(٣) من خلال العناية الإلهية
دعونا نقرأ (أم 16 : 9) "قلب الإنسان يفكر في طريقه والرب يهدي خطواته" وأيضاً في (أرميا 10 : 23) "عرفت يارب أنه ليس للإنسان طريقه . ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته" وهنا نجد عددين يستحضران أمامنا طريق آخر يرشدنا الله به ، وهذا من خلال عنايته ، ويمكنك أن تسأل ما هي العناية ؟ إنها طرق عمل الله من خلف الستار في حياة البشر ، وبما أن الله له كل القوة في السماء وعلي الأرض تحت إرادته ، لذا فهو يقدر ويعمل في كل مشاهد الحياة اليومية ، فلا شئ يحدث مصادفة ، لأنه مكتوب في (مراثي 3 : 37) "من ذا الذي يقول فيكون والرب لم يأمر ؟" فلا شئ يمكن أن يحدث إلا بتعيينه ، ونحن قد سمعنا في أحد المؤتمرات أن المسيح "رأس لكل الأشياء للكنيسة" (أف 1 : 22) ، فكل شئ يمس حياة هؤلاء الذين يكونون الكنيسة هو فوق ذلك الشئ ، فهو لا يسمح إلا بما يريد أن يمسنا فقط ، تلك هي العناية الإلهية ، فهو يقودنا بواسطة أشياء معينة يسمح بها في طريقنا وبها نقدر أن نميز مشيئة الله .
ويجب أن نتحذر عندما ننقاد بواسطة الظروف ، لأننا من الجائز أن ننخدع ، فالخطورة هي عندما نحاول تفسير الظروف ونحن لسنا في شركة مع الرب ، وبالفعل يجب في كل هذه ان نكون في شركة مع الرب لأجل تمييز فكره ، ونحن عرضه لأن نسيئ فهم الظروف ونسيئ فهم الكتب وكل شئ طالما لسنا في شركة مع الرب .
دعني اقرأ لك (أع 16 : 9 - 11) "وظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مكدوني قائم يطلب إليه ويقول اعبر إلي مكدونية وأعنا ، فلما رأي الرؤيا للوقت طلبنا ان نخرج الي مكدونية متحققين أن الرب قد دعانا لنبشرهم ، فأقلعنا من ترواس وتوجهنا بالاستقامة الي ساموثراكي وفي الغد إلي نيابوليس"
وهذه هي المرة الأولي التي دخل فيها الانجيل الي اوروبا ، فترواس كانت المكان الذي تقابل فيه لوقا مع بولس وسيلا وتيموثاوس واصطحبوهم الي اليونان ، واصبحوا بعد ذلك أربعة ارساليات ، وعلي أي حال بولس تعلم من هذه الرؤيا عن طريق ظرف سمح به الله في عنايته ان يرشده في طريقه ، وتحققوا ان الله دعاهم ليذهبوا الي مكدونية التي هي شمال اليونان .
وهنا لنا مثال واضح عن كيفية استخدام الله للظروف كيما يرشدنا بها في طريق مشيئة الله ، وعناية الله تظهر مرة أخري في العدد القادم أنهم عبروا خلال البحر في يومين ، وتوجهوا الي ساموثراكي التي هي جزيرة وكانت نصف الطريق عبر بحر أجيان ، في يوم واحد ، وفي اليوم التالي وصلوا الي نيابوليس في مكدونية ، وهذا أمر هام جداً بالنسبة لي ، فالرياح قد اعانتهم ليعبروا تلك الرحلة سريعاً عبر المياه ، فانت يمكنك أن تقول أن الرب كان فاتحاً الطريق ، وانظر بعد اصحاحات قليلة في هذا السفر الي (أع 20 : 6) عندما حصل بولس علي فكرة ان يذهب الي اورشليم ، لكن روح الله قاده الي طريق أخري ، فكان عليه أن يعبر نفس المياه ، ولكن بالعكس ، ولكن لاحظ هنا أنه قيل "وأما نحن فسافرنا في البحر بعد أيام الفطير من فيلبي ووافيناهم في خمسة أيام الي ترواس" أي أن الرحلة استغرقت خمسة أيام هذه المرة ! ، فماذا نتعلم من ذلك ؟ فعندما دعاهم الرب الي الذهاب الي غرب مكدونية ، فإن ذلك أخذ يومين فقط ليعملوا تلك الرحلة ، ولكن عندما ذهبوا في طريق أخري حيث لم يكن بولس تحت قيادة الروح القدس (أع 20 : 22 - 23 ، 21 : 4 ، 10 - 14) فهذا أخذ خمسة أيام ! ، فالرياح كانت مضادة للسفينة فأخذت طريقها رجوعاً الي ترواس ، فالظروف كانت تشير الي أنه لم يكن متحركاً بحسب مشيئة الله الكاملة ، فنحن يجب أن يكون لنا القرب الكافي من الرب لنميز فكره في ظروف مثل هذه ، وهذا يتطلب شركة مع الرب .
فالله يمكنه أن يستخدم أشياء بسيطة ، ولكن ان كنا قريبين قرباً كافياً إليه سنميز هذه الأمور ، فربما يوجد شئ ما خاص بشخص يقلقك وتريد أن تخبره ، أي تريد أن تتخلص من حمل علي كاهلك ، فترفع سماعة التليفون وتحاول الاتصال به لكنك تجد الخط مشغول ! ، وتعاود الاتصال مرة أخري ، ولكن الخط لايزال مشغول ، وربما تحاول ذلك عدة مرات ، وفي موقف مثل ذلك ربما يريد الرب أن يخبرك بأن لا تفعل ذلك ! ، فمن الجائز ان تقول شئ ما يجعلك تندم بعد ذلك ، والرب يحاول أن ينقذك منه ، فربما الجسد الذي فيك يود الاندفاع ! ، والرب قد سمح بأن يكون الخط مشغول مرة ومرات ، وربما يريد أن يخبرك أنك تسلك ضد مشيئته في هذا الأمر .
دعونا نتوجه الي ايضاح في العهد القديم لمعرفة ارشاد الرب بواسطة الظروف في (تك 24) ، أن ابراهيم كان مرسلاً عبده ليجد (معيناً) أي زوجة لابنه اسحق ، وإني استعين بذلك لأنه يوجد بعض الشباب لديهم الرغبة في ايجاد الشخص المعين من قبل الرب لأجل حياتهم ، وهذا حسن ، فابراهيم قد استعان بعبده الذي هو صورة للروح القدس ، وإنني أرجو أن تدع الروح يرشدك في هذا الامر الهام جداً لحياتك .
فنجد أولاً أن هذا العبد قد صلي من أجل ذلك ووضع الأمر امام الرب لكي يستطيع أن يأخذ الامر من الرب لمقابلة البنت المعينة من قبله ، فهو صلي أنه عندما يسأل البنت بعض الماء ليشرب ، وتكون هي في نفس الوقت راغبة أن تعطيه ليشرب وأكثر من ذلك تكون راغبة في أن تسقي جماله أيضاً ، وهذا بالضبط ما حدث ! ، ونري ذلك الأمر موجود في (تك 24 : 27) "وقال مبارك الرب إله سيدي ابراهيم الذي لم يمنع لطفه وحقه عن سيدي إذ كنت أنا في الطريق هداني الرب إلي بيت إخوة سيدي" .
فقد بارك الله وشكره لأنه أتي به الي حيثما كان يقصد ، وعندما تحدث الي الفتاة واكتشف بنت من هي ووجد أنها من نفس العائلة التي أخبره سيده عنها ، ويمكننا استخلاص الكثير من الدروس من هذا الاصحاح فيما يختص بهذا القرار الهام لحياتك ، أليس أمراً شيقاً أن نجدهما يجتمعان بهذه الطريقة ؟ أنه كان متطلعاً الي فتاة من نفس العائلة ، ولماذا كان يجب أن يقصد هذه الأسرة بالذات ؟ حسناً أنه من المهم جداً أن تجد رفيقاً لحياتك من بين هؤلاء الذين لهم إيماناً مساوياً ثميناً مثلك ، أنه يؤسفني أن أجد شخص يخرج ليبحث عن زوجة أو تبحث عن زوج في الدوائر المسيحية الأخري ، أو حتي بين العالم ، لأنني أعلم أنه من الصعوبة أن يكون هناك توافقاً بيننا وبين تلك الدوائر .
كن حذراً عندما تريد أن ترتبط فيجب أن تأخذ من نفس السيط الذي أنت فيه ، وهذا تعبير مأخوذ من سفر العدد أصحاح (36) ، حيث قيل لبني اسرائيل أن يتزوج كلا منهم من نفس السبط ، وهذا ينطبق رمزياً علينا كمؤمنين فيجب أن نرتبط من نفس دائرتنا ، وبكلمات أخري من بين المجتمعين الي اسم الرب .
وأمـر شيق أن نري الخمس البنات اللاتي كن لصفلحاد أخذن نصيباً في الميراث لأن الميراث كان يقسم للأولاد في الأسرة ، وأما الفتيات كن يتوقع لهن أن يتزوجن بشخص ما له ميراث ونصيب من أبيه ، ولكن تلك الفتيات لم يكن لهن اخوة ، وبالتالي أخذن ميراث أبيهن ، وهذا يعني أن الأولاد الذين يتزوجون بهن سيكون لكلا منهم نصيب مضاعف من الميراث ! ، لأن هؤلاء الأولاد لهم بالفعل ميراث من أبيهم وسيضاف اليهم نصيب عندما يرتبطوا بتلك الفتيات ، وهذا يجعل الأولاد يقبلون علي الارتباط بهن ! ، إنني غير متأكد من شكلهن ، ولكن الشاب الذي سيرتبط بواحدة منهن سيكون له نصيب مضاعف ، ويمكنك أن تقرأ عن ذلك في يشوع (17) ، فكان هناك عشرة أنصبة وقعوا في سبط منسي بسبب بنات صلفحاد .
وأريد أن أخبر الشباب الآن ، إذا كنت ستأخذ واحدة من الفتيات اللاتي نشأن في الاجتماع ، وهن في حالة روحية مناسبة ويرغبن أن يسرن مع الرب سيكون لك نصيباً مضاعفاً ! ، لأن تلك الفتيات لديهن شيئاً ما قد تعلمهن من خلال اختبارهن في السلوك مع الرب ، وهذا شئ ذو قيمة كبيرة ، فلا تخسر ذلك ، فإذا أخذت نصيباً لنفسك والفتاة التي تزوجت بها لها أيضاً نصيب ، فياله من زواج رائع ، تطلع الي الرب ، وهو سيرشدك في هذا القرار الهام ، ولاحظ قول العبد "إذ كنت في الطريق هداني الرب" (تك 24 : 27) فهو كان سائراً في الطريق الذي يدل علي نشاط الإيمان عندما قاده الرب ، وهذا يبيِّن لنا أن الله يقود شعبه عندما يكونوا سائرين بالإيمان ، والإيمان مثل دفة السفينة ، فهي توجه السفينة فقط أثناء تحركها ، فإذا توقفت السفينة وحاول القبطان تحريك الدفه هنا أو هناك فلا تفيد شيئاً إلا إذا تحركت السفينة ، وهكذا نفس الشئ معنا ، فنحن يجب أن نكون متحركين في تدريب الإيمان ، نحتاج أن نضع أقدامنا ونتقدم إلي الأمام ونثق في الرب ، أنه يُكرِم الإيمان ، وسيفتح الطريق أمامنا ، أحياناً نتوقع أن يفتح الرب لنا الطريق بينما نحن جلوس وننتظره لكي نتحرك ، ولكنه يريدنا أن نكون في حالة تدريب - اي في حالة السير - وهو سيكرم خطوات الإيمان ويقودنا .
فالرب يقدر أن يعلن فكره لنا من خلال الظروف السلبية أيضاً ، ويقول في (مز 32 : 9) "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم ، بلجام وزمام زينته يكم لئلا يدنو إليك" ، وأحياناً لا نكون في شركة معه والرب لا يزال يرشدنا ، وهذا لا يكون مُسرِّ ، أنه يستخدم (مدرسة الطرقات القاسية) إن الحصان يوجه بواسطة اللجام والزمام وشئ مؤلم لدي الحصان أن تضع اللجام في فمه لكي توجهه هنا أو هناك .
ونحن نجري أحياناًَ عندما لا يدعونا الرب أن نجري ونأخذ خطوة عندما لا يوجهنا الرب في الطريق ، ولذا يقول هنا (لا تكن كذلك) ، وأحياناً نتحرك سريعاً باتخاذ قرارات في الحياة وبعدها نجد أنفسنا في صعوبة ويقول الكتاب بهذا الشأن "والمستعجل برجليه يخطأ" (أم 19 : 2) ويقول أيضاً "من آمن لا يهرب (يتعجل)" (أش 28 : 16) .
ومن الجانب الآخر يمكننا أن نشبه البغل ، وأنت تعرف البغل أنه يتسم بالعند والحرون ، وقد اعتادأبي أن يحكي لنا قصة قد حدثت اثناء الحرب العالمية الأولي (1914 - 1918م) عندما اعتادت البغال أن تحمل الأثقال أثناء الحرب وقد قال لنا أنه كان وقت عصيب جداً ، فكانت البغال تدخل المعركة وعندما تسمع صوت المتفجرات تتوقف عن الحركة من الخوف ، وكانت تعند ولا تتحرك والمحارب كان يحمل معه مسدساً وفي هذه الحالة كان يرمي البغل بالرصاص في رأسه ، ويستحضر غيره ، ونحن يمكننا أن نتشبه بالبغل أيضاً ، والرب قد يدعونا لفعل شئ ولكننا لا نتحرك ، أنه يقول لنا "لا تكونوا كبغل" .
اعرف شاباً كان راغباً في الذهاب الي مكان ما ، وكان في موضع شك بالنسبة لذلك ، ولم يكن متأكداً من فكر الرب ، ولكنه بكل تهور أراد أن يذهب ، وكان في صراع بهذا الشأن ، فصعد الي حجرة نومه حيث كان له نتيجة يومية يقرأ بها في كل يوم عدد معين من الآيات ، والآن بما أنه غير متأكد من الرغبة في فعل ذلك الشئ فأراد أن يقلب النتيجة ليقرأ عدد جديد ، لربما يجد اجابة وهو كان يأمل أن يجد عدداً يخبره بالذهاب الي هناك مثل (2مل 6 : 2) "فلنذهب" وعندما قرأ النتيجة وجد كلمة تدعوه قائلاً "من فضلك ارجع" وهذا لم يكن عدداً في الكتاب ، ولكنه بالتأكيد كان اجابة عن سؤاله ، والنقطة هنا ان الله يستطيع أن يستخدم اي شئ ليوجهنا في الطريق ، وإذا كنا في شركة سيكون لنا القدرة علي تمييز فكره .
أمثال (3 : 5 ، 6) "توكل علي الرب بكل قلبك وعلي فهمك لا تعتمد ، في كل طرقك اعرفه وهو يقوِّم سبلك" والرب يسرِّ أن يرشدك في الطريق وإحدي طرق ارشاده هي أن يجعل طريقك مستقيماً ، لأن كلمة يُقوِّم تعني أن يجعل الطريق مستقيماً ، فإذا كان الطريق التي أنت مزمع أن تمضي فيها تبدو معقدة فإن هذا صوت من الرب لأجل ارشادك ، فعندما يفتح الطريق لنا لنذهب فيها سيكون الطريق مستقيم وبسيط ، فنحن نحتاج ان نصلي مع كاتب المزمور (مز 27 : 11) "علمني يارب طريقك واهدني في سبيل مستقيم" .
فإذا كنت تصلي بشأن أمر ما والاجابة لم تأتي واضحة ، أو ليست هي الطريق المستقيم المفتوح قدامك لأجل توجيهك فهذا من المحتمل أن الرب يريد أن يدعك تمكث حيث أنت علي الأقل في الوقت الراهن .
وشيئاً واحد من المهم أن نعيه عندما ننقاد بواسطة الظروف وهو أنه يجب أن نكون في شركة لكي نميز فكر الرب في الأشياء التي تأتي في حياتنا ، فيمكننا بسهولة أن نميز الظروف بطريقة خاطئة تماماً ونفقد الطريق ، فيونان مثلا كان في حالة سيئة وعندما أراد أن يذهب الي ترشيش نزل ووجد السفينة التي كانت ذاهبة إلي نفس المكان الذي يرغبه ، فمن الممكن أن يقول "ان الظروف مرتبة بالنسبة ليَََّ وهذا دليل واضح علي الذهاب في الطريق الصحيح" ولكنه كان في الطريق المعاكس تماماً لمشيئة الرب ، وإذا كنا نصمم ونحدد طريقنا الخاص ، فالرب يدعنا نمضي في تلك الطريق حتي نتذوق من ثمار طريقنا ، مكتوب في (مز 106 : 15) "فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالاً في أنفسهم" فهو سيعلمنا في "مدرسة الألم القاسي" أن اختيارنا ليس صالحاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق