الأحد، 18 سبتمبر 2022

 

محبة الله

The Love of God

 

هناك ثلاثة أمور تخبرنا بها كلمة الله تتعلق بطبيعة الله.

أولاً :  "الله روح" (يو 4 : 24) . لا توجد في اليونانية أداة تنكير , فإن نقول "الله روح A  Spirit (نكرة)" هو أمر مرفوض , فهذا يضع الله في مرتبة واحدة مع آخرين. الله "روح Spirit" في أسمي معني. ولأنه "روح" فهو غير مادي, ليس له هيئة مرئية , لو كان لله جسد ملموس , لما كان كلي الوجود , لكان محدوداً في مكان واحد , لأنه روح فهو يملأ السماء والأرض .

ثانياً : "الله نور" (1يو 1 : 5) , وهو المقابل "للظلمة" في كلمة الله تمثل "الظلمة" الخطية , والشر , والموت , ويمثل "النور" القداسة , والصلاح , والحياة . تعني "الله نور" أنه هو مجموع كل الصفات السمو .

ثالثاً : "الله محبة" (1يو 4 : 8) . ليس الأمر فقط أن الله "يحب" , بل هو المحبة نفسها , ليست المحبة مجرد واحدة من صفاته , بل هي ذات طبيعته .

هناك الكثيرون حالياً يتكلمون عن محبة الله , وهم غرباء بالكامل عن إله المحبة . غالباً ما يري العامة أن محبة الله هي نوع من ضعف المحبوب , نوع التدليل طيب الخلق , لقد انتقصوا منها فأصبحت مجرد عاطفة مريضة , علي شاكلة العواطف البشرية . والحقيقة أننا هنا , كما في كل شئ آخر , علينا أن نصيغ أفكارنا وننظمها بما يُعلَن عنها في كلمة الله المقدسة , من الواضح ان هناك احتياج مُلّح لهذا ليس فقط بسبب الجهل الذي يسود علي كل شئ , بل أيضاً بسبب الحالة الروحية الوضيعة الظاهرة بشدة حالياً بين المسيحيين الأسميين . يالقلة المحبة المقدمة لله ! من الأسباب الرئيسية لهذا أن قلوبنا لا تنشغل كثيراً بمحبته العجيبة لشعبه . كلما تعرفنا أكثر علي محبته , شخصه , ملئه , بركته , تنجذب إليه قلوبنا بالحب أكثر .

1- محبة الله لا تتأثر Uninfluenced : ونحن نعني بهذا أنه لم يوجد شئ في من هم موضوع محبته يستدعي وجودها , لا يوجد في المخلوق شئ يجتذبها أو ينشئها . المحبة التي من مخلوق لمخلوق آخر هي بسبب شئ فيه , لكن محبة الله مجانية , تلقائية , وبلا سبب , السبب الوحيد لمحبة الله لنا هو في إرادته الإلهية : "لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، الْتَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ،"(تث 7 : 7 – 8)  . لقد أحبنا الله منذ الأزل , لذلك لا يمكن أن يوجد في المخلوق ما يمكنه أن يتسبب فيما هو في الله منذ الأزل , أنه يحب من تلقاء نفسه : "بل بمقتضي القصد" (2تي 1 :9) .

"نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً." (1يو4 : 19)  . لم يحبنا الله لأننا أحببناه , لكنه أحبنا قبل أن يكون بنا ذرة من حب له , لو كان الله أحبنا رداً علي حبنا له , لما كان الأمر تلقائياً من جانبه , ولكن لأنه أحبنا حين كنا لا نُحَب , فمن الواضح إن محبته لم تكن تحت أي تأثير . من المهم جداً إن أردنا إكرام الله وثبات قلب أبنائه , أنه يجب التأكيد علي هذه الحقيقة الغالية . لم تتأثر محبة الله لي , ولكل خاصته بأي شئ فينا , ما الذي كان فيَّ ليجتذب قلب الله ؟ لا شئ علي الإطلاق . بل بالعكس , كل ما ينفره , كل ما يجعله يحتقرني , خاطئ , عاجز , كتلة من الفساد, بلا خير فيَّ .

"ما الذي كان فيَّ لأستحق التقدير , أو ليُسرَّ الخالق بي؟ هذا , يا أبي , ما أتغني به , لأنه حسن في عينيك" .

2 – محبة الله, محبة أبدية : هذا بالضرورة , الله نفسه سرمدي , والله محبة , لذلك , كما أن الله ليس له بداية , فكذلك محبته , من المعروف أن مبدأ كهذا يتعدي إدراك عقولنا الضعيفة , لكن , حين لا نقدر علي الفهم , يمكننا أن ننحني متعبدين في خشوع , ما أوضح شهادة (إرميا 31 : 3) , "محبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة" . كم هو أمر مبارك أن تعرف أن الله العظيم القدوس أحب شعبه قبل أن دعا السماء والأرض للوجود , أنه وضع قلبه عليهم منذ الأزل . هذا دليل واضح أن محبته تلقائية , لأنه أحبهم قبل أنه يكون لهم وجود بأزمنة لا نهاية لها .

نفس الحقيقة الغالية موجودة في (أفسس 1 : 4 , 5 ) "كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم , لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة , إذ سبق فعيننا" . كم يجب أن يستدعي هذا تسبيحاً من كل واحد من أبنائه ! يا لها من طمأنينة للقلب : حيث أن محبة الله لي ليس لها بداية , فلا يمكن ان يكون لها نهاية ! بما أنه حق أنه "منذ الأزل إلي الأبد" هو الله , وبما أن الله "محبة" , إذا فمن الحق أيضاً أنه "منذ الأزل إلي الأبد" يحب الله شعبه .

3- محبة الله , محبة قديرة Sovereign , هذا أيضاً واضح ضمناً , الله نفسه قدير , ليس تحت إلزام لأحد , هو قانون نفسه , يعمل دائماً بحسب مسرته الملوكية , بما أن الله قدير , وبما أنه محبة , فهذا يستتبع بالضرورة أن تكون محبته قديرة , ولأن الله هو الله , يفعل ما يريد , ولأنه هو محبة , فهو يحب من يشاء . هذا هو تعبيره المؤيد لذلك : "أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (رو 9 : 13) . لم يكن في يعقوب أي سبب يزيد عما في عيسو ليجعله موضوع المحبة الإلهية , كان لهما نفس الأبوين , وولدا في نفس الوقت , ورغم أنهما توأمان , أحب الله واحداً وأبغض الآخر! لماذا ؟ لأن هذا ما حسن في عينيه .

قدرة محبة الله تتبع بالضرورة حقيقة أنها لا تتأثر بأي شئ في المخلوق , وهكذا , أن نؤكد أن سبب محبة الله يوجد في ذاته هو , هي طريقة أخري لنقول إنه يحب من يشاء . للحظة دعنا نفترض العكس , افترض أن محبة الله كانت تتحرك بأي شئ أخر غير ارادته , في هذه الحالة سيحب تحت قانون , وإن أحب تحت قانون سيكون خاضعاً لقانون المحبة , وهكذا لا يكون حراَ , سيكون الله نفسه محكوماً بالقانون ."سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه , حسب" ماذا ؟ ميزة ما سبق فرآها فينا ؟ لا , إذا ماذا ؟ "حسب مسرة مشيئته" (أف 1 : 4-5) .

4 – محبة الله غير محدودة . كل ما يتعلق بالله هو بلا حدود . جوهره يملأ السماء والأرض , ليس لحكمته حدود , فهو يعرف كل ما في الماضي , والحاضر , والمستقبل , ليس لقوته حدود , فلا يعسر عليه شئ , وكذلك ليس لمحبته حدود , إن لها عمقاً لا يقدر أحد ان يتخيله , لها علو لا يقدر أحد أن يصعد له , لها طول وعرض يتحديان المقاييس , بأي معايير بشرية , وهذا يظهر بطريقة جميلة في (أف2 : 4) "الله الذي هو غني في الرحمة , من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها" كلمة "كثيرة" هنا يمكن وضعها جنباً الي جنب مع "هكذا أحب الله" (يو 3 : 16) , وهذا يخبرنا أن محبة الله فائقة جداً ولا يمكن إداركها .

"لا يقدر أي لسان أن يُعبٍّر بالتمام عن لا نهائية محبة الله , أو يقدر أي عقل أن يدركها : إنها فائقة المعرفة" (أف 3 : 19) . أكثر الأفكار اتساعاً التي يقدر أن يأتي بها عقل محدود لوضع إطار للمحبة الإلهية , هي أقل بشكل لا نهائي من طبيعتها الحقيقية , لا تبعد السماء عن الأرض بعداً أكبر مما يبعد صلاح الله عن أكثر تصوراتنا المتناهية التي نقدر أن نُكوٍّنها عنه , إنه بحر يعلو أكثر من كل جبال مقاومته , إنه نبع يتدفق منه كل الخير اللازم لكل من يهتمون به" .

جون براين

5- محبة الله , محبة لا تتغير : كما أن الله "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1 : 17) , فكذلك لا تعرف محبته أي تغيير أو نقصان , يقدم يعقوب لنا مثالاً قوياً علي هذا , أعلن يهوه قائلاً : "أحببت يعقوب" ورغم كل ما فيه من شك وتمرد , لم يتوقف عن محبته له , يقدم لنا يوحنا 13 : 1 مثالاً جميلاً آخر , في نفس الليلة التي قال فيها الرسل "أرنا الآب" , انكره آخر بلعن , وتحرجوا منه جميعهم وتركوه . لكنه "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلي المنتهي" , لا تخضع المحبة الإلهية لأي تقلبات , المحبة الإلهية "قوية كالموت .. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" (نش 8 : 6 , 7) . لا يفصلنا عنها شئ (رومية 8 : 35-39) .

"لا تعرف محبته حداً أو مقاساً , لا يعتري اتجاهها تغيير ,

منذ الأزل كما هي تتدفق من مصدر واحد أبدي" .

6- محبة الله , محبة مقدسة : لا تتحرك محبة الله بهوي النزوات , أو بالعاطفة , بل بالمبدأ , كما أن نعمته لا تملك علي حساب محبته , بل "بالبر" (رو 5 : 21) , فكذلك لا تتعارض محبته مع قداسته . "الله نور" (1يو 1 : 5) مذكورة قبل "الله محبة" (1يو 4 : 8) . ليست محبة الله مجرد ضعف محبوب , أو ليونة متأنثة Effeminate . تعلن كلمة الله , "الذي يحبه الرب يؤدبه , ويجلد كل ابن يقبله" (عب 12 : 6) , لا يتغافل عن الخطية , حتي في شعبه , محبته نقية , لا تمتزج بأي انفعال عاطفي .

7- محبة الله , محبة رحيمة : محبة الله ورضاه لا ينفصلان , يتضح هذا في رومية 8 : 32-39 . يمكن فهم ما هي هذه المحبة التي لا يمكن "الانفصال" عنها من خلال تصميم ومنظور السياق المباشر : إنها رغبة الله الحسنة ونعمته التي تجعله يقدم ابنه عن الخطاة , كانت هذه المحبة هي القوة الدافعة لتجسد المسيح : "لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد" (يو 3 : 16) . لم يمت المسيح ليجعل الله يحبنا , لكن لأن الله يحب شعبه , كانت الجلجثة هي أسمي إعلان عن المحبة الإلهية , حين توضع أمام تجربة الشك في محبة الله , أيها القائد المسيحي , أرجع الي الجلجثة .

إليك سبب غني للثقة والصبر في المحبة الإلهية , كان المسيح محبوباً من الآب , لكنه لم يعُفَ من الفقر , أو العار , أو الاضطهاد , لقد جاع وعطش , وهكذا لم يكن متعارضاً مع محبة الله للمسيح ان سمح للبشر أن يبصقوا عليه ويضربوه , إذا يجب ألا يتشكك أي مؤمن في محبة الله حين يوضع تحت ضربات وتجارب أليمة , لم يُعط الله المسيح علي الأرض غني بنجاح وقتي , فهو لم يكن له "أين يسند رأسه" بل قد أعطاه الروح "ليس بكيل" (يو 3 : 34) . فلنتعلم إذا أن البركات الروحية هي العطايا الكبري للمحبة الإلهية , كما أنه أمر مبارك أن نعرف أنه حين يبغضنا العالم , الله يحبنا ! .

للكاتب : ارثر بنك

ليست هناك تعليقات: