الرب يسوع في اتضاعه وخدمته (الجزء الثاني)
وهنا نجد المبدأ الذي نهجه المسيح في كل طريقه ، لا نجد فقط ما صاره هنا ، بل ما هو سروره الذي أخذه بيننا ، أنه قد أخذنا الي ما فوق ، فهو مهتم جداً بنا ، والتعبير عن مسرته ليس أنه تصرف بالنعمة تجاه البشر فحسب بل أنه هو نفسه صار واحد منهم ، فقد نزل حتي الموت ، نحن ننزل الي الموت بسبب الخطية ، أما هو فقد نزل إلي الموت بالنعمة ، ونحن ننزل الي الموت عن طريق العصيان اما هو فنزل عن طريق الطاعة فهو بالطاعة والنعمة قد حصل علي ما حصلنا عليه بالعصيان والخطية ، وهو قد أخذنا إلي فوق حيث هو قد صار ، وعادة لا يمكنني النظر الي المسيح والسلوك مثله قبلما تحصل نفسي علي السلام والاستقرار ، والنفس التي لم تحصل علي ذلك السلام تجدها ترغب في معرفة التعليم الذي في الرسائل ، لأننا في الرسائل نجد تقرير الروح القدس عن قيمة عمل المسيح . ففي كتابات يوحنا نجد الله نازلاً بالنعمة الي الخطاة ، وفي كتابات بولس نجده يأخذ الإنسان الي أعلي حيث برّ الله ، يأخذ الإنسان الي الله حيث النور ، أما يوحنا فإنه يستحضر الله الي الإنسان ، فمثلا في انجيل يوحنا تجد أن الله قد نزل إلينا لسداد أعوازنا ، فتجده متحدثاً مع المرأة السامرية علي البئر ، ويتعجب التلاميذ من هذا ، فإنها أي المرأة قد وجدت إنساناً متعباً عند البئر ، وفي الحقيقة كان هو رب المجد ، وربما اعتقدت أنه يهودي فقير راغباً في رشفة مياه لاروائه ، وهو يقول آه لو علمتِ كيف أن الله قد اتضع الي درجة أنه صار إنساناً معتمداً عليكِ لأجل قليل من الماء لاروائه لكنتِ قد وضعتِ ثقتكِ فيه حالاً .
فهذا الإنسان المسكين المُتعَب كان هو رب الحياة والمجد الذي استطاع ليس فقط أن يُعرض لها تفاصيل حياتها وخطاياها أمام عينيها بل أيضاً استطاع أن يملأ قلبها ويسدد أعوازها ، ويجذب قلبها لنفسه ، وبعدها قد أبعد عنها كل مشاعر الخجل والخوف وصارت تنادي الآخرين وتجذبهم له ، فعندما يستيقظ الضمير نرغب في معرفة كيفية تبرير الخاطئ قدام الله ، وبالتالي نتحول الي رومية ، فعندما يعرف قلبي أنه عليًّ يستقر الرضا الإلهي كما علي يسوع بعدها أتحول إلي الأناجيل وأقول إنني يجب أن أنظر إلي يسوع وأتأمله فياله من مخلص! ، إنني أريده قريباً مني وقريباً أمام عينيَّ دائماً ، ففي انجيل يوحنا مثلاً أري الله متنازلاً ومتضعاً في المسيح كما قلنا سابقاً إنني أجده بدلاً من أن ينحِّي الشخص النجس بعيداً عنه نجده ينحِِّي نجاسته فقط بعيداً ويصير الأبرص طاهراً تماماً وقريباً إليه ، والسؤال الأن أين نجد الرب ذاهباً بمجرد خدمته الجهارية ؟ نجده ذاهباً الي يوحنا المعمدان لأجل معمودية التوبة ، ولماذا هو يذهب إلي هناك ؟ ! آه هو يقول هؤلاء المساكين الذاهبين الي تلك المعمودية قد عمل الله فيهم وهم يأخذون الخطوة الأولي في الطريق الصحيح ، وأنا بدوري يجب أن أرافقهم في ذلك (حقيقي إننا نجد كمال المحبة ظاهرة فيه !) ، فلا يجب أن أتركهم يذهبون وحدهم بل يجب أن أذهب معهم في ذلك ، وأظن إنني غير محتاج بأن أقول أنه لم يكن في حاجة إلي التوبة ، ولكن تلك هي الخطوة الأولي الصحيحة لهذه البقية المسكينة وهو سيتحد معهم فيها ، ويقول يوحنا المعمدان إن هذا ليس مكانك ، فهذا صحيح "ولكن أسمح الآن لأنه يليق بنا أن نكمِّل كل برّ" (مت 3 : 15) ، فهو لم يقل بكبرياء لأنه "يليق بيَّ" بل لأنه يليق بنا فهو يأخذ مكانه بالنعمة معنا (هنا كان آخذاً مكانه مع اليهود) وقد انفتحت السماء له والروح القدس نزل عليه وصوت الآب مُعلناً عن ابنه ، وهذا صورة لمكاننا بالنعمة من خلال الفداء .
ونجد أن السماء قد انفتحت أربع مرات :
أولاً في معموديته عندما نزل الروح القدس عليه .
ثانياً : قد انفتحت له وملائكة الله صاعدة ونازلة علي ابن الإنسان ، فإن الملائكة السامية صارت تخدمه .
ثالثاً : نجد أن السماء قد فتُحت لاسطفانوس ليري المسيح .
رابعاً : نجد السماء قد فُُـتحت للمسيح وقد خرج علي حصان أبيض ليدين.
ولكن لاحظ كيف أن مجده كان دائماً محفوظ ، فعندما فُـتحت لاسطفانوس فذلك لكي ينظر ويري يسوع ، وعندما فتحت في معمودية المسيح لأن السماء كانت تريد أن تتطلع إلي هذا الشخص ، فإن السماء لم تُفتَح لكي ما تنظر إلي شئ في تلك الأرض إلا عندما كان هنا الشخص الإلهي ، فإن كل ملء الله قد حلَّ فيه ، ولكنه خُتَم كإنسان ، فإن الآب يقول أن كل مسرتي فيه ، فالشخص الذي لم تقبله الأرض واحتقرته هو الشخص الذي فُتحَت له السماء ، والآب لا يمكن أن يصمت تجاهه ، لأنه إنسان كان كل سرور الله فيه ، فالسماء قد فُتحِت له والروح القدس كان نازلاً عليه ، وصوت الآب مُعلناً أن هذا هو ابنه ، وهنا نري لأول مرة استعلان الثالوث كاملاً الآب والابن والروح القدس
لاحظنا أن مكانته قد استُعلنت كإنسان مقبول لدي الله ، وبمجرد ما أعُلِن هذا نجده وكأن لسان حاله : هؤلاء الشعب في معركة ضارية وهذا الطاغية المستبد (إبليس) تسلَّط عليهم ومقيدين تحت سطوته ، فيجب أن أذهب وأواجهه بدلاً عنهم ، وهنا يقابل الشيطان ، وحاول الشيطان أن يثنيه عن قصده ، فأراد أن يجعله يترك مكان الطاعة أو يترك مكان العبد لأنه هو الابن أيضاً ، ولكن الكلمة المكتوبة كانت كافية أن تهزم الشيطان ، وقد كانت هذه الكلمة كافية لابن الله أن يستخدمها ضده فكم تكون بالأحري كافية لنا نحن أيضاً ، فكل الخلاص كان متوقفاً علي نصرته ، وكل نصرته كانت متوقفة علي كلمة الله ، فهو قد ربط القوي بهذه الطريقة ، وبعد ذلك أستولي علي غنائمه ، فشخص واحد هو الذي يعرف الحق لأنه هو الحق نفسه ، أنه الشخص الذي اكتفي بالكلمة المكتوبة ، وهو الرب ، فليس هناك حيلة للشيطان لا نجد كلمة الله كافية لمواجهتها
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق