فالأسباب التي تدعو الله أن يأتي لنا بالتجارب كالآتي :
١ - لأجل مجد الله :
دعونا نقرأ (يو 11 : 1-4) "وكان انسان مريضاً وهو لعازر من بيت عنيا من قرية مريم ومرثا اختها ، وكانت مريم التي كان لعازر اخوها مريضاً هي التي دهنت الرب بطيب ، ومسحت رجليه بشعرها ، فأرسلت الأختان إليه قائلتين : ياسيد هوذا الذي تحبه مريض ، فلما سمع يسوع قال هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد الله به" .
نري من هذا الفصل الكتابي ان الله له غرض في كل التجارب ، وهو استحضار المجد لله ، فغرض الله من كل تعاملاته مع شعبه أن يتمجد الله وابنه تمجيداً تاماً ، فكل شئ يحدث لحياتنا هو لأجل ذاك الغرض المجيد .
فياله من أمر محزن قد اصاب لعازر ، فالله قد جربه في صحته ، وألقي علي فراش المرض ومات بعد ذلك ، والاكثر من ذلك ان هذا قد أثر في حياة الآخرين ، اختيه مريم ومرثا كانتا في منتهي الحزن لأجل ذلك ، وهذا يبيِّن انه عندما تصيب تجربة شخص ما فنادراً ما تؤثر تلك التجربة عليه وحده ، وعلي أي حال نتعلم من هذا أن الله يتمجد من خلال تجارب شعبه .
والسؤال الآن : كيف لهذا الحدث السيئ الذي اصاب لعازر ان يكون لمجد الله ؟
حسناً ببساطة نقول أن تلك التجربة اصبحت فرصة لكي يظهر الرب قوته ونعمته لأجل تعضيد شعبه في وقت كهذا ، وهذا اظهر مجده ، فالله عندما يسمح بتجربة لشعبه فهو يمنحهم نعمة لأجل تعضيدهم فيها ويكون هناك شهادة لعظمة ذاك الإله ، وهذا يعطي شهادة حقيقية قوية ليس فقط علي وجوده ، بل ايضاً شهادة عن محبته ونعمته العملية ، وكل هذا يؤدي الي المجد للرب ، والتجربة ببساطة تعطي الرب فرصة للعمل بطريقة ليست بها أخطاء ، وتعود بالمجد والنعمة للرب ، فهو يسمح بالظروف الصعبة ان تأتي وبالتالي يتدخل بالمعونة ليعود له كل المجد "يختم علي يد كل انسان ليعلم كل الناس خالقهم" (أيوب 37 : 7) ، وفي حالة لعازر وأختيه قد منحهم الرب رحمة وتدخل بمعجزة لاستجابة صلاتهم ، ولكن ليس بالطريقة التي كانوا يتوقعونها ، فهم أرادوا ان يأتي ويشفي لعازر ويمنعه من الموت ، ولكن الرب اراد أن يقيم لعازر بعد موته ! ، فطريقة الرب اظهرت مجد الله بطريقة أكثر عظمة ومجداً ، وهذا يظهر لنا ان طريق الرب دائماً هو أفضل طريق (أش 55 : 8-9 ، مز 18 : 30) .
ودائماً يظهر لنا أن الرب لا يستجيب لصلاتنا باخراجنا من التجربة التي نجتاز فيها ، ولكنه بدلاً من ذلك يعطينا نعمة باجتيازنا فيها ، وهذا يعود بالمجد للرب ، لأنه لو استجاب صلاتنا باخراجنا من التجربة فإن هذا يعود بالمجد إليه ، ولكن لو لم تكن مشيئته ان يرفع التجربة فهو يتمجد بتعضيدنا ونحن فيها دون اخراجنا منها .
وأتذكر الاخت جويس لندين وهي مثال لكيفية تمجيد الله خلال التجربة ، فهي كانت تتحدث دائماً عن الرب مع جارتها القريبة منها ، ولكن دون أي تأثير علي هذه الجارة ، وقد سمح الرب للأخت جويس باختبار قاسي ، فقد اصيبت بسرطان في المخ ، ولكن أخذت هذا الامر بالنعمة من يد الرب ، واستمرت تشهد عن الرب لجارتها لدرجة انها كانت قد قاربت الموت ، ولكن جارتها لاحظت عليها سمات الهدوء والسكينة والخضوع لمشيئة الرب لما تعرضت له ، وهذه كانت شهادة لا تُمحي في نفس هذه الجارة ، وعندما تعرضت الاخت جويس للعلاج الكيميائي والجراحة كانت جارتها هذه تتأمل بها باهتمام ، وقد بدأ روح الله يعمل فيها ، وعندما كانت الاخت جويس وزوجها في المستشفي ذهبت تلك الجارة الي المستشفي لتخبرهم بأن الرب الذي استطاع ان يُعين الاخت جويس خلال محنتها المريعة هذه تُسرّ جداً ان يكون هو ربها ومخلصها أيضاً ، أليس ذلك تمجيداً للرب.
انا أؤمن انه لو أدركنا ما يريد الرب ان يعمله معنا خلال التجربة ، فهو يجعل التجربة التي نمر بها فرصة ليتمجد من خلالها ، عندما ندرك ان التجربة ليست عقاباً ولكنها كرامة لنشهد للرب عن طريقها ، وبولس عندما رأي تجربته من هذه الوجهه استطاع أن يقول "فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تُحل عليَّ قوة المسيح" (2كو 12 : 9) ، عالمين ان التجربة ستعطينا ان نكون اكثر قرباً وشهادة له ، أما الشكوي والتذمر فهي تلوث ذلك وتضعفه .
والآن دعونا نقرأ (أيوب 1 : 6 -12)
"وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب ، وجاء الشيطان أيضاً في وسطهم ، فقال الرب للشيطان من أين جئت؟ ، فاجاب الشيطان الرب وقال من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها ، فقال الرب للشيطان "هل جعلت قلبك علي عبدي أيوب؟ لأنه ليس مثله في الأرض . رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر ، فأجاب الشيطان الرب وقال : هل مجاناً يتقي أيوب الله ؟ أليس أنك سيَّجت من حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية ؟ باركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه في الأرض ، ولكن ابسط يدك الآن ومسِّ كل ما له ، فإنه في وجهك يُجدِّف عليك" . فقال الرب للشيطان : هوذا كل ما له في يدك ، وإنما إليه لا تمُدَّ يدك" ، ثم خرج الشيطان من امام وجه الرب .
وهنا نجد ازاحة الستار عن العالم غير المرئي للأرواح حتي ندرك ما يتم خلف المشهد ، فنري هنا الشيطان المكتوب عنه "المشتكي علي اخوتنا" (رؤيا 12 : 10) أمام عرش الله يتهمه فيما يختص بطريقه مع شعبه ، فهو يقول للرب أن أيوب يعبدك فقط لأجل ما أعطيته إياه من مادة ورخاء وأوقات هنيه ، فهو يريد ان يقول أنه لو أن الرب أخذ تلك الممتلكات والبركات من أيوب فإنه سيتخلي عن الرب حالاً .
ووراء تلك الشكوي كان الشيطان يشتكي علي الله نفسه ، فتلك الشكوي في الحقيقة ليست ضد ايوب ، ولكن بالأحري ضد الرب ، وكأنه يقول أن الرب لا يقدر أن يحمي اولاده خلال اجتيازهم في التجارب ، وكأن الرب ليس لديه قوة ليعين شعبه في ظروف مثل هذه ، أي ان علاقته بشعبه هي مجرد علاقة سطحية ، ان هذه الشكوي من الشيطان تبين معرفته الجيدة بالطبيعة البشرية ، لأنه يعرف جيداً ان معظم الناس الذين ليست لهم علاقة شخصية قريبة بالرب يرفعون وجوههم بالتذمر والضيق من اضطرابات الحياة ، والشيطان يفترض ان هذا يكون نفس الشئ بالنسبة لشعب الرب ايضاً.
وبالنسبة لأيوب فإن الرب اراد أن يبرهن كذب الشيطان ولذا سمح له بأن يجرب ايوب بتجربة أتت له من سبعة اتجاهات مختلفة :
1- سمح له الرب بأن يدمر شغله بواسطة اللصوص (السبئيون) الذين سرقوا وقتلوا العاملين معه (ايوب 1 : 41 - 51 )
2- ممتلكاته وكل ما له قد تم اشتعاله (بنار الله) وتدمرت تماماً (ايوب 1 : 16) .
3- وسائل انتقاله (الجمال) قد تم اخذها (ايوب 17 : 1)
4- قد قتلت عائلته بواسطة الاعصار (ريح شديدة جداً) (ايوب 1 : 11
5- صحته أيضاً قد تدمرت (قرح ردئ من باطن قدميه الي هامته) (ايوب 2 : 7-8 )
6- زوجته أيضاً كانت محرِّض له من الشيطان علي احباطه ولعن الله (ايوب 2 : 10
7- اصدقائه الثلاثة الذين اتوا اليه ليعزوه انقلبوا ضده (ايوب 2 : 13-11
وما يجب ان نعرفه هنا أن الشيطان لا يمكنه ان يعمل معنا شئ بدون ان يسمح له الله بذلك ، ولكن إذا سمح له فإنه يضع له حدوداً للتجربة (ايوب 1 : 12 ، 2 : 6) ، والشيطان لا يمكن أن يتعدي حدوده الذي يضعها له الله ! ، فالتجربة تصير فرصة لكي يظهر الرب قوته ونعمته في حفظ المؤمن للرب حتي ولو أُخِذ كل ما له ولم يبق له شئ ، فالرب كان عالماً أن ايوب بتجربته سيعود بالمجد إليه .
ويعقوب قد حدثنا عن "صبر ايوب" (يع 5 : 11) ، وعندما نقرأ سفر أيوب نسأل "أين هو صبر أيوب ؟ ، فكل ما أراه هو إنسان يشكو متذمزاً ومحاولاً تبرير ذاته !" .
حسناً عندما تقرأ الاصحاح الأول والثاني تجد أن أيوب لم ينسب لله جهاله ، وهذا كان شهادة عن صبر أيوب (ايوب 1 : 22) ، وفي الأصحاح الثاني نري أن صبر أيوب بدأ ينفد بعد خامس أو سادس شئ أصابه وقد قيل عندئذ "في كل هذا لم يخطئ ايوب بشفتيه" (أيوب 2 : 10) ولكن لم يذكر ان كان قد اخطأ في قلبه أم لا ، ولا نقرأ بعدها أنه بارك الله كما فعل قبل ذلك في الأربع الأشياء التي قد اصابته (أي 1 : 21) ، وهذه الامور تفترض فيه الضعف ، وبعد ذلك في الاصحاح الثالث نجد ان ايوب قد فقد صبره واخطأ بشفتيه ، ولكن كان هذا بعد أن مضي الشيطان من المشهد وفشل في أن يبعد أيوب عن الله (يع 4 : 7) ، فالشيطان قد هُزم ولم يُري بعد ذلك في بقية السفر .
وعندما فقد ايوب صبره في (أي 3 : 3) لا نجده يتحول عن الرب ! ، وهذه كانت شهادة لحقيقة نعمة الرب التي تمكِّن شعبه ان يبقوا علي حالة الأمانة بالرغم من التجربة ، وفي هذا قد تمجد الله ، وباقي السفر يُبيِّن لنا ان الله لديه شئ آخر يريد أن يعمله في أيوب والذي سنراه فيما بعد .
ولكن دعني اقول ان التجارب التي يسمح بها الله لنا بأن نجتاز فيها تشهد له ، بل هي شهادة قوية لعظمة إلهنا .
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق