ايمان من اجل اليوم الشرير
أف 6 : 10 - 24
بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : د . بطرس ابو اليمين
ان ذات نفس بركات الكنيسة هي التي تضعنا في ميدان صراع لولا هذه البركات لما وُجدنا فيه . وهكذا فنحن معرضون لمزيد من الفشل ومن السقوط , قد يعمل اليهودي اشياءاً كثيرة تعتبر بالنسبة للمسيحي اموراً قبيحة , ومع ذلك فبالنسبة لليهودي لا يشعر بأي تلويث للضمير , لكن بعد ان شق الحجاب , فإن النور الأتي من الاقداس لا يستطيع ان يطيق الشر , تبارك اسم الله !! , ان لنا قوة لمواجهة مشاكل مقامنا , وتبين هذه الرسالة الترتيب الذي عمله الله من اجل القديسين .
فالكنيسة جالسة في السماويات في المسيح (اف 2 : 6) ومباركة بكل بركة روحية في السماويات في المسيح (اف 1 : 3) , وهكذا ايضاً ان مصارعتنا مع اجناد الشر هي في السماويات (ع12) , فنحن نحمل الي ساحة المواجهة في نفس مكان القوة , إذ كلما ازددنا قرباً من الله , كلما ازداد احتياجنا للقوة لكي نسير هناك بالقرب من الله .
وعندما دخل شعب اسرائيل الي الارض , وجدوا ان عواقب الخطية مميتة , فكم هو مريع القضاء الذي استوجبته خطية عخان في عاي (يش 7) كما ان اغفال طلب المشورة من الرب بخصوص اهل جبعون ظل اثرها لأجيال تالية الي ايام شاول الملك (2صم 21) , ففي الارض التي كان فيها الله آخذا مكانه كانت عواقب الخطية قاسية بالتناسب مع هذا الوضع .
فبفضل امتيازاتنا نواجه هذا الصراع , زد علي ذلك انه اذا كان لك ولي معرفة اكثر من مؤمنين كثيرين اخرين فسيكون هناك فشل اكبر واهانة اكبر ما لم نكن سالكين بحسب النور الذي لدينا .
" تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ" (اف 6 : 10) هذا هو مكان القوة , فلا توجد قوة إلا فيه ومهما كانت الوسيلة التي يُسر ان يستخدمها , فلا يوجد غرض للإيمان إلا الرب نفسه , وان كان ليس هناك شئ اكثر بركة من خدمة الكلمة , وايضاً اذا استخدمت من الرب في خلاص نفس بنعمة الله , فإن هذه النفس سوف تلتصق بي , وهذا امر واضح وهو من الله والله يعترف به , لأن الله عندما يحطم ما هو الجسد , فإنه يخلص ما هو من الروح – الله هو الذي يعطيه حتي وان كان يساء استخدامه في بعض الاحيان , لكن الله هو الذي يوجد الرابطة بين النفس التي تبارك وبين الواسطة المستخدمة , لكن رغم ذلك فأنت لا تستطيع ان تمارس الإيمان في إنسان اخر , انت لا تستطيع ان تمنح اتكالك لإنسان اخر , صحيح ان هذه الرابطة موجودة , لكن هذا لأن النفس قد جئ بها للمسيح , هذا فقط هو التجديد الحقيقي , وهنا يوجد مكان القوة , لا توجد قوة إلا في المسيح , أنا لا امتلك أي قوة , في أي وقت , إلا اذا كانت نفسي في شركة سرية معه , وبواسطته وفي شركة مع الله الاب , وقوة الشيطان موجهة الي هذه النقطة بالذات ان تحجز نفوسنا عن أن نحيا معتمدين علي المسيح .
ان الذي نسميه نحن "واجبات" والذي يسميه الله "هموم" غالباً ما تفصلنا عن المسيح , وهي تتعب النفس وتحزنها , ومالم يلقي المؤمنون كل هذا علي المسيح فإنهم يحيطون انفسهم باشياء من شأنها ان تلهي الفكر عن المسيح , قد يقول شخص ما , انا لا استمتع بالمسيح , وهو لا يعرف كيف ولماذا , ولكنه يظن ان هذا بسبب ضغط الهموم التي لا يمكن تجنبها , بينما في الحقيقة يكون هذا نتيجة انه قد لجأ لموارد اخري غير المسيح , لقد اصبحت النفس منقبضة لأنها لم تجد المسيح في الألم , وهذا دفع بها نحو شئ اخربخلاف المسيح , شئ قد يكون بالنسبة للرؤية البشرية واعداً بالخير , وهكذا تتذوق طعم الاشياء الباطلة , وأما ما يقودنا اليه الروح القدس فهو ان نتقوي في الرب وفي شدة قوته , ليس الكلام الجميل عن الهموم , فالشيطان هو الذي وراء المشاكل يدفعها بقوة بهدف زعزعة قوة كلمة الله فينا , ويمكن ان نكون متأكدين تماماً من ذلك اذا لم نكن في دائرة الشركة , ستكون لدي الشيطان ميزة علينا , لأن هذه الهموم وغيرها ليست عن المسيح , إن لدي كل ما هو لازم لأعمل للمسيح ولأجله وهذا يجعلنا نستشعر حاجتنا للاتكال عليه , لكنه ابداً لا يخذلنا .
وطالما نكون مثقلين باضطرابات الحياة , فدائماً ما تكون الحقيقة هي اننا لسنا في قوة المسيح , لأنه أقوي من الدكانة ومن العائلة ومن أي اهتمام اخر , ربما اكون مشغولاً بشئ لا ينبغي ان انشغل به , فإذا لم اكن اعمله للمسيح فينبغي ألا اعمله علي الاطلاق , انه لمن المؤكد ان قوة المسيح تحملنا خلال كل شئ بغض النظر عن المشاكل ماذا تكون , سوف نستشعرها , ويمكن ان نئن تحتها , ولكن عندما استطيع ان اقول مع داود " الإِلهُ الَّذِي يُمَنْطِقُنِي بِالْقُوَّةِ " ( مز 18 : 32) قد يأتي العدو ليهاجمني " فَتُحْنَى بِذِرَاعَيَّ قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ " (ع 34) لقد جعله الرب ينتصر فوق كل شئ .
ونحن نتعلم هذه القوة في المشاكل والصعوبات , ومن ثم ففي الامور الصغيرة يكون المؤمن معرضاً ان ينسي ان كل اعتمادنا هو ان نتقوي في الرب , أي اننا لا يجب ان نزحزح عن موضع الشعور بالضعف الذاتي , يقول بولس : " وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ " (1كو 2 : 3) وايضاً " كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِل مَخَاوِفُ" (2كو 7 : 5) وليس معني هذا ان يكون المؤمن قادراً ان يقول : انا قوي عندما اوضع في الصعوبات , فهذه تجعلنا نستند علي المسيح عندما نكون فيها , وهنا دائماً تكون القوة : " تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ" (2كو 12 : 9) أي عند شعوري بالضعف , وحقيقة الامر كلها تكمن في روح الاعتماد علي الرب سواء كان هناك نور ساطع او لم يكن , قال بولس " أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، " لماذا لأن هذه الضعفات جعلته يستند علي المسيح , ان الايمان بالتدريب يقوي , والمسيح يعطي نوراً للذي يستيقظ " نُورٌ أَشْرَقَ فِي الظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ" (مز 112 : 4) ان السبب الذي يجعل المؤمن الذي يتمتع بقدر وافر من الفرح , غالباً ما يسقط هو ان هذا الفرح يكون قد طوّح به بعيداً عن احساسه الراهن بالاستناد علي الله , اذ ان ذات صلاح الله قد جعله يعتد بذاته , فهناك ميل دائم من الجسد ان يتدخل . وبعد ان يبين الرسول موضع القوة للمسيحي يقول لهم " الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ" (اف 6 : 11) والامر العظيم هو ان هذا السلاح هو سلاح الله , لا يوجد أي ثبات او صمود امام الشيطان إلا به , ما ليس مصدره الله يخيب , لو كنت حاذقاً في الحديث , وقادراً علي افحام مقاومي بالحق لما افدته شيئاً , لا بل قد اكون قد الحقت بنفسي اكبر الضرر لأنني تصرفت بالجسد , وكان الشيطان هو العامل بي وليس الله , وعندما نفقد ذلك فان القوة تفارقنا ولا شئ سينفعنا ولا حتي كلمة الله , لأنها سيف الروح وهي محجوزة عنا , ان سر القوة هي نتيجة ان نكون عاملين مع الله في روح الاتكال عليه , وعندما اكون ممارساً لهذا الاتكال يمكن ان يكون لي مثل هذا التمتع المبارك بقوته حتي انني يمكن ان انتصر علي كل شئ , لكن سواء في وقت التجربة أو في وقت الانتصار فإنني سأكون قويأً فقط عندما اشعر بالاستناد علي الله ! , فعندما كانت يدا موسي غير مدعمتين كان عماليق يغلب (خروج 17) . وأي واحد كان يراقب المنظر قد يندهش عندما يري عماليق يغلب في بعض الأوقات , ويمكن ان يعيد النظر في الخطة (دراسة عيوب ومزايا الخطة) التي كان اسرائيل قائماً عليها , لكن السر كان هو انه عندما كان عماليق يغلب كانت يدا موسي مرتخيتان , فلم يكن السبب هو ان يشوع لم يكن في مكان اداء عمله , لكن بسبب ان عمل الاستناد علي الله كان متوقفاً . لو كان فكري نشطا بخصوص اخ معين , وفي اثناء مسيري في الشوارع في طريقي اليه شردت بعيداً عن الله , فإنني لن افيده شيئاً رغم انني قد اكون قد قلت له الكثير.
انظر الفرق بين يوناثان وشاول (في 1صم 14) بين الثقة في الله التي تتغلب علي الصعوبات وبين الذات التي تفشل مع ان لديها كل موارد المُلك , يوناثان يتسلق بكل صعوبة علي اليدين والرجلين , تملؤه الثقة بالله , والعدو ينهار امامه , اما شاول فعندما يري عمل الله سائراً , دون ان يعلم ما هو فكر الله يستدعي الكاهن , ربما يكون قصده حسن , لكنه بالتأكيد ليس هو بساطة الاعتماد علي الله (عندما يسأل عما سيفعله) ثم يشوه كل شئ بقسمه المتسرع الغبي , قيل عن يوناثان "لأَنَّهُ مَعَ اللهِ عَمِلَ هذَا الْيَوْمَ" (1صم 14 : 45) , كان الله معه فتمتع بالقوة وبالحرية , فعندما نكون سائرين في الاتكال علي الله , سيكون دائماً لنا حرية امام الله , فقد علم يوناثان ما الذي ينبغي عليه ان يعمله , وتناول قليلاً من العسل , لأنه تصرف بحرية من حيث ان الله كان معه , بينما ان شاول بوضعه نفسه تحت ناموس , فإنه وضع نفسه هو والشعب تحت عبودية , فما لم نكن معتمدين علي الله فإن ذات نفس الاشياء التي من المفروض ان تكون هي اسلحتنا ستصبح اسلحة ضدنا تؤذي اصدقائنا بدلا من اعدائنا أو تؤذي انفسنا .
لاحظ انه يقال " الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ .... مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ،" (اف 6 : 11 , 13) , لو أنني رأيت شخصاً متجهاً الي معركة بلا ترس او بلا خوذة .. الخ , فلابد أني سأقول عنه انه مجنون , والشخص العائش في النظريات (أي لديه معلومات فقط) لا يكون له هذا السلاح الكامل , لكن اذا عشنا بالقرب الكافي من الله لأن نكون عملياً في المعركة فأننا سنحتاج قطعاً الي السلاح الكامل , فلو اننا صلينا دون ان نبحث في كلمة الله , أو لو اننا قرأنا كلمة الله دون صلاة , فإننا لن نحصل علي ارشاد , قال الرب يسوع "إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ" (يو 15 : 7) , بدون هذا فربما اكون طالباً امراً سخيفاً لا يمكن ان يعطي لي .
والشعور بالضعف يجعل المؤمن غير قادر ان يتحرك بدون الله , فأنا لا استطيع ان أتقدم لمواجهة العدو بالكلمة بدون صلاة , كما أنني اذا احسست بأنني حمل في وسط ذئاب خاطفة (مت 11 : 16) فإنني سأكون مدركاً لضعفي , واذا كنت منشغلاً بنظرية السلاح دون ان البسه ربما اكون كواحد مغرم باشياء اثرية , عندما لا يكون عندي أي اعتماد حقيقي علي الله .
ونحن علينا ان نثبت ضد " مكايد" ابليس (ولا يقال ضد قوته) فهذه بمجرد ان اراها يمكنني تجنبها , لكن بعد كل شئ ليست معرفة الشيطان هي التي تحفظنا منتبهين وقادرين ان نكتشف مكايده , بل هو وجودنا الدائم في محضر الله , كان هذا هو الحال مع المسيح علي الدوام , فحتي محبة بطرس حاولت ان تجعل الصليب مبغضاً إليه (مت 16 : 22) , لكن الرب يسوع قاوم الشيطان واكتشف مكايده , ليس فقط انه كان يأخذ كل الاشياء علي الدوام من فوق (من عند الله) بل كان يأخذها بروح الاتكال علي الله , ففي اللحظة التي فيها نعرف ان الشئ من الشيطان تنتهي التجربة اذا كنا سائرين مع الله , فعندما جاء الشيطان الي ربنا يسوع (مت 4) لم يقل الرب يسوع له علي الفور : انت هو الشيطان , فلو كان فعل هذا لكان هذا استعلان لسلطانه , لكنه تصرف كإنسان مطيع , وبهذا احبط (مخطط) المجرب , اما عندما طلب الشيطان منه السجود , عندئذ قال له الرب "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! " . ولكي نعرف ان نميز مكايده علينا ان ننظر ما اذا كان الامر المقترح سيبعدنا عن طريق الطاعة للمسيح , فإذا كان فلا يهم من هو الشخص الذي يبدي الاقتراح إذ يتحتم عليّ ان ارفضه . للشيطان طبيعته الماكرة (مقاومته ليست دائماً علي المكشوف) بل هو مثل الحية (2كو 11 : 3) , لكن الوجود في وضع الطاعة لله دائماً ما يربكه ويحبط مخططاته .
"الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ" هذا تعبير ملفت للنظر , والمفترض انه يعني عموماً , كل هذا الوقت الحاضر , لأن هذا هو وقت اغراءات وتجارب الشيطان , لكن توجد ظروف معينه تجعل ممارسة الشيطان لقوته اكثر في وقت ما منها في وقت اخر , ويوجد وقت لابد للنفس من ان تواجهه , وأنه لامر مختلف ان تكون سائراً في قوة ونشاط ضد الشيطان وبين ان تكون مختبراً لافراح الانتصار ومتمتعاً بها , فنحن قد نكون سائرين في نشاط يمكن ان يتغلب علي أي مقاومة او ان يكون لدينا الاحساس بالضعف وأننا بالكاد قادرين علي الوقوف , والنفس دائماً تواجه يوماً شريراً , بعد انتصارها بواسطة المسيح , فقد يوجد شئ من الانتفاخ عند تذكر الانتصار , وعندئذ يأتي مصدر اخر للتجربة والاحتياج للاتكال , يمكن ان اكون معطياً ظهري للعالم واكون في غاية السعادة بتقدير ومحبة المؤمنين كامر يمكن ان ينتج شيئاً من اخضاع الجسد , وغالباً ما يوجد المؤمن في هذه الحالة بعد ان يكون قد سار لفترة ما في قوة صراعات سابقة , وعندها تأتي معركة جديدة , وإذا لم يكن مستعداً لها فإنه سيُهزم الي حين , ان موضع القوة هو دائماً حيث نكون مجبرين علي الاستناد علي الله , وكما سبقت الاشارة الي داود , ما أبعد الفارق بين مزاميره – مزامير الاحتفاء بالخلاص وتقديم الشكر لله , وبين كلماته الاسيفة "أَلَيْسَ هكَذَا بَيْتِي عِنْدَ الله (ليس هكذا بيت عند الله حسب الاصل) " (2صم 23 : 5) .
المؤمن الذي دائماً يخاف الله , دائماً يكون قوياً , لأن الله دائماً معه , إن سر قوته هو انه جعل الرب الي جانبه , ونحن معرضون ان ننظر الي الوسائل - حتي الوسائل الصحيحة التي بحسب فكر الله – وننسي الله , وكثيرا ما يأتي اعظم الانتصارات عندما نكون في اشد حالات الخوف من ان نُهزم , وأعذب الاناشيد (كثيرا ما تكون) عندما يجعلنا يوم شرير مضطرين ان نستند علي الله , عندما تكون النفس خائفه ومستندة علي الله تتساقط وتتلاشي الصعوبات من امامنا , قد لا نكون قادرين علي شرح السبب الذي سبب الانتصار , لكن السر هو أن اليدين كانتا مرفوعتين , والرب دائماً ينفذ مخططاته .
"فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ،" ونحن لا نكون ممتلكين الحق إلا عندما تكون عواطفنا مضبوطة (في الوضع الصحيح) به , قد اعظ بحق جميل , وقد يسرّ الكثيرون بالحق , لكن ما لم تكن النفس في شركة مع الله في الحق الموعوظ به , فإن الاحقاء لا تكون ممنطقة بالحق .
"وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ" أي شخص ليس له ضمير طاهر يروّعه ويخيفه الشيطان في مسلكه , اما اذا كان الضمير صالحاً فسيكون له الدرع , وهكذا لا يكون دائماً مفتكراً وخائفاً من الهجمات , فإذا اتهمني الشيطان اقول : المسيح هو بري , أما هنا فالشيطان هو الذي يضايقني من جهة الضمير , اذا لم اكن أميناً في ضميري امام الله , فإنني اكون فاقداً للدرع , أما اذا كان لي الدرع فلا تكون لي حاجة ان اظل ناظراً الي "درعي الخاص" , بل استطيع ان أسير واثقاً أنني لا أخفي شيئاً عن الله , بل إنني اسير في كل ضمير صالح أمامه , قد يحمينا الله في المعركة , اننا لا نستطيع ان نتقدم في المعركة ما لم تكن لنا هذه القطعة من سلاح الله الكامل , لا شك ان لنا ملاذاً في نعمة الله في كل مرة نسقط فيها , لكن الوضع الصحيح هو ان يكون لي ضمير صالح , وهذا هو وضع الحرية والقوة .
"وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ" , ان انجيل السلام هو لنا في المسيح , لكن ينبغي ان يكون عندي روح السلام في قلبي , - ان السلام قد صُنع لنا حتي ما نثبت في السلام – انه السلام الذي يفوق كل عقل , هو سلام الله نفسه , هو الذي يحفظ قلوبنا وافكارنا , لا يوجد مكان مملوء بالسلام مثل السماء , لا يوجد أي صرير هناك , بل مليارات من الساجدين , كلهم في تناغم وانسجام بينما هناك الاف من الالحان المتناغمة حول مركز مجد الله , ان النفس التي تكون في شركة مع الله ستعيش في روح السلام , لا يوجد شئ يفوق ذلك اهمية لمواجهة اضطرابات وتقلبات العالم اكثر من الدخول الي روح السلام , وعندما لا تكون روح السلام هي المتسيدة علي القلب , كيف يمكن للمؤمن ان يسلك كمن له سلام علي الدوام ؟ , قد يكون عند هذا الانسان امانة مدققة , لكنه لا يستطيع ان يسير كما سار الرب يسوع , فلا شئ يمكن ان يحفظ النفس في مثل هذا السلام إلا الثقة الواثقة الاكيدة في الله , بدون ذلك يكون الواحد دائماً متوتراً , متسرعاً ومشحوناً بالقلق , أما اذا حفظ سلام الله قلوبكم , فستتمتعون بحلاوة انتصاره , لا شئ يمكن ان يُسمع يكون مختلفاً عنه , أو مما لا يكون منسجماً معه , سيكون لنا الثبات الذي لا يتزعزع , ومع ذلك هدوء , ولا شئ يحفظ النفس في غاية الهدوء مثل الاحساس بالنعمة , هذه علامة علي القوة , وفوق ذلك فهي مرتبطة بالهدوء والسكينة , كل النعمة قد أتت إلينا , ان الاحساس بالتفاهة واللاشيئية , مع روح السلام يعطينا قوة للتغلب علي كل الاشياء .
"حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ" كل سهم ملتهب يمكن اطفاؤه بالثقة في الله , والمسيحي لا ينبغي ان يخاف من ان يرفع رأسه في يوم المعركة , لأن الله معه وله , وهذه الحقيقة لا تهزها أي فكرة مقيتة يمكن ان يضعها الشيطان في الذهن , كل سهم يمكن اطفاؤه بهذه الثقة , "وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، " ارفع رأسي لأنني آمن , فالخلاص هو لي .
ان القوة تبدأ من الداخل , فنحن اولاً نمنطق الاحقاء بالحق , فيكون الصدر مغطي بالبر , والارجل محذية باستعداد انجيل السلام , ثم بعد ذلك يمكن ان نأخذ أول قطعة هجومية في سلام الله الكامل التي هي "سَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ" لا شئ اخطر من ان استخدم كلمة الله دون أن تكون قد مسّت ضميري , إنني في الواقع أضع نفسي في يد الشيطان إذا ارتأيت فوق ما أعطاني اياه الله , ما قد امتلكته نفسي استخدمه في الخدمة , أو في العمل الفردي – لا شئ اخطر من تناول كلمة الله بعيداً عن ارشاد الروح القدس , ان التعلم مع القديسين عن امور الله التي تتجاوز ما امتلكه في الشركة هو امر ضار وخبيث , ولو اننا ساهرين من جهة هذا الامر لوفرنا علي انفسنا الكثير مما قلناه وما يمكن ان يقال , وكم من مرات استخدمت كلمة بشكل غير نقي , ولست اعرف شيئاً يمكن ان يفصلنا عن الله اكثر من التكلم بالحق بعيداً عن الشركة مع الله , هنا يكمن خطر غير عادي .
"مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ،" الصلاة هي التعبير عن الاستناد علي الله وممارسته , واذا ما سألني واحد سؤال وجاوبته بدون ان اتكلم مع الرب بخصوصه , فإن الاحتمال الاكبر هو ان ابعده عن الله اكثر من كوني اقربه إليه , تماماً كما حدث مع حزقيا (اش 39) عندما جاء السفراء فحولهم الي خزائنه بدلا من ان يحولهم الي الرب الذي شفاه , فعندما تنشأ مشكلة او تصادفنا مسألة , هل نتوجه الي الرب ؟ قد نكون توجهنا للرب مسبقاً , والامر قد استجيب , وينبغي ان تكون لنا قوة الصلاة حتي لا تكون هناك أي مشكلة عندما ينشأ أي ظرف , هذا التضرع الدائم بحيث يجب ان نكون مستعدين لأي عمل صالح , وكل كلمة صالحة , هكذا كان الحال مع الرب يسوع , كان يصلي قبل ذلك , وعندما جاء الكأس كان مستعداً ان يشربه .
إن أي رغبة او طلبة نعبر عنها لله في ثقة طفل في أبيه , لابد ان تُسمع , لكن ليس هذه هي "الصلاة في الروح" عندما نكون بالحقيقة في قوة الشركة يكون لنا قوة ونشاط التضرع الذي يتطلع الي الاستجابات وينتظرها (1يو 3 : 21-22 , 1يو 3 : 14-15) , والرسول هنا يتكلم عن واحد في شركة , وهكذا ينبغي ان يكون الحال معنا , ينبغي ان نكون سالكين هكذا في حرية المسيح بحيث لا نتعثر أو يطوح بنا بعيداً عن الشركة بهجوم وشهوات وارتباكات هذه الحياة رغم كوننا في "اليوم الشرير" .
لنفرض انك بدأت يومك بروح جميلة في الصلاة في الثقة في الله , ففي اثناء اليوم وأنت سائر في هذا العالم الشرير ستجد الف سبب وسبب للإثارة , لكنك اذا كنت مدرباً روحياً ومتطلعاً الي ان تري الامور التي تدربت من الله فيها سيصبح كل شئ بالنسبة لك مسألة صلاة , وشفاعة بحسب فكر الله , وهكذا فإن كل تصرفات المؤمن ينبغي ان تكون مطبوعة بطابع التذلل والاتكال علي الله , وبدلاً من ان يملؤنا الاسف علي ما يصادفنا , فإذا كنا سائرين مع المسيح ستري اهتمامه بأخ ما او بالكنيسة , كم هو امر مبارك ان نحمل كل شئ لله , ان نأخذ كل شئ له بدلاً من ان نتذمر علي الدوام بسبب الفشل !! , هذا هو وضعنا او مركزنا , أن نلبس سلاح الله الكامل وألا ندع ابليس يوقعنا في شراكه , وما لم نكن في الوضع الصحيح لا نستطيع ان نتشفع من اجل الاخرين , والكلمات في ع 18 تشير الي انسان سائر في السلاح الكامل .
كان في استطاعة الرسول ان يصلي من اجل كل واحد , لكنه هو كان محتاجا اكثر الي صلوات القديسين , لأنه كان عنده اهتمامات اكثر من الاخرين (ع 19 , 20) وكان دائماً في احيتاج لصلواتهم كما نري وإذ كان هو نفسه سائرا في كامل المحبة , كان يعوّل علي ان الناس يهتمون به , فقد كان يعتبر ان السلوك كما كان يفعل هو امر مفروغ منه , وهنا في (ع21 , 22) وايضاً للقديسين في كولوسي يذكر انه ارسل تيخيكس لكي يعرفهم باحواله "جَمِيعُ أَحْوَالِي سَيُعَرِّفُكُمْ بِهَا تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ، " فهو يعتبر محبتهم له امراً مفروغاً منه , ونحن ايضاً اذا كنا سائرين في محبة الروح نستطيع ان نعتبر ان الاخرين مهتمون بشئوننا . في العالم يعتبر من دواعي الفخر ان افترض ان الاخرين مهتمون باموري لكن المؤمن يعرف ويعول علي محبة الروح عند المؤمن .
ورجوعا الي القاعدة العظمي الاولي : "تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ" فرغم الشيطان وكل ما يحاول ان يفعله ليعطلنا , لنا امتياز الاتكال الفردي علي الله , قد يبدو كل شئ قاتماً , لكن الرب يخبرنا ان نتقوي , وهذا يكون دائماً مصاحباً لاتضاع القلب ليأت ما يكون , فطالما نحن مرتكزين علي الرب فإننا سنكون اقوياء , لكن اعتمادنا ينبغي ان يكون ببساطة علي الله , وعلي الله وحده .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق