الأربعاء، 20 أبريل 2011

لماذا يسمح الله لنا بالتجارب (5)


   
3- التجارب تجعلنا اكثر تشبهاً بالمسيح

دعونا نقرأ (رو 8 : 28 - 29) لكي نعرف سبب آخر للتجارب في حياتنا "ونحن نعلم ان كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله ، الذين هم مدعوون حسب قصده ، لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين اخوة كثيرين" والموضوع الذي قادنا الي هذه الاعداد هو أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً متألمة تحت عبودية الفساد التي كانت نتيجة سقوطنا في الخطية (الاعداد 21 ، 22) وتلك النتيجة (التجربة) تتلامس معنا بطريقة أو بأخري ، فالرسول يوضح لنا مع أن الله لم يستحضر تلك الآلام الي العالم ، إلا أن الله يستخدمها في مدرسته ليعلمنا بها دروس نافعة ، وفي هذه الحالة يستخدمها لكي يجعلنا مشابهين صورة ابنه ، وهذا سبب آخر  لأجله يسمح لنا الله بالتجارب في حياتنا .

مع ان المسيح لم يعد هنا في هذا العالم إلا أن الله يريد ان يراه ظاهراً في شعبه ، فعمله الحالي يعمله كي يشكل أرواحنا وصفاتنا الي شبه صورة ابنه ، وهو يستخدم التجارب والضيقات لكي يصل الي تلك النتيجة ، ولاحظ هنا انه لا يقول ان كل شئ يحدث لنا هو خير ، لأنه توجد بعض الأشياء السيئة ، ولكن كل هذه الاشياء تعمل معاً للخير ، وهذا يعني ان الله يسمح بالتجربة في حياتنا لأن هذا لخيرنا تماماً ، لأن الايمان يستطيع ان يقول "يوجد خير مزمع ان يأتي من وراء تلك التجربة" ! .
فالله له الكثير ليعمله فينا اكثر من ان يعمل من خلالنا ، نحن نرغب ان نعمل اشياء لأجل الرب لخدمته ، ولكن اهتمامه الاكبر هو في جعلنا نكون اكثر تشبهاً بالمسيح ، وانا لا أقول أنه غير راغب في استخدامنا لاجله ، بل الهدف الاعظم بالنسبة لله ان يجعل شعبه متشبهين ادبياً بالمسيح ، فالله مزمع ان يملأ السماء بأناس مفديين علي صورة ابنه ! .
فغاية الله اذاً من كل تجاربنا هو أننا نكون مشابهين صورة ابنه ، ويمكننا ان نسأل كيف يمكن لهذا ان يحدث بالضبط ؟ حسناً (رو 12 : 2) تخبرنا كيف تتم عملية التحول لنشابه صورة ابن الله ، فإنها تبدأ بأذهاننا ، فهو يقول "لا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم" فعملية التغيير تبدأ بعملها في الداخل ، فهي تبدأ في أذهاننا وتعمل في حياتنا ، وهذا يعني ان التفكير الصحيح يؤدي الي سلوك صحيح وهذا يشكل حياتنا ، والرسول بولس يوضح هنا ان العالم يعوق عملية التغيير ولهذا فلابد من الانفصال عن العالم ، لأن العالم يضع الذات أولاً ، ولكن التفكير الإلهي يضع المسيح أولاً ، فيجب ان نشبع أذهاننا بكلمة الله وبأفكار الله ، فسنري الأشياء كما يراها هو ، فنحب ما يحب ونبغض ما يبغضه  ، وهذا سيصير منعكساً علي حياتنا فيصير تغيير في كلماتنا وافعالنا ، وخطوة بعد خطوة سنصير اكثر تشبهاً بالمسيح في طرقنا ، فيكلمنا بولس عن الاحتياج لتجديد أذهاننا، وهذا يحتم علينا أن نعيد تركيز افكارنا ، ويقول مستر براون من الممكن ان نفعل ذلك ولو الي 50 مرة يومياً ! ، فإن أذهاننا تظل تركض وراء الاشياء الجسدية والعالمية ، ولذا فهي بحاجة الي اعادة تركيزها مرة بعد الأخري ، ولقد اعتاد هاي هو ان يقول "انتبه فيما تفكر واجعل تفكيرك مركزاً في المسيح" .
فالله ليس فقط يعمل في الداخل بواسطة الروح القدس ، بل أيضاً يستخدم التجارب من الخارج ، واشعياء يتحدث عن بقية اسرائيل قائلاً "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية" ولكن ايضاً يؤكد ان الرب مزمع ان يظهر جماله فيهم "هأنذا أبني بالأثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك ، واجعل شرفك ياقوتاً وابوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة" (أش 54 : 11 -12) فالأمة الاسرائيلية عندما تُرَد للرب ستصير منتج عجيب للعمل الإلهي ، وفي ذلك اليوم ستجاب صلاة موسي القائلة "ولتكن نعمة (جمال) الرب إلهنا علينا" (مز 90 : 17) فإن مجد الرب سيشرق عليهم (أش 60 : 1) ،  ولكن الطريق لتلك الغاية الإلهية سيأتي من خلال الآلام ، والتي ستكون بالنسبة للأمة هي تجربة الضيقة العظيمة ، كما نقرأ في الرسائل أن صفة المسيح ظاهرة في القديسين ، وياله من جمال ، فالله بواسطة الروح القدس يكتب المسيح في ألواح قلوبنا اللحمية ، وهذا بدوره يظهر في حياتنا وسلوكنا وطرقنا (2 كو 3 : 3) وهذا ما قاله بولس عندما قال "المسيح فيكم رجاء المجد" (كو 1 : 27) فالكثير من الجمال الأدبي يظهر في القديسين كنيتجة لاجتيازهم في التجارب . وتذكر ان الزهرة المحطمة يفيح منها رائحة العطر اكثر!


وتوجد بعض السمات الأدبية التي للمسيح يستحضرها الله من شعبه خلال اجتيازهم في التجارب وهي :

 أحشاء (رآفات) المسيح :
يخبر الرسول بولس مؤمني فيلبي أنه يتوق اليهم في "أحشاء المسيح" (في 1 : 8) وهنا نري أحشاء المسيح ظاهرة في بولس ، ويالها من سمة جميلة ! ، ولاحظ انها (أحشاء المسيح شخصياً) فنفس سمة احشاء الرب يسوع التي كانت في حياته وخدمته ظهرت ايضاً في أحد خاصته .
فقديسي فيلبي عبَّروا عن تلك الاحشاء والرحمة لبولس في ارسال شركة محبة بيد ابفرودتس (في 2 : 1 ، 4 : 18) ، فمنذ ان كان بولس محبوساً لم يقدر أن يأتي اليهم فأرسل خطاباً ليعلم أن الخدمة قد تم ارسالها ، فهذه كانت سمة جميلة في بولس بسبب الآلام والتجارب التي اجتازت فيها نفسه ، فمن خلال ذلك قد انشأ الله فيه تلك السمة ، إنهاء أحشاء المسيح ، فقبلما يخلص لم تكن فيه تلك الاحشاء ، بل علي النقيض كان بلا رحمة يسوق المؤمنين الي السجن (أع 8 : 1 ، 9 : 1 ، 22 : 4-5) ، ولكن في مدرسة الله صار اناءاً مستعداً لاستخدام السيد وامتلأ بأحشاء المسيح .
فالله يطلب ان يعمل فينا لكي تظهر أحشاء المسيح فيناً أيضاً (ومن الجائز ان نكون متصفين بالقسوة وعدم المبالاة تجاه مشاكل الآخرين ، ولكن بعدما يعمل الله فينا ستكون لنا أحشاء المسيح ، فالتجارب تجعلنا نلين ونحس بالآخرين ، وبما يجتازون فيه من آلم ، فالله سيجعلنا مثل المسيح الذي يرثي لشعبه في اجتيازهم للآلام (عب 4 : 15).

 وداعة المسيح وحلمه :
وبالارتباط بأحشاء المسيح يوجد ايضاً "وداعة المسيح وحلمه" (2كو 10 : 1) في الأصحاحات (10 - 13) من الرسالة الثانية الي كورنثوس كان بولس يدافع عن رسوليته ، وهذا دعاه للافتخار من جهة نفسه ، والمشكلة انه كان هناك أعداء ومقاومين للرسول حاولوا ان ينحوا اهل كورنثوس عن الرسول بولس ، وقد علم بولس انه لابد أن يتعامل مع هذا الموقف بحكمة خاصة لذا اقترب اليهم "بوداعة المسيح وحلمه" وبكلمات اخري طلب ان يتعامل مع الموقف كالرب يسوع نفسه .
وهناك مواقف عندما نتعامل فيها مع شخص ما اذا لم نقترب اليه بحكمة خاصة فإنه من الجائز انه يتعثر وربما يترك الاجتماع ولذا نحتاج الي وداعة المسيح وحكمته ، صحيح يجب ان نتكلم كلمات الحق ولكن يجب ان نقدمها بمحبة .

وربما يكون بعضنا اقل حساسية بمشاعر الآخرين وأقل إظهار للنعمة ، وربما نكون مثل "الثور في محل صيني" ، ولكن الله له طرقه الخاصة لأجل تشكيلنا فيظهر في حياتنا سمات المسيح ، ومن الجائز ان يسمح لنا أن يتعامل معنا شخص بطريقة قاسية ليدربنا ويعلمنا كيف نتعامل مع الآخرين بأكثر رفق ، فمن الممكن ان يستخدم الله معنا شخص صعب الي حد ما لكي يدربنا ، وكما هو مكتوب "كما في الماء الوجه للوجه كذلك قلب الإنسان للإنسان" (أمثال 27 : 19) فنحن نعرف ما في قلوبنا برؤيته في شخص آخر وياله من تدريب مُذِّل .

 طاعة المسيح :
في نفس هذا الأصحاح (2كو 10) يتحدث بولس عن مساعدة المؤمنين وكيفية تخلصهم من التعاليم والافكار الخاطئة التي زحفت الي أذهانهم وهو يسمي تلك التعاليم الخاطئة "حصون" وكان هدفه ان يحطم تلك الحصون ويستحضر افكارهم الي سلطان حق الله في روح المسيح لأجل خضوعهم لله ، فيقول "مستأسرين كل فكر الي طاعة المسيح" (2كو 10 : 5) ، لاحظ هنا طاعة المسيح ليست هي الطاعة للمسيح ، ولكنها نفس صفة الطاعة التي تحلي بها المسيح في حياته ، فطاعته لم تكن طاعة قانونية ، ولكن بالأحري أطاع لأنه أحب الآب ، وأراد ان يسرِّ قلبه (يو 8 : 29 ، 14 : 31) ، وبطرس ايضاً يحدثنا عن تلك الصفة من الطاعة (1بط 1 : 2) ، فالنقطة الهامة هنا ان الله يريدنا ان نطيع مثلما اطاع المسيح، وهو لا يريدنا ان نطيع لأننا يجب أن نفعل ذلك ، ولكن بالأحري لأننا نرغب أن نفعل ذلك ، و التجارب لها طريق بأن تجعلنا نرغب في ذلك .

 إيمان المسيح :
في (غل 2 : 20) يقول "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ فما أحياه الآن في الجسد فإنما احياه في الإيمان ايمان ابن الله الذي احبني وأسلم نفسه لأجلي" وهنا يطلب بولس أن يحيا بواسطة إيمان ابن الله أي نفس النوع من الثقة التي كان يتحلي بها الرب يسوع كإنسان مستنداً علي الله ، فالنقطة هنا ليست أن نحيا لأجل المسيح ، بل أن نعيش المسيح ، فالرب كانت له ثقة بسيطة في الله ، وهذه الصفة عينها يجب ان تكون فينا نحن أيضاً .
ولأجل تنقية إيماننا وتقويته يستخدم الله التجارب لتتلامس مع حياتنا ، كي نتعلم ان نثق فيه ، وفي (2تس 1 : 3 -4) يتحدث الرسول عن نمو ايمانهم كثيراً ، ويضيف "حتي أننا نحن انفسنا نفتخر بكم في كنائس الله من اجل صبركم وايمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها" فايمانهم قد نما وزاد مع "الاضطهادات والضيقات" والتجارب تعلمنا ان لا نثق في أنفسنا بل في الرب (مز 16 : 1) .

 صبر المسيح :
في 2 تس 3 : 5 "الرب يهدي قلوبكم الي محبة الله والي صبر المسيح" وهنا نجد صفة أخري للمسيح يجب ان تكون في القديسين وهي "صبر المسيح" كان بولس راغباً ان يكون لدي القديسين الصبر لانتظار مجئ الرب ، وهو يريدنا أن ننتظر كما ينتظر المسيح نفسه في الأعالي ، فهو في المجد ينتظر وقت أبيه الذي سيخبره به في آوانه ، ومن ثم سوف ينزل من السماء بهتاف وصوت رئيس ملائكة ويدعونا اليه ، ونفس الصبر الذي للمسيح في المجد يجب ان يُري فينا أيضاً اثناء انتظاره هنا علي الأرض .
يوجد خطر عظيم في ترك رجاء مجئ الرب ، كما هو واضح في هؤلاء الذين قالوا "سيدي يبطئ قدومه" (مت 24 : 48 ، 49) ولاحظ هنا انه ليس إنكار لمجيئه بل الشكوي من تباطئه ، فإذا كنا لا نعيش لحظة بعد الاخري في انتظار الرجاء فإن حياتنا ستظهر ذلك جلياً ، مكتوب بعد ذلك أنه ابتدأ يضرب العبيد رفقائه ، فمن الممكن ان نتسم بالقسوة والنقد للذين يعملون عمل الرب ، وثالثاً يأكل ويشرب ويسكر ، وهذا يظهر لنا هدم مبادئ الانفصال .
والله يستخدم التجارب التي نجتاز فيها هنا حتي نشتاق الي مجئ الرب ، فالله بواسطتها يحوِّل قلوبنا الي السماء ، ومن خلال ذلك نتعلم كيف ننتظر الرب ، ويقول يعقوب "فتأنوا ايها الاخوة الي مجئ الرب" (يع 5 : 7) ، ويعقوب ايضاً يخبرنا ان الله يستخدم التجارب والضيقات ليعلمنا الصبر فيقول "احسبوه كل فرح يا اخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين ان امتحان ايمانكم ينشئ صبراً وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا كاملين غير ناقصين في شئ" (يع 1 : 2 - 4) ونتيجة كل تعاملات الله معنا ان نصير بالتدريج وبكل يقين مشابهين صورة ابنه ، وفي النهاية سيسطع جماله علينا (مز 90 : 17) .


(يتبع)


ليست هناك تعليقات: