وسلي - ولكننا شاهدنا بعيوننا أناساً كاملين ممتلئين بفرح الله ، قد تكملوا في المحبة ، وتكملت المحبة فيهم ، امتلأوا بالروح القدس وبكل ملء الله ، وفضلا عن ذلك فان يسوع المسيح الذي لم يكن فيه خطية قد ترك لنا مثالا لكي نتبع خطواته .
أنا فاهم أن المبدأ الذي في فكرك المبني علي اتحادنا بالمسيح ، يرفع الكمال الي درجة أسمي لا يمكن لنا الوصول إليها هنا علي الأرض . وبحسب هذا المبدأ ولو أننا نتبع خطوات يسوع المسيح ، فالطبيعة العتيقة لا تزال موجودة فينا حتي وأن لم يكن لها عمل لأنها مخضعة . ولكني لا أزال اتمسك بمبدأ الكمال هنا علي الأرض ففي ذلك شبع من الفرح واللذة . وقد شاهدت كثيرين تقدسوا تماماً ولهم تلك البركة .
داربي - يا أخي أن الحق وحده هو الذي يقدسنا . وإذا لم يكن مبدأك الحق فمهما كان ظاهره ولو كانت منه بركة حقيقية فلا يمكن أن يقال عنه أنه تقديس بحسب فكر الله ، والحقيقة أن مبدأك لا يساعد علي النمو في القداسة بل يعطله . وما تدعوه ناموس المحبة وحياة المسيح لا يزيد عن كمال آدم ، وربما كان أقل ، لأنك لا تستطيع أن تنكر وجود الشر فيه . وهذا الكمال الذي تفاخر به تحاول أن توفق بينه وبين أمور تستحق الدينونة بل تحتاج إلي كفارة دم المسيح . ربما تقول أنك معترف بكمال أسمي سماوي إلهي . فلماذا إذاً تأخذ الأقوال الواردة في كلمة الله بخصوص الكمال الإلهي السماوي هذا ، وتطبقه علي الكمال الذي تقصده ؟ ، أما أنا فبعكس ذلك أعتقد أن دخول الخطية قد غير شكل علاقتنا مع الله ، بحيث لا يمكن رجوعنا إلي مركزنا الأول الذي كان فيه آدم قبل السقوط ، ولكننا الآن صرنا شركاء "الطبيعة الإلهية" بمقتضي مواعيد أسمي من المواعيد التي كان يتمتع بها آدم،. علي أني لا أفهم أن الله قصد أن يرجع بنا إلي حالة آدم الأولي ولكنه قرننا بآدم الأخير ، وافتخارنا الآن ليس في جهلنا الشر بل في التغلب علي الشر ، ومع أن الناموس في جوهره هو قانون الخلائق الطاهرة أمام الله ، ولكنه بالنظر إلي مركزنا الحاضر لا ينطبق علي حالتنا ، لأننا لسنا طاهرين بذلك المعني ، وأمر النعمة نفسه لا يُفهَم منه كمالنا لدي الله ، بل صلاح وطبيعة وقوة الخالق في وسط الشر وانتصارنا عليه . فالنعمة اذن تعترف بوجود الشر الذي تتغلب عليه .
ومتي وُلدِنا من الله فان طبيعته تُعطَي لنا ، ولكن النتيجة النهائية أي الكمال لا يظهر إلا بالقيامة ، وما دمنا في الجسد فعلينا أن نسلك بالروح بدون أن ننكر وجود الشر، . وأنا أري أن حياة وطبيعة الخالق قد وصلت إلينا هنا ونحن في وسط الشر ، ولكن كمالي الشخصي كما هو أمام الله لا ابلغ اليه إلا بعد الغلبة الأخيرة عندما أتغير إلي صورة آدم الأخير الذي أخذ كرامة ومجداً بحسب مشورة الله الآب ، أما الآن فكل غني الطبيعة الالهية يملأ قلبي وذهني حتي إذا ما وصلت إلي الكمال النهائي وجدت نفسي أمام الله الذي عرفته ، قوة لي في وسط ضعفاتي ، وافتخارا لي عند قوتي ، وهذا هو الغرض الذي لأجله أخذت الروح القدس ، الذي هو ختم الفداء بيسوع المسيح "وعربون ميراثنا لفداء المقتني لمدح مجده" (أف 1 : 14)، فالروح القدس لا يختم الأثمار التي ينشئها فيَّ ، بل يختم الفداء الذي أُكمِل بيسوع المسيح .
ولننظر الآن في الآيات التي استشهدت بها . ذكرت مثلاً "تَكمّل في المحبة" والذي يراجع قرينة الكلام لا يجد اشارة ما إلي نزع الخطية من الجسد مطلقاً بل الثقة الكاملة في محبة الله التي تُمتِّع القلب بالحرية أمام الله ، وتعطينا سلاماً وابتهاجاً بالشركة معه ، يقول الرسول "بهذا تكملت المحبة فينا أن يكون لنا ثقة في يوم الدين لأنه كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضاً . لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج لأن الخوف له عذاب وأما من خاف فلم يتكمل في المحبة" (1يو 4 : 17،18) ، ومن هذا نتعلم أن لا دخل هنا لنزع الخطية من الجسد ، بل موضوع الكلام هو الثقة الكاملة في المحبة ، محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا ، ليس أننا نحن الذين أحببنا الله بل أنه هو الذي أحبنا ، فانظر الفرق العظيم بين ما تتضمنه هذه الآيات وبين اعتقادك فيها .
إن محبة الله قد انسكبت في القلب ، والله نفسه ساكنٌ فينا ، لذلك تَكمَّلت محبته فينا ، وإذ جعلنا شركاء الطبيعة الإلهية وامتلأنا بالروح القدس ، امتلأنا بالمحبة ، أي امتلأنا شعوراً بمحبته ، ولذلك تصبح محبتنا إلهية ، ولكنه لا ينتج من ذلك أن الجسد قد تغير ، فإن النفس التي امتلأت بالروح القدس تحصر تأملها في المحبة التي في الله لا في المحبة التي لنا نحو الله ولذلك تعمل بالمحبة .
وهذا يقودني الي ما تقولونه عن حالة بعض النفوس التي تحررت وذاقت هذه المحبة ، وعلي ظني يمكن تلخيص وصف حالتهم هكذا ، لما امتلأوا بالمحبة وانحصروا بها ظنوا أنه لم يعد بعد في قلوبهم سوي المحبة ، لأن القلب ضاق عن ان يسع أكثر من ذلك . مع أن الخطية لا تزال في طبيعتهم وفوق ذلك فإن أثمارها ربما ظهرت في تصرفهم، والسبب ناشئ عن تأملهم في المحبة التي فيهم عوضا عن تأملهم في مصدر تلك المحبة ، ونحن عندما ننشغل بأثمار النعمة التي فينا تنقطع شركتنا مع مصدر تلك النعمة لأنه نظراً إلي خداع القلب فان نتائج النعمة نفسها تصبح فرصة للخطية ، لا سيما خطية السقوط في الكبرياء .
وعبثاً نحاول استمداد قوة جديدة من نتائج النعمة التي وصلتنا ، لأن الضمير لا يكون مدربا حتي إذا كان في أرقي حالاته الروحية ، أما إذا كانت مشغوليتنا بالله فان التدريب يبقي مستمراً ، وبما أن رقة الشعور في حضرة الله هي سبب تدقيقنا في السلوك العملي ، فينتج من ذلك أني عندما انظر الي ذاتي واتأمل في النعمة التي فيّ ففي تلك اللحظة أُصبِح عرضة للسقوط إذ أكون قد ابتعدت عن مصدر قوتي الروحية ، وهذا ما يجب أن نتحقق منه جيداً لأن القلب خدَّاع بالرغم من كل ما قلته أو تقوله لي ، ويظهر لي أن الذي يشعر بمحبة الله التي انسكبت في القلب يخلط بين هذا الاختبار وبين نزع الخطية من الجسد ، مع أن المشغولية بهذا الأمر تقود إلي السقوط في الخطية .
أما المستر وسلي فيتكلم عن حالة من الكمال تختلف عن هذه . ومن فكره أن البرهان علي الوصول اليها هو اختبار القلب هذه الثلاثة :
١ - نزع الخطية ، ٢ - المحبة الكاملة ، ٣ - شهادة الروح القدس لذلك الإنسان الكامل أنه قد نال التقديس الكامل ،كما سبق فشهد له بنوال التبرير الكامل ، ولكنني عندما افتش الكتب المقدسة عساني أجد برهاناً لشهادة الروح القدس هذه فلا أجد لها أثراً وإذا سألت المستر وسلي عنها فجوابه الوحيد لي أنه إذا أكد لي إنسان صادق صحة هذه الاختبارات عنده ، ولم تكن لديَّ براهين قوية تُكَذِّب دعواه فلا ينبغي لي أن أرفض شهادته . "ولكن ليس من مدح نفسه هو المزكي بل من يمدحه الرب" (٢كو 10 : 18)، وإذا سألت الرسول بولس عن رأيه في هذه القضية ، فأني أجد أقواله تختلف عن أفكار المستر وسلي . لأن الرسول بولس لا يأتمن حاسياته او اختباراته ، ولو كانت شهادة ضميره في صالحه ، إذ يقول "لست أشعر بشئ في ذاتي . لكنني لست بذلك مبرراً . ولكن الذي يحكم فيَّ هو الرب" (1كو 4 : 4) وإني أؤكد لك أنك لن تجد في كل الكتاب شهادة واحدة من الروح القدس لنفوسنا أننا نلنا التقديس العملي الكامل، ولكنني اقرأ فيه صريحاً أننا أولاد وأننا ورثة الله ووارثون كل شئ ، وأننا غرض محبته الكاملة ، ومتي كانت لنا شركة معه فنستطيع أن نتمتع بهذه المحبة ونفتخر بالله ، وأما عن تقديسنا العملي الكامل فلا أجد له أثراً بالكلية لأنه لا ينطبق علي كمالنا الحقيقي في المسيح ، ذلك الكمال الذي لنا منذ الآن ولكننا نتمتع به علي الرجاء ، ولا يمكن أن نناله إلا بالقيامة ، لأننا "نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا متوقعين التبني قداء أجسادنا" (رو 8 : 23)، "لأننا نعلم أن كل الخليقة (ومن ضمنها أجسادنا) تئن وتتمخض معاً إلي الآن" (عدد 22) ، ومما يجدر بنا ملاحظته أن هذه الأقوال لم ترد في الاصحاح السابع من الرسالة الي أهل رومية بل في الثامن الذي يصف حال نفس قد تحررت ، نفس لها شهادة الروح وبالنظر الي ذلك فهي متمتعة بالحرية .
أما الجملة التي استشهدت بها في أقوالك فقد مزجت فيها عددين غير مقترنين معاً في كلمة الله نفسها ، وقصدك في ذلك أن تجعل ظاهرها يحتمل المعني الذي تقصده ، إذ قلت "الذي لم يكن فيه خطية" (1يو 3 : 5) ترك لنا مثالاً لكي نتبع آثار خطواته (1بط 2 : 21) . والجملة بهذه الصورة ليس لها وجود في العهد الجديد . ولكنني اقرأ في 1بط 2 : 21 "إن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته الذي لم يفعل خطية ولم يوجد في فمه مكر" ، فهو مثالٌ لنا فيما يجب أن نكون ، لا فيما نحن في ذواتنا ، وإذا ادَعيَّنا غير ذلك ، فهذا جهل منا ، أما في 1يو 3 : 5 فإني اقرأ "أنه أظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية" ومن هذا الوجه لا يقال أن المسيح مثالنا . بل إني اقرأ في رسالة يوحنا عكس ذلك "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو 1 : 8) ، وهذا العدد وحده يكفي للقضاء علي معتقدكم برمته ، ولكنكم لكي تتخلصوا من سلطان هذه الآية تجعلون شرحها مثل شرح عدد آخر يختلف عنها بالمرة "إن قلنا أننا لم نخطئ . . . . " ، مع أن الفرق واضح كالشمس ، وهذا يدل علي التشويش الذي ينشأ من اعتقادكم ، إذ تخلطون بين الخطايا التي نرتكبها والخطية الساكنة فينا، وبهذه الكيفية تنكرون الحقيقة الثانية .
بقي عليَّ أن أورد لك شاهدين من الكتاب لا ينطبقان علي تعريف الخطية علي حسب معتقدك القائل أنها كناية عن تعدي اختياري ضد ناموس الله ، وأول شاهد من مز 19 : 12 "من الخطايا المستترة ابرئني" ، والشاهد الثاني أوضح منه "فيكفر عنه الكاهن من سهوه الذي سها وهو لا يعلم فيصفح عنه إنه ذبيحة اثم . قد أثم اثماً إلي الرب" (لا 5 : 18،19) .
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق