الخميس، 7 يوليو 2011

الرب يسوع في اتضاعه وخدمته (1)

بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : عاطف فهيم

الرب يسوع في اتضاعه وخدمته (الجزء الاول)

فيلبي (2)

يالها من سعادة دائمة أن يكون لنا الرب نفسه أمام أذهاننا كغرض دائم لأفكارنا ، إن المسيحي قد  استُحضِر إلي الله ويخرج من أمام الله لكي يُظهِر الله في هذا العالم ، إن موضوع هذه الرسالة هو الاختبار المسيحي ، وإنك تجد هذا الاختبار كاملاً بقوة روح الله لدرجة أنه ليس هناك ذكر للخطية في هذه الرسالة من أولها لآخرها ، ولا ذكر للجسد أيضاً أقصد الجسد الفاسد باستثناء القول أنه لا يجب أن نثق فيه . إن الرسول بولس هنا لم يعرف ماذا يختار يموت أم يحيا ، فإذا مُت فسأكون مع المسيح وهذا أفضل جداً ، ولكن حينئذً لا يمكنني أن أخدم القديسين ، ولكن إن عشت فسأعمل عمل  المحبة في خدمة المؤمنين ، وهكذا لم يعرف ماذا يختار  ، وهنا نجد اختفاء الذات تماماً ونجد القوة مستعلنة ، ولكنه يقول أن الكنيسة تحتاج الي وجودي بالجسد ولذا سأبقي لأجل هذا . إن قوة الروح القدس هي التي تقود الشخص خارج الجسد والخطية تماماً ، فإذا نظرت الي عددي 15 ، 16 من هذا الاصحاح ستجد ان تحريض الرسول للقديسين هناك أن يكونوا صورة مطابقة لحياة المسيح تماماً "بلا لوم وبلا عيب" ، وهذا ما كانه المسيح تماماً فيجب أن يكون أولاد الله مثلما كان ابن الله بالتمام "بلا عيب في وسط جيل معوَّج وملتوّ" مثلما كان يسوع "تضيئون بينهم كأنوار في العالم" فعندما كان هو في العالم كان نور العالم ، وأيضاً متمسكين بكلمة الحياة ، إنه كان هو كلمة الحياة نفسها ، إنها نفس التفصيلات بدقة تامة بقوة روح الله ، ونفس التحريض هو حسبما كانت حياة المسيح في العالم

وفي هذه الرسالة نجد مبدأين عظيمين لحياة المسيحي (في الأصحاح الثاني نجده يسمو بحياته فوق كل الاهتمامات وكل الظروف) وفي الأصحاح الثالث نجد القوة التي تجعل الإنسان يري كل شئ آخر خسارة ونفاية ، وهذا هو المسيح في المجد ، أن المؤمن يري المسيح هناك في الأعالي ويقول يجب أن أكون هناك معه ومثله ، وهناك عقبات كثيرة في الطريق ، ولكني سأطرحها جانباً كما يقول ، حتي وأن خسرت كل الأشياء ، فليكن ، إنني أريد أن أُوجد هناك وأفوز به ، حتي ولو مت لا بأس ولكنني سأكون مثله ، فيجب أن أسعي إليه ، هذا هو الشخص الذي قد مُجِّد هناك والذي قد رأيته بالفعل (فبأي وسيلة ومهما كلفني ذلك في سبيل الحصول علي هذا ولو كلفني الحياة نفسها) ، "لعلي أبلغ إلي القيامة من بين الأموات" نفس صفة قيامة المسيح نفسه ، فقيامة القديسين تختلف عن قيامة الأشرار ، فالمسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه ، فالمسيح ليس باكورة للأشرار الذين هم تحت الدينونة ، فليس هناك أي إشارة في الكتاب عن القيامة العامة اقصد قيامة القديسين والأشرار في آن واحد ، يقول الرسول "لعلي أبلغ الي القيامة من بين الأموات" ، إن الرسول يستخدم هناك كلمة قليلة الاستعمال وفعَّالة ليوضح المعني الذي يريده "لعلي أبلغ" ، فهل يمكن لأردأ إنسان في العالم أن يصل الي نفس المكان الذي وصل إليه المسيح وبنفس الطريقة ؟ "مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولي" فما الفائدة إن كان الجميع (مؤمنين وخطاة) سيقومون معاً ؟ ان صفة قيامة المسيح كانت هي الختم الفعال لرضي الله عنه وعن العمل الذي أكمله ، وهذا ينطبق علينا نحن أيضاً بالتمام ، فالذي ينطبق علي التبرير ينطبق علي القيامة بكل أهميتها لأنها هي ختم الله علي كمال وتفوّق عمل المسيح ، فهو قد أُخِذ من بين الأموات بالقيامة ، وهذا ختم كامل علي عمله وعلي شخصه وعلي كل شئ آخر ، وكذلك بالمثل قيامتنا نحن أيضاً هي الختم علي قبولنا ، لأن الله قد سُرِّ بنا  ، ونحن سنقوم من بين الأموات مثلما قام المسيح بالتمام ، ولذا فإن بولس يستمر في الركض لكي ما يحصل علي ذلك ، فأنت لك المسيح الذي في المجد ولذا فكل شئ عداه يُحسَب خسارة ونفاية ، فهو يرغب في المسيح بدلاً من نفسه وتحقيق ذاته ، وبالتالي حَسب كل ما ربحه خسارة حتي ولو اجتاز الموت لكي يكون مثله

وفي الأصحاح الثاني لا أجد المسيح الذي في المجد كالشخص الذي أركض وراءه ، ولا أجد المسيح صاعداً ، بل بالحري أجد المسيح نازلاً ، والذي يجب أن أكون مثله في ذلك ، إنني أجـد الشخص المملوء نعمة واتضاعاً في سلوكه ههنا ، والشخص الذي نزل دائماً ، فهو الذي إذ كان في صورة الله ونزل حتي إلي الموت ، وأين يمكنني أن أجد الله مُعلناً إعلاناًً كاملاً من حيث البرّ والمحبة الكاملة ؟ أجد ذلك في الموت ، فياله من أمر يفوق ادراك العقل أن يأتي القدوس نازلاً بهذه الدرجة ، رئيس الحياة يجتاز الموت ، لا يمكن أن نعي ذلك تماماً لأنه أمر يفوق إدراكنا ، ونحن نري هنا الأشياء التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها ، فليس أحد يعرف الابن إلا الآب ، فنحن نعرف الآب ، ولكن لا أحد يعرف الابن ، فلاهوت المسيح وتجسده سرّ لا يمكن ادراكه ، فالله يصير إنساناً ، إنه حق لا يسبر غوره ، فالشخص المتضع والوديع قد مشي في أرضنا هذه ، بولس أراد أن يكشف حق اتضاع المسيح ، فمنذ لحظة بدايته ابتدأ يُعلن المسيح ، إن الله قد نزل لكي يستحضر الخلاص وعاد مرة أخري إلي السماء كإنسان ، وهنا الرسول يحرضهم علي السلوك بالاتضاع والمحبة (واعتقد أنه كان هناك بعض المشاجرة بينهم) ، وهؤلاء الفليبيين كانوا قد ارسلوا معونة للرسول بولس بسخاء ، وهو لم يوبخهم ولكنه يقول لهم الآن سأري كيف تحبونني ، وسأري كيف تعتنون بي لكي أكون سعيداً ، فإذا كنتم ترغبون في سعادتي حقيقة فاسلكوا في المحبة بعضكم نحو بعض ، إنه توبيخ لطيف وجهه الي قلوبهم ولم يرد أن يشدِّد علي ذلك "حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم" ، هل هذا الكلام مستحيل من الناحية العملية؟ لكن لو كنت أري نفسي بحسب فكر الله ، وأري الشر والخطية التي فيَّ ، وإذا كنت أري أخي وأنا مملوء بالمسيح فسوف أري كل تقدير المسيح وقيمته عليه ، ولسوف أراه بقلب المسيح ، وفي هذه الحالة يمكن أن أحسبه أفضل من نفسي لأنني ناظر نفسي في ردائتها وناظر المسيح في أخي ، "ليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع"، وتلك هي روح المسيح ، فدائماً كان متضعاً ، أولاً إذ كان في صورة الله والمجد فأخذ مكان إنسان ووضع نفسه حتي الموت ، وهذا هو المثال الأول للإتضاع "الذي اتضع هو الذي ارتفع" ، وهذا ما يجب أن يحدث معنا فيجب أن نتضع

(يتبع)

ليست هناك تعليقات: