الأربعاء، 11 مايو 2011

السبيل الي قوة المسيحي في هذا العالم (5)

إذن فالموضوع هنا ليس الإنسان في المسيح بل المسيح في الإنسان وهذا ما
أرغبه هنا علي الأرض ، فعندما افكر في الإنسان في المسيح أجد الكمال ، لكن عندما يكون الأمر خاص بالسلوك هنا علي الأرض فنحن نرغب في القوة بالإضافة إلي الصدق ، ولو كان هناك قوة في نفسي نجد أن الإنسان العتيق ينهض حالاً ، فالإنسان العتيق يجب أن يتواري لكي تأتي قوة آخري ، فأنا لي المسيح معي ، إنني إنسان مُتكل عليه ، وقد قال المسيح "ليس بالخبر وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" فدائما كان المسيح إنساناً مُتكلاًً وكان في حالة صحيحة دائماً ، غير أن هذا في منتهي الصعوبة بالنسبة لنا ، فنحن نجد أنفسنا تتأذي عندما نكون في حالة الاتكال علي الله ، ولهذا نجد أن المسيحي غالباً ما يسقط بعد اختبار فترة من الفرح العظيم ، ولكن لماذا ؟ لأن فرحه هذا قد أبعده عن حالة الاتكال علي الله ، فعندما يكون عمل التفرغ من الذات جاري فيَّ واجتاز في حالة من الضعف والعجز والعوز لأجل اسم المسيح ، استطيع أن أقول أنني سأفتخر بها كلها ، لماذا ؟ "لأن قوة المسيح ستحل عليَّ" لأنه هناك توجد البركة ، فأشعر بأنني لست شيئاً في ذاتي وعندها أشعر بقوة المسيح التي تحل عليَّ ، وهنا ليس الإنسان في المسيح بل قوة المسيح تستقر علي الإنسان خلال سلوكه علي الأرض هنا ، أنه المسيح في الإنسان . وبفرض أنني تفرغت من الذات ، والمسيح يحيا فيَّ ماذا سأجد في تلك الحالة ؟ إننس سوف لا أكون دائماً في السماء الثالثة ، لكن المسيح هو دائماً هناك ، فأجد سلامي وأمني هناك ، وحياتي هناك وبرِّي هناك ، كل شئ احتاجه سأجده هناك ، فالمسيح هو عنواني ، إنني في المسيح ، وليس في آدم الأول .

إن الحُلّة التي كانت قد وضعت علي الابن الضال عندما أتي إلي البيت لم يرتديها من قبل ، إنها ليست رقعة لثيابه العتيقة ، بل هي حُلّة جديدة تماماً ، فقد أحضروا إليه الحُلّة الأولي ومُنحَت له ، إن ما أخذناه في آدم الأول قد فُقِد ولا يمكننا استرداده ، لكننا الآن قد حصلنا علي شئ جديد وأفضل بكثير . فالإنسان في حالة البراءة لا يعرف الخير والشر ، أما الإنسان المقدس يفعل الخير ويحبه ، فما قد حصلنا عليه الآن ليس حالة البراءة بل ما قد حصل عليه المسيح بوجوده في محضر الله ، فالحُلّة الأولي التي أحضرها الآب الي الابن الضال كانت حُلّة جديدة من نفائس بيته هو ولم يرتديها الابن من قبل ، إن الله قد اعطانا المسيح في السماء ، إنني لست علي الدوام في السماء الثالثة ، لكن المسيح هناك ، ومكاني وعنواني هما هناك بالإيمان بحسب عمل روح الله ، فإذا كان المسيح هو حياتي فإنه لا يوجد هناك في تلك الحياة شئ لا يتوافق مع السماء الثالثة ، إنه المسيح الذي في السماء ، حتي عندما كان سالكاً هنا علي الأرض استطاع أن يقول "ابن الإنسان الذي هو في السماء" ، ولم تكن حياته هنا علي الأرض إلا تعبيراً عن ذلك ،. فاتحادنا به اتحاد حيّ وحقيقي ، إنني في المسيح فوق (أي في السماء) ، والمسيح فيَّ علي الأرض ، فهناك أجد المبدأ لسلوكي والقوة لذلك أيضاً ، فاثناء عملي وشغلي هنا علي الأرض يجب أن أحيا حياة المسيح أي أسلك بروح المسيح مهما كانت الظروف التي اجتاز فيها وبفرض أنني أفعل ذلك بالفعل والروح فيّ غير حزين واتمتع بالسماء الثالثة ، وبالتالي لا يكون في حياتي شئ يتعارض مع ذلك؛ ، إنني لست هناك بالفعل أي في السماء الثالثة لكني أعيش بما يتوافق مع ذلك ، لأنني أسلك في المسيح الذي هو هناك ، إنه هو حياتي وهو أيضاً قوة تلك الحياة ، فلو إنني قد دخلت السماء الثالثة وخرجت منها يمكنني أن استمر في السلوك بنفس تلك المشاعر الروحية والأدبية ، وعندما أعود مرة أخري إلي هناك سوف استمتع بكل هذه بطريقة اكثر عمقاً . خذا مثلاً إنسان يعمل لأجل اسرته طوال اليوم ، ومن الممكن أن يكون هذا العمل شاق ويضطر للابتعاد عن اسرته فترات طويلة لكنه عندما يعود للبيت سيستمتع باسرته أكثر .
فالمسيحي حال كونه في السماء الثالثة غير أنه له أن يسلك في هذا العالم أيضاً ، فالمسيح هو بره وهو أيضاً الذي أعطاه الحق لوجوده هناك ، ولهذا مكانه هو في السماء ، ويجب أن يسلك في قوة تلك الحياة ، وعندما يعود مرة أخري للسماء الثالثة يكون في حالة من السعادة والانتعاش الدائم .

من الجائز أن نفشل في ذلك ، لكن تلك هي قوة المسيح التي تحل علينا هنا علي الأرض والتي تعمل فينا ، ولاحظ كيف يتحدث هنا عن مركز المسيحي لكي ينال مكاناً مثل هذا "اعرف انساناً في المسيح .... بهذا انا افتخر" فبهذا يجب أن نفتخر ، فإذا قلت إنني في المسيح فإني افتخر بذلك ، وبهذا أقول يا له من مكان رائع ذلك الذي وضعني الله فيه ! إنه قد أخرجني من الحفرة ووضعني في ابنه ، كما انه كان قد أخذ اللص الذي كان علي الصليب ووضعه فيه في نفس مجد ابن الله ، وهو أخذ مريم المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطين ووضعها في نفس مجد ابن الله ، بهذا انا افتخر .

والناس يدّعون بأن كل هذا إنما هو افتراض ، ولكن اسمح لي أن أقول كلمة بهذا الصدد ، هل أنت في المسيح ؟ إذا لم تكن في المسيح فإنك لا محالة هالك ، فليس من الصحة في شئ أن تقول أن هذا افتراض ، فإذا لم تكن في المسيح فانت هالك ، وإذا كنت في المسيح فأنت في مأمن تام ، وما هي نتيجة ذلك ؟ أو ليس المسيح هو برِّك ؟ وهل انت لا تفتخر بذلك ولست أقول تفتخر بنفسك ؟ إننا أيها الإخوة لا نقدِّر الفساد الذي في أنفسا كخطاة في الجسد كما يجب ، إذا كنت أعرف بحق ما معني إنني هالك بدون المسيح فلا يمكن أن أدِّعي بأن افتخاري بكوني في المسيح هو مجرد افتراض ، إنني لست محتاجاً أن أفكر في نفسي لأنني في ملء السعادة في حضرة الله ، فإنه قد جعلني مسروراً بالنعمة التي أحضرتني إلي هناك ، وبالشركة الحالية التي ليّ معه في هذا المكان الذي أحضرني إليه ، ونحن يجب أن نتعلم هذا الدرس عملياً ، ولهذا نري بولس قد كانت له شوكة في الجسد بعدما كان قد عرف بدنُوِّه وأن المسيح هو بره ، وهذا هو تعليم الله العملي عن لا شيئيتنا . إنه العمل الأساسي الذي يبقي لنا ، فنحن في المسيح كمن هو برِّنا ، وإذا احتفظت بشئ واحد لنفسي فقط فهذه ليست شركة مع الله علي الرغم من وجود النعمة والشفاعة .
الإنسان في المسيح قد حصل علي مقامه مع الله ، ومنذ حصوله علي ذلك فشغله الشاغل هو أن يُظهِر المسيح أمام العالم ، وبهذا فهو يحتاج إلي قوة ، والقوة تأتي ليس فقط من كونه في السماء الثالثة ، وليس فقط من كونه صار برِّ الله في المسيح ، بل هو يرغب في قوة حاضرة ، والإخلاص والصدق هنا لا يكفي .
إن التجارب ستواجهك ، فأنت في عملك والتجارب تحيط بك من كل نوع ولهذا فأنت تحتاج إلي قوة لكي تُقدِّر غني المسيح ، وهذا سيجعل كل شئ ستواجهه كلا شئ بالنسبة لك ، إن المسيح نفسه أصبح هو قوتك ، إذن أن قوة المسيح ستحل عليك ، والآن عندي سؤال لكم ، فهل أيا منكم يقدر أن يقول لي متي نحن كنا في الجسد ؟ أنه أمر مهم جداً ، والرسول يتحدث عنه قائلاً "لما كنا في الجسد" ، فهل أنت قد تعلمت الأساس الذي تقف عليه قدام الله ، ليس الأساس الذي كان واقفاً عليه آدم الأول ، بل الأساس الذي بناء عليه قد وضعك الله في آدم الأخير أي الرب يسوع المسيح؟  إذا كنت كذلك فأنت إنسان في المسيح وبالتالي ينبغي عليك أن تسلك كما سلك المسيح ، وإذا لم تكن هكذا فهناك درس يجب أن تتعلمه ، فيجب أن تدرك إنك هالك بدون المسيح ، فإذا كان لنا رجاء في أي شئ فيجب أن يكون في المسيح ، فالله قد وضعنا في المسيح ، وبهذا استطيع أن أقول أنني في المسيح أمام الله ، لأنه هو قد حمل خطاياي وطرحها بعيداً أي قد محاها إلي الأبد ، لكن علي الرغم من أنه توجد قوة الحياة الجديدة وحضور الروح القدس إلا أنه لا يجب أن افتخر بنفسي إلا بما يمزق هذا الجسد الشقي اربا ارباً وبهذا سأفتخر بالمسيح .
هل ترغب في أن تُظهِر المسيح أمام العالم؟ إنك ستقول إنني في حاجة إلي قوة لكن لو كنت ترغب في ذلك ، فأنت محتاج إلي أن تتفرغ من الذات لأنه هو برِّك أمام الله ، وسوف تجد قوته في ضعفك كأنها هي قوتك للسلوك خلال هذا العالم من ثم تستطيع قلوبنا أن تدعوه أمين تعال أيها الرب يسوع .
الرب يمنحنا  أن نُقدِّره الآن ، فأولاً يجب أن نعرفه كخطاة مساكين ليسدد كل أعوازنا، وبعد ذلك نعرفه في شركة محبته كالشخص الغالي علي قلوبنا الذي نتطلع إلي أن نعرفه وجهاً لوجه في كل ملئه .

بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : عاطف فهيم


ليست هناك تعليقات: