الخميس، 27 يونيو 2013

السلام والفرح في وقت التجربة

السلام والفرح في وقت التجربة

«احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً. وأما الصبر فليكن له عمل تام، لكي تكونـوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء» (يع 2:1 - 4).«وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضاً في الضيقات، عالمين أن الضيق ينشئ صبراً، والصبر تزكية، والتزكية رجاء، والرجاء لا يخزي، لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا» (رو 3:5 - 5).هنا نجد الغرض الحقيقي من التجارب، وهو امتحان خضوعنا للرب وتحريرنا من طرقنا الخاصة «الضيق ينشئ صبراً» ولا مجال لممارسة الصبر إلا في التجارب. إذا كان كل شيء سائراً في السبيل الذي نريده فلا يوجد شيء نصبر لأجله، لأن الصبر يتطلب طرح إرادتنا الذاتية ورغباتنا الخاصة. ومن ثم فإن التجارب تُظهِر إلى أي حد نرغب في التخلي عن إرادتنا ورغباتنا لنقبل إرادة الله وما يختاره لنا، إذ يجب ألا ننسى أنه مهما تكن الظروف فإن الله إنما سمح بها لخيرنا. إن ما يختاره الله لنا قد يُظهِر أحياناً بأنه قاس وصعب علينا احتماله. إذا كان الأمر كذلك فما هذا إلا لأننا لسنا في تمام التسليم لله وتنقصنا الثقة في محبته وحكمته. إن الله إما أن يكون قد اختار لنا الأفضل فيما أرسله إلينا أو سمح بأن يأتي علينا في الحياة، أو أنه قد اختار لنا بإرادته ما يعلم أنه ليس لمصلحتنا. ومَن ذا الذي يتجاسر بأن يتهم الله بهذا الاتهام؟ كلا وألف كلا. فالله محبة، ولم يشفق على ابنه الوحيد بل بذله لأجلنا، فكيف يختار لنا إلا أفضل الأشياء؟ إنه لا يتطرق إلينا شك في حكمته فهو يعرف النهاية من البداية ويعرف تماماً النتائج التي ستحدث من كل شيء. كما أن قدرته لا يمكن أن تكون موضع تساؤل. وكل ما يأتي علينا إما أن يكون قد أمر به أو سمح به لأن له السلطان المطلق على منع أي شيء من الحدوث. وبناء عليه إذا حدث شيء فيكون ذلك لأن الله اختاره أن يكون. وعلى ذلك التذمر أو التشكي بمثابة القول إننا نعرف ما هو الأفضل لنا أكثر ما يعرف الله، أو أن الله لا يُعنَى بنا عناية كافية حتى يختار لنا الأفضل. والقول الأول كبرياء وتجديف، والثاني عدم ثقة في دوافع الله وفي محبته.ولكننا نفكر أحياناً قائلين: "ولكن أليس للشيطان أيضاً يد فيما يحدث لنا؟" هذا صحيح كما نرى ذلك في قضية أيوب، ولكننا هناك أيضاً نرى أن الشيطان لم يستطع أن يتجاوز الحد المسموح له به من الله (انظر أي 12:1، 6:2) وأن الله استخدم ما سمح للشيطان أن يفعله لكي يأتي لأيوب ببركة أعظم وأغنى من ذي قبل. إن الشيطان لا يستطيع أن يفعل شيء بدون سماح الله لأنه ما هو إلا مخلوق من مخلوقات الله - هو وكل جنوده. ومهما كانت قوتهم فالله فوقهم. وبناء عليه، حتى إذا رأيت يد الشيطان فيما يحدث فلا تنس أن ترى يد الله فوق الشيطان، وأن الله لا يسمح له أن يتحرك إلا في الحدود التي تخدم مقاصده وأنه يحول كل شيء للخير والبركة لخاصته.«كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده» (رو 28:8).  وهذه تتضمن حتى ما يسمح الله للشيطان بعمله. يجب ألا ننسى أن الله يعمل هادفاً إلى خيرنا الأبدي وليس فقط خيرنا الزمني. كثيراً ما ننظر نحن إلى الأشياء من زاوية ظروفنا الحاضرة، ولكن الله دائماً يزن النتائج الأبدية. نحن نرضى - حتى في الأمور الأرضية، أن نسافر رحلة طويلة شاقة إذا كانت توصلنا إلى مكان جميل مرغوب، وهكذا الله قد يختار لنا طريقاً شاقة - لا لأنه يتلذذ بأن يرانا نقاسي صعوبات الطريق، بل لأنه يرى البركات الأبدية الغنية التي نحصل عليها في نهايتها «في الضيق رحبت لي (أي أنميتني ووسعت تخومي)» (مز 1:4).  فالضيق لا يرسله الله لتعذيبنا بل لتوسيع تخومنا، فضلاً عن أنه يواسينا في وقت الضيق «في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة» (إش 9:63)، «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقنا» (2كو 3:1، 4) ولم يكن ذلك ضيقاً هيناً لأنه يقول «أننا تثقلنا جداً فوق الطاقة، حتى أيسنا من الحياة أيضاً» (ع 8) ومع ذلك عندما يتكلم عن تلك الضيقة في نور الأبدية فإنه يدعوها خفيفة قائلاً «لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى، بل إلى التي لا تُرى. لأن التي تُرى وقتية، وأما التي لا تُرى فأبدية» (2كو 17:4، 18).وتوجد أربعة أشياء لازمة لإعطائنا السلام والراحة النفسية في وقت التجربة:
أولاً: اجعل ذهنك مستقراً على الرب واتكل عليه «ذو الرأي الممكن تحفظه سالماً سالماً (أي في سلام تام)، لأنه عليك متوكل» (إش 3:26).ثانياً: كن متصلاً بالله دائماً بالصلاة «لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (في 6:4، 7).ثالثاً: تأمل دائماً في كلمة الله «قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم» (يو 33:16). «سلامة جزيلة (أو سلام جزيل) لمحبي شريعتك، وليس لهم معثرة» (مز 165:119) «لأن كل ما سبق فكتب كُتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء» (رو 4:15).رابعاً: اخضع إرادتك لله واعمل بحسب مشيئته في التجربة «ولكن كل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن. وأما أخيراً فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام» (عب 11:12) وهو أيضاً «لأجل المنفعة، لكي نشترك في قداسته» (ع 10) وكلمة تأديب هنا تشمل كل ما يجري لتربية الولد بحسب الأصل اليوناني. ولنلاحظ الغاية العظيمة من كل هذا وهي أن نكون متشبهين بالله أكثر في البر والقداسة. وعندما نُخضع إرادتنا لله ونأتي إليه راغبين أن نتعلم وطالبين منه أن يكشف لنا عن سبب تلك التجارب، فإننا نتعلم الدرس بأكثر سرعة وسهولة. ولكن إذا سرنا بإرادة غير مخضعة متشكين ومتذمرين وغير مستعدين للتعلم فيضطر الله إلى مضاعفة التجربة حتى تأتي بالنتيجة المرجوة.وأخيراً لا ننسَ أنه وإن كان الله لا يزيل الأشواك سريعاً بل يسمح بأن تستمر وخزاتها لأنه يرى أن ذلك هو الأفضل لخير جزيل يقصده لنا، إلا أن نعمته تكفينا وهو يسند النفس التي تخضع له وتسلِّم تسليماً تاماً. لنقرأ 2كورنثوس 7:12 - 10 ونرى كيف استطاع بولس أن يفتخر ويُسّر فعلاً بالأشياء التي صلى مرة أن تفارقه وذلك لأنه بواسطتها اختبر نعمة المسيح المدعمة بطريقة أتم.
[هادلي]

ليست هناك تعليقات: