السبت، 9 أبريل 2011

العائلة (4)

وهنا تأتي كلمة للآباء في غاية الأهمية . يقول : "عرفتم الذي من البدء" . فلنسهر ازاء هجوم العدو الذي يريد أن يشغلنا "بتعاليم متنوعة وغريبة" . ولكن الإيمان الصحيح يجب أن يميز الآباء ، وللأسف فكم من آباء أعزاء مسيحيين ممن انزلقت قدمهم في مشاكل وانقسامات كنسية . مع أن أولاده كانوا في العمر الذي يحتاجون إليه بشدة - وهو الوقت الذي كان يجب أن يكون فيه أكثر ثباتاً في الحق . ليت الرب يحفظ أقدامنا لمجده ، ولأجل خير عائلاتنا أيضاً .

أما بقية الأصحاح فيخبرنا عن أهمية السير في الشركة بالروح وأن نثبت في حق الله ، خاصة فيما يتعلق بشخص المسيح . فإن لم نكن ثابتين في الحق فأي خسارة تصيبنا ، وربما أصابتنا نحن وعائلاتنا فنتحول بعيداً . ولذلك كما يقول الرسول فإننا "نخجل عند مجيئه" . ويشتاق يوحنا أن أولاده الروحيين يثبتوا في المسيح وهذا سيُظهَر أمام كرسي المسيح . ليتنا لا ننسي أن الطريقة التي ننشئ بها عائلاتنا ستُستعلن هناك أيضاً . وياله من فكر فاحص لنا ! .

ويبدأ الأصحاح الثالث "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتي ندعي أولاد الله. من أجل هذا لا يعرفنا العالم" . ويذكِّرنا الوحي هنا كأولاد الله ، أننا لن نكون معروفين في العالم ، كما أن المسيح إبن الله المبارك غير معروف للعالم أيضاً . والكثيرون منا قد اختبروا ذلك . فالعالم لا يريد مُخلِّصنا وهو لا يريدنا إذا سلكنا كما سلك هو . ولكنها محبة الآب التي نعرفها ونستمتع بها في نفوسنا . والتي تجعلنا نرضي بأن نكون غير مفهومين . وهكذا بالنسبة لعائلاتنا أيضاً ، كما أنهم يعرفون محبة أبيهم هذه التي تظلل البيت المسيحي حتي تجعلهم يقبلون أيضاً أن يكونوا غير مفهومين . وغالباً ما يشعر أولادنا بأنهم غير مفهومين في المدرسة ، ويمكنهم أن يرضوا بذلك إذا وجدوا المحبة العميقة والعواطف في البيت . وكما أسلفنا القول عن البيت أنه يكون مقدسهم . إن كل واحد في العالم يريد إشباع عواطفه . والكثيرون جداً من الأولاد لا يعرفون ما يجري في حياتهم - إذ ينقصهم شيئاً - فقلوبهم لم تمتلئ بعد - إنه احتياجهم إلي المحبة ، مع أن المسيح وحده قادر أن يملأ عطش قلوبهم . فإذا كانت بيوتنا تسير علي هذا النموذج الإلهي ، فإنهم في طفولتهم سيجدون المحبة في البيت "بالعمل والحق" . وإذا وجدوا أيضاً أننا في رضي وسرور بمعرفة الله ومحبة أبينا ، فإنهم سيرغبون أن يكونوا مثلنا ، وسيكتشفون فوراً النبع الحقيقي للمحبة وهو قلب الله أبينا .

ثم أنه يوجد رجاء مبارك لكل بيت مسيحي ، فإننا نتطلع إلي الرب أن يأتي ويأخذنا لنكون معه ومثله إلي الأبد "متي أُظهِر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" . وفي بيوت كثيرة نجد بعضاً من الآمال الطموحة مثل سيارة جديدة أو بيتاً جديداً أو رحلة طويلة أو شيئاً ما في المستقبل ، ولأجل هذه الآمال فإنهم ينكرون أنفسهم ويقتصدون في استخدام الأشياء لتحقيق هذه الآمال . أما نحن فلنا رجاء أعظم من كل هذه الأشياء أليس كذلك ؟ إنه يفوق الكل ، فالرب آت إلينا . وغالباً ما تكون المسرات الأرضية التي نتطلع إلي تحقيقها هنا إما أنها سوف لا تتحقق أبداً ، أو إذا تحققت فإننا نشعر معها بالانقباض ولكن رجاءنا يقيني ومؤكد . ليت الرب يجعل هذا الرجاء حقيقياً للغاية في كل بيت مسيحي ، حتي لا نكون نحن ولا أولادنا واضعين قلوبنا علي الأشياء التي في الأرض . إن الخطط التي نرسمها هنا لها مكانها إذا طلبنا فكر الرب لتتميمها ، ولكننا يجب أن نتعلّم نحن وأولادنا أنه لا شئ مؤكد أو باقٍ هنا . وهذا يجعل رجاؤنا الحقيقي أكثر بركة .

إنه رجاء مُطهَّر أيضاً ، يحفظنا من الأشياء التي لا تُسِّر الرب ، وهكذا يضع الكثيرون منا هذا الشعار في بيوتنا .
لا تفعل شيئاً  لا تريد أن تفعله لو أتي يسوع .
ولا تذهب إلي مكان لا تريد أن توجد فيه لو أتي يسوع .
ولا تقل شيئاً لا تريد أن تقوله لو أتي يسوع .
والواقع أنه كلما أظهرنا صفة الله أبينا في بيوتنا كلما أبدي العالم كراهيته لنا . وقد اختبرنا ذلك بقدر ما . وبالطبع لو سايرناهم قليلاً  فإنهم لن يفكروا من جهتنا أننا غرباء عنهم كثيراً ، أما لو رفضنا أي مساومة وتنحينا جانباً عن كل أنشطة ومسرات عالمية فسنجد أنفسنا وأولادنا في انفصال . وكما لاحظنا في أصحاحنا ، فإن هذا يقودنا إلي دائرة مختلفة من الأصدقاء ، ولذلك فإن أولادنا لن يُكوِّنوا صداقات مع الأولاد غير المؤمنين ، أما لو كوَّنوا صداقات كهذه فسرعان ما يضلون بعيداً . إن أصدقاءنا هم الذين يحبون الرب ويُظّهرون في سلوكهم أنهم أولاد الله . "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلي الحياة لأننا نحب الإخوة ، من لا يحب أخاه يبقي في الموت" . ليتنا نقيم صداقة مسيحية حقيقية ، مشجعين أولادنا أن يتكلموا عن الرب للآخرين . وهذه العادة - عادة الكلام عن الرب غالباً ما نجدها ناقصة في بيوتنا المسيحية .

كما أن أولادنا يحتاجون إلي الممارسة العملية ، التي نجدها في هذا الجزء الكتابي "وأما من كانت له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه فكيف تثبت محبة الله فيه ؟" . فلنسع أن نُشغلهم بأعمال الرحمة للذين يحتاجون . وفي هذه الأيام التي تزداد فيها الأنانية فإنه علينا أن نُعلِّم أولادنا لنريهم محبة الله بشكل عملي ، لا أن ننتظرها دائماً في الآخرين . فإبن الله وضع حياته عنا ونحن يجب أن نضع حياتنا لأجل الإخوة ، تري هل يري أولادنا استعدادنا أن نضع أنفسنا حتي ونحن مثقلين فنبذل أنفسنا بالمحبة لأجل إخوتنا ؟ . وهل نُظهِر هذا في حياتنا العائلية فمثلاً هل لنا المحبة العميقة والإرادة أن نضع أنفسنا عنهم ؟ إنها كلمة للآباء هنا لأن الله أبانا قدم ابنه للموت عنا ، وعادة ما تضحي الأمهات لأجل أولادهن ، ولكنني أخشي أننا كآباء غالباً ما نفشل في ذلك . ويوحنا يدفعنا إلي الجانب العملي هنا إذ يقول : "لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" . فالكلام سهل - وما أكثره - بل دعونا أن نُظهر محبة أكثر لأولادنا ولإخوتنا مشجعين أولادنا أن يفعلوا ذلك .
ويلي ذلك الثقة في الصلاة "أيها الأحباء إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله" عندئذ تكون لنا ثقة الصلاة بالقدر الذي نداوم فيه علي السلوك الصحيح . ولذلك بينما نحن نشجع الثقة في أولادنا - وغالباً ما نفعل لهم ذلك أكثر مما يستحقون (كما أن الله أبانا يفعل معنا ذلك بكل تأكيد) وفي الحقيقة فإنه تكون لهم الثقة فقط في محبتنا بالقدر الذي فيه يطيعوننا . وكم يفقد الأولاد في عصيانهم البركات الممنوحة لهم . وغالباً ما يسيئون فهم والديهم ويصبحون غير سعداء ، ويلقون باللوم علي كل واحد دون أنفسهم . ومع ذلك فهو قلب الله أبينا الذي نتحدث عنه ، ومحبة الله أبينا لا تتغير بالرغم من فشلنا ، والتي يجب أن نتحلي بها من نحو أولادنا .
وفي الأصحاح الرابع لنا تحذيرات تجاه الذين يأتوننا كأصدقاء ومعهم تعاليم شريرة . فعلينا أن نرفض مثل هؤلاء . ويحتاج أولادنا أن يتحذروا أيضاً من هؤلاء ، فكم رأينا غالباً شباباً انقادوا إلي نظرائهم الذين يعترفون بأنهم مؤمنون ولكن حياتهم لا تُظهِر ذلك . والموضوع هنا بالطبع هو التعليم الشرير بخصوص شخص المسيح ، ولكن يبقي المبدأ وهو أنه يجب أن نولي عناية كبيرة بمن نتخذهم أصدقاء ، إن حق الله الذي نتمسّك به في الشركة يُمكِّننا أن نغلب الأجواء الفاسدة المحيطة بنا . إنه لا يكفي أن يقول الفرد أنه مسيحي فعليه أن يُظهِر حقيقة ذلك . ويحتاج أولادنا أن يتحذروا من هذه الأشياء كما يحذرنا الله أبونا .
ثم هناك الثبات في المحبة ، فلو كانت بيوتنا مكان النور والمحبة فإن أولادنا يتعلمون أن يعيشوا في هذا الجو . وكم هو عجيب الثبات في المحبة - أي التمتع بمحبة الله أبينا . أليس شئ رائع أن يسود مثل هذا الجو بيوتنا ! فسوف نتجنب الكثير من التوترات والمشاكل العصبية إذا كانت المحبة حقيقية ، لأن المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج . إن محبة أبينا الكاملة التي تطرح المخاوف بعيداً ، وهكذا لا تصبح فكرة يوم الدين تجعلنا نضطرب ، لأنه "كما هو (الآن) هكذا نحن أيضاً في هذا العالم" . إن مركزنا كامل في المسيح . ليت هذه المحبة تملأ قلوبنا وبيوتنا أكثر ! وهكذا نقرأ "نحن نحبه لأنه هو أحبنا" (بحسب ترجمة داربي 1يو 4 : 19) . إن لنا المعرفة والإيمان بمحبة الله ، ولنا الآن تلك الحياة التي تُمكِّننا أن نحب ، بغض النظر عن عدم استحقاق الذين نحبهم . فإن الله أبينا أحبنا عندما لم يكن فينا شئ يجتذب محبته . ليت هذه المحبة تستعلن لنا أكثر باعتبارنا آباء . إنه الحل للكثير من المشكلات التي تواجهنا في حياتنا المنزلية .

وفي الأصحاح الأخير لنا الغلبة علي العالم ، إنه صراع مستمر ، وعندما نتحقق بأن العالم قد قتل إبن الله ، فإن صفته الحقيقية انطبعت بهذا الفعل ، فإننا لا نقدر أن نستمر بعد في مصادقتنا للعالم عندما يتحقق الإيمان ذلك . "من الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله" . تري ما هو شعورنا كآباء نحو شخص قتل إبننا ؟ أيمكن أن تكون لنا معه أو معهم مصادقة أو علاقة ؟ هكذا عندما نتحقق بأن هذا العالم الذي نعيش فيه قد قتل ابن الله ، وبذلك فإنه بهذا الفعل قد أنهي صداقتنا معه . ليتنا نستحضر هذه الحقيقة أمام أولادنا وبهذه الطريقة يغلبون العالم . ليست المسألة هنا أن الناس ظرفاء أم لا بل ماذا فعلوا لإبن الله . والعالم لم يتغير منذ أن صلبه ، وهم لا يريدون مجرد أن نذكر إسمه المبارك ، وهذا سرعان ما نكتشفه عندما نتحدث عنه أمام الآخرين .
ونهاية الرسالة تترك فينا انطباعاً بأن الله أبينا يريد أن يُمحي كل شكوكنا . وأحد هذه الكلمات السائدة في الرسالة خاصة في نصفها الأخير هي "نعلم" . كذلك نحن كآباء حكماء نسعي بكل جهدنا أن نزيل كل شك من قلوب وأذهان أولادنا . فالمحبة تقود إلي الثقة ، ويجب علينا دائماً أن نعتني بثقة أولادنا  فإذا فقدنا الثقة فقدنا كل شئ ، وانقطعت الرابطة . فكم يجب أن نحرص علي ذلك خاصة في سلوكنا وفي اتجاهنا نحوهم .
ثم أن هناك خطية للموت ، بينما لنا مؤونة وقت الفشل . ولاحظنا أنه قد يكون مؤمن مستمراً في طريق خطئه يري الرب معها ضرورة أخذه بالموت . وإذا طبقنا ذلك علي العائلة فإنه سيكون درساً خطيراً . فمحاولة أن نقيم شركة مع واحد في العائلة يهين الرب بصورة علنية فهذا يهدم الشهادة تماماً في البيت . وهذا شئ مؤسف جداِ بل والأفضل أن نري واحداً مُستبعداً من مائدة الرب أو يأخذه الرب بالموت عن أن يُخفض مستوي سلوك وصفة هذا البيت . إنه لا تزال المحبة - المحبة التي لا تتبدل - من نحو الشخص المخطئ ، وتنقطع الشركة معه حتي يُرّد ثانية ويعود إلي ما كان عليه قبل أن يخطئ . إن مجد الله يأتي أولاً في البيت ، كما تتخذ متطلباتها الأسبقية في أي شئ آخر .
ورسالة يوحنا الثانية موجهة مباشرة إلي أم في البيت . ولقد كان سرور الرسول عظيماً عندما وجد من أولادها بعضاً سالكين في الحق . ونحن لا يمكننا أن نستريح من السعي لنقول أن كل شئ علي ما يرام ، فنحن نحتاج إلي سهر دائم . والأم لها الكثير أن تفعله إزاء الذين يأتون إلي البيت ، ويأتيها التحذير بألا تسمح للمعلمين الكذبة الذين ينكرون ألوهية المسيح أن يدخلوا البيت . ومن حيث المبدأ تبدو أهمية أن ننتبه إلي التأثيرات التي نسمح بدخولها إلي بيوتنا . وللأسف فبيوت كثيرة كانت لها شهادة لامعة ، ولكن بعدما كبر الأولاد سُمح لأشياء كثيرة أن تدخل ، مثل صداقات مع أناس لا يحبون الرب يسوع ، وبذلك انحدر البيت إلي مستوي العالم والرسالة كما لاحظ أحدهم أنها معنونة إلي أمٍ وبالتالي يمكن أن نودعها إلي الأمهات المسيحيات ، فهن "حفظة البيت".
ورسالة يوحنا الثالثة تخاطب أبا لعائلة وُجِد أولاده سالكين في الحق ، ولم يكن للرسول الشيخ فرح أعظم من أن يري ذلك . ولكن ما هي المناسبة الخصوصية التي تطلبت مثل هذه الرسالة ؟ لقد كان هناك حالة غير مُسرِّة في الكنيسة . وعرف يوحنا أن هذا قد يدفع بكل من الآب والأولاد إلي الشعور بالفشل وعدم الاستقرار . ولذلك فإنه يشجع الآب أن يستمر حافظاً بيته مفتوحاً لأولئك الذين يخدمونه بأمانة ، وألا يفشلوا بسبب الحالة في الكنيسة . إنه يُحرِّضهم بألا ينشغلوا بالمشكلة ، إذ يقول "أيها الحبيب لا تتمثل بالشر بل الخير" . ويشعر المرء منا بالأهمية العظيمة لهذه الرسالة لنا كآباء - فعندما نذهب إلي الاجتماع مع أولادنا ولا تسير الأمور في الاجتماع كما يجب - فربما لا يُري روح المسيح هناك مثلا - فإننا نميل إلي الشعور بالبقاء في البيت أو بالحالة الباردة أو نستبعد أولادنا فنبعدهم عن الذهاب للإجتماع - ويالها من غلطة ! فلنستمر سالكين في الحق متمثلين دائما بالخير كما يُحرِّض الرسول غايس هنا حافظين بيوتنا للرب دون تغيير . والرب سيتعامل مع هذه الحالة غير  المُسرِّة في الكنيسة كما قال يوحنا عندما كان في ذلك الوقت ، مع مراعاة أنه يجب أن ننتظر بصبر إلي ذلك الوقت في مثل هذه الحالات .
وكما كتب واحد هذه السطور ، فإنها تقودنا إلي فحص عميق للقلب . وكم فشلت أنا كثيراً ، ولكن الرب في أمانته وضع هذه الأشياء لنا في الكلمة لأجل منفعتنا . فمجيئه صار قريباً ، وستنتهي الصراعات حالاً ، عندئذ يصبح "العمل الحسن" أو "نعماً" لها مكافأة عن كل المجهودات التي نعملها . وفي ذات الوقت فإذ ننتظر مجيئه فإنه يرغب أن يجعل بيوتنا المسيحية مكاناً للتمتع بأيام السماء علي الأرض ، كما وعد شعبه في القديم من زمن قديم (تث 11 : 18-21) . ليته يهبنا ذلك لأجل خاطر اسمه .

ليست هناك تعليقات: