السبت، 15 يونيو 2013

افكار حول الزواج المختلط

افكار حول الزواج المختلط

بقلم : يوحنا داربي
ترجمة : د. بطرس ابو اليمين

مناسبة هذا المقال

قيلت هذه الملاحظات في مناسبة خاصة محزنة حيث وقعت اخت مؤمنة (متجددة سنة 1853) في فخ قبول عرض زواج تقدم لها من شخص عالمي , وقد تحايلت لاخفاء هذا الامر عن الكنيسة المحلية في المكان الذي كانت تعيش فيه , لكن تأخيرا قد يبدو حسب الظاهر انه جاء مصادفة أتاح لاحد الاخوة ان يكتشف نواياها وان يحذرها من ذلك بشدة , وقد اعترفت بالخطأ لكنها أصرت , وعندما كانت عند احد اقاربها اصابتها حمي شديدة , واعترفت من البداية انها تأديب من الرب , وماتت بعد ثلاثة ايام , حيث قد اخترقت كلمة الله كيانها فوصلتها لا الي الحكم الكامل علي الذات فقط , بل الي كمال الفرح , وقد تم حذف التفصيلات لاسباب عديدة .

تروي الواقعة المقدمة في السطور السابقة بكل البساطة المسيحية حقائق تبين كيف يمكن لله ان يتدخل بالتأديب لكي ينقذ اولاده من النتائج الروحية المدمرة والمؤسفة الناتجة من الافتقار للأمانة , لقد سمحت مؤمنة شابة لنفسها , ان تنجذب الي قبول عرض بالزواج بشخص غير مؤمن , ومن الواضح ان ضميرها قد اظهر لها انها كانت تتصرف ضد مشيئة الله . لكنها لم تعرف كيف تتوقف عند الخطوة الأولي , واذ لم تنبذ علي الفور الفكرة التي عُرضت عليها علي اعتبار انها خطية وعدم امانة لله , فلم يكن لديها الشجاعة بعد ذلك ان تتخلي عنها , وقد اضطر الله ان يأخذها من هذا العالم لكي يجنبها الوقوع في خطية لم تكن تريد ان ترتكبها لكن لم يكن لديها القوة لأن تقاومها , آه كم هو صعب علي الواحد ان يتوقف عندما يكون قد بدأ فعلا السير في مثل هذا الطريق !! .
وكل واحد قد لاحظ بتدقيق سلوك المسيحيين ويكون من المهتمين بالنفوس بقلب (حتي ولو بأي مقياس ضئيل)  غيور علي مجد الرب وراغب في البركة الروحية لنفوس اولاد الله الاعزاء – هذا الشخص لا يمكن ان يفوته ادراك التأثير المدمر الذي يمارسه العالم علي اولئك الذين ينجح في الدخول الي قلوبهم , الله وحده يعلم , وايضاً الشخص الذي عاني من ذلك , يعلم بأي وسائل خبيثة وبأي ستائر خادعة تبدو حسب الظاهر ودية ولكن بها يهاجم العالم قلوب المؤمنين , ولكن استعلان المسيح للنفس , وقوة وتأثير حضوره لا يمكن ان تكون طرقاً بها يتسلل العالم الي القلب , لذلك فأولئك الذين يوجدون بالنعمة بالقرب من المسيح هم محميون من تأثير مثل هذه المشاعر ويستطيعون ان يحكموا عليها وعلي كل ما من شأنه ان يوجد سبيلاً للعالم للتسلل الي داخل القلب او للرغبات المرتبطة بالعالم , هنا نحن في حرب مع العدو , فهو يسعي لأن يفاجئنا عندما لا نكون متخذين حرصنا , ومن اجل ان يحقق ذلك فهو يعرف كيف يحول نفسه الي شبه ملاك نور , وما لم نكن قريبين من المسيح , وما لم نكن لابسين سلاح الله الكامل , من المستحيل ان نقاوم مخططاته , ان مقاومة قوة الشيطان ليست هي المشكلة الرئيسية لأن المسيح قد دحر هذا العدو الرهيب لصالحنا , لكن الصعوبة هي في اكتشاف الفخاخ التي ينصبها لنا , وفوق الكل ان نميز انه هو العدو الذي أمامنا في المواجهة , ان في مواجهاتنا مع العدو تصبح القضية هي معرفة حالة قلوبنا . إن العين البسيطة ( او بعبارة اخري القلب المملوء بالمشاعر تستطيع ان تميز الخدعة والنفس لها ملجأ في المخلص طلباً للخلاص او حتي لكون عواطفها مثبتة في المسيح , فإن القلب لا يكون غنيمة لجهود العدو , فالقلب البسيط (الموحد) والمشغول بالرب يتفادي امور كثيرة من التي تقلق راحة البعيدين عنه – شكراً لله من كل القلب ان النفس المضطربة والمعذبة تجد ملجأ لها ورد كامل لها في نعمة ذاك الذي بكل غباء قد نسيته و لكنها تتمتع بثمار النعمة خلال الام وتدريبات كثيرة للقلب , لكن لنتشجع فالرب يعرف كيف يخلصنا كما انه يعرف ان يرثي لنا , هذان هما المبدآن اللذان ينظمان طرق الله ومعاملاته معنا , فمن ناحية يحفظ الله القلب لكي يجعله يميز مقاصده ومن الناحية الاخري فإن المسيح يشفع لأجلنا من جهة كل ما يمكن ان يسمي ضعفاً  , توجد صعوبات حقيقية في الطريق كما انه يوجد ضعف فينا , كما انه توجد وياللأسف ارادة عاصية لا تريد ان تكبح جماحها والتي تفصح عن وجودها بالأف الصور والاشكال من الافكار والافعال , وضعفنا مثله مثل ارادتنا الذاتية يميل الي تعويقنا عن الوصول الي غاية رحلتنا , لكن هناك فرقا شاسعاً بين معاملات الله فيما يختص بضعفنا , وبين معاملاته فيما يختص بارادتنا الذاتية وما ينشأ عنها من افكار , "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عب 4 : 12)  هل تستمعون الي نداء تلك النفس الغبية التي ترغب ان تتغذي علي الاوهام التي تحبونها ؟؟! لا شئ مخفي ولا أي فكرة من افكارنا او نية من نياتنا مخفية عن عيني ذاك الذي معه امرنا , وليس هذا هو كل شئ , فكلمته واضحة وبسيطة وهي تخاطب ضمائركم , فهل تستمعون اليها ؟؟ هل تعرفون انه عندما يتكلم الله فان عليكم ان تتجاوبوا مع ذاك الذي يتكلم كما ان عليكم ان تتجاوبوا مع ما يقوله ؟؟ هل تقاومون الذي يتكلم وتغيظونه ؟؟ لن تفلتوا منه , فهو يحكم قبضته علي ضمائركم ولن يرخيها ابداً .
هل ترفسون مناخس ؟؟ من الافضل ان تتفكروا في الغاية التي يقصد اليها الله , كان في مقدوره ان يترككم لأنفسكم , لكي تقعوا في امور من شأنها لولا تدخل النعمة ان تحول رحلة البرية الي حزن ومذلة لكم , كان عليه ان يقول لكم ما قاله لاسرائيل محبوبه "أَفْرَايِمُ مُوثَقٌ بِالأَصْنَامِ. اتْرُكُوهُ" (هو 4 : 17) ويالها من عقوبة رهيبة !! , ان هذا التأديب اصعب من اي تأديب منظور !! , لكن الهنا لن يحرمنا من نور محياه ولا من حلاوة الشركة معه , لأن التأديب ليس هو رغبته , لكنه عمل غريب عليه , كما هو مكتوب " يَسْخَطُ لِيَفْعَلَ فَعْلَهُ، فَعْلَهُ الْغَرِيبَ، وَلِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، عَمَلَهُ الْغَرِيبَ " (اش 28 : 21) , ولكن الخطية هي دائماً خطية في عينيه ولا يمكن ان يسمح بها , فكيف يعمل الله اذن في قلوبنا المسكينة ؟ انه يصل اليها بواسطة كلمته , حتي يمكن لضمائرنا ان تري الامور كما يراها هو , ان عينيه علينا وعلي قلبنا , كما ان عين ضميرنا تفطن الي ما يجري في القلب بواسطة تلك الكلمة التي تكشف الله لنا . هل هذا هو ما تجده في قلبك , فكر السائح والغريب , فكر الشخص الذي يحب الله ؟ هل هذا فكر متوافق مع مشيئة الله , الفكر الذي يلائم شخصا قد احبه المسيح الي حد انه وضع نفسه واطاع حتي الموت لأجله ؟ قفي ايتها النفس واسألي ذاتك ما اذا كنتي تسمحين للفكر الذي يشغل بالك , هل هو مقبول عند المسيح , المسيح الذي بذل نفسه لأجلك لكي يخلصك ؟ ! لقد كان خلاصك هو مشغولية قلبه , هو يحبك , وهو يعرف ما من شأنه ان يدمرك ويجعلك تسقطين في البرية , وهو لن يحكم إلا بموجب مبادئه هو ومبادئ قداسته , تلك المبادئ التي تشبع الانسان الجديد , المبادئ التي تنتمي للطبيعة الالهية , هو لن ينكر نفسه (2تي 2 : 13) وهو لا يريد لك ان تتعرض للتأديب الرهيب الذي ينتظر النفس التي ضلت عنه , وهو لا يريد لك ان تتكبد الخسائر التي تريد ارادتك الذاتية الغبية ان تجرك اليها اذا ما سمحت لنفسك ان تتبع ارادتك الخاصة , هو لا يريد لك ان تفقد التمتع بالشركة الحلوة معه , ولا بأن يدخل شئ يعوق براهين محبته لك داخل قلبك , فهو يتكلم اليك من خلال كلمته , وهو يحكم علي افكار قلبك ونياته , ألا تفضل ان تستمتع اليه وهو يحكم عليك وأن تسأله ان يخلصك مما هو أقوي منك ؟ ام انك ستقول مثلما قال اسرائيل قديما " لأَنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ الْغُرَبَاءَ وَوَرَاءَهُمْ أَذْهَبُ " (ارميا 2 : 25) , انت تعرف جيدا ان هذا الفكر ليس مصدره المسيح , فأنت لم تستشره , رغم انك ربما تكون قد تجرأت ان تطلب منه ان يبارك نياتك وأن يوجهك . انت تعلم ان الكلمة تحكم علي ما زلت تحتفظ به في قلبك الذي له سيطرة عليك , انت عبد لفكرك ولست سيدا له , كلا , هذا الفكر ليس من المسيح , وطالما انت تسمح به تكون متجاهلاً لله ولكلمته , وهكذا تجلب علي نفسك تأديب الله , الله مملوء بالرحمة وهو يرثي لنا ولضعفنا , وهو رحيم ورقيق في طرقه , لكن اذا كنا نُصرّ علي ان نتبع ارادتنا الذاتية , فهو يعرف جيدا كيف يكسرها , فهو يتحكم في كل شئ و يضبط اولاده بصفة أخصّ , ولا يمكن ان يشمخ عليه , فالذي يزرعه الانسان سيحصده بعد ذلك (غلا 6 : 7) وأردأ التأديبات جميعها هي أن يتركنا نتبع طرقنا الخاصة .
والنقطة الثانية التي اود ان الفت نظركم لملاحظتها هي سلطان الله الذي يمارسه فيما يختص باولاده , فهو يحذرهم عن طريق كلمته , وإذا لم يستمعوا له فهو يتدخل لكي يوقفهم حتي يكون في استطاعته ان يباركهم انظر ايوب ( 36 : 5-14) , (أيوب 33 : 14-30) , وفي معاملات الله القضية ليست هي الخلاص (ليس هناك شك في موضوع الخلاص) , فهو يلاحظ اولاده والذي يحبه الرب يؤدبه , والاشخاص الذين يتكلم عنهم في سفر ايوب يطلق عليهم الابرار , وهو لا يحوّل عينيه عنهم , كما انه يقول ايضاً لاسرائيل بلسان النبي عاموس "إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، لِذلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ" (عا 3 : 2) ونحن نري نفس الشئ في رسالة كورنثوس الاولي اذ عندما حوّل المؤمنين في كورنثوس عشاء الرب الي مشهد من الانحلال والتسيب مد الله يده عليهم , فالبعض منهم مرضوا والبعض رقدوا (أي ماتوا) , والرسول يلفت انتباههم الي ذلك ويقول : "لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا، وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ" (1كو 11 : 31 , 32) , وياله من فكر رهيب !! فنحن تحت يد الرب الذي يعاقب الخطية حيثما يجدها , و هو نار آكلة ,  وعندما تأتي اللحظة فابتداء القضاء من بيت الله , ما أبعد الفرق بين مثل هذه المعاملات مع الله وبين فرح محبته والشركة معه عندما لا يكون الواحد قد احزن روحه القدوس , وعندما يكون الواحد سالكاً تحت عينيه وفي نور محياه !! , ولست اشك ان جانباً كبيراً من امراض وتجارب المؤمنين هي تأديبات من الله بسبب امور يراها شراً في عينيه والتي لابد ان يكون الضمير قد تنبه لها وحذر منها لكنه قد تم تجاهلها أو اهملت , وهكذا يضطر الله ان يوجد فينا نفس التأثير او النتيجة التي كان من المفروض ان ينتجها الحكم علي الذات امامه , ولكن علي اية حال فليس من الصحيح دائماً افتراض ان كل الضيقات هي تأديبات من الرب , رغم انها في بعض الاحيان تكون كذلك , لكنها ليست دائماً بسبب الخطية , فهناك امور في النفس مرتبطة بالطبيعة الشخصية للفرد  وتحتاج الي تصحيح حتي يمكننا ان نحيا اكثر في جو الشركة مع الله , وان نمجده في كل دقائق الحياة , فالذي لا نعرف ما ينبغي علينا عمله من جهة هذه الامور الله يفعله لنا (نيابة عنا) , لكن هناك الكثيرون من اولاد الله الذين يرتكبون اخطاء كان من المفروض ان تستشعرها ضمائرهم , والتي كان من الممكن ان يكتشفوها لو كانت نفوسهم في محضر الله .
كان علي يعقوب ان يحارب كل حياته ضد نفسه , لأن الله عرف طرقه , ولكي يباركه كان من المحتم ان يصارعه الله ايضاً , وعلي هذا الاساس ايضاً لم يسر الله ان يعلن له اسمه (تك 32 : 29) , ولكن الامر مختلف تماماً في سيرة ابراهيم , فقد اعطيت شوكة في الجسد للرسول بولس لكي تمنع الشر لأن في حالته لم ينشأ الخطر من اهماله هو , لكن من فرط الاعلانات التي اعطاها له الله .
وحيثما وجدت العاطفة الصادقة التي تعترف بالله وبكل العلاقات التي وضعنا فيها مع نفسه يكون من المحال بشكل مطلق ان يسمح مؤمن لنفسه ان يرتبط بالزواج من شخص عالمي دون ان يكون هذا انتهاكاً لالتزاماته نحو الله ونحو المسيح , ولو ان ابناً لله ربط نفسه بشخص غير مؤمن , فمن الواضح انه يستبعد المسيح من المسألة , وانه يفعل ذلك اختيارياً في اخطر قرار في حياته , انه في هذه اللحظة يكون أحوج ما يكون ان تكون له أوثق شركة في الفكر وفي العاطفة وفي الاهتمام مع المسيح , ومع ذلك فهو يستبعده تماماً !! والمؤمن في نير مع غير المؤمن , اختار ان يعيش بدون المسيح , لقد فضّل اختيارياً ان يفعل ارادته الذاتية وان يستبعد المسيح بدلاً من ان يتخلي عن ارادته الذاتية لكي يستمتع بالمسيح ويحظي بمصادقته , لقد اعطي قلبه لشخص اخر هاجراً المسيح ورافضا الاستماع اليه , وكلما زادت العاطفة قوة , كلما زاد ارتباط القلب , وكلما اتضح اكثر تفضيل شئ اخر علي المسيح , وياله من قرار رهيب , ان يقرر الواحد ان يقضي حياته هكذا ويختار لرفقته عدواً للرب !! , ان تأثير مثل هذا الارتباط هو بالضرورة سحب الطرف المؤمن الي العالم , فقد اختار بالفعل من قبل الشريك الذي من العالم واعتبره غرض القلب المحبب , وأمور هذا العالم فقط هي التي تسرّ اولئك الذين من العالم رغم ان عاقبتها هي الموت " فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ  وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيدًا ِللهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ  لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا "(رو 6 : 21-23)  " وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ " (1يو 2 : 17) , ياله من موقف رهيب !! , إذ إما ان تفشل في الأمانة للمسيح أو أن يكون عليك ان تقاوم باستمرار حيث من المفروض ان تكون أرق العواطف قد أنشأت كمال الوحدة , والحقيقة هي انه ما لم تتدخل نعمة الله المطلقة , فإن المؤمن او المؤمنة دائماً ما يستسلم ويدخل التدريج الي الطريق العالمي , امر طبيعي تماماً , فالطرف العالمي ليس له إلا رغباته العالمية , أما المؤمن فإلي جانب طبيعته الجديدة فيوجد فيه الجسد ايضاً , وما هو اكثر من ذلك فإن المؤمن قد هجر مبادئه المسيحية لكي يرضي جسده باتحاده بواحد لا يعرف الرب , ونتيجة مثل هذا الارتباط هي ان المؤمن لن يكون له فكر مشترك في الموضوع الذي ينبغي ان يكون أغلي شئ علي قلبه , لن يكون له فكر مشترك مع أعز إنسان عليه في هذا العالم , والذي يشبه جزءاً من تكوينه , سوف لا يكون بينهما الا المشاجرات كما هو مكتوب " هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعًا إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟ " (عاموس 3 : 3) , وإلا فمن المحتم اولاً ان يستسلما للعالم ثم يجدان لذتهما فيه , لكن هذه النتيجة المؤسفة تُستبعد من النظر عندما يكونا اولاً قد وضعا انفسهما في الوضع الذي لا ينتج لهما تجنب هذه النتيجة , المؤمن ينجذب بالتدريج , هو ليس في شركة مع مخلصه , وهو يجد لذته عندما يكون في علاقة مع شخص مقبول عنده دون التفكير في الرب يسوع , عندما يكون وحده لا يفكر في الصلاة , وعندما يكون مع الشخص الذي يحبه رغم ان ضميره وربما اصدقاؤه المؤمنين قد يحذرونه فإنه يكون بلا قوة ولا يكون للمسيح السلطان الكافي علي قلبه لكي يجعله يتحول عن طريقه ويتخلي عن عاطفة هو يعرف انها لا تحظي بموافقة الرب , وهو يربط نفسه بدوافع اخري مثل الشعور بالفخر وفي بعض الاحيان الاخري تكون الدوافع اكثر بشاعة مثل المصالح المالية وهو يضحي بضميره وبمخلصه بل وبنفسه هو ايضاً وفي كل الاحوال يضحي بمجد الله , وما كان في البداية لا يتعدي ان يكون خيالاً  وقد اصبح الان ارادته الذاتية غير مكبوحة .
وهناك ملحوظة اخري يجب ان اشير اليها بمناسبة قصة هذه الشابة , ان البداية الصحيحة للنفس المتجددة – مهما كانت درجة الاخلاص عندها – لا تنشئ إلا الحكم علي الذات والجسد اذ بكونها تكشف لنا ضعفنا تجعلنا نرمي اثقالنا عند قدمي الرب يسوع , وعندئذ نطلب القوة منه ولا نثق إلا فيه , فالثقة التي للنفس التي عرفت ذاتها ونزعت الثقة فيها,  لها في المسيح ما يعطيها سلاماً متيناً ودائماً عندما تكون قد ادركت انه هو وحده برنا , ولا تكون قد وصلت الي هذا الادراك إلا عندما نكون في محضر الله وعندما نكتشف عندئذ اننا لسنا سوي خطية , وأن المسيح هو البر الكامل وان الله هو المحبة الكاملة من هذا الوقت نفقد الثقة في انفسنا ونحارب انفسنا ونحارب الجسد ولا يكون للعدو عندئذ نفس القدرة علي خداعنا .
لست اعتقد ان الشابة التي هي موضوع هذه الصفحات قد انتزعت من ذاتها ويوجد مؤمنون كثيرون في هذه الحالة , ورغم اننا جميعاً قد نتعرض لهذه الاخطار , إلا ان هؤلاء المؤمنين يتعين عليهم ان يكونوا اكثر خوفاً من مكائد العدو لأنهم لم يتعلموا الي أي حد يمكن للجسد ان يخدعهم ولم يعرفوا أي عدو رهيب علينا ان نتعامل معه , وعندما نصل الي معرفة ذلك – حتي ولو كان هناك نقص في الاحتياط , لكن المسيح سوف تكون له مكانة اعظم في القلب ويكون هناك سلام اكثر وثقة اقل في الذات .
لاحظوا كم ان القلب خداع وكيف يفقد كل تحكم في ذاته عندما يبتعد عن الله , إن الشابة المسكينة (عندما كانت تغوص شيئاً فشيئاً الي المستنقع التي كانت عند اطرافه تتلكأ) طلبت من صديقة لوالدتها ان تبذل كل ما في وسعها لتذليل أي عقبات , وقد كانت الاخيرة (التي كانت علي قدر من التقوي) مستغربة كيف ان هذه الشابة تنوي ان تربط نفسها مع رجل غير مؤمن .
كم هو خادع وخبيث قلبنا !! , وما أسهل ان نتحول الي عبيد لأي صنم !! , إذ اننا رغم محاولاتنا لتجنب الخطر , ومع ذلك فإننا نستخدم كل الوسائل لتأمين تحقيق الامر الذي نرغبه حتي في الوقت الذي فيه نهرب منه , ما ارهبه امر , ان تبتعد عن الله !! , هذه الشابة قبل ان تسقط في شرك هذه العاطفة , كانت ترتعب خوفاً من فكرة مثل هذا العمل , وعندما يهجر القلب الله, فإنه يخشي الانسان اكثر من خشية الله , ان الله نفسه الذي احب هذه الفتاة , والذي كانت بحق تحبه كان لابد ان يأخذها لنفسه , وماتت في سلام وعن طريق النعمة الخالصة انتصرت , فالمؤمن بينما يتمتع بالسلام في لحظاته الاخيرة لابد دائما ان يشعر ان الله هو الذي يده في الامر , ما ارهبه درس لاولئك الذين يرغبون في الابتعاد عن الله ومن كلمته المقدسة من اجل تلبية ميل كان من السهل التغلب عليه في البداية , لكنه اذا قبل في القلب يصبح مستبداً وقاتلاً , ليت الرب يمنح قارئ هذه السطور وكل اولاده ايضا ان يطلبوا محضره يوماً فيوماً .

ليست هناك تعليقات: