سلسلة مقالات كتاب العائلة
(2)
كلمة موجهة للاباء
والأمر الثاني أن الله أبونا يرغب أن تكون لنا علاقة وثيقة به أو شركة معه في أفكاره باعتبارنا
أولاده . إنه يريد أن يشركنا معه في أفكاره - وأي أفكار هذه ! إنها تدور جميعها حول إبنه ، ونحن كأولاده بوركنا بالارتباط به - حقاً إنه شئ ثمين ! وعليه فإنه يجب أن نسعي لكي نُشرِك أولادنا في أفكارنا ، وأن نجعل أطفالنا يعرفون هذه الأفكار . وهل هناك شئ أكثر غلاوة عندنا من معرفة المسيح كمخصلنا ؟ ولهذا يجب أن يتعلَّموا ذلك أولاً ، وبعد ذلك كلما كبروا فعلينا أن نشترك معهم في كل مسرات الحياة . إنه يجب أن نأتي بهم - كلما أمكن ذلك - إلي كل أفراحنا لكي يدخلوا إليها في صحبتنا . فإن لم نفعل ذلك فإنهم سيبحثون عن مسراتهم وسعادتهم في أماكن أخري خارجاً عن البيت .
ولذلك نقرأ " "ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً" 1يوحنا 1 : 4 . إن الله أبينا يريد أن يكون فرحنا كاملاً ، هذا بالإضافة إلي أنه يريد أن نعرف أن هذه هي رغبته من نحونا وأنه يوفر لنا معونة كاملة لذلك . ونحن بدورنا علينا أن نُعرِّف أولادنا بأننا نسعي دائماً إلي فرحهم الحقيقي وسعادتهم في الحياة ، حتي تقويمنا وتأديبنا لهم يهدف إلي تلك الغاية . فأي شئ يؤدي إلي خيرهم المطلق ويقود إلي سعادتهم الحقيقية فإننا نجتهد أو نوفره لهم (كما سنري فيما بعد) طالما لا يتعارض مع صفة الله كالنور ، فإنه يجب أن يتصف البيت المسيحي بهذين الشيئين النور والمحبة . وأحيانا نحن كآباء نتصرف بمعزل عن أولادنا دون أن نُعرِّفهم شيئاً - وهذا يخالف حقاً سعينا لفرحهم وسعادتهم . ودعونا نؤكد لهم أننا إذا اضطررنا أن نحرمهم من أشياء لمجد الله ، فإن هذا لخيرهم وبركتهم ، ليتنا لا نتواني في ذلك . والبيت يجب أن يكون هو المكان السعيد لهم ويحمل لهم السرور وسعادة الذكريات لطفولتهم .
فأي تعليم هذا لنا نحن الآباء ! فأولاً يلزم أن أطفالنا يعرفوننا جيداً ، وثانياً يجب أن يتعلَّموا ويتشاركوا في أفكارنا ، وثالثاً أن يعرفوا سعينا واجتهادنا لفرحهم الكامل وسعادتهم . وأنا أؤمن أن هذه الأشياء الثلاثة لها أهمية قصوي إن أردنا بداية صحيحة مع عائلاتنا . فليست المسألة مطلقاً "افعل هذا ولا تفعل تلك" . فالمحبة هي المحرك الرئيسي وبدونه لا يصح شيئاً علي الاطلاق ، فالطاعة التامة للمسيحي مؤسسة علي المحبة . قال الرب يسوع "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" يوحنا 14 : 15 . وكل طاعة حقيقية في البيت المسيحي ، من جانب الأولاد ، يجب أن تؤسس علي المحبة .
والآن نأتي إلي صفة الله أبينا باعتباره النور "الله نور وليس فيه ظلمة البتة ، إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق" . إن الله أبانا يريدنا أن نعرف صفته كالنور إذا أردنا أن تكون لنا شركة معه ، هذه الشركة التي تقوم علي قداسته ، ولا يمكن أن تكون لنا شركة معه بأي طريقة أخري .
وهذا له أهمية قصوي مع أولادنا وبحسب الترتيب الصحيح أيضاً . فبعد أن يتعلموا الأشياء الثلاثة السابقة التي ذكرناها (ويمكنهم أن يتعلّموها وهم صغار جداً) ، فإنه يجب أن يتعلموا أن هناك صفة مطلوبة لبيوتنا كبيوت مسيحية . يلزم أن تتوفر الطاعة مع القداسة . إن الخطية والسعادة لا تسيران في حياتنا معاً ، ولا يمكن أن تسيرا معاً في بيوتنا . ومالم نستحضر أولادنا لكي يعرفوا معنا هذه الحقيقة فإننا لن نصل إلي الشركة الحقيقية والسعادة معهم . ولابد أن يتحققوا من هذا الأمر أنهم لن يستمتعوا بشركتهم معنا طالما يسيرون في إرادتهم الذاتية وفي العصيان . وعلينا أن نحتفظ دائماً في بيوتنا بصفة التقوي . إن الكثير من الآباء المسيحيين يحصدون بالأسي لأنهم يقللون مستوي السلوك المسيحي لأولادهم ويسمحون لأشياء تخالف كلمة الله أن تستمر في بيوتهم . إن الله أبانا لا يخفض مستوي السلوك لعائلته . ليته يساعدنا في أن نحفظ هذا الأمر في بيوتنا .
وهذا يأتي بنا إلي نقطة أخري ، فإن الله يريد الحقيقة ، إذ يقول لنا أن إدعّاء الشخص بما ليس فيه حقيقة فهو إدعاءٌ كاذب ، وأن الذين يسلكون في الظلمة ليست لهم شركة معه . وبعض الآباء يقولون أننا إذا جعلنا مستوي القداسة عالياً جداً فإن أولادنا سيفعلون ما هو ممنوع سراً . وقد قادنا الله إلي فكره من جهة هذه المسألة إذ يجب أن نتبع ليس أفكارنا بل النموذج الذي رسمه لنا . فإذا عرف أولادنا قلوبنا حقاً لإنهم سيطلبون شركتنا فوق كل شئ آخر . وسيشعرون أنهم ليس بمقدورهم أن يخفوا أو يدّعوا بما ليس فيهم أمامنا . ومع أن نور الله في حضرة أبينا يُظهر الخطية . إلا أننا لا يمكننا أن نخفي شيئاً في حضرته ، لماذا ؟ لأن محبته الكاملة وجدت طريقاً - "ودم يسوع المسيح ابنه يُطهر من كل خطية" شئ عجيب حقاً ! فأي ثقة لنا نجدها في هذه الكلمة .
وبعد ذلك فلنا المؤونة والعون وقت فشلنا باعتبارنا أولاد الله "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" . كذلك في بيوتنا فحيث يكون النور والمحبة في مكانهما الصحيح فكل شئ يُكشَف ويتم التعامل معه بالنور والمحبة . وعندما يعرف أولادنا أنهم فعلوا الخطأ فعلينا أن نسامحهم كما أن الله أبانا يسامحنا أيضاً. والغفران في قلوبنا دائماً ، أما الحكم فلا نظهره إلي أن يتم الاعتراف بخطاياهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق