لكن بماذا يخبرني الإنجيل ؟ أنه يخبرني بأنني لست أحب الله بل أن الله هو الذي يحبني طوال الوقت ، وتلك هي نقطة البداية للنفس ، فالله قد أحبني عندما كنت لا أحبه ، صحيح أننا قد نلنا رغبات جديدة وأفكار جديدة ، لكن ضميري قد أتي إلي النور ورأي وحكم علي كل خطاياي في النور ، ووجدت محبة الله الذي أرسل المسيح ، وقد أتي المسيح بنفس تلك المحبة ، فالله لم يقل لي "إنني سوف أساعدك لكي تحبني ، بل يقول "إني أحبك" ، "لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه في ما كان ضعيفا بالجسد فالله إذ ارسل ابنه . . . ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد" ، ولكن أين الله دان الخطية ؟ في الصليب ، فالآن أنا مغفور الاثم ، الآن أنا حر ، فأنا أري محبة الله لما كنت في تلك الحالة المريعة من الخطية والموت في الجسد أتي المسيح إلي هناك ودانها . فحُكم الله قد وقع عليها بالفعل ، ولهذا السبب حينما نظر إلي المسيح استطاع أن يقول "اشكر الله بيسوع المسيح ربنا" ، فعندما رأي سابقاً الإنسان منظوراً إليه كمسئول أمام الله تحت الناموس قال "ويحي أنا الإنسان الشقي" لكن الآن هو يري المسيح وقد فعل كل هذا لأجله فاستطاع أن يقول "أشكر الله بيسوع المسيح ربنا" . فالإنسان اصبح الآن ليس واقفاً أمام الله كخاطئ ، لأنه في تلك الحالة سيكون هالكاً ، أما الآن فقد تعلَّم أن الله ارسل ابنه ودان الخطية في الجسد ، وبذلك لم تعد هناك دينونة الآن ، فالله قد أوقع الدينونة بالفعل ، والآن اصبح الإنسان ليس إنساناً في الجسد بل إنساناً في المسيح ، وهذا ما نجده في الأصحاح الثامن من رسالة رومية ، فالإنسان يُنظَر إليه كمن هو في المسيح ، إنه قد نال المسيح كحياته في محضر الله ، فلم يعد في الجسد بل في الروح ، والآن يستطيع أن يقول إنني في المسيح آدم الأخير ، لأنه بعد أن نُزعَت خطاياه في الصليب أقامه الله ثانية ، والآن قد اعطاه الله حياة ، أنها الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا ، فإنني قد رأيت تلك الحياة عندما كان المسيح سالكاً في هذا العالم ، فهناك رأيت ما هي المحبة ، وما هي البركة في كل طرقه ، فيالها من محبة وياله من صبر قد أظهره من نحو تلاميذه ، فتلك هي الحياة التي يمكنني أن أقول عنها أنه الحياة الأبدية ، الحياة وفقاً لما يريدها الله ، هذه الحياة أظهرت لي . وفي الأصحاح الثاني من رسالة يوحنا يقول "ما هو حق فيه وفيكم" فالآن مقامي في محضر الله وليس في الجسد العتيق ، بل إنني الآن إنسان في المسيح لأن المسيح نفسه هو حياتي ، وتلك هي المكانة التي وضعني الله فيها ، فالمسيح هو حياتي الجديدة وأنا في المسيح في محضر الله .
أما فيما يختص ببولس فقد أُعلِن له هذا الحق بأسمي درجة ممكنه عندما كان في السماء الثالثة ، والجسد ليس له نصيب في مكان مثل هذا ، فهناك لم يكن يعلم إذاً كان في الجسد أم خارج الجسد ، ونري هنا أنه يقول "إنسان في المسيح" فهو كإنسان عائشاً هنا كانت له حياة حقيقية من المسيح وقد اتحد معه بقوة الروح القدس ، وارتبط به بروح واحد ، وقد نال هذا الامتياز ليس كابن آدم بل كمن وُلِد من الله ، لذا عندما أري المسيح لما كان سالكاً في هذا العالم يمكنني أن أقول إن هذه هي حياتي ، فإنني أري تلك الحياة فيه بكل كمالها ، فأقول يالها من حياة رائعة وعجيبة ، إنني أري تلك الحياة الأبدية عينها التي كانت عند الأب ، فأقول بملء الفم إنها حياتي ، فقد كان لي حياة في آدم الأول وكان لتلك الحياة ثمارها المُرة من الخطية والفساد ، أما الآن فلي حياة المسيح ، لكن بولس لم يقدر أن يبقي في السماء الثالثة ، فكان له أن يُكمِل المسيرة هنا في العالم ، لكن ونحن سالكين خلال هذا العالم يبقي لنا النصيب المبارك وهو شخص المسيح نفسه الذي هو حياتنا ، فهل رأيت المسيح سالكاً في هذا العالم وكان هناك أدني شئ يعوق تلك الحياة السماوية ؟ مطلقا ، فإنه كان هو استعلان الطبيعة الإلهية هنا علي الأرض ، وهذا ما يجب أن تكون عليه أنت أيضاً "من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً" ، فإنني قد نلت الآن ليس انساناً تحت الناموس بل الطبيعة الإلهية معبراً عنها بإنسان علي الأرض ، وهذا هو ما يجب أن يكون عليه المسيحي ، فإنني إنسان اصبح إنساناً سماوياً ، لأن مكانه هو في محضر الله حيث نُزعَت الخطية إلي الأبد ، والروح القدس قد ربطه بالمسيح وبالروح القدس وبالإيمان في محضر الله ، والآن له أن يسلك هكذا في هذا العالم ليس بحسب الجسد وان كان الجسد فيه ، والتجارب والمصاعب التي يلقاها هنا في العالم إلا أنه يجب أن يثبت مع الله ، وإذا لم يستطع أن يثبت في أي شئ مع الله أيا كان فيجب أن يقلع عنه .
لكن نري بولس هنا يعود إلي العالم مرة أخري فتقابله ههنا تجربة ، إنه كان في السماء الثالثة وقد حصل علي وفرة عجيبة من الإعلانات ، وكأن الجسد يقول له "إنه لم يصعد أحد إلي السماء الثالثة سواك" فالجسد ينتفخ ، وتلك هي الطريقة التي يستخدمها الجسد حتي لو وُجِد في السماء الثالثة ، من الطبيعي أنه لم ينتفخ وهو هناك لأنه كان في محضر الله ، ولا يستطيع أن يفتخر جسد في محضر الله ، ولكن الخطورة هي عندما يخرج من السماء الثالثة ، فيفتخر الجسد لكونه كان هناك ، فنحن نشعر بأننا لا شئ في محضر الله ، لكن الآن بولس يجد أن الجسد يبقي فاسد وسيئ كما هو دائماً . وهذا هو الجسد حيثما وُجِد فهو يبقي دائماً مصدر أذي إذ لا إصلاح له ، ولكن ماذا يرسل الله هنا؟ شوكة في الجسد ، ملاك الشيطان ليلطمه.
فالشيطان نفسه خادم لله في العالم بالمثل كما كان في حالة أيوب ، فمن الذي ابتدأ الامر هنا مع أيوب ؟ هل هو الشيطان ؟ أبدا ، أنه الله ، فالله يقول للشيطان "هل جعلت قلبك علي عبدي أيوب لأنه ليس مثله في الأرض" ، ونجد أن الله يسمح للشيطان أن يأتي بأيوب إلي نقطة كان الله يريد أن يأتي به إليها لكي يكتشف نفسه علي حقيقتها . فقال أيوب "لأن الأذن سمعت فطوبتني والعين رأت فشهدت لي لأني أنقذت المسكين المستغيث" وهو بالفعل كان قد فعل هذا ، وتلك كانت هي السماء الثالثة بالنسبة لأيوب ، ولهذا قد سمح الرب للشيطان أن يكسره تماماً ، وماذا قال بعد ذلك ؟ "بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد" وهذا بالضبط ما أراده الله لأيوب ، فالشيطان استُخدِم كآله في يد الله لكي يأتي بأيوب إلي تلك الحالة بأن يكون لا شئ في نظر نفسه ، ومن يستطيع الله أن يباركه ، أيها الإخوة إنه عمل بغيض جداً أن نري أنفسنا علي حقيقتها ، لكنه في نفس الوقت عمل مفيدا جداً . ودُعيَ بطرس للغربلة لكي يتعلم أن الثقة التي في نفسه هي الفرصة المناسبة لفشله ، وفي النهاية لم يرد الرب نفسه فقط ، بل قد جعله قناة بركة للآخرين ، فعندما تعرف عدم نفعك حينئذٍ تكون مستعداً لكي تساعد الآخرين ، فالرب يقول لبطرس "ارعي غنمي" ، أنه شئ مُذِّل جداً أن تعرف عدم نفعك لكنه مفيد جداً ، لأننا جميعنا عرضة بأن نفتكر في أنفسنا حسناً .
فكان يجب أن تكون هناك شوكة تُعطى لبولس لئلا يرتفع ، ونحن نعرف من خلال الرسالة إلي غلاطية أنه كان هناك شئ ما جعل بولس ذليلاً في الخدمة ، إنه شئ ما يحفظه من الانتفاخ ، فنحن بالمثل لنا بركات السماء الثالثة التي اختبرها بولس ، فنحن قد حصلنا علي الطبيعة الإلهية التي بها نشكر الله ونباركه علي ما قد حصلنا عليه في المسيح ولهذا نقدر أن نقول "شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القدسين في النور" لكن بعد ذلك نحن لنا شئ آخر ، وهو الجسد بانحرافه وميله للانتفاخ ، فنجد الجسد بفساده الكريه ، وهذا ليس قوة بل علي العكس أنه التفرغ من القوة ، فإنك من المستحيل أن تجد الله يُعين الجسد أو الإرادة الذاتية ، بل علي العكس أنه يكسرها ويذلها ، فإنه سوف يُكسِر الإناء لكي نعلم أن القوة ليست في الإنسان بل في الله ، لذا يقول هنا "حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي" فعندما أكون ضعيف أشعر بأنني ضعيف ، أي أعرف حقيقة نفسي ، فهنا نجد بولس يبشر وطريقة التبشير كانت مُذلة وبالتالي قد اهتدي المئات من خلال هذه الخدمة ، حسنا وهذا لا يأتي مما هو حقير وضعيف ، إذن فهذا ليس من بولس بل من الله ، وعندما جعل الرب بولس يشعر بضعفه قال له حينئذٍ "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل" فلو كانت لدي بولس قوة ذاتية فلن يحتاج إليه المسيح ، لكن إذا لم يكن لديه أية قوة ، فالقوة ستأتي من المسيح الذي فيه ، فالإنسان يأتي إلي حالة الشعور بالضعف لكي تحل عليه قوة المسيح .
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق