الاثنين، 13 مايو 2013

العناية الأخوية والخطأ الشخصي

العناية الأخوية والخطأ الشخصي

 هل آخذ في فكري من تلك اللحظة كقضية مسلَّم بها، إن أخي هذا لا يمكن استرجاعه؟ كلا. كيف أعرف أن طريقتي في التعامل معه لم تكن هي السبب في فشلي؟ أو قد يحدث أنه في أثناء مقابلتنا أنه يعتقد أنني أثبت له أن تصرفه هذا لم يكن له أي مبرر، أو أنني عزوت إليه دوافع لا يظن هو أنها تتوافر عنده، وفي هذه الحالة يجب علىَّ أن آخذ معي «واحداً أو اثنين، لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة» (ع 16)، وحتى إذا لم تنفع هذه الخطوة، فإن هناك خطوة أخرى يجب أن تُتخَذ: يجب أن أخبر الكنيسة. فلو أنه بعد كل هذا أصر المُسيء على عناده - أي إذا لم يعمل فيه الندم - فالكلمة إذن «فليكن عندك كالوثني والعشار» لأنه لا توجد للقديسين محكمة عليا على الأرض يلجأون إليها سوى «الاثنين أو الثلاثة» المجتمعين باسم الرب (ع 18 - 20). على أن هناك خطراً آخر يتعرض كل واحد منا أن يقع فيه إذا لم يتخذ له الحيطة التامة. فيمكنني مثلاً أن أذهب إلى الأخ الذي أخطأ إليَّ، بطريقة قانونية جافة، أذهب إليه والرغبة في إرضاء ضميري أكثر عندي من الرغبة في ربح أخي، أذهب إليه فقط لكي أُظهر أنني تصرفت معه روحياً، وأعاتبه. ولكن بدلاً من أن أجده جافاً غير نادم أجده على العكس خاضعاً خضوعاً تاماً، ويعترف بصراحة أنه أخطأ إلىَّ مُظهِراً كل علامات انكسار القلب الحقيقية. ولكن ما الذي يحدث؟ يا للأسف!! أكون أنا مهتماً بالإساءة التي لحقتني أنا، أكثر من اهتمامي برجوع أخي إلى شركته السعيدة معي، وآلام كبريائي الجريحة تنسيني واجبي الروحي، ويظهر بصورة محزنة أنني أُفضّل لو أن أخي انحرف عن الطاعة بدلاً من أن أُظهِر له التسامح لأنه ندم، فتكون النعمة قد عملت فيه، ولكن لم تعمل فيَّ، وفي قلبي أنا لأسامحه.ويبدو أن الجزء المتبقي من هذا الأصحاح مقصود به هذه الحالة، فلندرسه جيداً معاً. في عدد 21 يوجه بطرس إلى الرب هذا السؤال: «كم مرة يخطئ إلىَّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟» والإجابة على هذا السؤال كما يلي: «لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات»، ثم بواسطة كلمة «لذلك» يربط هذه الحقيقة بمَثل السيد الرحيم والعبد القاسي. قضيتا دائن ومدين تُعرضان أمامنا في هذا المثل. المديون الأول عليه لسيده عشرة آلاف وزنة، ومع ذلك فعند اعترافه بالدين، وعند إظهاره الرغبة لتسديد مطالب الدائن، سامحه سيده بكل الدين على الرغم من ضخامته. ثم يترك نفس العبد محضر سيده المُنعِم ويجد أحد العبيد رفقائه كان مديوناً له بمائة دينار. فيمسكه من عنقه ويطلب منه أن يسدد دينه في الحال. ويعترف المديون المسكين بالدين ويظهر استعداده أن يوفي مطالب الدائن العادلة. ولكن ماذا نجد؟ لا نجد أية رحمة أو أي احتمال، وإنما طرحه في السجن «حتى يوفي الدين».والآن لاحظ الأعداد الآتية إذ أنها مليئة بالتعليم الخطير النافع لنا. عندما رأى بقية العبيد مثل هذا التصرف «حزنوا جداً» وأخبروا سيدهم الذي استدعى العبد الجاحد، ووجه إليه هذا اللوم «أيها العبد الشرير، كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إليَّ. أفما كان ينبغي أنك أنت أيضاً ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا؟» (ع 32، 33)، ثم نقرأ بعد هذا «وغضب سيده وسلمه إلى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه».ثم يطبق الرب المَثل كما يلي: «فهكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته». وغني عن البيان أن هذا المَثل لا يحدثنا عن خلاص النفس، ولكن عن مبادئ حكم المَلك في ملكوته، تلك المبادئ التي تنطبق على المؤمن الحقيقي كما تنطبق تماماً على المعترف الاسمي. إنها حقيقة لا يمكن تغييرها أن المسيح حَمَل على الصليب إلى الأبد نتائج خطايا كل مؤمن، ولكن فيما يختص بسلوكنا في هذا العالم فهناك مبدأ لا يمكن التحول عنه في حكم الله يقضي بأن «ما يزرعه الإنسان فإياه يحصد أيضاً» (غل 7:6).  ويوجد مبدأ عام آخر في سياسة حكمه موضح في مزمور 25:18، 26 «مع الرحيم تكون رحيماً. مع الرجل الكامل تكون كاملاً. مع الطاهر تكون طاهراً، ومع الأعوج تكون ملتوياً». وأيضاً في متى 7:5 نقرأ القول «طوبى للرحماء لأنهم يُرحَمون». والآن أي واحد منا عندما يستعرض تاريخه الماضي سواء كقديس أو كخاطئ، وعندما يفكر في آثار حكمه على كل ما قاله أو فعله، يقدر أن يقول: "أنا لست في حاجة إلى حكم الرحمة"؟ ألا يشعر بالحري كل واحد منا أننا نحتاج كثيراً إلى الرحمة نظير تلك الرحمة التي وجهت إلى ذاك المديون بعشرة آلاف وزنة؟ وألا يجدر بنا أن نقول: لا شيء سوى الرحمة تنقذنا. لا شيء سوى الرحمة الكاملة الغنية.
فلنتذكر إذن إن وجدنا في أنفسنا ميلاً لأن نكون جفاة قساة غير مسامحين لإخوتنا. لنتذكر أنه بينما الله عن طريق نعمته لا يذكر خطايانا وتعدياتنا فيما بعد، إلا أن أحكامه تنص على ما يلي «لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم» (مت 2:7)، «لأن الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة، والرحمة تفتخر على الحكم» (يع 13:2). ولنضع في بالنا ذلك التحريض الثمين الموجه إلى القديسين في أفسس «وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح» (أف 32:4).
أليس أمراً يستحق الملاحظة والاعتبار أن الأصحاح الذي يعلمنا الأمور المختصة بالمركز الذي نجتمع إليه (مت 20:18)، يشابه كثيراً في مجال تعليمه الأدبي الأصحاح الذي يعطينا أساس اجتماعنا أي حقيقة الجسد الواحد؟ (أف 4). في متى 18، كما لاحظنا، نشاهد أن روح الأولاد في التواضع وفي التفكير بالنعمة في صالح الآخرين، تعرض أمامنا كالروح التي يجب أن تتمثل فينا. وفي أفسس 2:4 نقرأ التحريض القائل «بكل تواضع، ووداعة، وبطول أناة، محتملين بعضكم بعضاً في المحبة».قيل إن رجلاً أعمى سُئِل لماذا يحمل مصباحاً وهو سائر ليلاً، فأجاب إن النور بالنسبة له لا يحفظه من الوقوع لأنه أعمى، وإنما يمنع الآخرين من التعثر فيه. ليت الرب يجعلنا نسير «كأولاد نور»، عندئذ لا نتقي شر الوقوع فحسب، بل أيضاً لا نهيئ مجالاً للآخرين ليعثروا فينا. ليت عنايتنا بالآخرين في نور الله تظهر أكثر (2كو 12:7؛ 1كو 25:12)، متذكرين بأن ذاك «الرحيم» «أمين» (عب 17:2) و «القدوس الكامل» هو أيضاً «بلا شر» أي «لا يؤذي أحداً» (عب 26:7). ويجب ألا نحاول أبداً أن نظهر الرحمة على حساب المبدأ الإلهي والقداسة العملية، كما أنه يجب ألا نظن خطأ أن الصلابة والقساوة هما الثبات والإخلاص

كاتب غير معروف

ليست هناك تعليقات: