السبت، 11 مايو 2013

سر النصرة الحقيقية

سرّ النُصرة الحقيقية
يشوع (5)

يمكنني القول ان هناك فارقاً محسوساً بين نتيجة الخلاص الذي حققه لنا المسيح وبين ما يؤهلنا للتمتع بالامور التي لنا في الوطن السماوي , لقد كان فداء اسرائيل كاملاً من جهة فرعون , إذ قد انتهي الي الابد , وعندما ادخل اسرائيل الي البرية كان فداؤه كاملاً , وهو نفس الحال معنا , وفي عبورنا البرية , يُعطي لنا المسيح كالسحابة وكالمن وكالماء من الصخرة , جميع ما هو لازم وضروري لنا , وهذا يأتي من نعمة الله الخالصة , لا يوجد أي ذكر للصراع في كل هذا بل الله يعطي المحتاج : السحابة والمن والماء , كلها دائماً موجودة , المسيح يُعطي لنا لسد كل عوز او احتياج , ولكي يعطينا قوة للترحال خلال البرية .
واذا نظرنا الي انفسنا لوجدنا انفسنا عاجزين عن التمتع بالامور التي تخصنا , ليست القضية الان هي الدخول الي البرية بل الدخول الي كنعان , لابد من عبور الاردن , وكل غلطة ترتكب هنا انما نرتكبها في حضور عدو نفوسنا , وهي تضعفنا وتفسد استمتاعنا بما لنا في المسيح , فالمؤمن طالما هو داخل السماويات يكون في دائرة تواجد العدو " مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ "(أف 6 : 12) , وما لم يكن اميناً فإنه سيكون عاجزاً عن التمتع بالمواعيد التي له .
فعلينا ان نعبر ما يعيق طريقنا , الاردن نري فيه الموت , لقد حول المسيح الموت الي معبر او الي طريق لأن الرسول بولس يقول "أَبُولُسُ، أَمْ أَبُلُّوسُ، أَمْ صَفَا، أَمِ الْعَالَمُ، أَمِ الْحَيَاةُ، أَمِ الْمَوْتُ، أَمِ الأَشْيَاءُ الْحَاضِرَةُ، أَمِ الْمُسْتَقْبَِلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ" (1كو 3 : 22) فالموت هو لنا , ونحن لا نستطيع ان نتمتع بمواعيد الله لنا إلا بقدر ما نكون قد متنا عن كل شئ هنا علي الارض , الانسان محسوب ميتاً , استمر المن الي ان وصلوا الي الاردن , فالمسيح موجود هناك لكي يعطينا القوة لأن نتقدم الي الامام , لكن يوجد شئ اخر الا وهو التمتع بالكنوز التي لنا في السماء , ومن اجل هذه الغاية لابد ان نكون أمواتاً لكل ما هو هنا علي الارض , وإذا لم أتحقق من هذا الموت الان فلن يمكنني التمتع بالسماويات , فعندما يتوقف نشاط الجسد ونكون بالإيمان في السماء حينئذ يمكننا ان نأكل من ثمار الارض , اقول ان هذا شئ وكوننا مجرد عابرين في البرية ولنا المسيح لكفايتنا وسداد لاعوازنا فهذا شئ اخر , فنحن مدعوون للتمتع بالسماويات , ولكي نفعل ذلك لابد ان نكون قد عبرنا الاردن أي الموت , وهناك يمكننا ان نأكل من ثمار ارض الموعد .
وأول كل شيء فعله يشوع قبل الدخول في خضم المعارك هو انه ختن شعب اسرائيل , وهو ما يعني خلع جسم الخطايا (الجسد) او عار مصر , فقبل تجديدنا لم نكن إلا جسديين , "وَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «الْيَوْمَ قَدْ دَحْرَجْتُ عَنْكُمْ عَارَ مِصْرَ». فَدُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَكَانِ «الْجِلْجَالَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ" هذا هو عار مصر وتلك كانت الثمرة الوحيدة لتلك الأرض , خُتن اسرائيل في الجلجال , وهذا هو محو كل ما تبقي من ارض مصر الي ذلك  الوقت , فعلينا ان نعود دائماً الي الجلجال , ولابد ان تكون خيمتنا موضوعة في الجلجال , ولابد من قطع الشر هناك , ثم بعد ذلك يحتفلون بعيد الفصح , الامر الذي لا يذكر انه صُنع في اثناء البرية , فقد كانوا عندئذ غير مختونين , فالشركة الحقيقية مع عمل المسيح لا تكون الا عندما يكون المؤمن مختوناً , عندما يكون الشر قد رُفع من الوسط , ونكون قد حكمنا علي أنفسنا , وهنا لكي يتم الاكل من الفصح كان لابد ان يُجري هذا الختان في الجلجال , فالقداسة بدون هذا الختان تصبح امراً مرعباً , ولكن مع وجود الختان استمتع بقداسة الله في المسيح , فالفريك المشوي يمثل المسيح المقام من الاموات دون ان يري فساداً , ونحن نتلذذ به , فهو شئ به نتغذي , وليس فقط كافيا لسد جوعنا طالما نحن في البرية " وَأَكَلُوا مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ فِي الْغَدِ بَعْدَ الْفِصْحِ فَطِيرًا وَفَرِيكًا فِي نَفْسِ ذلِكَ الْيَوْمِ " (يشوع 5 : 11) .
لكن لكي نصبح مهيئين للحروب الروحية , ومن اجل الاستمتاع الروحي لابد ان نكون امواتاً لهذا العالم , وللخطية , ولابد ان يكون هناك تجرد او خلع للجسد , فعلينا ان نعود الي الجلجال للحكم علي الجسد , هذه الامور تسبق استعلان رئيس جند الرب كاشفاً عن ذاته لنا من اجل الخوض في المعركة , فعندما يكون قد اجري الختان وتم عمل الفصح , يمكننا ان نتغذي علي امور كان من شأنها بدون هذا الختان ان تؤدي الي موتنا وادانتنا (تك 17 : 14 , خر 12 :48) , والمسيح يقدم نفسه كقائد لنا في المعركة , وطالما هو رئيس جند الرب , فهو يقدم نفسه في ذات القداسة التي قدم نفسه بها الي موسي عندما اعلن له عن اسمه " فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». " (خر 3 : 14) فعندما يقود الله شعبه الي المعركة والانتصار يكون هو نفسه إله القداسة مثلما كان عند اكماله عمل الفداء , وهذه القداسة تُستعلن بنفس الوضوح في سلوك شعبه , فبسبب خطية عخان لم يخرج الرب مع شعبه للحرب , فلا مشاكل يمكن ان توقفنا عندما يكون الله موجود في المشهد , كما ان الشعب لا يمكنه الصمود امام اعدائه عندما لا يكون الله معهم .
فمن اجل التمتع بالسماويات لابد من وجود الاردن والجلجال أي الموت وخلع الجسد , هناك نأكل من ثمار ارض الموعد , وياله من مكسب عظيم وامر ثمين ان نتحقق من امتيازنا بأن نكون قد انتهينا من الخطية , فالامران صحيحان بالنسبة للحياة المسيحية , البرية والرب في كنعان , ولكي نكون اقوياء , لابد ان نكون امواتاً للجسد , وعندئذ يكون كل شئ لنا , والمسيح لنا بقداسته وقيامته من الاموات , ويكون لنا الرب نفسه قائداً لنا من نصر الي نصر , وقائلاً لنا " فَقَالَ رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ لِيَشُوعَ: «اخْلَعْ نَعْلَكَ مِنْ رِجْلِكَ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ هُوَ مُقَدَّسٌ». فَفَعَلَ يَشُوعُ كَذلِكَ " (يش 5 : 15) فخلع النعل هنا يعني السلوك بالقداسة اللائقة بالرب كقائد للانتصار .
ليعطنا الرب نعمة لنستفيد من موت المسيح , ونتمتع بثمرة الارض وجميع ما هو لنا في المسيح , ولتحقيق هذه الغاية لابد ان نكون امواتاً للجسد , وان يكون لنا القلب المختون  , ونعود للجلجال  للحكم علي الذات من اجل ان يكون لنا في محلتنا رئيس جند الرب , فنحن ضعفاء وماذا اقول ؟ ضعفاء لكن المسيح هو قوتنا !! , فنستطيع ان نستمتع بما هو موهوب لنا في كنعاننا السماوية !! .
بقلم : يوحنا داربي


ليست هناك تعليقات: