سلسلة مقالات كتاب العائلة
كلمة للآباء
مقــدمة
هذه التأملات كانت حصيلة اختبار الكاتب وتدريبه كأب يقود أولاده ويُعلِّمهم وينشَّئهم ، وعندما كانوا يكبرون احتاج الكاتب إلي حكمة خاصة من الرب في هذا الأمر ، لكي يقودهم أن "يسلكوا في الحق" كما يقول يوحنا (3يو 4) .
وعندما كنت أتطلع إلي الرب في هذا الأمر ، وأجد عائلة الله في رسائل يوحنا ، والطريقة التي كان يتعامل بها الله أبونا معنا لكي يجعل نفسه معروفاً لنا كأولاده ، فأري أمامي النموذج الكامل للحياة العائلية . فأي تعليم عجيب لنا في ذلك ! وإنني إذ أعرف مدي أخطائي كأب (وحتي بعد كتابة هذه السطور) ومع ذلك فإنني أؤمن أن هذا يؤول إلي البركة . وأتمني أن تصل هذه الفائدة للآخرين ، وأضيف كلمة قليلة للآمهات أيضاً في نهاية المقال .
ليت الرب يُسرّ أن يستخدم هذه الكلمات القليلة لمجده وتسبيحه ، ولبركة الآباء والأمهات خاصة من العائلات الناشئة حديثاً في هذه الأيام الصعبة .
مما لا شك فيه أن كل أب مسيحي يشعر بصعوبة تنشئة عائلة للرب في أيام كهذه . ونحن لا نتوقع أن المسألة ستصبح سهلة خاصة كلما اقترب مجئ الرب لأن الظلمة في ازدياد . ويبدو أن العدو يضاعف جهوده . وكما نجد في مجال التسليح فالأسلحة تزداد تطوراً في قوة أدائها وكثافة نيرانها وازدياد قدرتها في الإبادة والقتل في الحروب المعاصرة ، فإنه يبدو أن الشيطان يفعل نفس الشئ في حربه ضد المؤمن . "فإن مصارعتنا ليس مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم علي ظلمة هذا الدهر ، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" أف 6 : 12 . فكم نصبح في أمّس الحاجة إلي سلاح الله الكامل ! وكم نحتاج بالأكثر إلي النور والحكمة من كلمة الله ، والقوة من الأعالي "لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم" 1يو 4 : 4 ، إذ ليست لنا قوة أو حكمة في أنفسنا .
فإذا تطلعنا إلي أنفسنا ، ولاحظنا حولنا الكثير من تلك العائلات التقية ، فبكل تأكيد يصيبنا الفشل أيضاً ، إذ للأسف قد نجح العدو غالباً في مجهوداته . وكما كتب أخونا G.C Willis في كتابه الذي ساعد به الكثيرين (إلي آباء حفدتي) ، أن عائلة تلو الأخري ممن ذُكرِت اسماؤهم في كلمة الله قد تباعدوا كثيراً عن الرب وأهانوا اسمه بطريقة مخيفة . ولكن أيقودنا هذا إلي الفشل ؟ أليست هناك نماذج كاملة ؟ ألم يعد لنا غير النماذج الفاشلة لكي نتبعها ، أو ربما نصيحة الذين فشلوا ، كما اعترف كاتب المقال بذلك . لا ! فإن الله أعطانا النموذج الكامل في كلمته . فكما أن محبة المسيح لكنيسته هي النموذج الذي يحتذى به الزوج في محبته لزوجته ، كذلك أنا أؤمن أن الطريقة التي يتعامل بها الله أبونا معنا كبنين هي الطريقة المثلي لنا كآباء مع أولادهم (أنظر عبرانيين 12 : 5-10) .
وهذا يأتي بنا إلي رسائل يوحنا بصفة خاصة ، ويحسن أن نري تلك الرسائل من هذه الزاوية ونحتفظ بها في أذهاننا . ولنبدأ بالرسالة الأولي ناظرين إلي الرب لكي يطبق دروسها الثمينة علي قلوبنا . ولنا هنا عائلة الله المستحضره أمامنا ، والحق العجيب الذي نجد فيه الله أبينا وقد جعل نفسه معروفاً لنا . فصفته كالنور وكالمحبة مقدمة لنا بهذة الطريقة المباركة . والآن نحن كمن امتلكنا الحياة الأبدية ، نجد أن صفة النور والمحبة مستعلنة فينا باعتبارنا أولاده . فهل يمكن أن نجد نموذجاً كاملاً لنا باعتبارنا آباء أكثر من هذا النموذج ؟ بالقطع لا .
إن مكانة الآب في البيت لها أهمية عظمي ، ونحن عرضة أن نستخف بهذا الأمر إلي أقصي درجة . ولكون الكاتب نفسه أباً لعائلة صغيرة ، فإنه قد تدرب طويلاً في ذلك ونحن كآباء ، مسئولين أن نوفر المحبة بشكل واضح بكل تعليمها ومسئوليتها أمام أولادنا . والأم كالمعين الحقيقي لزوجها (لأنها تُكمِّله وهي ملؤه) عندئذ تستمتع بمحبة زوجها وعواطفه ، ولذلك تُظهِر المحبة الحقيقية ، لكونها مثالاً أمام أطفالها أيضاً . ولكن مسئوليتنا كآباء تأتي في المقام الأول ، والتي نحتاج أن نتدرب عليها .
ولنبدأ بالوعد الثمين "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك" أع 16 : 31 . فإذا كان الإيمان متوافقاً حقاً مع هذا الوعد ، فإنه سيكون ظاهراً في الطريقة التي نُنشِّئ بها أولادنا . ويصبح الأمر باطلاً لو قلنا أننا نؤمن بالوعد ثم نُنشِّئ أولادنا للعالم ، أو ربما نُهمل في تدريب أولادنا . ونحن نتعامل مع نفوس ثمينة ستقضي أبديتها إما في السماء أو في جهنم فكيف نستخف بعد ذلك بتلك المسئولية ؟ ليتنا لا يجب أن ننسي ترتيب الله إذ يأتي الإيمان أولاً وبعد ذلك الأعمال . وهذا وحده كفيل أن يعطي السلام التام في النفس . كما نسعي أن نُنشِّئ أولادنا له . فهل نحن كآباء أظهرنا هذا التوافق بين الوعد تجاه أولادنا والإيمان الحيّ ؟ - هذا هو السؤال الأول .
أما بالنسبة لتعليم وتصحيح وتحذير وتأديب أولادنا (عندما تدعو الضرورة) فإننا نحتاج إلي حكمة الله في هذا الأمر التي نأخذها من سفر الأمثال . ولذلك فمن الأهمية بمكان أن نقرأ هذا السفر بعناية وبروح الصلاة ، لكي لا نتبع أفكار الناس في هذا الصدد . فالكثير من أولاد الله الأعزاء يتبعون آراء المُدَّعِين أنهم حكماء هذا العالم . وأحيانا ننقاد وراء مسيحيين آخرين دون أن نعمل بحسب حكمة الله المعطاة لنا في كلمته . أيها الوالد المسيحي العزيز ، لست أنت ولا أنا يمكن أن نكون أكثر حكمة من الله . وأمامنا مضمون فقط عند اتباع تعاليمه لنا ، فإن أخطأنا ضد الحكمة التي أعطانا إياها ، فإننا نخطئ ضد أنفسنا ، ونتعرّض بالتأكيد إلي قضاء الله بسبب حماقتنا (أمثال 8 : 36) .
وعلي أية حال ، فأنا أؤمن أن هناك جانبين في تدريب أولادنا ، أحدهما نجده في الأمثال ، والآخر أعتقد أننا نجده في رسائل يوحنا . ونحن جميعاً نميل عادة إلي الانحصار في جانب واحد ، والحقيقة أن غالبيتنا يفشلون في هذا الاتجاه . لكن كلمة الله لا تحصرنا في اتجاه واحد - إنما هي إرادتنا الذاتية - فسفر الأمثال يستحضر أمامنا بصفة خاصة تدريب أولادنا ، ورسالة يوحنا هي النموذج لسلوكنا معهم ، وترينا الصفة المسيحية التي يجب أن نُظهرها أمامهم . فكم يصبح ذلك مهماً ! والحقيقة أن رسالة يوحنا تبدو لي الجزء الأكثر أهمية في تدريبنا لهم ، ذلك لأن سلوكنا هو الذي يعطي وزناً لما نقوله لهم . فإذا فشلنا في ذلك ، فإن تعليماتنا لهم تقع علي آذان صماء . وغني عن القول إننا جميعنا نفشل ، والكاتب يدرك جيداً الفشل الكثير الذي سبق أن اعترف به ، ولكن إذا انتفع الآخرون بهذه التأملات فهذا يجعلنا نفرح ونعطي المجد لله !
ولنرجع إلي رسالة يوحنا الأولي لنري كيف تبدأ . إنها تبدأ بمعرفة الآب ، نعم إن الله أبينا يريدنا أن نعرفه . وأرسل ابنه ربنا يسوع المسيح المبارك إلي هذا العالم ليعلن نفسه لنا . فالتلاميذ نظروه ولمسته أيديهم ، "الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهِرت لنا" 1يوحنا 1 : 2 فالإبن أعلن الآب إعلاناً كاملاً ، فأمكنه أن يقول "الذي رآني فقد رأي الآب" يوحنا 14 : 9 . كم هذا عجيب ! إن قلوبنا تنحني ساجدة أمام هذا الحق المذهل ! لقد كشف لنا الله أبونا ما في قلبه نحن أولاده ، لقد اكتسب محبتنا وثقتنا . "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً" 1يوحنا 4 : 19 .
أقول ، ياله من مثال ، وليتنا نطبقه علي أنفسنا كآباء . وأنا أؤمن أن هناك شيئاً نحتاجه فعلاً . وهي النقطة الأولي ولنجتهد أن نأخذها . إنها معرفة الآب . فهل يعرفنا أولادنا المعرفة الحقة كآباء ؟ إن الآب الحكيم يري منذ بداية حياة أولاده أنهم يعرفوه . إنه سيُمسِك بهم ويشجعهم علي تلك العلاقة الحبية الحلوة والثقة باعتبارهم أطفالاً ، مثل يوحنا كاتب هذه الرسالة الذي اتكئ علي صدره وتعلَّم قلب الآب . فإذا فشلنا نحن في تلك العلاقة مع أولادنا فإننا نخطئ من البداية . وأنا أؤمن أن هناك أطفالاً عديدين لم يعرفوا آباءهم حق المعرفة كما يجب أن يكون بسبب فشلهم في ذلك .
(يتبع)
بقلم : جوردن هاي هو
ترجمة : عاطف فهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق