلي الإيمان وليس له أصل في النص الكتابي ، مع أن الإيمان العامل بالمحبة الوارد في غلاطية لا دخل له بالصبر الي المنتهي الوارد في متي ، فإن هذا يشير إلي الضيق الذي كان التلاميذ مزمعين أن يكابدوه في أورشليم .
ومن ضمن شواهده "بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين .... إن تمسكنا ببداءة الثقة" ، ومع أنه أشار إلي المواضع التي أخذ منها هذه النصوص ، ولكن الكتاب لم يعلق القضية الأولي علي الشرط الذي أضافه إلي الجملة الثانية .
من هنا نري أن الذي يطالع هذه النشرة يجب أن يكون علي حذر في مطالعتها ، ولا يجوز له أن يقبل الشواهد علي علاتها لا من حيث التعبير ولا من حيث قرائن الكلام ، أو غرض الروح القدس منها إلا متي تحقق من قرائن الكلام في مواضعها .
وأخيراً فإني أقدم ملحوظتين عموميتين بخصوص المبدأين الأساسيين اللذين ُبنيت عليهما الرسالة .
والملحوظة الأولي من جهة حالة النفس المشروحة في رو 7 . فقد حاول أن يثبت أنها حالة نفس غير متجددة ، ولكي يبرهن علي ذلك أخذ يسرد الآيات التي كان يستشهد بها لإثبات وجود بعض مسيحيين بلغوا درجة الكمال ، وكان يقول عنهم أنهم أصبحوا لا يعرفون شيئاً عن الجهاد الداخلي بخلاف الباقين ، ولما قصد أن يثبت أن الوصف المشروح في الاصحاح السابع من رومية لا ينطبق علي الإنسان المتجدد ابتدأ يسرد الآيات التي كان يقتبسها من الاصحاح الثامن من رومية كأن ذلك الأصحاح ما هو إلا وصف إنسان متجدد ، فقط علي وجه الإجمال . خذ أيضاً مثالا لذلك قوله علي لسان الإنسان المتجدد "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" ، مع أن هذه العبارة كان فيما سبق استشهد بها ليثبت أن الإنسان الكامل هو غير المتجدد أما الآن فلكي يثبت أن رو 7 وصف إنسان غير متجدد يجعل نفس الجملة وصف إنسان متجدد . ولا ريب أ ن مناقضات كهذه لا يمكن صدورها من الروح القدس . وما الفائدة من التمسك بمبادئ كهذه متناقضة . إن التناقض في التعليم يثبت فساد التعليم .
ثم إننا نقرأ في الكلام عن علامات الولادة الجديدة ما يناقض التغيير الفجائي الذي سبق له الكلام عنه ، ويقول المستر وسلي أنه أعظم من التبرير ولكني أحب أن أعرف ما معني قوله "في بداية التبرير" ؟ ، كأن التبرير يحدث تدريجياً ، وفضلاً عن ذلك ففي هذا الفصل أيضاً يسرد المؤلف كل المميزات التي ميز بها الكمال وجعلها في ضمن علامات الولادة الجديدة .
أما الملحوظة الثانية التي عندي بخصوص تأليف المستر وسلي علي الكمال المسيحي فهي من جهة محبة الله من نحونا التي ندر أن يشير إليها وسلي في كتاباته ، لا كباعث للطاعة ولا كسبب للشكر ، ولا يقول لنا قط أن فكرة هذه المحبة شاغلة قلب الإنسان الكامل ، وخلو كتاباته من هذه المحبة أمر غريب جدا في بابه ، مع أني اقرأ في 1يو 4 "في هذا هي المحبة ليس أننا نحن احببنا الله بل أنه هو أحبنا" تلك المحبة التي "تطرح الخوف إلي خارج" ، هذا هو المبدأ الذي يحفظنا من السقوط في مثل أخطاء وسلي الذي مثل غيره من الزاهدين كثير الاعتداد بذاته ، والقلب البشري ميال الي الوقوع في هذا الخطأ ، لا سيما إذا كان بنعمة الله يشعر بمحبته إليه ، فإنه إذا تحول بصره إلي ذاته ينشغل في ما هو لدي الله لا في ما هو الله من نحوه .
ويجب أن نميز الفرق بين مبدأين مختلفين ، الأول محبتنا لله كواجب علينا وهذا ما يطلبه الناموس ، ولكننا قصَّرنا في هذا الواجب جميعنا ، والثاني محبة الله المتجهة إلينا بالنعمة بينما كنا غير مستحقين إذ وضعتنا في المسيح علي أساس الفرح الأبدي ، وأعلنت لنا الله بصورة لم يكن يعرفها آدم ولا كان يمكن معرفتها بالناموس ، لأن الناموس كان يطلب محبة كاملة فينا بدون اشفاق، إلا أننا بواسطة قوة حياة المسيح تُجدِّدنا بحسب صورة الله ، ولكننا تجددنا في معرفة الحب المتجه إلينا ، الذي بموجبه ليس إلا أن يأخذ الله مركزه الحقيقي بالنسبة إلي الخليقة ، وبموجبه وحده يأخذ الإنسان الذي كان ميتاً وصار حياً مركزه الصحيح بالنسبة إلي الله ، أما مبدأ وسلي فيضع الإنسان تحت مطاليب الناموس وهكذا يحوَّل الإنجيل عن موضعه .
وسلي - ولكن هل تشك أن وسلي كان يكرز للخطاة بمحبة الله من نحوهم ؟
داربي - أنا لا أنكر ذلك ، ولو كان بصورة غامضة وأشهد أنه كان يكرز بتلك المحبة أكثر من غيره ، الذين يرون ضرورة الكرازة بالولادة أشد من المناداة بمحبة الله نحو الناس ، ومع كل ذلك فإنه يعود ويضع الإنسان المتجدد تحت الناموس . ويخلط بين المبادئ ، فبينما هو يشدِّد في حفظ الناموس تجده يُصرِّح بارتكاب أمور تحتاج إلي كفارة المسيح ، وفي كل ذلك لا يشير إلي محبة الله من نحونا ولا سيما عند كلامه علي المسيحي الكامل و "من فضلة القلب يتكلم الفم" ، وفي كلامه علي "علامات الولادة الجديدة" كما في شرحه الاصحاح السابع من رومية تجده لا يميز بين المولود من جديد وبين الإنسان الكامل ، ويخلط بينهما .
وبمناسبة هذه الأقوال اسمح لي أن أذكِّرك بعدد في إنجيل متي 6 : 23 خطر في بالي بالنظر إلي تصريح وسلي أن الجهل والخطأ ليسا خطية ، وهو "إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً " ، بمعني أني إذا كنت أجهل أمراً أو اُخطِئ مرماه ، أي كنت في شك من جهته ، فعيني ليست بسيطة ، وما دامت عيني غير بسيطة فهي شريرة ، وأنا سالك في الظلام وليس في النور .
وأخيراً فإني أظن أن العدو اغتاظ من عمل الروح القدس الذي كان منبهاً الناس إلي وجوب تحسين أحوالهم ، ولكي يفسد تلك الرغائب الصالحة التي ولدها فيهم ولو علي نوع ما ، فقد دس مبادئه وسط تلك الأغراض الصالحة التي تولدت في قلوب المسيحيين ، وهذا بالأسف ما نشاهده كل حين . ونطلب من الله أن يقودنا إلي كل الحق دائماً ، وهو من رحمته ولطفه قادر أن يخرج من الشر خيراً ، وهو يعطينا نعمة لكي نمتحن كل شئ في نور كلمته بقوة الروح القدس ليس إلا .
بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : كاتب غير معروف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق