وسلي - وما قولك في الطلبة المقدمة في الصلاة الربانية "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك علي الأرض" ؟.
داربي - هذه الطلبة تتعلق بالأرض لا بقلبي . وكان يمكن للمسيح الذي كان يصنع مشيئة الله كل يوم أن يقدمها لأبيه السماوي ، وهي أمنية ستتم متي أتي ملكوت الله الآب ، الملكوت الذي هو غرض هذه الصلاة ، وها نحن في مقدمته ، وكم هي الأماني والرغائب الموجودة في قلوب القديسين التي يُعبرِّون عنها أحيانا بالابتهالات وأوقاتاً بتنهدات وأنات لا ينطق بها ، ومع ذلك فهي لا تتم إلا إذا تغيرت الظروف ، وتبدَّل هذا المشهد الذي نراه بعيوننا الآن حينما يستعلن ابناء الله .
وسلي - ولكن إذا فرض أنه لا يليق بنا أن نقول أننا كاملون ألا يحسن بنا علي الأقل أن نتقدم الي الكمال كما ورد في عب 6 : 1 ؟
داربي - هل راجعت الفصل الذي اقتبست منه هذه الجملة ؟ . كم سبقت ورجوتك أن تراجع قرينة الكلام قبل الحكم في معناه ، لكي تستطيع أن تفهم غرض الروح القدس في الجملة ، وها أنا أضرب لك مثلا بهذه الجملة التي لا يوجد فيها أقل إشارة إلي التقديس ، بل إلي التقدم في المعرفة ، فالرسول بولس يقارن هنا بين بداءة أركان المسيح ، التي كان يمكن لليهودي أن يفهمها قبل يوم الخمسين ، وبين المعرفة التي يعطيها الروح القدس عن ملئ مجد ابن الانسان المرتفع فوق الكل .
إنما عندي ملاحظة علي هذه العبارة . ففي نهاية الاصحاح السابق (عدد 13 ، 14) يذكر الرسول أن اللبن هو الطعام المناسب للاطفال . أما اللحوم فهي طعام البالغين ، والكلمة التي يستعملها للبالغين هي المترجمة في مواضع أخري بالكاملين ، لأن الكامل في اللغة اليونانية والبالغ لفظة واحدة ، ويعوزنا الوقت إذا أردنا أن نُعدِّد المواضع التي وردت فيها كلمة كامل بهذا المعني . وعلي العموم فان معناها ينطبق علي وصف إنسان أدرك كل الحق الذي في المسيح ، سواء كان من جهة امتيازاته أو تصرفاته ، الأمر الذي متي أدركناه تماماً تحققنا منه نقصنا ، ولذلك نجد الرسول عندما يقول "وليفتكر هذا جميع الكاملين منا" ، يقول أيضاً "أنا لست احسب نفسي أني قد أدركت" ، فيسوع المسيح هو الذي أدركه لأجل القيامة من الأموات ، وإذ فهم الرسول بولس غرض يسوع ، أخذ يركض نحو ذلك الغرض ، ولكنه بينما كان يركض كان متأكدا في الوقت نفسه أنه لم يدرك غرضه بعد ، ويمكن لنا أن نقول أن معني لفظة كامل هي بلوغنا إلي قياس قامة ملء المسيح لا من حيث وجود الخطية ولا عدمها .
وسلي - ولكن هذا ليس المعني من كل لفظة كامل . مثلا قيل في لو 6 : 40 "كل من صار كاملا يكون مثل معلمه" .
داربي - ولكن هذه العبارة لا دخل للخطية فيها ، إنما هي تشير إلي مبدأ سلوك المؤمن بمعني أنه يجب عليه أن يسير بمقتضي مبادئ معلمه ، فلا يعامل الناس علي مبدأ المثل بالمثل (أي العدل) ، ولا علي المبادئ اليهودية ، بل علي مبدأ يسوع المسيح نفسه ، وخلاصة تعاليم المسيح هنا "كل من سألك فاعطه" (لو 6 : 30) "احبوا اعداءكم" (عدد 35) ، "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم (عدد 36) ، "وضرب لهم مثلا هل يقدر أعمي أن يقود أعمي ؟ أما يسقط الاثنان في حفرة" (عدد 39) ، "ليس التلميذ افضل من معلمه بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه" (عدد 40) ، من ثم تري أنه لا دخل للخطية ولا للطبيعة الإنسانية هنا ، بل يتكلم المسيح عن مقدار النور والمبادئ التي يجب أن يسلك بمقتضاها المؤمن .
أما من جهتي فلا أقبل مثالاً للسلوك سوي يسوع المسيح نفسه ، إلا أن المسيح كان في طبيعته بلا خطية ، وأنا بالخطية صوّرت وبالاثم حُبِلَ بي ، ومع خلع الإنسان العتيق ولبس الجديد ، فإن عمل الله لا يرجع بي إلي حال آدم الأول قبل السقوط هنا علي الأرض ، بل يعطيني حياة آدم الأخير الذي سأكون مشابهاً صورته عندما أراه كما هو (وليس قبل ذلك) ، ومع ذلك فإني اقرأ عن آيات كثيرة من التي يقصد بها الوحي وصف حالتي في المجد ، تريدون تطبيقها علي حالتنا الآن ونحن هنا علي الأرض مثل رو 8 : 23 و أف 5 : 25 - 27 ويو 17 : 22 ، 23
وما قلته عن "كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه" ، ينطبق أيضاً علي القول الوارد في أف 4 : 12 "لتكميل القديسين" ، 2تي 3 : 17 "لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" ، فالكلمة المترجمة "كاملا" و "متأهبا" هنا غير اللفظة المترجمة "كامل" في الاصحاح الثالث من رسالة فيلبي والعدد الخامس عشر ، ولا دخل للخطية هنا أيضاً ولا للأصل الموجود في طبيعتنا ، بل الكلام عن تعاليم المسيح وقبول مبادئه لأجل بينان القديسين
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق